دائرة العلاقات الخارجية في الجبهة الديمقراطية: غزه تنزف أجنّة.. وإبادة تكتب قبل الولادة من بين الركام تولد الحياة.. ولن تهزم أم تحمل في رحمها وطنا

نوفمبر 24, 2025


السيدات والسادة، أحرار العالم،
نخاطبكم اليوم في لحظة تتقاطع فيها المأساة مع الصمت، والعدالة مع العجز، والضمير الإنساني مع اختبار الحقيقة. فبينما لا تزال ألسنة النار تلتهم ما تبقى من غزة، ويمتد الحصار ليخنق أنفاس الحياة فيها، يتكشف أمامنا فصل جديد من فصول الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل ضد شعبنا الفلسطيني، فصل يفوق الخيال في بشاعته: قتل الأجنّة واستهداف الحياة قبل أن تولد.
ليست المجازر وحدها ما يروي فظاعة الاحتلال، فهناك ما هو أعمق وأبشع: ففي حديث لصحيفة الغارديان البريطانية، كشفت نافي بيلاي، الرئيسة السابقة للجنة الأمم المتحدة للتحقيق في الأراضي الفلسطينية المحتلة، عن جريمة صادمة ارتكبها في  كانون الثاني 2023، استهدف الجيش الإسرائيلي عيادة الخصوبة (البسمة) في مدينة غزة، مدمرا في لحظة واحدة أربعة آلاف جنين فلسطيني كانوا محفوظين داخل خزانات النيتروجين.
وأكدت بيلاي أن القصف لم يكن خطأ أو عملا عرضيا، بل ضربة مقصودة تهدف إلى منع الولادات بين الفلسطينيين، أي إلى محو جيل قادم قبل أن يولد. مشيرة الى أن الجيش الإسرائيلي تعمد استهداف المبنى الذي يحفظ الأجنّة، في سلوك يندرج بوضوح ضمن أركان جريمة الإبادة الجماعية التي تهدف إلى «منع الولادات داخل جماعة قومية أو إثنية محددة»، وفقًا لما نص عليه المادة الثانية من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية لعام 1948.
ما وصفته بيلاي يثبت أن القانون الدولي الإنساني في كل مواده ينطبق بدقة على ما يجري في غزة:
– فاتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 تحظر الاعتداء على المدنيين والنساء الحوامل وتعتبرهم أشخاصا محميين.
– البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977 يمنح النساء الحوامل والأطفال حماية خاصة أثناء النزاعات المسلحة.
– نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (1998) يصنف القتل العمد، والإجهاض القسري، ومنع الولادات داخل جماعة قومية كأفعال تدخل ضمن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية.
وبذلك، فإن قتل الأجنّة واستهداف الأمهات الحوامل لا يعد مجرد انتهاك، بل جريمة حرب مكتملة الأركان، وجزءا من سياسة الإبادة الجماعية التي تمارسها إسرائيل ضد الفلسطينيين.
تؤكد منظمة الصحة العالمية أن أكثر من 60 ألف امرأة حامل في غزة يعشن أوضاعا إنسانية قاسية.
ثلث هذه الحالات تصنف كـ «حمل عالي الخطورة»، فيما يولد يوميا نحو 130 طفلا، بينهم 27 % بولادة قيصرية و20 % قبل الأوان.
لكن خلف هذه الأرقام روايات من الألم لا تحصى:
*- نساء يلدن في الملاجئ وبين الأنقاض، دون تخدير أو أدوات طبية،
*- أمهات يحتضن أطفالهن تحت القصف أو في العراء.
*- الاحتلال يتعمد منع دخول مستلزمات الولادة القيصرية، والأدوية، والمضادات الحيوية، وحليب الأطفال، والخيوط الجراحية، ليحول الولادة إلى معركة بقاء، ويجعل من كل أم فلسطينية شاهدة على موت متكرر، مرة حين تفقد جنينها، ومرة حين تدرك أن العالم يراها ولا يتحرك.
لم يكتف الاحتلال بقتل الأطفال في أحضان أمهاتهم، بل ذهب أبعد من ذلك، استهدف بنية الحياة نفسها: رحم الأم، ومختبر الخصوبة، ومستشفى الولادة، في رسالة لا لبس فيها: أن وجود الفلسطيني مرفوض حتى قبل أن يولد. هذه ليست حربا ليس ضد مقاومة، بل حرب على الاحتمال الإنساني للوجود الفلسطيني ذاته.
أمام هذا المشهد، يصمت العالم، وتكتفي بعض الدول بترديد العبارة الممجوجة: «حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، بينما تباد غزة حجرا وبشرا وجنينا. هذا الصمت لم يعد حيادا، بل تواطؤا صريحا مع الجريمة، ومشاركة في إطالة عمر المأساة، وخيانة فادحة لمبادئ العدالة والإنسانية التي تأسست عليها الأمم المتحدة نفسها.
رغم الفاجعة، تبقى غزة عنوانا للكرامة والصمود، تقاوم الحصار بالمقاومة، والموت بالأمل، ومن بين الركام، تولد الحكايات التي تشهد على أن هذا الشعب لا يهزم.
فمن جراحه يرسم مستقبله، ومن رماده يصنع حريته،
مؤمنا أن الحرية لا تستجدى بل تنتزع، وأن العدالة ستأتي مهما طال الانتظار.
إننا في دائرة العلاقات الخارجية للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، نوجه نداءنا إلى كل القوى الحية في العالم، إلى البرلمانات، والنقابات، والأحزاب، والمؤسسات القانونية والحقوقية والإنسانية، لكي تتحرك لفضح هذه الجرائم ومحاسبة مرتكبيها.
ونؤمن بأن الضمير الإنساني الحر لن يبقى أسير الصمت،
وبأن حركة التضامن العالمية التي بدأت تتسع ستواصل طريقها حتى يسقط نظام الإبادة والاستعمار،
هو مشروع لطمس الحياة، يبدأ من الجنين ولا ينتهي عند الشيخ والطفل.
ومع كل صمت دولي جديد، تزداد جريمة الاحتلال رسوخا، ويضاف إلى التاريخ عار جديد باسم «حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها».
إن غزة تنزف، لكنها لا تنكسر، وفلسطين، التي يراد لها ان تدفن تحت الركام، ستنهض من جديد من بين الرماد كما تتجدد الحياة دائما. وليرفع علم فلسطين فوق أرضها حرا، سيدا، لا يطأها محتل ولا مستعمر