دائرة العلاقات الخارجية في الجبهة الديمقراطية: الى الرأي العام الغربي ومؤسساته، بعد سقوط روايتها التاريخية: اسرائيل عارية امام المحاكم الدولية ومحاكم التحركات الشعبية العالمية

يونيو 20, 2025

السيدات والسادة، قادة الاحزاب السياسية والمؤسسات البرلمانية الغربية،
السيدات والسادة قيادات واعضاء النقابات وصانعي الرأي العام في الدول الغربية،

تحية لكم من فلسطين الجريحة، من قطاع غزه الذي ما زال عرضة لحرب ابادة زاد عمرها عن 600 يوم، على يد الفاشية الاسرائيلية وبدعم مباشر من عدد من الدول الغربية. وفي المقابل يشتد عنفوان أحرار العالم المدافعين على العدالة والقانون وعن حقوق الانسان، والداعمين للحق الفلسطيني في مواجهة من يريد ان يجعل من شريعة الغاب قانونا يبيح له القتل والتهجير والتدمير وممارسة التطهير العرقي دون عقاب..

السيدات والسادة،
ليس من قبيل المبالغة وصف التحولات الكبرى التي يشهدها الرأي العام في العديد من الدول الغربية بـ «طوفان الاحرار»، الذي بدأ ينعكس، وان كان بشكل نسبي، على مواقف بعض الدول الغربية، خاصة تلك المعروفة بتأييدها التاريخي لاسرائيل، وبات واضحا ان هناك تحولا ملموسا إزاء ما يجري في قطاع غزة من جرائم يومية بدأت تحرك بعضا من الضمير العالمي، وبدأ الرأي العام الغربي، الرسمي والشعبي، يتلمس الحقيقة، مُقرا بوقائعها ومشاهدا لفظاعتها. وبدأت هذه التحولات تعبر عن نفسها، وإن بتفاوت بين دولة غربية وأخرى، إلى أن باتت معظم عواصم الدول الغربية ومدنها الرئيسة مسرحا لتظاهرات ترفع شعارات واضحة وصريحة، تدحض الأكاذيب والمزاعم الإسرائيلية، وتدين ارتكاب المجازر واللجوء الى التجويع والتعطيش والحرمان من الدواء في مواجهة الشعب الفلسطيني.
ان الاجراءات القانونية والامنية العقابية التي اقرتها الولايات المتحدة وعدد من الدول الغربية لملاحقة منتقدي اسرائيل، تؤكد ان الديمقراطية وحقوق الانسان وغيرها من شعارات تسقط وتوضع في سلة المهملات حين يتعلق الامر باسرائيل ومصالحها، كما تؤكد سقوط الرواية التاريخية التي قدمتها الحركة الصهيونية الى شعوب الدول الغربية كأسباب وحيثيات لقيام «دولة لليهود»، ما يجعل من جملة الرئيس الامريكي الـ 16 «ابراهام لنكولن» حقيقة راسخة: «يمكن أن تخدع كل الناس بعض الوقت، وبعض الناس كل الوقت، لكنك لن تستطيع خداع كل الناس كل الوقت». 
وليس المقصود بالرواية الاسرائيلية سلسلة المزاعم والاكاذيب التي قدمت حول معركة 7 اكتوبر، سواء ما له علاقة بقتل الاجنّة او احراق مدنيين واغتصاب نساء، او سلسلة الاضاليل حول وكالة الغوث، بل الرواية الصهيونية التلمودية، حول الأرض، تاريخا وشعبا وهوية، وحول طبيعة وعقلية اليهودي في اسرائيل في تعاطيه مع الآخر.. خاصة مع بروز تيار فاشي في اسرائيل يدعو صراحة الى حسم موضوع «يهودية الأرض» كأساس لاستكمال «يهودية الدولة»، بالترافق مع ممارسة عمليات القتل والتهجير والتطهير العرقي، والسعي للقضاء على الكيانية الوطنية الفلسطينية..
ويبدو ملموسا ان اسرائيل، ككيان عنصري قائم على القتل والتهجير والتدمير، يعيش اليوم عزلة كبيرة لم يسبق ان شهد مثلها من قبل، وهذا ناتج عن الوعي المتزايد لدى فئات اجتماعية واسعة في الدول الغربية وفي الولايات المتحدة لحقيقة اسرائيل ودورها في المنطقة، تترجمها التحركات الشعبية الآخذ في الإتساع في دول لم يسبق ان شهدت تحركات احتجاجية مناهضة لاسرائيل، وفي جامعات كانت حتى وقت قريب تعتبر داعمة لاسرائيل. وكل هذا على خلفية الجرائم التي ترتكب في قطاع غزه والتي يعجز المجتمع الدولي عن وضع حد لها، رغم رفضه وادانته اليومية لها…
وبغض النظر عن مدى جدية مواقف الرئيس الفرنسي خلال منتدى حوار شانغريلا الدفاعي في سنغافورة نهاية ايار الماضي، والتي قال فيها: «إن الغرب يخاطر «بفقدان كل مصداقيته أمام العالم، إذا تخلى عن غزة… وسمح لإسرائيل بأن تفعل ما تشاء»، فقد تمكنت التحركات الشعبية من اجبار حكومات معروفة بدعمها لاسرائيل لاتخاذ قرارات غير مسبوقة، ليس في دعم القضية الفلسطينية، بل بالانحياز، نسبيا، الى جانب القيم التي تؤمن بها. ويبدو ملموسا ان الهامش بين المواقف الرسمية للدول الغربية ومواقف الرأي العام آخذة في الاتساع، وبالتالي فان التحركات الضخمة التي شهدتها بعض المدن تعتبر مرآة للمزاج الشعبي، الذي يلاحظ ان اسرائيل كيان معادي ليس للفلسطينيين فقط، بل ولكافة القيم التي يزعم الغرب الدفاع عنها، بل ان دعوات بعض الدول الغربية لاسرائيل باتت كلاما مكررا لم تعره اسرائيل نفسها اي اهتمام، ويمكن ملاحظة ذلك في القضايا التالية:

1) استمرار اسرائيل في حرب الابادة المتواصلة لأكثر من 600 يوم، دون ان تتمكن الدول الغربية لا مجتمعة ولا بشكل فردي من استخدام نفوذها على اسرائيل لسماع صوتها بوقف حربها على غزه..
2) كافة المؤسسات والمنظمات الدولية تقر ان قطاع غزه دخل المستوى المحظور من المجاعة، وان هناك مناطق في القطاع تعيش المجاعة بشكل فعلي. وقضية المجاعة تأخذ بعدين: احدها يطال الرأي العام الغربي الذي يحث حكوماته الضغط على اسرائيل لوقف حربها وايضا وقف التعاون معها. ثانيها قانوني لجهة استخدام التجويع كسلاح، وهو امر محظور استناد لنظام المحكمة الجنائية الدولية.
 3) تجاهل المواقف الدولية التي تدعو اسرائيل الى وقف ممارساتها التي تتناقض مع القانون الدولي في الضفة الغربية، في ظل مواصلة عمليات الاستيطان وتحريض مسؤولين حكوميين ومنظمات استيطانية على قتل الفلسطينيين وتهجيرهم، وممارسة التطهير العرقي في الكثير من الاماكن، خاصة في مناطق جنين وطولكرم ونابلس وغيرها وعدم الاستعداد للدخول في عملية سياسية متوازنة تعيد للشعب الفلسطيني حقوقه الوطنية. 
4) لجوء اسرائيل الى فرض مخطط الضم بكافة تجلياته، سواء لجهة اقرار ومصادقة الهيئات الرسمية في اسرائيل على بناء مستوطنات جديدة، او في مواصلة عمليات الاعتقال حتى لمن هم دون السن القانونية او مرضى وكبار سن، او في هدم المنازل وتهجير اصحابها لأسباب على علاقة مباشرة بالمخططات الاسرائيلية، او في عمليات الاقتحام المتتالية للمدن والمخيمات الفلسطينية في الضفة الغربية، او في العمليات الاستفزازية المتواصلة في مدينة القدس وفي المسجد الاقصى، وغير ذلك من ممارسات تشكل كل واحدة واحدة منها سببا كافيا لتدخل المجتمع الدولي ومؤسساته السياسية والقضائية لمعاقبة اسرائيل..

لذلك فان تكون اسرائيل في موضع اتهام امام المحاكم الدولية، سواء محكمة الجنايات او العدل الدولية او امام العديد من المحاكم الوطنية في عدد من الدول الغربية هو الحد الادنى مما يمكن فعله على المستوى القضائي والقانوني، الذي لم يسلم بدوره من تجاذبات وضغوط السياسة..  
وعلى خلفية صمود الشعب الفلسطيني في قطاع غزه في مواجهة الحرب الاسرائيلية، وببسالة المقاومة التي ما زالت توقع في صفوف قوات الاحتلال الاسرائيلي خسائر فادحة، شهد الرأي العام الأوروبي والغربي، تحولات مهمة، إنعكست على الصعيد الرسمي تحولاً جزئياً من مواقف عدائية ضد الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية، إلى الدعوة للوقف الفوري لإطلاق النار، ووقف إستهداف المدنيين، وكسر الحصار وفتح المعابر إلى القطاع، دون أن يأخذ هذا الموقف بعده السياسي الإستراتيجي لدى بعض الدول، كألمانيا مثلا، التي حافظت على إزدواجية المسلك، بمواصلة دعم إسرائيل ومدها بالسلاح والذخائر، وأدوات القتل الجماعي.
نتوجه من الاحزاب والاطر السياسية والقانونية والمؤسسات والجامعات وبعض مؤسسات الاعلام بتحية التقدير على دعم الشعب الفلسطيني وفضح الرواية الاسرائيلية، ونثمن الدور النشط والمهم الذي قامت به الجاليات العربية والاسلامية والفلسطينية، في كشف حقائق الجرائم الإسرائيلية، واستقطاب تأييد المجتمعات المحلية، وترجمتها إلى مواقف سياسية ضاغطة، على برلماناتها وحكوماتها، ومساءلتها لإعادة النظر في دعم العدوان، ونؤكد على اهمية وضرورة استمرار هذا الجهد، بما في ذلك تطوير الدور الفعَّال لحركة المقاطعة وسحب الإستثمارات في إسرائيل – B.D.S، والإنخراط الجدي في صفوفها وتوسيع قاعدتها لتمتد إلى كل عاصمة ومدينة في الغرب والعالم العربي.  
لقد باتت اسرائيل عارية امام الراي العام الدولي: عارية امام المحاكم الدولية، بعد ان اسهمت دعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل في بناء جبهة عالمية رسمية ضد العنصرية الإسرائيلية وضد جرائم التطهير العرقي. وعارية ايضا امام المحاكم الشعبية التي تشهدها آلاف الميادين في الدول الغربية، والتي اسهمت ايضا في بناء جبهة شعبية واسعة ضد الممارسات الفاشية الإسرائيلية..
باسم «دائرة العلاقات الخارجية في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين»، نحيي الملايين المنتفضين في شوارع وميادين الدول الغربية، ونقدر جدا جهود البرلمانات والنقابات والمؤسسات الشعبية والثقافية والاقتصادية والاعلامية والفنية على مبادراتها التي بدأت تنفض الغبار عن حقيقة الجرائم التي ارتكبها الجيش الاسرائيلي وما زال يواصل ارتكابها ضد اطفال ونساء الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزه، الذين يعلمون انهم ليسوا وحدهم في مواجهة الفاشية الاسرائيلية وقوى الاستعمار الغربي، بل ان كافة احرار العالم يقفون الى جانب صمودهم ومقاومتهم، مدركين جيدا ان النصر هو حليف الشعب الفلسطيني المناضل من اجل حقه في رسم حاضره ومستقبله السياسي والاقتصادي، بعيدا عن الاحتلال والاستعمار وسياسات التبعية والوصاية الاجنبية