دائرة العلاقات الخارجية في الجبهة الديمقراطية: تستعرض، سياسيا وميدانيا، تفاصيل مخطط الضم مشروع استعماري يقدم اسرائيل على حقيقتها، ويضع الشعب الفلسطيني امام خيار واحد هو المقاومة

أبريل 8, 2025

بغض النظر عن مواقف الدول الغربية، ومنها الولايات المتحدة، فان مخطط الضم بات المشروع السياسي الوحيد في جعبة الحكومة الفاشية في اسرائيل، التي تعمل في السر والعلن وفي الليل والنهار من اجل فرضه ووضعه امام الشعب الفلسطيني والعالم كأمر واقع. ولا نحتاج لعناء كبير كي نؤكد ان التطبيقات العملية لهذا المخطط قد بدأت ترجماتها على الارض بأكثر من شكل.
ومخطط ضم الضفة الغربية ليس جديدا، لكن اختلفت تفاصيلة بين عام 2017 عندما طرحه وزير المال الصهيوني سموتريتش وبين اعلان نتنياهو عام 2024 الذي راهن على الدعم الامريكي للمشروع بقوله «يجب إعادة طرح مخطط الضم لمناطق واسعة بالضفة لإسرائيل عندما يدخل ترامب إلى البيت الابيض». بل ان خطورة الامر هو ان هذا المخطط بات برنامجا رئيسيا لكافة الاحزاب والمؤسسات الاسرائيلية التي تجمع على ضرورة الاستفادة من الدعم الامريكي والغربية للاجهاز على الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني..
الضم يعني المزيد من الاستيطان وسرقة الاراضي. ومعادلته تفترض تهجير اصحاب الارض. واذا كان الاستيطان هو الركيزة الاساسية التي تحرك المشروع الصهيوني، فان معيار نجاحه يعتمد بشكل رئيسي على نجاح مخططات تهجير الشعب الفلسطيني صاحب الارض التي يراد استيطانها. لذلك نرى ان اسرائيل جنّدت كل ما تملك من اجل تعزيز الاستيطان على امتداد اراضي فلسطين التاريخية غير آبهة باحتجاجات واستنكارات دولية، وغير مهتمة بقرارات دولية وبمواثيق حقوق انسان وغير ذلك من ردود افعال لا زالت على حالها منذ بناء اول مستوطنة «بتاح تكفا» في فلسطين عام 1878 فوق ارض فلسطينية..
لقد خطت حكومة الاحتلال خطوات متسارعة نحو ضم مساحات واسعة من أراضي الضفة الغربية، عبر «إجراءات قانونية»، تجعل منها جزءاً من إسرائيل، وقد شمل ذلك المنطقتين (ج) و (ب)، ولم يتبقَ إلا المنطقة (أ)، التي أعلن عن خضوعها للحكم العسكري، وتجريد السلطة الفلسطينية من معظم صلاحياتها، وجعل الإدارة المدنية، والحاكم العسكري الإسرائيلي مرجعيتها الوحيدة، ما يسقط الوهم بأن السلطة هي مشروع التحول إلى دولة مستقلة، أي الإعلان عن استنفاذ «إتفاق أوسلو» ووصوله إلى نهايته المرتقبة، وهو ما يعني أن أي مفاوضات تحت مسمى «حل الدولتين»، أو الدعوة إلى «فتح أفق سياسي» ليست إلا رهاناً، تؤكد الوقائع الميدانية فساده لأنه لن يكون إلا تكريساً للواقع الذي تعمل دولة الاحتلال على بنائه.
منذ أكثر من شهرين، وحرب التدمير والتهجير، والتطهير العرقي، تستعر في شمال الضفة الغربية، مدناً ومخيمات، وفي باقي أنحائها، في ظل ما يشبه الصمت المريب عربياً ودولياً، رغم التصعيد السياسي الذي لا يخفيه قادة العدو، من الحديث عن بقاء جيش الاحتلال في شمال الضفة، أو دعوة رئيس الأركان الجديد إياك زامير، بناء بنك معلومات لسلاح الطيران الإسرائيلي في الضفة الغربية، أو تصريحات سموتريتش حول مشاريع تهجير الفلسطينيين وطردهم على دفعات يومية، ما يؤكد أن الضفة الغربية باتت تقف أمام مستقبل واضح المعالم، تعتمد له دولة الاحتلال خطة توسيع مساحات «الدولة» عبر إعادة النظر بحدود المناطق «أ» و«ب» و«ج»، وتقليص مساحات ولاية السلطة الفلسطينية وصلاحياتها، وتأكيد إرتباطها بالإحتلال وتبعيتها له.
ومن اجل ترجمة ما سبق وجعله امرا واقعا، شنت قوات الاحتلال الاسرائيلي ومنذ منتصف العام 2024، عملية عسكرية شملت بعض المناطق في الضفة الغربية ومخيماتها، وشكات هذه العملية عدوانا وحرب ابادة سياسية لا علاقة لها لا بـ 7 اكتوبر ولا بأية اعتبارات امنية، بل هي بالدرجة الاولى تمهيد حتمي لعملية الضم الذي يستحيل تنفيذه بسهولة في وجود مجموعات فلسطينية تمارس فعل المقاومة في مواجهة قوات الاحتلال ومستوطنيه، ما يعني ان اسرائيل تسعى الى تمهيد الطريق لمخططها من خلال هدفين في آن: ضرب فصائل المقاومة او محاولة الحد من تأثيرها، وتهجير القسم الاكبر من سكان وابناء المدن والمخيمات المستهدفة بالاجتياحات، بهدف تغيير الطابع الديمغرافي في الضفة للقضاء بشكل نهائي على اية امكانية، مهما كانت ضئيلة، لقيام دولة فلسطينية مترابطة جغرافيا..
والى جانب الاقتحامات للمدن والمخيمات واستهدافها لمقاومين فلسطينيين بالقتل والاعتقال وتهجير اعداد كبيرة من ابناء المناطق المستهدفة، ومن اجل تشريع عملية الضم، احاطت اسرائيل هذه العملية بدائرة من الاجراءات القانونية والمليشياوية والاستيطانية من اجل تمرير مخطط الضم بشكل تدريجي..

على المستوى القانوني:
– الغاء اسرائيل لقانون فك الارتباط مع ثلاث مستوطنات تقع بالقرب من مدينتي جنين ونابلس شمالي الضفة الغربية، ما سمح للمستوطنين بالعودة الى تلك المستوطنات. وكان الكنيست قد اقر قانونا في شباط 2005 قضى باخلاء اربع مستوطنات وهي: جانيم وكاديم وحومش وسانور.
– مصادقة الكنيست في كانون الثاني عام 2025 على قانون يجيز للمستوطنين اليهود شراء وتملك الأراضي في الضفة الغربية، في اشارة الى ان اسرائيل تتعاطى مع الضفة الغربية باعتبارها جزءا من «اراضي اسرائيل». وبذلك يكون القانون الاردني رقم 40 الصادر عام 1953 الذي يحظر شراء الأراضي في الضفة الغربية من قبل الأجانب الذين لا يحملون الجنسية الأردنية أو العربية بحكم الملغي.
– موافقة احدى لجان الكنيست بالقراءة الأولى على مشروع قانون يهدف إلى تغيير تسمية «الضفة الغربية» في التشريع الاسرائيلي إلى «يهودا والسامرة»، وهذا ما ينسجم مع اقرار بعض لجان الكوتغرس لقانون يعتمد التسمية ذاتها..
– اقرار الكنيست في القراءة الاولى لقانون ينص ضم مستوطنات تحيط بالقدس إلى المدينة، والإعلان عن «حاضرة القدس» (أي ما يتجاوز حدود القدس الكبرى)، وتعزيز مكانتها في النظام الإسرائيلي. وترافق هذا القانون مع مصادقة «الكابينت» الاسرائيلي على قرار يقضي بفتح نفق خاص بالفلسطينيين في منطقة القدس، وفتح طريق خاص بالاسرائيليين، ومن شأن ذلك أن يعزل البلدات الفلسطينية عن بعضها البعض ويقطع الطريق بين بيت لحم والخليل، ويسمح لإسرائيل بتنفيذ مخططات البناء الاستيطاني في منطقة (أ)، وهذا ما يمهد لضم مستوطنة معاليه أدوميم بشكل رسمي إلى إسرائيل.
– اعلان الحكومة الإسرائيلية في عام 2023 ضم المواقع الأثرية الفلسطينية إلى ما يسمى سلطة الآثار الإسرائيلية، وذلك استنادا الى تشريع من الكنيست عام 2023 سمح لسلطة الآثار بالعمل في الضفة الغربية، وهذا يعني ان هناك اكثر من 3000 موقع اثري فلسطيني معرضين للخطر، خاصة وان اسرائيل تولي مسألة الآثار والمكتشفات الاثرية اهمية بالغة بهدف تعزيز روايتها التي ليست سوى خرافات واساطير تاريخية لم تتأكد صحتها حتى هذه اللحظة.
– نقل صلاحيات من الجيش الاسرائيلي الى سلطات مدنية مسيطر عليها من قادة المستوطنين وبدعم مباشر من وزراء ومسؤولين كبار في الجيش والحكومة، ما سيقود الى نقل المسؤوليات من سلطة احتلال الى سلطة مدنية تطبق القانون الاسرائيلي، وهذا ما حصل خلال الاشهر الماضية.
– فصل 13 حيا استعماريا تابعا لمستوطنات كبيرة في الضفة الغربية، وقد فسر وزير المالية الإسرائيلي سموتريتش هذا الاجراء بأنه «خطوة مهمة نحو فرض السيادة الإسرائيلية على المستوطنات، في اطار قرار الحكومة بناء عشرات الآلاف من الوحدات السكنية في مختلف أنحاء الضفة الغربية».

على المستوى المليشياوي:
– دعم مجموعات المستوطنين عسكريا بحجة توفير الحماية لهم، بعد ان باتت الوظيفية الاساسية لبعض المسؤوليين الاسرائيليين هي في كيفية توزيع السلاح على المستوطنين في الضفة الغربية، الذين اصبح بيدهم، حسب المعطيات المتوافرة، نحو ثلاثة مائة الف قطعة سلاح، وهي نسبة تعتبر كبيرة جدا مقارنة بعدد المستوطنين. ان الرقم السابق يؤكد بأن المستوطنين باتوا يشكلون جيشا مسلحا ويرتكبون يوميا الجرائم ضد الفلسطينيين، في عمليات ارهاب منظم هدفها سرقة اراضي الفلسطينيين وطردهم من قراهم وبلداتهم..
ان هناك مؤسسات اسرائيلية تشرف بشكل مباشر على عملية تسليح المستوطنين، سواء عبر وزراء في الحكومة ومؤسسات استيطانية او من خلال جيش الاحتلال نفسه ومؤسسات امنية. وقد اعترف بن غفير اكثر من مرة انه قام من خلال وزارته بتسليح 100 ألف مستوطن، وان هناك 300 ألف طلب على طاولة الوزارة، مضافا اليها نحو 165 الف قطعة سلاح كانت قد وزعت على المستوطنين قبل عملية طوفان الاقصى، ما يؤكد بأن جرائم إسرائيل، بجيشها ومستوطنيها، ليست معزولة عن المخطط الذي تسعى إسرائيل الى فرضه في الضفة الغربية وهو مخطط الضم.
– اصدار قرارات عسكرية من قبل جيش الاحتلال وقرارات ادارية من وزارات مختلفة تقوم بالتضييق على الفلسطينيين في المستويات الامنية والعسكرية وعلى مستوى هدم المنازل ومنع البناء، وبالمقابل السماح للمستوطين اليهود بالبناء وتقديم محفزات من اجل انتقال بعضهم للاقامة في الضفة الغربية.
– اضافة الى ما سبق، فان هيئات رسمية ومؤسسات استيطانية باتت تعمل وفق اجندتها الخاصة، غير آبهة بالمواقف الدولية المنددة. ومنذ 7 أكتوبر على سبيل المثال، سجلت مؤسسات فلسطينية ودولية ارتكاب اكثر من 300 اعتداء ضد فلسطينيين على يد مستوطنين توزعت ما بين اطلاق نار ودهس واحراق منازل وحقول واقتحامات لمدن ومخيمات وتجمعات نائية واقتلاع أشجار وقطع طرق.. اضافة الى عمليات جيش الاحتلال بالقصف والاقتحامات والتمدير والاعتقال..

على المستوى الاستيطاني:
تم افراد ميزانيات ضخمة للبناء الاستيطاني في الضفة الغربية. وقالت منظمة «السلام الآن» الإسرائيلية ان النصف الثاني من عام 2024 شهد بناء 7 بؤر استيطانية جديدة في المناطق «ب»، في خرق واضح لأول مرة لبنود اتفاقية أوسلو الموقعة في عام 1995، التي تنص على أن المناطق «ب» تخضع للسيطرة المدنية الفلسطينية الكاملة بما في ذلك سلطة التخطيط والبناء، ولإسرائيل السيطرة الأمنية في هذه المناطق». واشارت هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الفلسطينية الى أن الحكومة الإسرائيلية بدأت في العام 2024 في بناء عدد من البؤر الاستيطانية (10)، إضافة إلى 14 بؤرة عام 2023 ، وافرد وزير المالية سموتريتش موازنات كافية لانشاء  70 بؤرة استيطانية. وقال الجهاز المركزي الفلسطيني للإحصاء في تقرير له لمناسبة يوم الارض، إن مساحات الأرض التي استولى عليها الاحتلال الاسرائيلي عام 2024 بلغ 46 ألف دونم.
وتفيد تقارير لمؤسسات محلية واممية دولية ان اسرائيل قامت بعمليات هدم واسعة لمنازل الفلسطينيين تركزت معظمها في مناطق (ب) و (ج). وفي توثيق لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، للفترة بين كانون الثاني 2010 وحتى كانون الثاني 2025، فإن الاحتلال الإسرائيلي هدم نحو 8 آلاف و765 منشأة فلسطينية في المنطقة «ج»، أغلبها بذريعة البناء دون ترخيص وهذا ما تسبب بتهجير  نحو 10 آلاف فلسطيني، وتضرر نحو 192 ألفا و548 آخرين. اما في مناطق (أ) وهي المناطق الخاضعة نظريا للسيطرة الفلسطينية، فقد تم هدم ما يزيد عن 4 آلاف منشأة فلسطينية، ونتج عن ذلك تهجير نحو 19 الف فلسطيني وتضرر حوالي 768 ألفا.
ومنذ 7 اكتوبر 2023، قامت سلطات الاحتلال الاسرائيلي بهدم آلاف الوحدات السكنية، وبلغ العدد اكثر من 2200 منشأة موزعة على المناطق الثلاث (أ ، ب و ج) في عمليات غير قانونية تسببت بتهجير نحو 5 آلاف وتضرر ما يزيد عن 535 الفا.
وفي استعراض تفاصيل مخطط الضم، فقد استندت اسرائيل لتبرير مخططها الاستعماري والعنصري، والذي يرتقي الى درجة التطهير العرقي، الى التقسيمات التي احدثتها اتفاقية اوسلو 2 لعام 1995 والمعروفة باتفاق طابا. فما الذي قدمته هذه الاتفاقية وما هو مصيرها، وما هي المناطق المشمولة بالضم:
وفقا لتلك الاتفاقية، تم تقسيم الضفة الغربية التي تمتد على مساحة 5660 كيلومترا مربعا (باستثناء القدس وما يطلق عليه محيمات طبيعية..) إلى ثلاث مناطق (أ)، (ب) و (ج)، وهي ليست مناطق مترابطة او متصلة فيما بينها، بل تمتد في طول الضفة وعرضها وتفصل بينها مستوطنات وثكنات وحواجز عسكرية اسرائيلية وطرق التفافية، ويزيد عدد ساكنها على ثلاثة ملايين فلسطيني. مع الاشارة الى ان مساحة هذه المنطقة تقلصت كثيرا، نتيجة عمليات الاستيطان والطرق الالتفافية التي بلغ طولها نحو 980 كيلومترا، وبلغت مساحة الأراضي المصادرة اكثر من 2000 كيلو متر اي ما يوازي ثلث مساحة الضفة الغربية.
مناطق (أ): وتشمل كافة المراكز السكانية الرئيسية في المحافظات (مثل جنين، رام الله، نابلس، طولكرم، الخليل، طولكرم..)، ويبلغ عدد سكانها اكثر من 2.4 مليون فلسطين، وتمتد على مساحة نحو الف كيلو متر مربع (21 بالمائة من مساحة الضفة)، وتستحوذ منطقة جنين على المساحة الاكبر من منطقة (أ) بمساحة تقرب من 284 كيلو متر مربع، تليها الخليل فنابلس ثم رام الله والبيرة..  ومن الناحية النظرية تخضع هذه المناطق امنيا واداريا لسيطرة السلطة الفلسطينية.

مناطق (ب): وتضم قرى بلدات الريف الفلسطيني، وتبلغ مساحتها نحو 1 كيلو متر مربع اي ما يوازي 18 بالمائة من مساحة الضفة الغربية، ويقترب عدد سكانها من 450 الف فلسطيني، وهي تشمل مناطق جغرافية في مختلف المحافظات الفلسطينية، وتستحوذ محافظة الخليل على المساحة الاكبر منها (238 كيلو متر مربع)، تليها نابلس (231)، ورام الله والبيرة (209)، ثم جنين (103) وطولكرم (88 كيلو متر مربع). وتخضع هذه المناطق إداريا (قطاعات التعليم والصحة) للسلطة الفلسطينية وأمنيا لإسرائيل..

مناطق (ج): هي الاكبر بين المناطق الثلاث، وتمتد على مساحة جغرافية تبلغ نحو 3375 كيلو متر مربع في ما ما يزيد عن 61 بالمائة، ويسكنها اكثر من 300 الف فلسطين. وهذه المنطقة تخضع بشكل كامل للسيطرة الامنية والادارية الاسرائيلية، وتتركز فيها المستوطنات الإسرائيلية والثكنات العسكرية.. وهي تعتبر من أغنى مناطق الغربية لكونها تتميز بالموارد الطبيعية، سواء مصادر المياه والمحميات الطبيعية، أراضي زراعية، إضافة إلى بعض الأماكن الأثرية.
ووفقا للاتفاقيات الموقعة (اوسلو وغيرها)، كان يفترض انتهاء المرحلة الانتقالية في ايار من العام 1999، لكن الذي حدث، وبدلا من تسليم اسرائيل لمنطقتي (ب و ج) الى السلطة الفلسطينية لتضمها الى المناطق (أ) كمقدمة لاعلان الدولة الفلسطينية، قامت اسرائيل عام 2000 باجتياح كل مدن ومخيمات الضفة الغربية في عملية عسكرية اطلق عليها اسم «السور الواقي»، التي الغت عمليا كافة التقسيمات السابقة واصبحت المناطق الثلاث خاضعة امنيا وبشكل كامل للسيطرة الاسرائيلية.
اليوم، تختلف التسميات حول مستقبل الضفة الغربية وطريقة تعاطي اسرائيل معها. فهناك من يتحدث ان اسرائيل تريد ضم غالبية مناطق (ج)، وآخرون يتحدثون عن ضم المستوطنات الاسرائيلية وفرض السيادة والقانون الاسرائيلي عليها، لكن في كلا الحالتين، فان ما تنوي اسرائيل فعله هو عملية استعمارية عنصرية، تتطلب من وجهة نظرهم، تشريعات قانونية وادارية وقرارات سياسية تحول الضفة الغربية من اراض فلسطينية محتلة الى كونها جزء لا يتجزأ من اراضي «دولة اسرائيل»، بكل ما يترتب على ذلك من سيطرة على اراض جديدة وتهجير القسم الاكبر من سكان الضفة الى مناطق (أ) والى خارج فلسطين..
ان ما يجري الحديث عنه الآن هو ان اسرائيل ستقوم بشكل رسمي بالغاء التقسمات السابقة عبر ضم مناطق (ب) الى (ج) وضمها بالكامل الى اسرائيل، والغاء مناطق (أ) لتتحول الى (ب)، اي حكم ذاتي فلسطيني على مساحة لا تتجاوز 20 بالمائة من مساحة الضفة يقطنها نحو ثلاثة ملايين فلسطيني.. مع الجزم بأن نجاح هذا المخطط يتطلب تهجير عشرات الآلاف من الفلسطينيين وارتكاب عملية تطهير واسعة بحقهم.. وهذا هو بالضبط ما يطلق عليه مخطط الضم والحسم..
وعن مصير الفلسطينيين المقيمين في منطقتي (ب) و (ج)، يبدو ان امام اسرائيل مجموعة من الخيارات التي قد تلجأ اليها بشكل تدريجي وان تفرضها كأمر واقع، كما حدث بالنسبة للمقدسيين، وهذه الخيارات هي التالي:
– اما حمل جواز سفر الحكم الذاتي من دولة إسرائيل، ويتحركون بحرية في كافة ارجاء فلسطين باعتبارها اراضي دولة اسرائيل، ويمنحون حقوقا كاملة باستثناء التصويت في الكنيست.
– أما أن يكونوا مواطنين في دولة الأردن، ويصوتوا للبرلمان الأردني، وهذا ما عبر عنه عضو المجلس الاستيطاني في الضفة الغربية «لياكيم هعتسني»، ويبدو نسبة نجاح هذا الخيار ضعيفة جدا.
– الخيار الثالث هو الحصول على الجنسية الإسرائيلية بكامل الحقوق، في وضع قانوني يشبه الى حد بعيد وضع فلسطينيي القدس الشرقية، وهو خيار لم تتأكد واقعيته وامكانية تطبيقه.
– أما الخيار الاكثر ترجيحا، من وجهة نظر اسرائيل، فهو بحاجة الى تشريعات قانونية تسمح باعتبار الفلسطينيين في الضفة الغربية مواطنين فلسطينيين يقيمون في «يهوذا والسامرا»ـ مع امكانية احتفاظهم بهوياتهم الفلسطينية وسلطة مدنية تدير شؤونهم الحياتية.. وبالامكان اختيار عاصمة للفلسطينيين في اي بقعة يقع عليها الاختيار..
إن مخطط الضم بات هو المشروع الوحيد على طاولة الحكومة الاسرائيلية، وهو مشروع لا يستهدف فصيل بعينه أو قوى دون غيرها من القوى  الموجودة داخل منظمة التحرير او خارجها، كما لا يستهدف السلطة ايضا، او فريقاً سياسياً فلسطينياً دون غيره، بل هو يطال مجموع الحالة الفلسطينية بكل عناصرها وأطرافها، وأطيافها، وبعبارة ادق هو يستهدف المشروع الوطني بكل تعبيراته، بما في ذلك ما تبقى من تعبيرات في ملامح السلطة الفلسطينية بواقعها الراهن، الأمر الذي يتوجب التأكيد عليه مرة أخرى وبكل قوة أن لا خيار امام الشعب الفلسطيني سوى نقطة القوة الاساسية وهي وحدته الوطنية والمؤسساتية والبرنامجية، وفق رؤية وطنية موحدة وهامة، في الميدان، بكل أشكال المقاومة، وفي المحافل الدولية..
لذلك، فان استنهاض وتأطير كل أشكال المقاومة ضد الاحتلال يجب ان يكون شعار المرحلة، وقد بات واضحاً إلى أي مدى تذهب حكومة نتنياهو في تطرفها وتغولها ضد شعبنا، ويمكن العودة إلى خطابه المشين أمام الكونغرس الأميركي -21/7/2024، وكيف استقبل من قبل غالبية أعضاء الجسم التشريعي الأميركي، لندرك حقيقة أهداف الاحتلال، التي باتت مطروحة بقوة على طاولة العمل الحثيث لتطبيقها، فلا مكان لدولة فلسطينية في الضفة الغربية، ولا انسحاب من القدس المحتلة، ولا تفكيك للاستيطان، ولا مكان لحق العودة في أي حل، وكل الأرض الفلسطينية، ما بين النهر والبحر، هي ملك لليهود وحدهم يملكون حق تقرير المصير فيها.. إذن، هو إعلان حرب توازي في مخاطرها، حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة، هي حرب الإبادة السياسية للمشروع الوطني الفلسطيني، وللأهداف الوطنية المشروعة لشعبنا، وإعدام سياسي للكيانية الفلسطينية.
ان مخطط الضم الذي كانت عناصرة وتفاصيله محاطة بسرية تامة اصبح اليوم علنيا، ووزراء الحكومة والاعلام الاسرائيلي يتحدثون بشكل علني عنه، غير آبهين بالرفض الدولي لهذا المخطط الذي لا يعني فقط انهاء مسار بدأ في العام 1993 وما قبل، بل انهاء المسار السياسي بشكل كامل ووضع الشعب الفلسطيني امام خيار واحد هو المقاومة. وطالما ان هذا المخطط قد تم البدء بتطبيقاته الميدانية، اي لا امكانية، كما يتوهم البعض لمحاولة تغييره سليما، فان لا خيار امام الشعب الفلسطيني الا مواجهته ومقاومته بكل الاشكال النضالية المتاحة