دائرة العلاقات الخارجية في الجبهة الديمقراطية: مذكرتا الاعتقال ضد المجرمين الاسرائيليين تعيدان بعضا من مصداقية للنظام الدولي واطره القضائية

نوفمبر 25, 2024

في رسالة من دائرة العلاقات الخارجية في الجبهة الديمقراطية الى الأحزاب العالمية حول قرار المحكمة الجنائية:
اصدرت الدائرة التمهيدية الأولى للمحكمة الجنائية الدولية (21 تشرين الثاني 2024) مذكرتي اعتقال بحق كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي «نتنياهو» ووزير حربه «غالانت»، بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية والمتمثلة في القتل والاضطهاد وغيرها من الأعمال اللاإنسانية وجرائم حرب متمثلة في التجويع كأسلوب من أساليب الحرب، وذلك باجماع قضاة المحكمة الـ 18. كما أصدرت دائرة المحكمة ايضا وبالإجماع قرارين رفضت فيهما طلبين قدمتهما إسرائيل في 26 أيلول 2024. الاول طعن إسرائيل في اختصاص المحكمة بشأن الوضع في دولة فلسطين بشكل عام، وعلى المواطنين الإسرائيليين، والثاني وقف إجراءات النظر في طلبات أوامر الاعتقال.
وكانت المكسيك وتشيلي قد أحالتا في كانون الثاني 2024 الوضع في فلسطين إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، من اجل «التحقيق في احتمال ارتكاب جرائم تدخل في نطاق اختصاصه»، تبعهما عدد من الدول والمؤسسات الحقوقية اتهمت اسرائيل بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية والإبادة. وفي منتصف ايار من العام نفسه، طلب مدعي المحكمة من الدائرة التمهيدية الأولى بالمحكمة إصدار أوامر قبض فيما يتصل بالحالة في دولة فلسطين.. حركت على اثر ذلك بعض الدول الغربية ومارست ضغوط هائلة على القضاة لتغيير مسار القضاء وعدم اصدر مذكرات توقيف بحق مسؤوليين اسرائيليين، فيما نامت اسرائيل على حرير الوعود الغربية بان المحكمة لن تصدر اوامر اعتقال.. 
لكن، ونظرا لعدم وضع ما يسمى «القضاء الاسرائيلي» يده على جرائم الحرب التي ارتكبها جيش الاحتلال في قطاع غزه وفي الضفة، وبعد ان اصبحت جريمة الابادة الجماعية في قطاع غزه اشبة بقضية رأي عام دولي، نتيجة التحركات الواسعة التي شهدتها مدن مختلف دول العالم مطالبة بوقف قتل الشعب الفلسطيني، ونظرا لعدم امتثال اسرائيل لا لقرارات محكمة العدل الدولية، ولا لمواقف مؤسسات دولية، قانونية وانسانية، ونتيجة هول ما تركبته اسرائيل من فظائع انسانية في فلسطين، لم يكن امام قضاة المحكمة، الذين اقسموا اليمين القانونية، الا اصدار مذكرات اعتقال، استنادا الى ما هو متوفر لديهم من ادلة ووثائق ومعطيات، خاصة وان المدعي العام للمحكمة سبق وان زار المستوطنات الاسرائيلية المحاذية لقطاع غزه ومنع من دخول القطاع، في مسعى اسرائيلي لعرقلة مسار عمل المحكمة..
ورغم ان المحكمة سبق وان اصدرت عدد من اوامر الاعتقال، الا ان مذكرتي الاعتقال ضد نتنياهو وغالانت حظيتا باهتمام واسع في العديد من دول العالم، نظرا للمكانة التي باتت تحتلها القضية الفلسطينية على المستوى العالمين، والحماية التي وفرتها الدول الغربية لاسرائيل وقادتها، الذين ظلوا بعيدين عن يد العدالة الدولية لعقود، رغم ارتكابهم لعشرات الجرائم ضد الشعب الفلسطيني بشكل خاص والشعوب العربية بشكل عام. لذلك، هي المرة الاولى على مستوى القضاء الدولي وعلى مستوى الصراع الفلسطيني والعربي الاسرائيلي التي يتم فيها اصدار مذكرات اعتقال بحق مسؤولين اسرائيليين، في سابقة تاريخية يجب على جميع دول العالم، بما فيها الدول الغير موقعة على نظام روما، الالتزام بتنفيذ مذكرتي الاعتقال واحترام ارادة قضاة المحكمة الذين يمثلون بمواقعهم الاسرة الدولية، وكون المذكرتين لا يشكلان انتصارا لفلسطين ولعائلات الشهداء الذين سقطوا في حرب الابادة التي ما زال الجيش الاسرائيلي ارتكابها في قطاع غزه والضفة الغربية، بل انتصارا للعدالة وللقانون الدولي وقيم الانسانية.
الامر الهام في مذكرتي الاعتقال انهما صدرا ضد مسؤولين اسرائيليين وهم على رأس سلم الفاشية في اسرائيل «الكيان»، ما يعني ان «اسرائيل الدولة» بكافة مؤسساتها هي المسؤولة عن الجرائم التي ارتكبت ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزه والضفة الغربية. وهذا ما يترتب عليه مجموعة من المسائل:
اولا: يبدو واضحا ان مذكرتي الاعتقال ستكونان موضع نقاش بالنسبة لبعض الدول، رغم المهنية العالية التي تحلى بها قضاة المحكمة والذين ينتمون الى دول هي بالاساس حليفة لاسرائيل، في ممارسات تعكس ازدواجية المعايير في الموقف من قضايا مشابهة وتبرز النفاق السياسي في اسوأ صورته، خاصة تجاه مذكرة الاعتقال التي صدرت بحق الرئيس الروسي والتي حظيت بترحيب واسع من نفس الدول التي ما زالت مترددة في موقفها من مذكرتي الاعتقال ضد نتنياهو وغالانت..
ثانيا: لا يكفي اعلان الاحترام والالتزام من قبل دول العالم، خاصة الدول الغربية، بقرارات المحكمة، بل ينبغي دعم امر الاعتقال باجراءات عقابية ضد دولة الاحتلال، كما حصل مع دول اخرى، حين فرضت العقوبات على مؤسسات حكومية وعلى افراد على علاقة بالحكومات وبمسؤوليين رسميين..
ثالثا: على الدول التي تمد اسرائيل بالاسلحة ان تتوقف عن ذلك، بعد ان اعلنت المانيا بشكل خاص إن موقف الحكومة بشأن تسليم الأسلحة إلى إسرائيل لم يتغير بعدما أصدرت المحكمة الجنائية الدولية قرارها، ما يطرح مهمة جديدة امام القوى الداعمة للمحكمة وقراراتها والرافضة لمواصلة العدوان الاسرائيلي لجهة زيادة ضغطها على الدول التي لا زالت تزود اسرائيل بالاسلحة والتي تعلن شراكتها في حرب الابادة عبر هذا الدعم سواء بالاسلحة او بالتقنيات الحربية.. وهذا امر يطال ليس فقط الدول، بل الشركات والمصانع العسكرية، والمؤسسات المدنية التي تزود جيش الاحتلال بمعدات تستخدم للاغراض العسكرية..
رابعا: على كافة المنظمات والمؤسسات الدولية، خاصة مؤسسات الامم المتحدة والاطر الاقليمية، ان لا تسمح لنتنياهو وغالانت الحديث من على منابرها او تستضيفهما في اي نقاشات وحوارات سياسية على منتدياتها. وعلى الاطر المجتمعية الصحية والتعليمية والثقافية في مختلف دول العالم وقف كافة العلاقات مع اسرائيل ومؤسساتها، وان تعيد النظر بهذه العلاقات كونها تشكل تشجيعا لكيان اصبح ملاحقا من أعلى محكمة دولية بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية.
وبغض النظر عن مآل المذكرتين، فلا يمكن النظر اليهما الا كونهما وصمة عار ستلاحقان نتنياهو وكل من دعمه حتى وهم في قبورهم اموات. فالمذكرتين، ورغم كل ما يقال بشأنهما، تعيدان بعضا من مصداقية كان المجتمع الدولي واطره القضائية والقانونية قد فقدها، نتيجة عجزه عن محاسبة اسرائيل لتمردها على الارادة الدولية، لدرجة وصل بها الامر بسن قوانين تشريعية تصنف منظمات الامم المتحدة باعتبارها ارهابية (وكالة الغوث – الاونروا). لذلك فان العالم اليوم امام اختبار حقيقي لمدى صدقية انظمته التي اكدت التجارب منذ الحرب العالمية الثانية انها انظمة ثبت فشلها وعجزها في توفير الامن والاستقرار العالمي..
تطرح الكثير من التحليلات والاستنتاجات حول خلفيات المحكمة في اصدار مذركتي الاعتقال، لكن الثابت هو ان خطوة المحكمة الجنائية الدولية لم تكن لتأتي لولا تضحيات الشعب الفلسطيني وصموده وبسالته في قطاع غزه وفي الضفة والقدس. وبالتالي هي شهادة صارخة وحكم مبرم على الطبيعة الفاشية لدولة الاحتلال والإبادة الجماعية والتمييز العنصري والتطهير العرقي برئاسة نتنياهو في تحالفه مع اركان فاشية العصر (بن غفير وسموتريتش).
ان مذكرتي الاعتقال تطالان هرم الاجرام في اسرائيل، لكن لهذا الهرم قاعدة واسعة جدا، ما يعني ضرورة اصدار المحكمة لمذكرات الاعتقال ضد كل من ارتكب جرائم حرب، وبعض هذه الجرائم موثقة بالصوت والصورة. لذلك ندعو المحكمة الى توسيع دائرة الملاحقة لمجرمي الحرب الآخرين في دولة الاحتلال، من وزراء وضباط ومسؤولين أمنيين، لا تقل مسؤولياتهم عن حرب الإبادة الجماعية الإجرامية ضد شعبنا عن مسؤوليات نتنياهو وغالانت وهاليفي وغيرهم. 
واذا كانت اسرائيل واثقة من صدقية مزاعمها بشأن عدم ارتكابها جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية بحق الشعب الفلسطيني، فلماذا كل هذه الخشية من مذكرتي الاعتقال؟ واذا كانت حريصة على تطبيق القانون الدولي، كما تزعم، فلترسل المتهمين الى المحكمة ويقدما ما لديهما. لكن، ردة الفعل الاسرائيلية وطلب الدعم السريع من الولايات المتحدة ومن بعض الحلفاء الغربيين، يؤكد ان اسرائيل ليس لديها ما تقوله للمحكمة سوى اتهامات مكررة عن معاداة السامة وغير ذلك من اتهامات تستحضر امام كل مسألة يمكن ان تدين او تعزل او تعري «اسرائيل الدولة» وتفضح جرائمها وممارساتها ضد الشعب الفلسطيني.
إذ نرحب في «دائرة العلاقات الخارجية في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين» باصدار المحكمة الجنائية الدولية لمذكرتي اعتقال بحق كل من رئيس وزراء العدو الصهيوني ووزير دفاعه، فاننا نعتبر هذه الخطوة البداية لرحلة طويلة من النضال الدؤوب يتشارك فيها كل انصار الحرية والديمقراطية والمدافعين عن القانون الدولي، بشقيه العام والانساني، وعن الشعوب بتقرير مصيرها بحرية، على طريق تكريس مبدأ «عدم الافلات من العقاب» الذي كان سببا مباشرا في مواصلة جيش العدو الاسرائيلي في ارتكاب جرائمه منذ العام 1948، وبالتالي فان عدم المحاسبة سيعني شراكة من قبل الاطر السياسية والقانونية والقضائية الدولية في الجريمة.. 
وفي الوقت ذاته ندين مواقف الادارة الامريكية من المحكمة وقضاتها واحكامها، وهي مواقف تدلل على حقيقة نوايا الولايات المتحدة، ورغبتها في تدمير النظام العالمي ومؤسساته (الأمم المتحدة، محكمة العدل الدولية، المحكمة الجنائية الدولية والوكالات والمؤسسات الدولية الاخرى)، ليحل محلها نظام عالمي تقوده امريكا بقوة الحرب والقتل والحصار، ويعتمد عسكرة العلاقات الدولية ونشر الأحلاف العسكرية في كل قارات العالم، في عِداء سافر لكل مبادئ الديمقراطية الحقيقية، وحق الشعوب في العيش على أرضها بسلام وأمن واستقرار وتنمية اقتصادها وثرواتها الوطنية. ان المجتمع الدولي معني بالدفاع عن مؤسساته الدولية، والتصدي لسياسات الولايات المتحدة وافشال مخططاتها، لصالح نظام دولي يقوم على التعددية السياسية والديمقراطية واحترام ثقافات الشعوب وتقاليدها، وحقها في اختيار أنظمتها السياسية بما يخدم مصالحها.
كما ندعو كافة دول العالم، سواء الموقعين على نظام روما او الذين لم يوقعوا، الى دعم المحكمة الجنائية الدولية باعتبارها اداة العدالة الدولية، وتوفير الحماية لها، وابعادها عن الضغوط الأميركية والغربية، الهادفة الى تعطيل دورها، وتعطيل قرار توقيف نتنياهو وغالانت وكل من يَثُبت ارتكابه جريمة حرب ضد الشعب الفلسطيني. كما ان الحركات الشعبية العالمية من احزاب سياسية ومؤسسات نقابية على اختلافها مدعوة بدورها الى مواقف وتحركات ضاغطة على الدول المعادية للقانون والعدالة الدولية وحقوق الانسان لتعديل مواقفها باتجاه دعم احكام المحكمة، وقطع كافة الاتصالات مع مجرمي الحرب الاسرائيليين..