المفاوضات الاميركية بين غزة ولبنان… الى أين؟؟

أكتوبر 26, 2024

بدأت إسرائيل بتنفيذ خطة الجنرالات بما يتعلق بالتهجير والتجويع، التي اقترحها الجنرال السابق في جيش الاحتلال الاسرائيلي «غيورا ايلاند» على نتنياهو وتبناها عدد كبير من جنرالات جيش الاحتلال الاسرائيلي، والتي تهدف الى تهجير سكان شمال قطاع غزة، بعد فرض حصار كامل على المنطقة ومنع دخول المساعدات اليها، من اجل تجويع المدنيين، لتحويل شمال قطاع غزة الى منطقة عسكرية، واعتبار كل المدنيين الذين يرغبون بالبقاء في الشمال هم ارهابيين، ويجوز للجيش الاسرائيلي استهدافهم.
وبعد مرور أكثر من سنة على الابادة الجماعية في قطاع غزة، يواصل جيش الاحتلال الاسرائيلي عدوانه ويركز في الوقت الحالي على ارتكاب المجازر والمحارق في مخيم جباليا الواقع شمال قطاع غزة، بمعنى آخر أنه بدأ تنفيذ خطة الجنرالات رغم معارضة مجلس الامن لها في جلسته المنعقدة بتاريخ 16 أكتوبر 2024، ومنذ 20 يوما بلغت نسبة عدد الشهداء في جباليا 770 شهيدا وأكثر من 1000 جريح، اضافة الى تهجير 95% من سكان شمال القطاع، واختطاف العشرات منهم دون معرفة مصيرهم، ووضعت اسرائيل مخططات لبناء مستوطنات دائمة في قطاع غزة.
أما في لبنان، فقد زادت اسرائيل بنك أهدافها لتشمل قوات اليونيفيل التابعة للأمم المتحدة، مباني الصحفيين، الاطقم الطبية، مؤسسة القرض الحسن التي تقدم قروضا ميسورة للبنانيين بدون فوائد مالية، وتحاول التوغل البري الى جنوب لبنان، ولازالت تعرقل جميع المفاوضات والوساطات التي يقوم بها المبعوث الاميركي آموس هوكستين، وبعض الدول العربية، الى جانب فرنسا التي استضافت مؤتمرا لدعم لبنان بعد ان جرت مكالمة حادة بين الرئيس الفرنسي ايمانول ماكرون ونتنياهو الذي قال ان حرب الاستقلال عام 1948 (النكبة الفلسطينية) هي التي سمحت بقيام اسرائيل والتي شارك فيها جنرالات ناجين من المحرقة ومن حكومة فيشي الفرنسية وليست الامم المتحدة وقراراتها.
وإنطلاقا من وحدة الجبهات بين غزة ولبنان، لا يمكن الفصل بين مجريات الاحداث في لبنان عن قطاع غزة، لأن هدف اسرائيل واضح كعين الشمس، وهذا ما نقله هوكستين الى لبنان، حيث عرض وثيقة اسرائيلية تتضمن تعديل على قرار مجلس الامن 1701 الصادر عام 2006، والذي يشكل محط اجماع لبناني، ومن بين هذه التعديلات: مشاركة الجيش الاسرائيلي بتدمير قدرات حزب الله في جنوب لبنان، والتأكد من عدم امكانيته بإعادة بناء قدراته العسكرية، وحرية اسرائيل بخرق الاجواء اللبنانية، وبناء على ذلك، يمكن حينها ان توافق اسرائيل على حل دبلوماسي.
أما وزير الخارجية الاميركي انطوني بلينكن فقد أجرى مناقشات مع قطر بناء على مقترح اماراتي – اسرائيلي مشترك حول اليوم التالي لقطاع غزة، وعرض على السعودية والسلطة الفلسطينية، وبعد زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان القاهرة، وبحث مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قضية وقف العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة ومعالجة الاوضاع الانسانية فيه، طرحت عدة تساؤلات من الجانب الاسرائيلي تعبر عن قلقها لتغيير رئيس المخابرات المصرية عباس كامل الذي شغل منصبه منذ العام 2018، وتعيينه منسقا للاجهزة الامنية المصرية، معتبرين ان ذلك سيؤدي حتما الى تأخير صفقة تبادل الاسرى والتوصل الى تسوية سياسية.
وخلال اللقاء الذي جمع بلينكن مع وزير خارجية قطر محمد بن عبد الرحمن ال ثاني، تم الاعلان ان مسار المفاوضات سيتقدم خلال الايام المقبلة حول وقف اطلاق النار واطلاق صفقة تبادل للاسرى، كما ضغطت الادارة الاميركية على اسرائيل من اجل زيادة المساعدات الى قطاع غزة، السماح بزيارة الصليب الاحمر الدولي للاسرى الفلسطينيين، تجميد التشريعات التي تستهدف الاونروا، ومناقشة امكانية تولي جيش الاحتلال الاسرائيلي توزيع المساعدات في قطاع غزة في ظل معارضة شرسة من رئيس هيئة الاركان الاسرائيلي هليفي، ووزير الحرب غالانت، في مقابل دعم مطلق وتأييد من قبل وزير المالية الاسرائيلي سموتريتش.
وفي اطار متابعة حماس حركتها السياسية لافشال مخطط الجنرالات الاسرائيلية، التقت مع نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، لاسيما وان الموقف الروسي المتقدم والداعم للوقف الفوري لاطلاق النار وادخال المساعدات الى قطاع غزة، واجراء عملية تبادل للاسرى، وهذا ما اكد عليه الرئيس الروسي بوتين في قمة مجموعة «بريكس» محذرا من التصعيد ومن حرب واسعة النطاق في الشرق الاوسط.
أما في الواقع، وبعد الاطلاع على مجريات الاحداث، يتبين ان اهداف اسرائيل في الحرب على غزة ولبنان قد زادت، ولم تعد تتحدث كما أعلنت سابقا ان هدف حربها على لبنان هو اعادة سكان شمال اسرائيل الى بيوتهم وانشاء حزام امني على الحدود، وابعاد حزب الله بعض الكيلمترات عن نهر الليطاني، ولم تعد تتحدث ايضا عن المعرقلات التي وضعتها سابقا خلال المفاوضات بشأن وقف اطلاق النار في قطاع غزة والتي منها محور فيلاديلفيا ونتساريم، بل توسعت شهيتها للقضاء على كامل المقاومة الفلسطينية واللبنانية، والسيطرة على جنوب لبنان وقطاع غزة، لتنفيذ مشروعها الكبير وهو الشرق الاوسط الجديد، والذي يكمن بتهجير الفلسطينيين في الاراضي المحتلة عام 1948 الى لبنان، وسكان قطاع غزة الى سيناء، واهالي الضفة الغربية الى الاردن.
وتراهن اسرائيل في الوقت الحالي على تقدم دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الاميركية، لتنفيذ رؤيته التي وضعها في العام 2020، بعد ان اعلن القدس الموحدة عاصمة لاسرائيل ونقل السفارة الاميركية اليها، والتي تتحدث عن تفكيك المخيمات الفلسطينية وانهاء حق العودة الى اراضيهم الذي نص عليه القرار 194، واقامة التطبيع العربي – الاسرائيلي، وبعدها تصفية القضية الفلسطينية، دون اي حقوق للشعب الفلسطيني، بما يمهد هذا المشروع لهيمنة الولايات المتحدة الاميركية على الشرق الاوسط، والتفرغ لمحاصرة روسيا وفرض عقوبات على الصين، ومواجهة ايران في المنطقة. وذلك كما عبر بنيامين نتنياهو في خطابه الاخير امام الكونغرس الاميركي عن المشروع الاميركي في الشرق الاوسط قائلا ان معركة اسرائيل اليوم هي الدفاع عن مصالح اميركا في الشرق الاوسط، وان هذه الحرب هي حرب الحضارة ضد البربرية. وفي كلا الحالتين، سواء نجح ترامب ستقوم اسرائيل بضم الضفة الغربية، او نجحت كاميلا هارس ستكمل اسرائيل في بناء المستوطنات غير الشرعية، وبالتالي النتيجة واحدة وهي خسارة الشعب الفلسطيني لأرضه.
ليس اليوم امام الشعب الفلسطيني واللبناني سوا الاستمرار في المقاومة والصمود لمواجهة التحديات، لانه من الواضح ان افاق المفاوضات محدودة في الوقت الحالي، وليس هناك اي افق للحل الا بعد تراجع الادارة الاميركية واسرائيل عن مشروع الشرق الاوسط الجديد والذي يريد عسكرة الاتفاقيات الدولية والممرات المائية، واشراك اسرائيل في المنطقة من باب الهيمنة وجعلها العين الساهرة لحماية المصالح الاميركية، وهذا حال العملية العسكرية الروسية في اوكرانيا التي امتدت لاكثر من سنتين ولا تزال مستمرة، وكذلك الحرب في السودان، اضافة الى الحروب الاخرى.