دائرة العلاقات الخارجية في الجبهة الديمقراطية: رسالة إلى الاطر السياسية والمجتمعية العالمية في الذكرى السنوية لـ «طوفان الأقصى»: وجود الاحتلال وممارساته الفاشية يستوجبان كل يوم ثورة

أكتوبر 7, 2024

عام مضى من عمر حرب الابادة الجماعية التي ترتكبها الفاشية الاسرائيلية في قطاع غزه، والعالم، بدولة وهيئاته ومؤسساته السياسية والقضائية والدبلوماسية المختلفة، عاجز عن وضع حد لها، والتي ما كان لها ان تستمر وتتواصل لعام كامل لولا الدعم الكبير الذي حظيت به اسرائيل من الولايات المتحدة اولا ومن عدد من دول التحالف الغربي الاطلسي، والذين يتحملون جزءا كبيرا من مسؤولية قتل الاطفال والنساء الفلسطينيين..
عام من العدوان حقق فيه جيش الاحتلال الصهيوني الكثير من النتائج، بعد ان القى على المدنيين نحو 85 طنا من المتفجرات زودته بها الولايات المتحدة وعدد من الدول الغربية والتي كان من نتيجتها: قتل ما يزيد عن 41 الف شهيد منهم 29 الف من النساء والاطفال، غالبيتهم استهدفوا في مراكز الايواء الخاصة بالنازحين (تم استهداف 178 مركزا للإيواء) او في منازلهم، ونحو 100 الف جريح، اضافة الى اكثر من 10 آلاف مفقود. كما سقط آلاف الشهداء والجرحى من العاملين في القطاعات الصحية والتعليمية والاغاثية والصحفية والاعلامية المحلية والمنظمات الدولية.. ناهيك عن تدمير ما يزيد عن 80 بالمائة من قطاع غزه..
في المقابل ظلت الاهداف التي حددها قادة الارهاب في اسرائيل عنوانا لعدوانهم معلقة في الهواء دون ان يحقق منها شيئا وفي مقدمتها: تصفية حركات المقاومة، خاصة حركة حماس، وتفكيك بنيتها التحتية، تحرير الاسرى الاسرائيليين لدى المقاومة الفلسطينية، قيام سلطة مدنية تستجيب لاسرائيل ومطالبها، التهجير الجماعي للسكان وفرض مخطط الضم والحسم، الذي سبق وان اعلن عن تفاصيله عدد من المسؤوليين الاسرائيليين.
بعد عام من جنون القتل والتدمير، بات مؤكدا ان اسرائيل تعيش حالة من الارباك والفشل، يترجمها التناقض بين المستويين العسكري والسياسي: فالقادة العسكريون يعتبرون أنه لم يعد لديهم ما يفعلونه في قطاع غزة، خاصة في ظل غياب خطة واضحة من الحكومة لما تريده اسرائيل مستقبلا، وهم يزعمون ان قدرات المقاومة الفلسطينية لم تعد قادرة على تكرار مع حصل في 7 اكتوبر. اما على المستوى السياسي، فرئيس وزراء العدو واركان حكومته الفاشية يطرحون الذرائع لاطالة امد الحرب والبقاء في القطاع اطول فترة ممكنه، سواء عبر الحديث عن ضرورة البقاء في منطقة الشمال او اختلاق مشكلات جديدة مثل محوري فيلادلفيا ونتساريم، أو معبر رفح. لكن الوقائع الميدانية تؤكد ان المقاومة الفلسطينية، وان تعرضت لضربات كبيرة، لكنها ما زالت قوية وصامدة في ميدان الدفاع عن ارضها وشعبها، بحيث اصبح جنود ومواقع العدو الاسرائيلي أهداف يومية للمقاومة، التي تنجخ في ادخال جيش الاحتلال، بشكل تدريجي، في حرب استنزاف، زادتها، تعقيدا، الكمائن التي نجحت فيها المقاومة لدبابات الاحتلال وآلياته. ومرة أخرى تتأكد حقيقة أن القضية الفلسطينية، إلى جانب كونها قضية شعب يناضل من أجل التحرر الوطني وحق تقرير المصير، مازالت، كما كانت، محور إستقرار الإقليم وأمنه، ومفتاح تحولاته الإستراتيجية..
بعد عام على عملية طوفان الاقصى، وبعيدا عن توصيف ما حدث في قطاع غزه، والذي يرتقي الى افعال تتجاوز في فظاعتها وفاشيتها مصطلح حرب الابادة او الجرائم ضد الانسانية، فان الممارسات الفاشية الإسرائيلية على مساحة الضفة الغربية وقطاع غزه، جاءت لتعزز حقيقة واحدة: أن الشعب الفلسطيني يتعاطى مع عقليات فاشية واستئصالية لدى شرائح واسعة من المجتمع الصهيوني في اسرائيل، وهي لا تعترف لا بحقوق وطنية فلسطينية ولا بشعب فلسطيني متجذر بأرضه لآلاف السنين، وبالتالي فان سياسات القتل وعمليات الاستيطان واقتحام متكرر لساحات المسجد الاقصى والاعتقالات المستمرة وحصار غزه ومخطط الضم والتهجير والتطبيع على حساب الشعب الفلسطيني والارهاب اليومي من قبل جيش الاحتلال او المستوطنين.. كلها عناوين يستحق كل واحد منها ان تندلع لأجله كل يوم ثورة..
إن الحركة الصهيونية، بطبعتها الفاشية والدينية المتطرفة، وباستنادها إلى تراث فكري وسياسي عنصري ودموي، لم تعد تقتصر على إنكار الحقوق الوطنية الفلسطينية، بل باتت تقوم على نفي وجود الشعب الفلسطيني نفسه. ضمن هذه البيئة الأيديولوجية المريضة، تتحرك الحياة السياسية حاليا في إسرائيل، وإليها إتكأت حكومة نتنياهو، قبل عملية طوفان الاقصى، في التعاطي مع الشعب الفلسطيني عموما والضفة الغربية بما فيها القدس بشكل خاص. وتكفي اطلالة بسيطة على عدد الشهداء والجرحى الفلسطينيين وعلى العدد المتزايد لاعتداءات المستوطنين (خلال شهر واحد بلغ عدد اعتداءات جيش الاحتلال والمستوطنين في الضفة فقط 1242 اعتداءً)، لنكتشف كيف ترجمت الحركة الصهيونية افكارها في التعاطي مع الفلسطينيين خلال فترة قصيرة سبقت عملية 7 اكتوبر.
لذلك قلنا ونكرر، بأن عملية 7 اكتوبر لا يمكن قراءتها باعتبارها وليدة لحظتهاـ بل هي نتيجة لوجود الاحتلال ولتراكم ممارساته طيلة اكثر من 76 عاما، ونتيجة لحالة العجز الدولي وللمعايير المزدوجة للدول الكبرى، التي تعيد تكرار اخطاء ارتكبتها سابقا، وكانت احدى اسباب استمرار الصراع، خاصة لجهة تجاهل المجتمع الدولي لحق الشعب الفلسطيني في ممارسة حقوقه الوطنية فوق ارضه. ومن شأن استمرار هذه السياسة على حالها ان تبقي الصراع مفتوحا في المنطقة، طالما ان حرية الشعب الفلسطيني هي اسيرة الاحتلال والعدوان..
لقد إزدادت اسرائيل، جيشا ومستوطنون وقوى سياسية وشعبية ونخب، توحشا وغطرسة، وتوسعت دائرة فاشيتها لتشمل قطاع غزة بالإستناد إلى أجندة معلنة، وأخرى يُعمل عليها دون التصريح الكامل عن مضمونها؛ الأولى حددت هدفين لهذه الحرب: القضاء على المقاومة وإستعادة الأسرى؛ والثانية تستهدف التطهير العرقي وتهجير الشعب الفلسطيني خارج ترابه الوطني؛ وهذه الأجندة، وإن لم تكن واردة رسمياً في برنامج الحكومة، لكنها متضمنة في برامج عديد القوى المشاركة في الحكومة الإسرائيلية، وهي قيد التنفيذ بأساليب متعددة من قبلها. اما مخطط «الضم والحسم» فيعمل على تطبيقه بشكل تدريجي، ويقوم على ثلاث ركائز: مصادرة الأرض أي الضم، ووضع الشعب الفلسطيني أمام خيار الرحيل، أو البقاء في عين المكان إذعانا لمتطلبات الحسم، أو سجنا في حال الإعتراض، أو قتلا عند المقاومة.
بعد عام على عملية 7 اكتوبر، واهم من اعتقد ويعتقد أن حرب الإبادة التي ترتكبها الفاشية الاسرائيلية بدعم مباشر من دول غربية واطلسية قادرة على تركيع الشعب الفلسطيني، او أن عمليات القتل والتدمير والتجويع، سوف تحقق اهدافها بارغام الفلسطيني على رفع الراية البيضاء. فما تكرس وتأكد بعد عام هو أن القضية الفلسطينية، إلى جانب كونها قضية شعب يناضل من أجل التحرر الوطني وحق تقرير المصير، فهي محور إستقرار الإقليم وأمنه، ومفتاح تحولاته الإستراتيجية..
بعد مرور عام، لا يمكن قراءة النتائج التي ابرزتها عملية طوفان الاقصى، الا منةخلال تأكيد صحة النظرة الى الكيان الاسرائيلي باعتباره كيانا وظيفيا وبؤرة دفاع عن مصالح القوى الامبريالية والاستعمارية العالمية وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الامريكية التي خاضت حرب الابادة على قطاع غزه منذ لحظتها الاولى وحتى الآن، وبالتالي فان هذه الحرب لم تبرز عجز النظام الدولي عن حماية الشعوب في مواجهة القوى الغاشمة فقط، بل ايضا الحاجة الماسة الى نظام دولي جديد يكون اكثر توزنا في التعاطي مع القضايا الدولية واكثر تعبيرا واستجابة لحاجات الشعوب المختلفة، بعيدا عن منطق الهيمنة والاستعمار بمختلف اشكالها القديم والجديد.
اكدت تجربة نحو 76 عاما من احتلال فلسطين و57 عاما من احتلال الضفة الغربية وقطاع غزه استحالة التعايش مع الفاشية الاسرائيلية ومع مشاريع الاستعمار في فلسطين والمنطقة، في ظل ميل عنصري وفاشي جارف من قبل المجتمع الصهيوني الذي يزداد تطرفا، لقناعة منه بأنه يحظى بدعم القوى الدولية الكبرى التي تمده ليس فقط بالدعم العسكري والامني، بل وبكل اشكال الحماية، وتمنع دول العالم ومؤسساته المختلفة من ممارسة دورها في حفظ الامن والسلام الدوليين، وعنوانها المباشر في منطقتنا حل قضية فلسطين بالاستجابة لحقوق الشعب الفلسطيني في دولة مستقلة سيدة ومستقلة على كامل ارضها المحتلة وعاصمتها القدس وضمان تنفيذ قرارات الامم المتحدة بعودة جميع اللاجئين الى ارضهم وبيوتهم التي هجروا منها عام 1948 بقوة عمليات القتل والارهاب اللتين ارتكبتهما العصابات الصهيونية..
ان الاطر السياسية والحركات الشعبية العالمية بمختلف تشكيلاتها معنية بممارسة دورها في المساهمة في الجهد العالمي في فضح الحركة الصهيونية المتحالفة مع بعض القوى الاستعمارية الغربية وتعرية ما تقوم به من ممارسات اجرامية تطال كافة دول العالم الذي ذاق ذرعا بممارسات الفاشية الاسرائيلية والتي تترجمها عشرات القرارات الدولية التي تدين اسرائيل وما زالت دون تطبيق وآخرها القرار الصادر عن الجمعية العامة للامم المتحدة (ايلول 2024) والذي يطالب إسرائيل بأن تنهي «وجودها غير القانوني في الأرض الفلسطينية المحتلة» خلال 12 شهرا.
باسم «دائرة العلاقات الخارجية في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين» نتقدم منكم بهذه الرسالة في الذكرى السنوية لعملية «طوفان الاقصى»، التي كانت ردا طبيعيا على وجود الاحتلال وممارساته الارهابية ضد الشعب الفلسطيني طيلة اكثر من 76 عاما، شاكرين لكم دعمكم ومواقفكم لشعبنا وحقه في تقرير مصيره بحرية فوق ارضه، ونجدد دعوتنا لكم بمواصلة تحركاتكم الرافضة للعدوان والاحتلال، بهدف توسيع دائرة الضغط على الدول والحكومات الغربية الداعمة للاحتلال. مع التأكيد الدائم بأن الشعب الفلسطيني اليوم بات أمام خيار له الأولوية وهو المقاومة بكل أشكالها، في اطار المواجهة المستمرة بين المشروع الإسرائيلي الإستعماري، والمشروع الوطني التحرري الفلسطيني المنتصر حتما بارادة وصمود الشعب الفلسطيني ودعم كافة احرار العالم..