طلال أبو ظريفة: لسنا هوية تبحث عن مكان، بل مناضلون من أجل حرية الوطن

أغسطس 28, 2024

عندما‭ ‬ترغب‭ ‬في‭ ‬الكتابة،‭ ‬عن‭ ‬رفيق‭ ‬لك،‭ ‬عايشته‭ ‬لفترة‭ ‬زمنية‭ ‬طويلة‭ ‬في‭ ‬الإطارات‭ ‬الحزبية،‭ ‬وتعرفت‭ ‬عليه‭ ‬كإنسان،‭ ‬من‭ ‬لحم‭ ‬ودم،‭ ‬يفرح‭ ‬ويحزن،‭ ‬كباقي‭ ‬البشر،‭ ‬تصاب‭ ‬بالإرباك،‭ ‬وأنت‭ ‬تبحث‭ ‬عن‭ ‬الكلمات‭ ‬التي‭ ‬تعتقد‭ ‬أنها‭ ‬تفي‭ ‬صاحبك‭ ‬حقه،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تتجاهل‭ ‬الآخرين‭.‬

تتراكم‭ ‬أمامك،‭ ‬المشاهد‭ ‬والصور،‭ ‬تستدعيها‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬لرسم‭ ‬الصورة‭ ‬الأخيرة‭ ‬لشهيد‭ ‬رحل‭ ‬في‭ ‬غير‭ ‬موعده،‭ ‬وأنت‭ ‬تتخيله‭ ‬وقد‭ ‬استهدفته‭ ‬قذيفة‭ ‬من‭ ‬طائرة،‭ ‬ما‭ ‬اعتادت‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬تستهدف‭ ‬الأحياء‭ ‬والمنازل‭ ‬المدنية،‭ ‬فتحول‭ ‬المكان‭ ‬إلى‭ ‬ركام،‭ ‬والأجساد‭ ‬إلى‭ ‬أشلاء‭ ‬متناثرة‭ ‬في‭ ‬أرجاء‭ ‬المكان،‭ ‬تسبح‭ ‬في‭ ‬دماء‭ ‬هُدِرَت‭ ‬بوحشية،‭ ‬لا‭ ‬لسبب‭ ‬سوى‭ ‬لأن‭ ‬صاحبها‭ ‬فلسطيني،‭ ‬رفض‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬فلسطينياً،‭ ‬وألا‭ ‬يغيب‭ ‬عن‭ ‬أرض‭ ‬فلسطين،‭ ‬فوقها‭ ‬ولد،‭ ‬وعلى‭ ‬ترابها‭ ‬مشى،‭ ‬ومن‭ ‬مياهها‭ ‬ارتوى،‭ ‬غادرها‭ ‬لفترات‭ ‬قصيرة،‭ ‬تلبية‭ ‬لنداء‭ ‬العِلم‭ ‬والمعرفة،‭ ‬ثم‭ ‬عاد‭ ‬إليها‭ ‬بشوقه‭ ‬العارم،‭ ‬تفتح‭ ‬له‭ ‬ذراعيها،‭ ‬مناضلاً،‭ ‬مسخراً‭ ‬جهده‭ ‬وعقله‭ ‬وكل‭ ‬مشاعره‭ ‬في‭ ‬خدمة‭ ‬أقربائه‭ ‬وجيرانه،‭ ‬وأبناء‭ ‬حارته،‭ ‬مدركاً‭ ‬بإحساسه‭ ‬العميق‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬قيمة‭ ‬للفلسطيني‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬قدم‭ ‬لفلسطين‭ ‬وبذل‭ ‬حياته‭ ‬في‭ ‬سبيلها‭.‬

ولد‭ ‬الشهيد‭ ‬طلال‭ ‬أبو‭ ‬ظريفة،‭ ‬كأي‭ ‬مولود‭ ‬فلسطيني‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬يحمل‭ ‬في‭ ‬يده‭ ‬بطاقة‭ ‬تُعرّف‭ ‬بالهوية‭ ‬وتُجهل‭ ‬الجنسية،‭ ‬ومثل‭ ‬الكثيرين،‭ ‬نشأ‭ ‬طلال‭ ‬ونما،‭ ‬وانخرط‭ ‬في‭ ‬اتحاد‭ ‬الشباب‭ ‬الديمقراطي‭ ‬الفلسطيني‭ – ‬‮«‬أشد‮»‬،‭ ‬ما‭ ‬أسهم‭ ‬في‭ ‬تكوين‭ ‬شخصيته‭ ‬الوطنية‭ ‬وبلورتها،‭ ‬فنظر‭ ‬إلى‭ ‬فلسطين‭ ‬نظرة‭ ‬جديدة،‭ ‬ليس‭ ‬باعتبارها‭ ‬مجرد‭ ‬نكبة‭ ‬رافقها‭ ‬تهجير‭ ‬وتبديد،‭ ‬ومؤامرة‭ ‬لطمس‭ ‬الهوية،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬وطن،‭ ‬وشعب،‭ ‬وقضية،‭ ‬وهياكل‭ ‬وطنية،‭ ‬جمعت‭ ‬تحت‭ ‬راية‭ ‬فلسطين‭ ‬الملايين،‭ ‬وابتدأ‭ ‬في‭ ‬تلقي‭ ‬الفكر‭ ‬الجديد،‭ ‬الذي‭ ‬أبدع‭ ‬اليسار‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الجديد‭ ‬في‭ ‬بلورته‭ ‬مشروعاً‭ ‬نضالياً،‭ ‬أفاض‭ ‬على‭ ‬الجميع،‭ ‬وصار‭ ‬هو‭ ‬المشروع‭ ‬الوطني‭ ‬بعناصره،‭ ‬وهو‭ ‬العنوان‭ ‬بتفاصيله‭.‬

النقلة‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬حياته،‭ ‬كانت‭ ‬عندما‭ ‬سافر‭ ‬إلى‭ ‬الجزائر،‭ ‬بمنحة‭ ‬جامعية‭ ‬أمّنها‭ ‬إتحاد‭ ‬الشباب‭ – ‬‮«‬أشد‮»‬،‭ ‬وللمرة‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬حياته،‭ ‬خرج‭ ‬من‭ ‬خلف‭ ‬أسوار‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬إلى‭ ‬العالم‭ ‬الفسيح‭: ‬القاهرة،‭ ‬ثم‭ ‬الجزائر،‭ ‬حيث‭ ‬عاش‭ ‬أوضاعاً‭ ‬مختلفة،‭ ‬فقد‭ ‬تَعرَّف‭ ‬أكثر‭ ‬على‭ ‬فلسطين،‭ ‬حين‭ ‬التقى‭ ‬أقرانه‭ ‬الجامعيين،‭ ‬أبناء‭ ‬جِلدته،‭ ‬القادمين‭ ‬من‭ ‬أقطار‭ ‬اللجوء‭ ‬الأخرى‭: ‬سوريا،‭ ‬العراق،‭ ‬الأردن،‭ ‬كما‭ ‬تعرف‭ ‬إلى‭ ‬أبناء‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية،‭ ‬الشريك‭ ‬في‭ ‬معاناة‭ ‬الاحتلال‭.‬

كما‭ ‬تعرف‭ ‬إلى‭ ‬الشعب‭ ‬المضيف،‭ ‬وهو‭ ‬شعب‭ ‬بنى‭ ‬وطنه،‭ ‬بالتضحيات‭ ‬الغالية،‭ ‬عبر‭ ‬ثورة‭ ‬أفضت‭ ‬إلى‭ ‬تحرره‭ ‬من‭ ‬الاستعمار‭ ‬الفرنسي،‭ ‬أدرك‭ ‬أن‭ ‬الحرية‭ ‬حق‭ ‬مقدس‭ ‬للشعوب،‭ ‬وأن‭ ‬الحرية‭ ‬لا‭ ‬تُقدر‭ ‬بثمن،‭ ‬حتى‭ ‬ولو‭ ‬سُفِكَت‭ ‬في‭ ‬سبيلها‭ ‬دماء‭ ‬غزيرة،‭ ‬دماء‭ ‬الشهداء‭ ‬والجرحى،‭ ‬وأنَّ‭ ‬على‭ ‬الشعب‭ ‬المتطلع‭ ‬إلى‭ ‬الحرية‭ ‬أن‭ ‬يقدم‭ ‬ما‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬واجبات‭ ‬وتضحيات،‭ ‬وأنه‭ ‬دون‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬الحرية،‭ ‬مجرد‭ ‬لغو‭ ‬لا‭ ‬معنى‭ ‬له،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬أحياناً‭ ‬ذريعة‭ ‬واهية‭ ‬للتهرب‭ ‬من‭ ‬الواجبات‭ ‬الكبرى‭.‬

ضمن‭ ‬هذه‭ ‬الأجواء،‭ ‬إنخرط‭ ‬مع‭ ‬رفاقه‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬الوطني‭ ‬والنقابي‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬‮«‬أشد‮»‬‭ ‬وإتحاد‭ ‬طلاب‭ ‬فلسطين‭ ‬في‭ ‬الجزائر،‭ ‬واحتل‭ ‬مكانة‭ ‬متقدمة‭ ‬في‭ ‬النهوض‭ ‬بواجباته‭ ‬طالباً‭ ‬جامعياً،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬رفاقه،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬فلسطين‭.‬

النقلة‭ ‬الثانية‭ ‬في‭ ‬حياته،‭ ‬كانت‭ ‬عندما‭ ‬أنهى‭ ‬في‭ ‬الجزائر‭ ‬دراسته‭ ‬الجامعية،‭ ‬وبات‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يعود‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬إلى‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬يحمل‭ ‬معه‭ ‬علماً‭ ‬ومعرفة،‭ ‬ليكرس‭ ‬حياته،‭ ‬منذ‭ ‬تلك‭ ‬اللحظة،‭ ‬للتفرغ‭ ‬للعمل‭ ‬الوطني،‭ ‬واحداً‭ ‬من‭ ‬الكوادر‭ ‬المتقدمة‭ ‬للجبهة‭ ‬الديمقراطية‭ ‬في‭ ‬القطاع،‭ ‬يجند‭ ‬خبراته‭ ‬في‭ ‬خدمة‭ ‬شعبه‭ ‬وفي‭ ‬خدمة‭ ‬منظمات‭ ‬حزبه‭ ‬في‭ ‬القطاع،‭ ‬حيث‭ ‬تألق‭ ‬دوره‭ ‬كمنظم‭ ‬من‭ ‬طراز‭ ‬رفيع‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬إجتراح‭ ‬أشكال‭ ‬التنظيم‭ ‬واعتماد‭ ‬أشكال‭ ‬النضال‭ ‬المناسبة‭ ‬لاحتياجات‭ ‬تقدم‭ ‬دور‭ ‬حزبه‭ ‬في‭ ‬العملية‭ ‬الوطنية‭. ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬بدأت‭ ‬مكانته‭ ‬تتقدم،‭ ‬ودوره‭ ‬الوطني‭ ‬يتعزز‭ ‬عبر‭ ‬انتسابه‭ ‬إلى‭ ‬الاتحادات‭ ‬الشعبية‭ ‬التي‭ ‬توفرت‭ ‬لديه‭ ‬شروط‭ ‬الإنتساب‭ ‬إليها،‭ ‬ثم‭ ‬بدأ‭ ‬يتدرج‭ ‬في‭ ‬نهوضه‭ ‬مضطلعاً‭ ‬بدوره‭ ‬الوطني،‭ ‬فاحتل‭ ‬المواقع‭ ‬التالية‭:‬

•‭ ‬ممثلاً‭ ‬للجبهة‭ ‬الديمقراطية‭ ‬في‭ ‬الهيئة‭ ‬الوطنية‭ ‬لكسر‭ ‬الحصار‭ ‬وحق‭ ‬العودة‭.‬

•‭ ‬عضواً‭ ‬في‭ ‬المجلس‭ ‬الوطني‭ ‬الفلسطيني‭.‬

•‭ ‬ممثلاً‭ ‬للجبهة‭ ‬الديمقراطية‭ ‬في‭ ‬اللجنة‭ ‬العليا‭ ‬للتنسيق‭ ‬في‭ ‬القطاع‭.‬

تراه‭ ‬في‭ ‬مقدمة‭ ‬الصفوف‭ ‬في‭ ‬التظاهرات‭ ‬والإعتصامات‭ ‬الشعبية‭ ‬في‭ ‬طول‭ ‬القطاع‭ ‬وعرضه‭.‬

تراه‭ ‬على‭ ‬خطوط‭ ‬التماس‭ ‬في‭ ‬أيام‭ ‬الجمعات‭ ‬في‭ ‬مسيرات‭ ‬كسر‭ ‬الحصار‭ ‬وحق‭ ‬العودة‭.‬

تراه‭ ‬متحدثاً‭ ‬مفوهاً‭ ‬إلى‭ ‬رجال‭ ‬الإعلام‭ ‬حتى‭ ‬بات‭ ‬أحد‭ ‬المراجع‭ ‬الدائمة‭ ‬لمندوبي‭ ‬الفضائيات‭ ‬والصحف‭ ‬ومراكز‭ ‬الإعلام‭ ‬في‭ ‬القطاع‭.‬

هذه‭ ‬النشاطية‭ ‬المتميزة‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬الجماهيري‭ ‬والوطني،‭ ‬لم‭ ‬تُثنه‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬التنظيمي‭ ‬الداخلي‭ ‬عن‭ ‬تركيز‭ ‬جهده‭ ‬على‭ ‬عملية‭ ‬البناء‭ ‬الحزبي،‭ ‬بتعقيداتها‭ ‬وصعوباتها‭ ‬التي‭ ‬يدركها‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬دخل‭ ‬هذا‭ ‬العالم،‭ ‬مراكماً‭ ‬الخبرات‭ ‬والمهارات‭ ‬الناجمة‭ ‬عن‭ ‬الممارسة‭ ‬الهادفة،‭ ‬فأبدع‭ ‬بحِرَفيته‭ ‬ومثابرته‭ ‬وتحليه‭ ‬بمواصفات‭ ‬من‭ ‬تعاطى‭ ‬‮«‬الهندسة‭ ‬التنظيمية‮»‬‭ ‬على‭ ‬خلفية‭ ‬الإلمام‭ ‬بـ«هندسة‭ ‬علم‭ ‬الأحياء‮»‬‭ ‬التي‭ ‬اكتسبها‭ ‬من‭ ‬دراسته‭ ‬الجامعية‭.‬

النقلة‭ ‬الثالثة‭ ‬كانت‭ ‬مع‭ ‬انفجار‭ ‬‮«‬طوفان‭ ‬الأقصى‮»‬،‭ ‬وبات‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المحطة،‭ ‬أن‭ ‬يحسم‭ ‬خياره،‭ ‬كأي‭ ‬قائد‭ ‬وطني،‭ ‬بين‭ ‬تلبية‭ ‬إستحقاقات‭ ‬موقعه‭ ‬القيادي،‭ ‬في‭ ‬صفوف‭ ‬رفاقه‭ ‬وأبناء‭ ‬شعبه،‭ ‬وبين‭ ‬تلبية‭ ‬واجباته‭ ‬العائلية‭.‬

مهماته‭ ‬السياسية‭ ‬والتنظيمية‭ ‬كانت‭ ‬دائرتها‭ ‬الواسعة‭ ‬شمال‭ ‬القطاع،‭ ‬أي‭ ‬مدينة‭ ‬غزة‭ ‬وجوارها،‭ ‬ومنزله‭ ‬حيث‭ ‬تقيم‭ ‬عائلته‭ ‬في‭ ‬عبسان‭ ‬الكبيرة‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬القطاع‭.‬

وكما‭ ‬هو‭ ‬منتظر‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬قائد،‭ ‬إنحاز‭ ‬لواجبه‭ ‬الوطني،‭ ‬وبقي‭ ‬في‭ ‬الشمال،‭ ‬تصاعدت‭ ‬عمليات‭ ‬القصف‭ ‬التدميري،‭ ‬والاجتياحات،‭ ‬لكنه‭ ‬بقي‭ ‬ثابتاً،‭ ‬صامداً‭ ‬ولم‭ ‬يغادر،‭ ‬وبقي‭ ‬يتنقل‭ ‬من‭ ‬مكان‭ ‬إلى‭ ‬آخر،‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬القطاع‭ ‬في‭ ‬قيادة‭ ‬منظمات‭ ‬الجبهة‭ ‬الديمقراطية،‭ ‬بالتوجيه‭ ‬لجناحها‭ ‬العسكري‭ ‬‮«‬قوات‭ ‬الشهيد‭ ‬عمر‭ ‬القاسم‮»‬،‭ ‬والدور‭ ‬الميداني‭ ‬في‭ ‬مراكز‭ ‬الإيواء‭ ‬والمستشفيات،‭ ‬جنباً‭ ‬إلى‭ ‬جنب‭ ‬مع‭ ‬لجان‭ ‬العمل‭ ‬الطوعي،‭ ‬من‭ ‬الجبهة‭ ‬الديمقراطية‭ ‬ومن‭ ‬الفصائل‭ ‬الأخرى،‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬صمود‭ ‬الناس،‭ ‬في‭ ‬حرب،‭ ‬أدرك‭ ‬أنها‭ ‬ستكون‭ ‬طويلة‭. ‬

وختاماً‭ ‬أتت‭ ‬النقلة‭ ‬الرابعة،‭ ‬حيث‭ ‬طالت‭ ‬الحرب،‭ ‬وبقي‭ ‬شمال‭ ‬القطاع‭ ‬ساحتها‭ ‬الرئيسية،‭ ‬بالكاد‭ ‬تصله‭ ‬أنباء‭ ‬عائلته،‭ ‬ودع‭ ‬عدداً‭ ‬من‭ ‬أقربائه،‭ ‬قضوا‭ ‬بنيران‭ ‬الطائرات‭ ‬الحربية‭ ‬الإسرائيلية‭.‬

وفي‭ ‬ليل‭ ‬16‭/‬5‭/‬2024،‭ ‬وبينما‭ ‬كان‭ ‬يأوي،‭ ‬في‭ ‬ساعات‭ ‬الليل‭ ‬الأخيرة،‭ ‬إلى‭ ‬مهجعه،‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يعتقد‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬آمناً‭ ‬بالقدر‭ ‬الكافي،‭ ‬سقطت‭ ‬من‭ ‬الأعلى،‭ ‬صاعقة‭ ‬أميركية‭ ‬الصنع،‭ ‬ألقت‭ ‬بها‭ ‬طائرة‭ ‬أميركية‭ ‬الصنع‭ ‬أيضاً‭ ‬يقودها‭ ‬طيار‭ ‬إسرائيلي،‭ ‬أحالت‭ ‬المنزل‭ ‬إلى‭ ‬دمار‭ ‬شامل،‭ ‬وحولته‭ ‬مع‭ ‬رفيقه‭ ‬القائد‭ ‬العسكري‭ ‬الميداني‭ ‬محمود‭ ‬حمامي،‭ ‬إلى‭ ‬أشلاء،‭ ‬بذل‭ ‬رفاقهما‭ ‬جهداً‭ ‬مضنياً‭ ‬في‭ ‬تجميعها‭ ‬في‭ ‬أكياس‭ ‬رحيل‭ ‬الشهداء‭.‬

وفي‭ ‬جنازة‭ ‬مهيبة،‭ ‬شديدة‭ ‬التواضع،‭ ‬عميقة‭ ‬في‭ ‬رمزيتها،‭ ‬ووري‭ ‬ورفيقه‭ ‬محمود‭ ‬الثرى،‭ ‬محاطاً‭ ‬بألم‭ ‬الفراق‭ ‬الأخير،‭ ‬ليصبح‭ ‬طلال‭ ‬أبو‭ ‬ظريفة‭ ‬عضو‭ ‬المكتب‭ ‬السياسي‭ ‬للجبهة‭ ‬الديمقراطية‭ ‬لتحرير‭ ‬فلسطين،‭ ‬ذكرى‭ ‬لا‭ ‬تُنسى،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬منظمات‭ ‬الجبهة‭ ‬الذين‭ ‬سبقوه،‭ ‬والذين‭ ‬سيلحقون‭ ‬به،‭ ‬إلى‭ ‬الشهادة،‭ ‬على‭ ‬طريق‭ ‬القدس‭.‬

طلال‭ ‬أبو‭ ‬ظريفة،‭ ‬أيها‭ ‬الرفيق،‭ ‬لقد‭ ‬كنت‭ ‬قائداً‭ ‬بالفطرة،‭ ‬صقلتك‭ ‬التجربة‭ ‬في‭ ‬الميدان،‭ ‬وكان‭ ‬شعارك‭ ‬دائماً‭: ‬‮«‬لسنا‭ ‬هوية‭ ‬تبحث‭ ‬عن‭ ‬مكان،‭ ‬بل‭ ‬مناضلون‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬حرية‭ ‬الوطن‮»‬