التصعيد والاغتيالات هروب للأمام لن يعيد لدولة الاحتلال وهم قوة ردع أو يمنحها انتصار مزعوم
خيارات المشاركة
المقالات
رباح جبر | عضو لجنة مركزية للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، ومسؤول الإعلام في إقليم الضفة الغربية
في منتصف أكتوبر الماضي وبعد طوفان الأقصى في السابع منه ، صرّح أكثر من مسؤول سياسي وعسكري في دولة الإحتلال أن الحرب على غزة – كان ذلك قبل الغزو البري بأيام – ستكون في أحد أهدافها إرسال رسالة للإقليم مفادها ” يجب أن لا يفكر أي أحد في الشرق الأوسط أن يلعب معنا بعد اليوم ”، وهذا بحد ذاته تعبير درامي عن المأساة التي حلّت بقوة الردع التي طالما روّجت دولة الإحتلال لها منذ تأسيسها وأوهمت بعض العرب بها، واستخدمتها من أجل دفع عملية التطبيع مع بعض” العربان ” الذين كانوا يرون فيها ( أي في دولة الإحتلال) منقذا لهم من البعبع الإيراني وأطماعه المزعومة في الإقليم ؟؟؟
وبالرغم من كل مساعيها وجرائمها المرتكبة على مدار معركة طوفان الأقصى، فقد أصبحت قوة الردع المزعومة لدولة الاحتلال جزءا من الماضي ، وكثر اللاعبون في الشرق الأوسط من خلال جبهات الإسناد لغزة التي توقع بالاحتلال ضربات وخسائر لم تكن في حسبانها عندما شنّت حرب الإبادة على غزة ، وغرقت إسرائيل في الوحل بفعل صمود المقاومة والحاضنة الشعبية ، ولم تتمكن دولة الإحتلال من إعادة حوالى مائة ألف مستوطن إلى مستوطنات شمال فلسطين منذ عشرة أشهر وعشرات الآلاف إلى مستوطنات غلاف غزة ، ولم تحقق أي من أهداف الحرب المعلنة.
وهذا الفشل الإسرائيلي باستعادة صورة قوة الردع التي انهارت في السابع من أكتوبر والفشل في تحقيق أي انتصار يقدمه للشارع الإسرائيلي علّه يعوض بعض الخسائر المادية والبشرية والسياسية التي منيت بها دولة الإحتلال ، دفع نتنياهو وحكومته الفاشية بعد صراخه الذي امتد على مدار ساعة في الكونغرس ، هذا الصراخ الذي جاء على قدر الوجع الذي تعاني منه إسرائيل ، دفع بحكومة الإحتلال الفاشية ونتنياهو إلى أخذ الموافقة الأمريكية على التصعيد والإغتيالات التي كان أبرزها اغتيال الشهيد إسماعيل هنية في قلب العاصمة الإيرانية ، دافعا بالمنطقة إلى حافة حرب إقليمية .
وها هي جبهات المقاومة هذه الأيام في لبنان واليمن والعراق ومؤخرا إيران ، تستعد لتوجيه ضربة لدولة الاحتلال ردا على عمليات الإغتيال للقائد فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية في بيروت والقائد الوطني البارز إسماعيل هنية ، مما دفع دولة الإحتلال مجددا لأن تستصرخ مجددا حلفائها الغربيين والأمريكان – الذين لولا مساعدتهم لما تمكنت إسرائيل أن تغتال القائد إسماعيل هنية – للدفاع عنها وحمايتها ولما كانت قادرة على شن عدوانها المتواصل منذ عشرة أشهر … وعلى حد قول أحد المحللين الإسرائيليين الذي قال مجازا (( لولا الدعم الأمريكي والغربي لاضطرت إسرائيل أن تقاتل بالعصا والحجارة )) ، لقد تكشفت وإلى الأبد هشاشة إسرائيل التي – ومنذ عشرة شهور- تقتل ولا تقاتل ، ومجرّد القتل والتدمير من أجل الإنتقام ليس انتصارا ولن يعيد صورة قوة الردع.
لقد تبين ضعف إسرائيل في السابع من أكتوبر عندما تلقت بمنظومتها الإمنية والتكنولوجية والعسكرية ضربة مؤلمة ، وتبعها عملية القتل لعشرات آلاف المدنيين الغزيين حوالي نصفهم من الأطفال والتدمير الممنهج للبنية التحتية والمستشفيات والمدارس وحتى المقابر وحرب التجويع وكل ما يرمز للحياة علّ وعسى أن يعيد كل ذلك شيئا من قوة الردع الموهومة ، وبدلا من أن تستعيد صورة الردع والإنتصار، ها هي إسرائيل في نظر غالبية العالم دولا وشعوبا إصبحت دولة مارقة منبوذة ومعزولة وتزداد حملات مقاطعتها في كل المجالات والمستويات ، وتم جلبها إلى محكمة العدل الدولية بتهمة الإبادة الجماعية ، بالاضافة إلى احتمالية إصدار الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحق رئيس وزرائها ووزير حربها.
إن التصعيد الإسرائلي وموجة الإغتيالات هو هروب إلى الأمام لم ولن تستعيد دولة الإحتلال من خلاله قوة الردع الموهومة ، أو تحقق لنتنياهو وهم انتصار يقدمه للشارع الإسرائيلي بعد عشرة شهور من العدوان على شعبنا فشل فيها في تحقيق أي من أهدافه ، فالإغتيالات خبرها شعبنا على مدار الثورة الفلسطينية المعاصرة وما زادته إلا إصرارا على النضال ضد الاحتلال وسياساته ومن أجل تجسيد حقوقه الوطنية في العودة والاستقلال الناجز.
في الختام لا بد من التأكيد على أنه كان بالإمكان – لو توفر مركز قيادي فلسطيني موحد يخاطب العالم بصوت واحد وسياسة واحدة مستندة إلى استراتيجية كفاحية – أن نجعل كل العالم يتحدّث عن اليوم التالي في إسرائيل ، كدولة تشهد تفسخا وصراعا داخليا غير مسبوق وصفه العديد من الإسرائيليين بأنه بداية حرب أهلية وتفكك الدولة وانهيارها، دولة مارقة ومعزولة وتحاكم أمام المحاكم الدولية ، دولة فقدت وإلى الأبد صورة الدولة القوية صاحبة اليد الطولى في منطقة الشرق الأوسط ، وتراجعت مكانتها ودورها الوظيفي الذي أنشأت من أجل القيام به قبل ست وسبعين عاما.