الصحافة مش جريمة، وقتل الحقيقة لن يوقف التغطية

أغسطس 2, 2024

كتب‭ ‬الراحل‭ ‬جيرسون‭ ‬كنيسبل‭ ‬‮«‬في‭ ‬الحرب‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬يُقتل‭ ‬هي‭ ‬الحقيقة‮»…‬‭ ‬هكذا‭ ‬اغتالت‭ ‬الدولة‭ ‬القائمة‭ ‬بالاحتلال‭ ‬157‭ ‬صحفياً‭ ‬وعاملاً‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬الإعلام‭ ‬منذ‭ ‬بدء‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬على‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬في‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬تشرين‭ ‬الأول‭ (‬أكتوبر‭) ‬الماضي‭ ‬كان‭ ‬آخرهم‭ ‬الزميلين‭ ‬الصحفيين‭ ‬إسماعيل‭ ‬الغول‭ ‬مراسل‭ ‬قناة‭ ‬الجزيرة‭ ‬والمصور‭ ‬الصحفي‭ ‬رامي‭ ‬الريفي‭ ‬الذي‭ ‬يعمل‭ ‬لصالح‭ ‬الوكالة‭ ‬الوطنية‭ ‬للاعلام،‭ ‬في‭ ‬إطلاق‭ ‬صاروخ‭ ‬موجه‭ ‬نحو‭ ‬السيارة‭ ‬المرمزة‭ ‬بإشارة‭ ‬‮«‬TV‮»‬‭ ‬و‮«‬PRESS‮»‬‭ ‬وكانا‭ ‬يستقلانها‭ ‬بعد‭ ‬تغطية‭ ‬إعلامية‭ ‬قرب‭ ‬منزل‭ ‬رئيس‭ ‬المكتب‭ ‬السياسي‭ ‬لحركة‭ ‬حماس‭ ‬إسماعيل‭ ‬هنية،‭ ‬بُغية‭ ‬قتلهما‭ ‬واسكاتهما،‭ ‬رغم‭ ‬أنهما‭ ‬يرتديان‭ ‬سُترات‭ ‬وخوذ‭ ‬صحفية‭ ‬في‭ ‬جريمة‭ ‬اغتيال‭ ‬جبانة‭ ‬مع‭ ‬سبق‭ ‬الاصرار‭ ‬تضاف‭ ‬إلى‭ ‬سجل‭ ‬جرائم‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭.‬

هنا‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬وهي‭ ‬تسدل‭ ‬الستار‭ ‬عن‭ ‬300‭ ‬يوم‭ ‬من‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬المتواصلة‭ ‬على‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬وخاصة‭ ‬الأسرة‭ ‬الصحفية،‭ ‬اعتدت‭ ‬على‭ ‬لقاء‭ ‬الزميلين‭ ‬اسماعيل‭ ‬الغول‭ ‬ورامي‭ ‬الريفي‭ ‬وعدد‭ ‬من‭ ‬الصحفيين،‭ ‬والاستماع‭ ‬إلى‭ ‬التحديات‭ ‬والمخاطر‭ ‬التي‭ ‬يواجهونها‭ ‬أثناء‭ ‬عملهما،‭ ‬والقيام‭ ‬بواجبهم‭ ‬المهني‭ ‬في‭ ‬تغطية‭ ‬وتوثيق‭ ‬جرائم‭ ‬الإبادة‭ ‬وتقديم‭ ‬الرسالة‭ ‬الإعلامية‭ ‬عما‭ ‬يجري‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬من‭ ‬حرب‭ ‬ابادة‭. ‬فألف‭ ‬رحمة‭ ‬وسلام‭ ‬لروحهما‭ ‬ليلتحقا‭ ‬بركب‭ ‬شهداء‭ ‬الصحافة‭ ‬ممن‭ ‬سبقوهم‮…‬

تخطئ‭ ‬دولة‭ ‬الاحتلال‭ ‬إن‭ ‬ظنت‭ ‬أن‭ ‬اغتيال‭ ‬الصحفيين‭ ‬وعوائلهم‭ ‬سيرهبهم‭ ‬وسيوقف‭ ‬مسيرتهم‭ ‬الإعلامية‭ ‬في‭ ‬التغطية‭ ‬لمجريات‭ ‬جرائم‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬ونقلها‭ ‬إلى‭ ‬العالم،‭ ‬فالصحفيون‭ ‬مصرون‭ ‬على‭ ‬استمرار‭ ‬التغطية‭ ‬الإعلامية‭ ‬وفضح‭ ‬جرائم‭ ‬الحرب‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬بحق‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬والتي‭ ‬راح‭ ‬ضحيتها‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬50‭ ‬ألفاً‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬شهيد‭ ‬ومفقود‭ ‬وأكثر‭ ‬من‭ ‬90‭ ‬ألف‭ ‬جريح‭ ‬وآلاف‭ ‬المعتقلين‭.‬

ومن‭ ‬الواضح‭ ‬أن‭ ‬دولة‭ ‬الاحتلال‭ ‬لم‭ ‬تكتف‭ ‬بقتل‭ ‬المدنيين‭ ‬وتدمير‭ ‬البيوت‭ ‬على‭ ‬رؤوس‭ ‬ساكنيها‭ ‬وتدمير‭ ‬البنى‭ ‬التحتية،‭ ‬بل‭ ‬قتل‭ ‬الحقيقة‭ ‬واخفاء‭ ‬مدلولاتها‭ ‬وترهيب‭ ‬الشاهد‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬الجرائم‭ ‬بقتلها‭ ‬نحو‭ ‬157‭ ‬صحفياً‭ ‬وعاملاً‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬الإعلام‭ ‬وقتل‭ ‬العشرات‭ ‬من‭ ‬عوائلهم،‭ ‬وتدمير‭ ‬نحو‭ ‬100‭ ‬مقر‭ ‬لمؤسسات‭ ‬صحفية،‭ ‬واعتقال‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬100‭ ‬صحفي‭ ‬وصحفية،‭ ‬معظمهم‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬رهن‭ ‬الاعتقال‭ ‬بسجون‭ ‬الاحتلال،‭ ‬وإخفاء‭ ‬4‭ ‬زملاء‭ ‬صحفيين‭ ‬قسراً‭ ‬دون‭ ‬معرفة‭ ‬مصيرهم‭ ‬إلى‭ ‬اليوم،‭ ‬استنادًا‭ ‬إلى‭ ‬تقارير‭ ‬حقوقية‭ ‬صادرة‭ ‬عن‭ ‬نقابة‭ ‬الصحفيين‭ ‬الفلسطينيين‭.‬

حيث‭ ‬تواصل‭ ‬دولة‭ ‬الاحتلال‭ ‬حربها‭ ‬على‭ ‬الإعلام‭ ‬الفلسطيني‭ ‬والعربي‭ ‬والدولي‭ ‬بمنع‭ ‬قناة‭ ‬الجزيرة‭ ‬من‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬ال48‭ ‬والقدس،‭ ‬وكذلك‭ ‬منع‭ ‬الصحفيين‭ ‬الأجانب‭ ‬من‭ ‬الدخول‭ ‬لقطاع‭ ‬غزة‭ ‬لتغطية‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬والاقتصار‭ ‬على‭ ‬الصحفيين‭ ‬العسكريين‭ ‬الذين‭ ‬يرافقون‭ ‬جيش‭ ‬الاحتلال‭ ‬في‭ ‬جرائمه‭ ‬المتواصلة‭ ‬على‭ ‬القطاع‭ ‬للشهر‭ ‬الحادي‭ ‬عشر‭ ‬على‭ ‬التوالي‭.‬

ولم‭ ‬تذعن‭ ‬دولة‭ ‬الاحتلال‭ ‬لنداءات‭ ‬المنظمات‭ ‬الدولية‭ ‬والأممية‭ ‬والمجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬المطالبة‭ ‬بوقف‭ ‬تجريم‭ ‬الصحافة‭ ‬واغتيال‭ ‬الصحفيين‭ ‬الذين‭ ‬يواصلون‭ ‬عملهم‭ ‬المقدس‭ ‬في‭ ‬تغطية‭ ‬الحقيقة‭ ‬وكشفها‭ ‬إلى‭ ‬العالم،‭ ‬يؤدون‭ ‬مهنتهم‭ ‬السامية‭ ‬التي‭ ‬كفل‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬ضرورة‭ ‬احترامها‭ ‬واحترام‭ ‬أصحابها،‭ ‬وتجنيبهم‭ ‬مخاطر‭ ‬الحرب‭ ‬وتوفير‭ ‬الحماية‭ ‬لهم،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬دولة‭ ‬الاحتلال‭ ‬وحكومتها‭ ‬الفاشية‭ ‬وجيشها‭ ‬الذي‭ ‬وصفته‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬بأنه‭ ‬الجيش‭ ‬القاتل‭ ‬للأطفال،‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬تمضي‭ ‬في‭ ‬غيها‭ ‬في‭ ‬تحدٍ‭ ‬سافرٍ‭ ‬للمجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬ما‭ ‬يؤكد‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬أن‭ ‬دولة‭ ‬الاحتلال‭ ‬هي‭ ‬دولةٌ‭ ‬مارقة‭ ‬وفوق‭ ‬القانون‭ ‬الدولي،‭ ‬يتوجب‭ ‬على‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬مقاطعتها‭ ‬وعزلها‭ ‬وطردها‭ ‬من‭ ‬كافة‭ ‬المؤسسات‭ ‬الدولية‭ ‬والأممية‭.‬

رغم‭ ‬المخاطر‭ ‬والمتاعب‭ ‬والاستهداف‭ ‬الممنهج‭ ‬للصحفيين‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬وعوائلهم‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬لإسكاتهم‭ ‬والنيل‭ ‬منهم‭ ‬ومن‭ ‬دورهم‭ ‬المهني،‭ ‬سيواصل‭ ‬الصحفيون‭ ‬دورهم‭ ‬في‭ ‬الكتابة‭ ‬والتغطية‭ ‬بالدم‭ ‬لأجل‭ ‬فلسطين‭ ‬وتضحيات‭ ‬شعبها‭ ‬ومستقبل‭ ‬أبنائها،‭ ‬وفي‭ ‬توثيق‭ ‬وكشف‭ ‬الحقيقة‭ ‬وفضح‭ ‬ممارسات‭ ‬وجرائم‭ ‬دولة‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬دون‭ ‬دأب‭ ‬أو‭ ‬كلل،‭ ‬وسيواصلون‭ ‬تجسيد‭ ‬مقولة‭ ‬زميلتهم‭ ‬الصحفية‭ ‬شيرين‭ ‬أبو‭ ‬عاقلة‭ ‬‮«‬ليس‭ ‬سهلاً‭ ‬أن‭ ‬أغير‭ ‬الواقع،‭ ‬لكنني‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬كنت‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬إيصال‭ ‬ذلك‭ ‬الصوت‭ ‬إلى‭ ‬العالم‮»‬‭ ‬التي‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬قاتلوها‭ ‬طلقاء‭ ‬دون‭ ‬عقاب‭.‬

رحل‭ ‬الزملاء‭ ‬الصحفيون‭ ‬ولكن‭ ‬رسالتهم‭ ‬الإعلامية‭ ‬ستبقى‭ ‬تصدح‭ ‬في‭ ‬عقولنا‭ ‬وسنكمل‭ ‬المشوار‭ ‬في‭ ‬حمل‭ ‬الرسالة‭ ‬الإعلامية‭ ‬ومتابعة‭ ‬جرائم‭ ‬الإبادة‭ ‬في‭ ‬المحافل‭ ‬الدولية‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬محكمة‭ ‬الجنائية‭ ‬الدولية‭ ‬وفتح‭ ‬تحقيق‭ ‬دولي‭ ‬مستقل‭ ‬لمحاسبة‭ ‬المسؤولين‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الجرائم‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يلقى‭ ‬الجُناة‭ ‬المجرمين‭ ‬العقاب‭.‬