إسرائيل‭ ‬تواصل‭ ‬حربها‭ ‬على‭ ‬الحقيقة

أغسطس 1, 2024

في‭ ‬لحظة‭ ‬ما،‭ ‬ربما‭ ‬لم‭ ‬نكن‭ ‬ندرك‭ ‬حجم‭ ‬وتأثير‭ ‬بعض‭ ‬مقولات‭ ‬تلك‭ ‬الشخصيات‭ ‬التي‭ ‬تتحدث‭ ‬عن‭ ‬معاناة‭ ‬شعوبها‭ ‬وأوطانها،‭ ‬خاصة‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬ترزح‭ ‬تحت‭ ‬وطأة‭ ‬الاستعمار‭ ‬التاريخي‭ ‬الذي‭ ‬يهدد‭ ‬مصير‭ ‬الشعوب‭ ‬وحقها‭ ‬الوجودي،‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الحال‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭.‬

هنا‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬تلك‭ ‬البقعة‭ ‬الجغرافية‭ ‬الصغيرة،‭ ‬وعلى‭ ‬مدار‭ ‬300‭ ‬يوم،‭ ‬نعيش‭ ‬غمار‭ ‬حرب‭ ‬ظلامية،‭ ‬يسود‭ ‬فيها‭ ‬القتل‭ ‬والإعدام،‭ ‬الحرق‭ ‬والتدمير،‭ ‬الاعتقال‭ ‬والتعذيب،‭ ‬التجريف‭ ‬والتخريب،‭ ‬والاجتياح‭ ‬اللامنقطع،‭ ‬أي‭ ‬أبشع‭ ‬الانتهاكات‭ ‬للقوانين‭ ‬والأعراف‭ ‬الدولية‭.‬

نجدها‭ ‬مقولات‭ ‬لشخصيات‭ ‬قدمت‭ ‬ثقافة‭ ‬عنوانها‭ ‬الثبات‭ ‬لا‭ ‬الرجوع،‭ ‬عدم‭ ‬اليأس‭ ‬أو‭ ‬الاستسلام،‭ ‬والتأكيد‭ ‬على‭ ‬عدم‭ ‬اسكات‭ ‬الصوت‭ ‬الحر،‭ ‬لكنه‭ ‬وجب‭ ‬الحذر‭. ‬لذلك‭ ‬نبقى‭ ‬أمام‭ ‬مشهد‭ ‬قديم‭ ‬جديد‭ ‬من‭ ‬فصول‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬وهو‭ ‬استمرار‭ ‬استهداف‭ ‬الصحفيين‭ ‬أصحاب‭ ‬الرسالة‭ ‬السامية‭ ‬والمُقدسة،‭ ‬حيث‭ ‬تستمر‭ ‬آلة‭ ‬الحرب‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬في‭ ‬قتلهم‭ ‬بشكل‭ ‬ممنهج‭ ‬ومقصود،‭ ‬وكان‭ ‬آخر‭ ‬هذه‭ ‬الجرائم‭ ‬اغتيال‭ ‬الزميلين‭ ‬إسماعيل‭ ‬الغول‭ ‬ورامي‭ ‬الريفي‭ ‬بمدينة‭ ‬غزة،‭ ‬ليرتفع‭ ‬عدد‭ ‬شهداء‭ ‬الصحافة‭ ‬إلى‭ (‬157‭)‬،‭ ‬وفق‭ ‬نقابة‭ ‬الصحفيين‭.‬

المراسل‭ ‬إسماعيل‭ ‬الغول،‭ ‬ذاك‭ ‬الصحفي‭ ‬الشجاع‭ ‬الذي‭ ‬ضل‭ ‬ثابتا،‭ ‬مُلازما‭ ‬لمعاناة‭ ‬شعبه،‭ ‬مُتحديا‭ ‬الظروف‭ ‬الإنسانية‭ ‬الصعبة،‭ ‬مُصاحبا‭ ‬لظروف‭ ‬الميدان،‭ ‬مُحبا‭ ‬لمهنته‭ ‬السامية،‭ ‬فأحبه‭ ‬شعبه‭. ‬هذا‭ ‬الفارس،‭ ‬ضل‭ ‬ناقلا‭ ‬للحقيقة‭ ‬حتى‭ ‬لحظة‭ ‬استشهاده،‭ ‬رفض‭ ‬الاستسلام‭ ‬لواقع‭ ‬حاول‭ ‬فرضه‭ ‬الاحتلال‭ ‬لطمس‭ ‬الحقيقة‭ ‬واخماد‭ ‬الصوت،‭ ‬واليوم‭ ‬تزفه‭ ‬غزة‭ ‬أيقونة‭ ‬لحرية‭ ‬الصحافة‭ ‬المفقودة،‭ ‬فلا‭ ‬تُنسى‭ ‬عبارته‭ ‬الشهيرة‭: ‬“لا‭ ‬أخجل‭ ‬أن‭ ‬أقف‭ ‬أمام‭ ‬الكاميرا‭ ‬وأقول‭ ‬أنا‭ ‬جائع،‭ ‬يسألني‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأطفال‭ ‬عن‭ ‬شيءٍ‭ ‬ليأكلوه،‭ ‬وهم‭ ‬لا‭ ‬يعلمون‭ ‬أنني‭ ‬مثلهم‭ ‬لا‭ ‬أنام‭ ‬في‭ ‬الليل‭ ‬من‭ ‬الجوع”‭.‬

استوقفتني‭ ‬مقولة‭ ‬للفنان‭ ‬الشهيد‭ ‬ناجي‭ ‬العلي‭ ‬الذي‭ ‬اغتيل‭ ‬هو‭ ‬أيضا‭ ‬لأنه‭ ‬يرسم‭ ‬لأجل‭ ‬فلسطين،‭ ‬حين‭ ‬قال‭: ‬“الي‭ ‬بده‭ ‬يكتب‭ ‬عن‭ ‬فلسطين،‭ ‬وبده‭ ‬يرسم‭ ‬لفلسطين‭ ‬بده‭ ‬يعرف‭ ‬حاله‭ ‬ميت‭.. ‬أنا‭ ‬مش‭ ‬ممكن‭ ‬أتخلى‭ ‬عن‭ ‬مبادئي‭ ‬ولو‭ ‬على‭ ‬قطع‭ ‬رقبتي”‭.‬

هذا‭ ‬العهد‭ ‬والقسم‭ ‬المعنوي،‭ ‬قد‭ ‬جسدته‭ ‬جموع‭ ‬الصحفيين‭ ‬العاملين‭ ‬في‭ ‬أرض‭ ‬الميدان‭ ‬وهم‭ ‬ينقلون‭ ‬الحقيقة‭ ‬إلى‭ ‬العالم،‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭ ‬الذي‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬متفرجا‭ ‬ونحن‭ ‬نودع‭ ‬شهداء‭ ‬الصحافة‭ ‬أسبوعيا،‭ ‬وكيف‭ ‬ودعنا‭ ‬اليوم‭ ‬زميلين‭ ‬جراء‭ ‬استهداف‭ ‬سيارة‭ ‬مُرمزة‭ ‬باشارة‭ (‬PRESS‭) ‬و‭ (‬T.V‭)‬،‭ ‬لكن‭ ‬تبقى‭ ‬الحقيقة‭ ‬فاضحة‭ ‬لهذا‭ ‬الاحتلال‭ ‬المُجرم،‭ ‬الذي‭ ‬ارتكب‭ ‬افضع‭ ‬الجرائم‭ ‬بحق‭ ‬المدنيين‭ ‬ودمر‭ ‬أحياء‭ ‬سكنية‭ ‬بأكملها،‭ ‬بل‭ ‬حولها‭ ‬إلى‭ ‬مناطق‭ ‬منكوبة،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬سياسة‭ ‬العقاب‭ ‬الجماعي‭ ‬في‭ ‬التجويع‭ ‬والتعطيش،‭ ‬والنزوح‭ ‬الفاقد‭ ‬لمبادئ‭ ‬الإنسانية‭.‬

لا‭ ‬أعلم‭ ‬متى‭ ‬ستصبح‭ ‬الصورة‭ ‬واضحة‭ ‬لدعاة‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬وحرية‭ ‬الصحافة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭ ‬القبيح‭ ‬أمام‭ ‬شلال‭ ‬الدماء،‭ ‬فلم‭ ‬يعد‭ ‬مُجديا‭ ‬استمرار‭ ‬النداءات‭ ‬دون‭ ‬اللجوء‭ ‬إلى‭ ‬إتخاذ‭ ‬خطوات‭ ‬عملية‭ ‬لوقف‭ ‬هذا‭ ‬العدوان‭ ‬الغير‭ ‬مسبوق‭ ‬في‭ ‬استهداف‭ ‬الصحفيين،‭ ‬ومحاسبة‭ ‬الاحتلال‭ ‬على‭ ‬جرائمه‭ ‬المروعة،‭ ‬وضمان‭ ‬عدم‭ ‬افلات‭ ‬إسرائيل‭ ‬من‭ ‬العقاب‭ ‬باعتبارها‭ ‬دولة‭ ‬مارقة‭ ‬وإرهاب‭ ‬منظم‭ ‬قامت‭ ‬بانتهاك‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬الإنساني‭.‬

رغم‭ ‬أن‭ ‬الأمر‭ ‬بات‭ ‬واضحا‭ ‬لدينا‭ ‬كصحفيين‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬بأن‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإرهابي‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬يحظى‭ ‬بموافقة‭ ‬علنية‭ ‬وضوءا‭ ‬أخضر‭ ‬في‭ ‬استمرار‭ ‬قتل‭ ‬الصحفيين‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬لكن‭ ‬تبقى‭ ‬الإرادة‭ ‬والعزيمة،‭ ‬والإصرار‭ ‬على‭ ‬مواصلة‭ ‬التغطية‭ ‬الإعلامية‭ ‬أقوى‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬أشكال‭ ‬الاستهداف‭ ‬المُمنهجة،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬قالته‭ ‬أيضا‭ ‬الزميلة‭ ‬الشهيدة‭ ‬شيرين‭ ‬أبو‭ ‬عاقلة‭: ‬“ليس‭ ‬سهلا‭ ‬ربما‭ ‬أن‭ ‬أغير‭ ‬الواقع،‭ ‬لكنني‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬كنت‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬إيصال‭ ‬ذلك‭ ‬الصوت‭ ‬إلى‭ ‬العالم”‭.‬