”مش طالعين” الرسالة الأقوى في حرب الإبادة المتواصلة

يوليو 11, 2024

عن‭ ‬أي‭ ‬صمود‭ ‬نتحدث،‭ ‬عن‭ ‬مواجهة‭ ‬الإبادة،‭ ‬أم‭ ‬التوغل‭ ‬والاعتقال،‭ ‬أم‭ ‬التجويع‭ ‬والتعطيش،‭ ‬أم‭ ‬النزوح‭ ‬المتكرر،‭ ‬أم‭ ‬لغة‭ ‬التحدي‭ ‬في‭ ‬الرفض‭ ‬والاستسلام‭ ‬لواقع‭ ‬يحاول‭ ‬فرضه‭ ‬الاحتلال‭ ‬على‭ ‬أهالي‭ ‬مدينة‭ ‬غزة‭ ‬وشمالها‭ ‬الصامد‭ ‬بأن‭ ‬يحققوا‭ ‬أهدافه‭ ‬في‭ ‬التهجير‭ ‬القسري‭ ‬وسط‭ ‬عمليات‭ ‬التطهير‭ ‬العرقي‭ ‬التي‭ ‬يمارسها‭ ‬بحق‭ ‬المدنيين‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬منذ‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬أكتوبر‭.‬

عاود‭ ‬الاحتلال‭ ‬الكرة‭ ‬في‭ ‬إلقاء‭ ‬مناشير‭ ‬يدعو‭ ‬فيها‭ ‬المواطنين‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬غزة‭ ‬بالنزوح‭ ‬تجاه‭ ‬جنوب‭ ‬القطاع‭ ‬بحجة‭ ‬أنها‭ ‬منطقة‭ ‬قتال‭ ‬خطيرة‭ ‬وعليهم‭ ‬الخروج‭ ‬منها‭ ‬إلى‭ ‬مناطق‭ ‬آمنة‭ (‬وفق‭ ‬ادعاءه‭)‬،‭ ‬لكنه‭ ‬فوجئ‭ ‬بحالة‭ ‬الثبات‭ ‬التي‭ ‬اتسمت‭ ‬بها‭ ‬ردود‭ ‬أفعال‭ ‬الغالبية‭ ‬العظمى‭ ‬من‭ ‬المواطنين،‭ ‬متمسكين‭ ‬بأرضهم‭ ‬وديارهم،‭ ‬مُعلنين‭ ‬رسالتهم‭ ‬“مش‭ ‬طالعين”‭.‬

هذا‭ ‬الخيار‭ ‬جاء‭ ‬نتيجة‭ ‬ادراك‭ ‬ووعي‭ ‬لدى‭ ‬المواطن‭ ‬بأن‭ ‬جميع‭ ‬مناطق‭ ‬القطاع‭ ‬تتعرض‭ ‬للقصف‭ ‬الهمجي،‭ ‬وبالتالي‭ ‬الاستجابة‭ ‬لمثل‭ ‬هذه‭ ‬النداءات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬تعني‭ ‬أن‭ ‬المأساة‭ ‬سوف‭ ‬تتكرر‭ ‬وتؤثر‭ ‬على‭ ‬حياة‭ ‬النازحين‭ ‬بشكل‭ ‬أكبر‭ ‬دون‭ ‬اكتراث‭ ‬لأية‭ ‬قوانين‭ ‬دولية‭ ‬تحمي‭ ‬المدنيين‭ ‬وقت‭ ‬الحروب‭ ‬والصراعات،‭ ‬وقد‭ ‬ضربتها‭ ‬إسرائيل‭ ‬بعرض‭ ‬الحائط‭.‬

حيث‭ ‬تنوعت‭ ‬عمليات‭ ‬القتل‭ ‬لدى‭ ‬جيش‭ ‬الاحتلال‭ ‬الذي‭ ‬يتوغل‭ ‬أحياء‭ ‬مدينة‭ ‬غزة‭ ‬واحد‭ ‬تلو‭ ‬الآخر،‭ ‬مما‭ ‬يجبر‭ ‬السكان‭ ‬على‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬منازلهم‭ ‬تحت‭ ‬وطاة‭ ‬القصف‭ ‬المدفعي‭ ‬والحربي،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يوقع‭ ‬أعداد‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬الضحايا‭ ‬كما‭ ‬رأينا‭ ‬في‭ ‬الاجتياح‭ ‬الأخير‭ ‬والمباغت‭ ‬لأهالي‭ ‬حي‭ ‬الشجاعية،‭ ‬ثم‭ ‬التفاح‭ ‬والدرج،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬وصل‭ ‬حي‭ ‬تل‭ ‬الهوى‭ ‬عمق‭ ‬المدينة‭.‬

من‭ ‬يشاهد‭ ‬سلوك‭ ‬الاحتلال‭ ‬النازي‭ ‬يدرك‭ ‬أنه‭ ‬يستخدم‭ ‬روايات‭ ‬تضليلية،‭ ‬ويعتمد‭ ‬على‭ ‬إرهاب‭ ‬المدنيين‭ ‬وضغطهم‭ ‬نفسيا‭ ‬وجسديا‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬لكسر‭ ‬ارادتهم‭ ‬وارتكاب‭ ‬أكبر‭ ‬قدر‭ ‬من‭ ‬المجازر‭ ‬بحقهم،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬أكده‭ ‬تقرير‭ ‬موقع‭ ‬“سيحا‭ ‬مكوميت”‭ ‬حول‭ ‬شهادات‭ ‬جنود‭ ‬العدو‭ ‬التي‭ ‬تعكس‭ ‬العقلية‭ ‬الإرهابية‭ ‬لديهم،‭ ‬حيث‭ ‬يقولون‭: ‬“إننا‭ ‬نطلق‭ ‬النار‭ ‬عشوائيا‭ ‬ونحرق‭ ‬المنازل،‭ ‬ويسمح‭ ‬لنا‭ ‬بإطلاق‭ ‬النار‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬شخص‭ ‬بهدف‭ ‬المُتعة‭ ‬فقط‭ ‬دون‭ ‬هدف،‭ ‬كما‭ ‬ازالوا‭ ‬الجثث‭ ‬بالجرافات‭ ‬كي‭ ‬لا‭ ‬تراها‭ ‬قوافل‭ ‬المساعدات،‭ ‬مؤكدين‭ ‬أنهم‭ ‬يمارسون‭ ‬ذلك‭ ‬بإذن‭ ‬من‭ ‬قادتهم”‭.‬

وفق‭ ‬ما‭ ‬شاهدناه‭ ‬خلال‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية،‭ ‬لا‭ ‬نستغرب‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الشهادات‭ ‬الخطيرة‭ ‬للجنود‭ ‬بل‭ ‬نعيش‭ ‬تفاصيل‭ ‬أقسى‭ ‬منها،‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬النزوح‭ ‬تحت‭ ‬القصف‭ ‬وافتراش‭ ‬الشوارع،‭ ‬والشعور‭ ‬بالخذلان‭ ‬والموت‭ ‬البطيء،‭ ‬إلى‭ ‬استعادة‭ ‬الأمل‭ ‬مُجددا‭ ‬للتمكن‭ ‬من‭ ‬حياة‭ ‬البقاء‭ ‬رغم‭ ‬غياب‭ ‬مقومات‭ ‬الصمود‭ ‬الإنسانية‭ ‬بفعل‭ ‬الحصار‭ ‬المُشدد،‭ ‬ناهيا‭ ‬عن‭ ‬انهيار‭ ‬المنظومة‭ ‬الصحية‭ ‬وخروج‭ ‬بعض‭ ‬المشافي‭ ‬عن‭ ‬الخدمة‭ ‬جراء‭ ‬حصارها‭ ‬ووقف‭ ‬الإمدادات‭ ‬الطبية،‭ ‬ونقص‭ ‬الوقود‭ ‬الذي‭ ‬أدى‭ ‬لتوقف‭ ‬بعض‭ ‬محطات‭ ‬تحلية‭ ‬مياه‭ ‬الشرب،‭ ‬وغيرها‭.‬

ما‭ ‬بين‭ ‬سوء‭ ‬نوايا‭ ‬الاحتلال‭ ‬ومحاولة‭ ‬اختبار‭ ‬قرابة‭ ‬700‭ ‬ألف‭ ‬إنسان‭ ‬مُحاصر‭ ‬في‭ ‬محافظتي‭ ‬غزة‭ ‬والشمال،‭ ‬تسلح‭ ‬هؤلاء‭ ‬الصامدين‭ ‬بإرادة‭ ‬لا‭ ‬تعرف‭ ‬الاستكانة‭ ‬أو‭ ‬الخنوع،‭ ‬فلا‭ ‬أوراق‭ ‬بيد‭ ‬الاحتلال‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يحارب‭ ‬بها‭ ‬تلك‭ ‬الجوعى‭ ‬والمكلومين‭ ‬سوى‭ ‬أن‭ ‬يواصل‭ ‬إبادته‭ ‬على‭ ‬مرأى‭ ‬ومسمع‭ ‬العالم‭ ‬المُتفرج‭ ‬على‭ ‬معاناة‭ ‬الغزيين،‭ ‬دون‭ ‬تدخل‭ ‬عربي‭ ‬أو‭ ‬دولي‭ ‬يلزم‭ ‬إسرائيل‭ ‬بوقف‭ ‬عدوانها‭ ‬واخضاعها‭ ‬للمُحاسبة‭ ‬وضمان‭ ‬عدم‭ ‬افلاتها‭ ‬من‭ ‬العقاب،‭ ‬وأن‭ ‬تلتزم‭ ‬بمبادئ‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬والقانون‭ ‬الدولي‭ ‬الإنساني،‭ ‬والزامها‭ ‬بالاستجابة‭ ‬لقرارات‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬والجمعية‭ ‬العامة‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬وأحرار‭ ‬العالم‭ ‬بوقف‭ ‬هذه‭ ‬المقتلة‭ ‬اليومية‭.‬