الهوية‭ ‬والكيانية‭ ‬الفلسطينية

يوليو 6, 2024

الهوية‭ ‬بالمفهوم‭ ‬الفلسفي‭ ‬تعبّر‭ ‬عن‭ ‬الصفات‭ ‬الجوهرية‭ ‬التي‭ ‬تميّز‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬عن‭ ‬غيره،‭ ‬وفق‭ ‬المنطق‭ ‬الأرسطي‭ ‬هي‭ ‬ماهيّات‭ ‬ثابتة‭ ‬غير‭ ‬متغيرة،‭ ‬لكن‭ ‬وفق‭ ‬المنطق‭ ‬الجدلي‭ ‬التاريخي،‭ ‬الهوية‭ ‬الثقافية‭ ‬لأي‭ ‬شعب‭ ‬هي‭ ‬الجوهري‭ ‬والمشترك‭ ‬من‭ ‬السمات‭ ‬التي‭ ‬تميز‭ ‬حضارته‭ ‬عن‭ ‬غيرها‭ ‬من‭ ‬الحضارات‭ ‬والتي‭ ‬تشكلت‭ ‬عبر‭ ‬التطور‭ ‬التاريخي‭ ‬لمجموع‭ ‬العناصر‭ ‬المختلفة‭ ‬التي‭ ‬تحدد‭ ‬الهوية‭ ‬مثل‭ ‬اللغة‭ ‬والثقافة‭ ‬الشعبية‭ ‬والدين‭ ‬والوعي‭ ‬الجماعي‭ ‬ومعايير‭ ‬الحياة‭ ‬الاجتماعية‭ ‬المتوارثة،‭ ‬لابد‭ ‬لهذه‭ ‬العناصر‭ ‬أن‭ ‬تستقر‭ ‬على‭ ‬حالة‭ ‬معينة‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬ما‭ ‬من‭ ‬التطور،‭ ‬وحسب‭ ‬جدل‭ ‬التطور‭ ‬أن‭ ‬الانسان‭ ‬يحتفظ‭ ‬بوحدته‭ ‬الذاتية‭ ‬رغم‭ ‬مروره‭ ‬بمراحل‭ ‬التطور‭ ‬العمرية،‭ ‬وكذلك‭ ‬الحال‭ ‬في‭ ‬الظاهرات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬يحتفظ‭ ‬الجديد‭ ‬المتطور‭ ‬بالكثير‭ ‬من‭ ‬خصائص‭ ‬القديم‭.‬

لم‭ ‬تظهر‭ ‬الهوية‭ ‬الوطنية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المحلية‭ ‬في‭ ‬بداية‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬نتيجة‭ ‬الهجمة‭ ‬الصهيونية‭ ‬ووعد‭ ‬بلفور،‭ ‬كما‭ ‬يدعون،‭ ‬بل‭ ‬التاريخ‭ ‬الطويل‭ ‬للوجود‭ ‬والعيش‭ ‬المشترك‭ ‬للشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬فلسطين‭ ‬التاريخية‭ ‬ولأكثر‭ ‬من‭ ‬خمسة‭ ‬آلاف‭ ‬سنة،‭ ‬ترك‭ ‬تراثاً‭ ‬خصباً‭ ‬استندت‭ ‬إليه‭ ‬الهوية،‭ ‬وشكلت‭ ‬منه‭ ‬خصائصها‭ ‬الحالية،‭ ‬فإذا‭ ‬نظرنا‭ ‬إلى‭ ‬الهوية‭ ‬كخصائص‭ ‬فإنها‭ ‬تشكلت‭ ‬عبر‭ ‬زمن‭ ‬طويل‭ ‬من‭ ‬وجود‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬على‭ ‬أرضه‭ ‬وتفاعل‭ ‬الناس‭ ‬فيما‭ ‬بينهم‭ ‬وتفاعلهم‭ ‬كمجتمع‭ ‬مع‭ ‬البيئة‭ ‬والمحيط‭ ‬الحيوي،‭ ‬وإذا‭ ‬نظرنا‭ ‬إليها‭ ‬كوعي‭ ‬للذات‭ ‬وإحساس‭ ‬بالانتماء‭ ‬إلى‭ ‬شخصية‭ ‬وطنية‭ ‬مشتركة‭ ‬تتجاوز‭ ‬الانتماءات‭ ‬العشائرية‭ ‬والاثنية‭ ‬والمذهبية،‭  ‬فقد‭ ‬برزت‭ ‬الهوية‭ ‬الوطنية‭ ‬قبل‭ ‬الخطر‭ ‬الوجودي‭ ‬المتمثل‭ ‬في‭ ‬المشروع‭ ‬الاستيطاني‭ ‬الصهيوني‭ ‬الذي‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يقتلع‭ ‬شعب‭ ‬عاش‭ ‬ومازال‭ ‬في‭ ‬منطقته‭ ‬الجغرافية،‭ ‬لكن‭ ‬الاحساس‭ ‬بالانتماء‭ ‬يتعاظم‭ ‬ويتبلور‭ ‬أكثر‭ ‬وينضج‭ ‬الوعي‭ ‬ويزداد‭ ‬الحرص‭ ‬على‭ ‬أدق‭ ‬تفاصيل‭ ‬الهوية‭ ‬الوطنية،‭ ‬ويصبح‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬أحوج‭ ‬ما‭ ‬يكون‭ ‬إلى‭ ‬إبراز‭ ‬هويته‭ ‬الوطنية‭ ‬لأنها‭ ‬مستهدفة‭ ‬من‭ ‬عدو‭ ‬استيطاني‭ ‬إحلالي‭ ‬يدعي‭ ‬أن‭ ‬فلسطين‭ ‬وطن‭ ‬بلا‭ ‬شعب‭ ‬لشعب‭ ‬بلا‭ ‬وطن،‭ ‬لذلك‭ ‬تأكيد‭ ‬الهوية‭ ‬الوطنية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬ضرورة‭ ‬نضالية‭ ‬وليست‭ ‬صادرة‭ ‬عن‭ ‬طبيعة‭ ‬انعزالية‭ ‬أو‭ ‬مناطقية‭. ‬أصبحت‭ ‬الهوية‭ ‬الوطنية‭ ‬ضرورة‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الخطر‭ ‬الصهيوني‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬وجود‭ ‬هذه‭ ‬الجماعة‭ ‬فوق‭ ‬أرضها‭ ‬لمن‭ ‬بقي،‭ ‬أو‭ ‬حلم‭ ‬العودة‭ ‬إليها‭ ‬لمن‭ ‬هُجّر،‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬انشغل‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬بالتصدي‭ ‬لتصاعد‭ ‬القومية‭ ‬التركية،‭ ‬بأفكار‭ ‬قومية‭ ‬عربية‭ ‬ألح‭ ‬عليها‭ ‬المفكرون‭ ‬والجمعيات‭ ‬السياسية‭ ‬دون‭ ‬اهتمام‭ ‬بخصوصية‭ ‬فلسطينية‭ ‬ولو‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬فيدرالي‭ ‬مع‭ ‬المحيط‭ ‬العربي،‭ ‬والسوري‭ ‬على‭ ‬الخصوص،‭ ‬كجزء‭ ‬من‭ ‬أمة‭ ‬أوسع‭ ‬هي‭ ‬سوريا‭.‬

الاسم‭ ‬جزء‭ ‬مهم‭ ‬من‭ ‬الهوية‭ ‬الوطنية‭ ‬لأي‭ ‬شعب،‭ ‬وليس‭ ‬مجرد‭ ‬كلمة،‭ ‬المؤرخ‭ ‬الإغريقي‭ ‬هيرودوت‭ ‬في‭ ‬مؤلفاته‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الخامس‭ ‬قبل‭ ‬الميلاد،‭ ‬أشار‭ ‬إلى‭ ‬منطقتي‭ ‬بلاد‭ ‬الشام‭ ‬وبلاد‭ ‬الرافدين‭ ‬باسم‭ ‬‮«‬سوريا‮»‬‭ ‬وإلى‭ ‬جنوبها‭ ‬بـ«فلسطين‮»‬،‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬132‭ ‬للميلاد،‭ ‬عمّ‭ ‬استخدام‭ ‬اسم‭ ‬فلسطين‭ ‬كاسم‭ ‬منطقة‭ ‬ذات‭ ‬حدود‭ ‬سياسية‭ ‬معينة‭ ‬عندما‭ ‬أقامت‭ ‬سلطات‭ ‬الإمبراطورية‭ ‬الرومانية‭ ‬ولاية‭ ‬فلسطين‭ ‬السوريةProvincia Syria Palestina‮»‬‭ ‬‮»‬،‭ ‬وفي‭ ‬بداية‭ ‬عهد‭ ‬الخلافة‭ ‬الإسلامية‭ ‬أصبحت‭ ‬فلسطين‭ ‬تُسمى‭ ‬‮«‬جند‭ ‬فلسطين‮»‬‭ ‬وكانت‭ ‬اللد‭ ‬مركز‭ ‬جند‭ ‬فلسطين‭ ‬طيلة‭ ‬العهد‭ ‬الراشدي‭ ‬وأوائل‭ ‬العهد‭ ‬الأموي‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬أمر‭ ‬سليمان‭ ‬بن‭ ‬عبد‭ ‬الملك‭ (‬فترة‭ ‬ولايته‭ ‬86‭ – ‬96هـ‭)‬،‭ ‬ببناء‭ ‬مدينة‭ ‬الرملة‭ ‬لتصبح‭ ‬عاصمة‭ ‬جند‭ ‬فلسطين‭.‬

ومن‭ ‬أحداث‭ ‬التاريخ‭ ‬الهامة‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬خلال‭ ‬الفترة‭ ‬العثمانية،‭ ‬أقام‭ ‬ظاهر‭ ‬العمر‭ ‬الزيداني‭ ‬إمارة‭ ‬قوية‭ ‬مستقلة‭ ‬في‭ ‬فلسطين،‭ ‬عاصمتها‭ ‬عكا،‭ ‬حملت‭ ‬مشروعاً‭ ‬سياسياً‭ ‬يتضمن‭ ‬تحرير‭ ‬الأرض،‭ ‬وانتزاع‭ ‬الاستقلال،‭ ‬لكن‭ ‬تلك‭ ‬الدولة‭ ‬العربية‭ ‬لم‭ ‬يسمها‭ ‬فلسطين،‭ ‬وهذا‭ ‬يؤكد‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬أهمية‭ ‬الاسم‭ ‬في‭ ‬تحديد‭ ‬الهوية‭.‬

كانت‭ ‬كلمة‭ ‬‮«‬فلسطيني‮»‬‭ ‬قبل‭ ‬قيام‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬تدل‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬يرتبط‭ ‬بالبقعة‭ ‬الجغرافية‭ ‬الممتدة‭ ‬بين‭ ‬رفح‭ ‬إلى‭ ‬الناقورة‭ ‬ومن‭ ‬البحر‭ ‬إلى‭ ‬نهر‭ ‬الأردن،‭ ‬ولا‭ ‬يستثنى‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬اليهودي،‭ ‬فاُطلق‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬المسلمين‭ ‬والمسيحيين‭ ‬واليهود‭ ‬اسم‭ ‬‮«‬فلسطينيين‮»‬،‭ ‬كان‭ ‬معنى‭ ‬كلمة‭ ‬فلسطيني‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬يرتبط‭ ‬بالمنطقة،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬يهودياً،‭ ‬في‭ ‬الصحافة‭ ‬تأسست‭ ‬أول‭ ‬الصحف‭ ‬المحلية‭ ‬اليهودية‭ ‬بموازاة‭ ‬نظيراتها‭ ‬العربية،‭ ‬كانت‭ ‬تُسمى‭ ‬‮«‬The Palestine Post‮»‬

وقد‭ ‬تم‭ ‬تغيير‭ ‬اسمها‭ ‬إلى‭  ‬‮«‬Jerusalem Post‮»‬لاحقًا‭ ‬بعد‭ ‬النكبة‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1950،‭  ‬وفي‭ ‬السياسة،‭ ‬قامت‭ ‬بريطانيا‭ ‬بتأسيس‭ ‬فوج‭ ‬عسكري‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬لمحاربة‭ ‬دول‭ ‬المحور،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬يتألف‭ ‬من‭ ‬اليهود،‭ ‬أُطلق‭ ‬عليه‭ ‬اسم‭ ‬‮«‬فوج‭ ‬فلسطين‮»‬‭ ‬وقد‭ ‬تأسست‭ ‬شركات‭ ‬كبرى‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬تحمل‭ ‬مُسمى‭ ‬‮«‬فلسطين‮»‬،‭ ‬مثل‭: ‬شركة‭ ‬كهرباء‭ ‬فلسطين،‭ ‬و«شركة‭ ‬سكك‭ ‬حديد‭ ‬فلسطين‮»‬،‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬بعد‭ ‬النكبة‭ ‬‮«‬شركة‭ ‬قطارات‭ ‬إسرائيل‮»‬،‭ ‬وبالنتيجة‭ ‬فإن‭ ‬استهداف‭ ‬الصهيوني‭ ‬للهوية‭ ‬يجري‭ ‬أيضاً‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬عملية‭ ‬التهويد‭ ‬باستبدال‭ ‬الأسماء‭ ‬العربية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬بأسماء‭ ‬عبرية‭.‬

حدود‭ ‬فلسطين‭ ‬كجزء‭ ‬من‭ ‬الهوية‭ ‬الوطنية‭ ‬مرسومة‭ ‬طبيعياً‭ ‬عبر‭ ‬الأحقاب‭ ‬الجيولوجية‭ ‬من‭ ‬النهر‭ ‬إلى‭ ‬البحر،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬ترسمها‭ ‬المفاوضات‭ ‬والاتفاقيات‭ ‬من‭ ‬‮«‬سايكس‭ ‬بيكو‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬مؤتمر‭ ‬سان‭ ‬ريمو‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬اتفاقية‭ ‬رودس‮»‬‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬أسوأ‭ ‬الاتفاقيات‭ ‬رسمت‭ ‬خط‭ ‬الهدنة‭ ‬عام‭ ‬1949‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬الخط‭ ‬الأخضر،‭ ‬ليبنى‭ ‬على‭ ‬أساسه‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬حل‭ ‬الدولتين،‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬لحصر‭ ‬اسم‭ ‬فلسطين‭ ‬في‭ ‬حدود‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬وقطاع‭ ‬غزة‭.‬

كثيراً‭ ‬ما‭ ‬قيل‭ ‬إن‭ ‬الهوية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬تأخذ‭ ‬تعبيرها‭ ‬من‭ ‬ردة‭ ‬الفعل‭ ‬المناهضة‭ ‬للمشروع‭ ‬الصهيوني،‭ ‬في‭ ‬الأربعينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬تعمق‭ ‬الإحساس‭ ‬بالهوية‭ ‬الوطنية‭ ‬والصفات‭ ‬الجامعة‭ ‬التي‭ ‬تحقق‭ ‬وحدة‭ ‬الشعب،‭ ‬دعمتها‭ ‬ثقافة‭ ‬الصراع‭ ‬الدامي‭ ‬الذي‭ ‬سبق‭ ‬عام‭ ‬النكبة،‭ ‬وجاءت‭ ‬النكبة‭ ‬لتؤثر‭ ‬سلباً‭ ‬على‭ ‬تصاعد‭ ‬الشعور‭ ‬بالهوية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬ولكن‭ ‬البعض‭ ‬يرى‭ ‬عكس‭ ‬ذلك‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬وجود‭ ‬لثقافة‭ ‬فلسطينية‭ ‬حقيقية‭ ‬خارج‭ ‬زمن‭ ‬النكبة،‭ ‬ولا‭ ‬تاريخ‭ ‬إلا‭ ‬انطلاقاً‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الزمن‭ ‬ولا‭ ‬شخصية‭ ‬فلسطينية‭ ‬بمعزل‭ ‬عن‭ ‬أشكال‭ ‬الاضطهاد‭ ‬التي‭ ‬جاء‭ ‬بها‭ ‬اللجوء‭ ‬ورفضه،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬الأشياء‭ ‬تعرف‭ ‬بنقيضها،‭ ‬فالهوية‭ ‬تمنح‭ ‬التميز‭ ‬عن‭ ‬الآخر،‭ ‬بهذا‭ ‬المعنى‭ ‬معاداة‭ ‬الصهيونية‭ ‬ورفض‭ ‬الوطن‭ ‬اليهودي‭ ‬والهجرة‭ ‬الصهيونية‭ ‬والنضال‭ ‬ضد‭ ‬مشاريعها‭ ‬لها‭ ‬دور‭ ‬كبير‭ ‬جداً‭ ‬في‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬تبلور‭ ‬الهوية‭ ‬الوطنية،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬أصبحت‭ ‬الثورة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المعاصرة‭ ‬هي‭ ‬التعبير‭ ‬الأقوى‭ ‬عن‭ ‬الهوية‭ ‬والكيانية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬وتأسيس‭ ‬منظمة‭ ‬التحرير‭ ‬سيغدو‭ ‬بمثابة‭ ‬إعلان‭ ‬عن‭ ‬تأسيس‭ ‬التعبير‭ ‬الكياني‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الذي‭ ‬يتناغم‭ ‬مع‭ ‬الشعور‭ ‬الجمعي‭ ‬الكامن‭ ‬باعتباره‭ ‬شعوراً‭ ‬جمعياً‭ ‬تحررياً‭ ‬لا‭ ‬يقبل‭ ‬المساومة‭ ‬على‭ ‬الحقوق‭ ‬و‭ ‬يتمسك‭ ‬بفلسطين‭ ‬التاريخية‭ ‬وحق‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬المدن‭ ‬والقرى‭ ‬التي‭ ‬شُردوا‭ ‬منها‭.‬

الإرهاصات‭ ‬الأولى‭ ‬لتجسيد‭ ‬الهوية‭ ‬في‭ ‬كيان‭ ‬سياسي‭ ‬جرى‭ ‬في‭ ‬شباط‭ ‬العام‭ ‬1919‭ ‬حين‭ ‬أصدر‭ ‬المؤتمر‭ ‬العربي‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الأول‭ ‬في‭ ‬بيانه‭ ‬الأول‭ ‬المعادي‭ ‬للصهيونية،‭ ‬ورفض‭ ‬الهجرة‭ ‬اليهودية‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم‭ ‬إلى‭ ‬فلسطين،‭ ‬بينما‭ ‬اعتبر‭ ‬اليهود‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬يعيشون‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬قبل‭ ‬هذه‭ ‬الهجرة،‭ ‬مواطنين‭ ‬فلسطينيين،‭ ‬وقد‭ ‬أصبحت‭ ‬الوطنية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬حركة‭ ‬مميزة‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬بناء‭ ‬كيان‭ ‬سياسي،‭ ‬فانعقد‭ ‬المؤتمر‭ ‬العربي‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الثالث‭ ‬في‭ ‬حيفا‭ ‬بين‭ ‬13‭ ‬و19‭/‬12‭/‬1920‭. ‬وعقد‭ ‬المؤتمر‭ ‬الرابع‭ (‬القدس‭ ‬29‭/‬5‭-‬2‭/‬6‭/‬1921‭): ‬لتأكيد‭ ‬المطالب‭ ‬الوطنية‭ ‬ورسم‭ ‬اتجاه‭ ‬جديد‭ ‬للحركة‭ ‬الوطنية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬وتبنى‭ ‬المؤتمر‭ ‬الخامس‭ ‬في‭ ‬آخر‭ ‬اجتماعاته‭ ‬الميثاق‭ ‬الوطني‭ ‬الفلسطيني‭ ‬ونصه‭: ‬‮«‬نحن،‭ ‬ممثلي‭ ‬فلسطين،‭ ‬أعضاء‭ ‬المؤتمر‭ ‬العربي‭ ‬الخامس،‭ ‬نقسم‭ ‬أمام‭ ‬الله‭ ‬والأمة‭ ‬والتاريخ‭ ‬بأن‭ ‬نواصل‭ ‬المساعي‭ ‬المشروعة‭ ‬لتحقيق‭ ‬الاستقلال‭ ‬والاتحاد‭ ‬العربي،‭ ‬ورفض‭ ‬الوطن‭ ‬اليهودي‭ ‬والهجرة‭ ‬الصهيونية‮»‬‭.‬

من‭ ‬ذلك‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬الكيانية‭ ‬والهوية‭ ‬الوطنية‭ ‬مترابطتان‭ ‬عضوياً،‭ ‬يعرّف‭ ‬د‭. ‬خالد‭ ‬الحروب،‭ ‬الكيانية‭ ‬الوطنية،‭ ‬يقول‭ ‬إنها‭ ‬مرتبطة‭ ‬عضوياً‭ ‬وتكوينياً‭ ‬بفكرة‭ ‬الهوية‭ ‬الوطنية،‭ ‬ذلك‭ ‬بأن‭ ‬الأولى‭ ‬هي‭ ‬التجسيد‭ ‬العملي‭ ‬والسيادي‭ ‬للثانية‭. ‬فالهوية‭ ‬الوطنية‭ ‬هي‭ ‬التكوين‭ ‬العميق‭ ‬لخلاصات‭ ‬وتعبيرات‭ ‬الشعور‭ ‬بذات‭ ‬جمعية‭ ‬ذات‭ ‬سمات‭ ‬مشتركة‭ ‬وموحدة،‭ ‬لخصتها‭ ‬حديثاً‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬العالم‭ ‬وفي‭ ‬منطقتنا‭ ‬مع‭ ‬نهايات‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر،‭ ‬فكرة‭ ‬القومية‭ ‬أو‭ ‬الوطنية‭.‬

في‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬كلمة‭ ‬‮«‬كيان‮»‬‭ ‬تعني‭ ‬صميم‭ ‬الوجود‭ ‬الذي‭ ‬يحدّد‭ ‬ويعبّر‭ ‬عن‭ ‬ذات‭ ‬كائن‭ ‬له‭ ‬فردية‭ ‬ماثلة‭ ‬كحقيقة‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬نكرانها،‭ ‬أو‭ ‬شيء‭ ‬له‭ ‬وجود‭ ‬حقيقي‭ ‬وجوهر‭ ‬متميز‭ ‬ويعتبر‭ ‬مستقلاً‭ ‬عن‭ ‬الأشياء‭ ‬الأخرى‭. ‬ويشير‭ ‬الكيان‭ ‬إلى‭ ‬شيء‭ ‬أو‭ ‬حالة‭ ‬قائمة‭ ‬لها‭ ‬بنية‭ ‬ووظيفة،‭ ‬ومقومات‭ ‬الكيان‭ ‬الوطني‭ ‬مجتمع‭ ‬بشري‭ ‬منتمي‭ ‬لأرض‭ ‬الوطن‭ ‬بحدودها‭ ‬المعروفة،‭ ‬الأرض‭ ‬والشعب‭ ‬هما‭ ‬صميم‭ ‬وجود‭ ‬الكيان‭ ‬الوطني،‭ ‬تبنى‭ ‬عليهما‭ ‬مقومات‭ ‬سياسيّة‭ ‬واقتصاديّة‭ ‬وثقافيّة‭ ‬وغيرها‭ ‬أي‭ ‬مجموعةِ‭ ‬العناصرِ‭ ‬الأساسية‭ ‬التي‭ ‬تُساهم‭ ‬في‭ ‬بروزه‭ ‬ونهوضه‭.‬

إن‭ ‬الكيان‭ ‬الوطني‭ ‬كبنية‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬من‭ ‬يمثلها‭ ‬ويعبّر‭ ‬عن‭ ‬وظيفتها‭ ‬أو‭ ‬أهدافها،‭ ‬أو‭ ‬بمعنى‭ ‬آخر‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬تمثيل‭ ‬سياسي،‭ ‬الحركة‭ ‬الصهيونية‭ ‬اختلقت‭ ‬المنظمة‭ ‬الصهيونية‭ ‬العالمية‭ ‬والوكالة‭ ‬اليهودية،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬ذاك‭ ‬الوقت‭ ‬أرض‭ ‬لـ«كيان‭ ‬صهيوني‮»‬‭ ‬مفترض،‭ ‬وبعد‭ ‬بحث‭ ‬واختلاف‭ ‬حول‭ ‬أرض‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬عديدة‭ ‬من‭ ‬العالم،‭ ‬اعتبر‭ ‬زعماء‭ ‬الحركة‭ ‬الصهيونية‭ ‬زوراً‭ ‬وبهتاناً‭ ‬أن‭ ‬فلسطين‭ ‬أرض‭ ‬بلا‭ ‬شعب‭ ‬لشعب‭ ‬بلا‭ ‬أرض،‭ ‬ودُعمت‭ ‬هذه‭ ‬الأفكار‭ ‬والمؤسسات‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الغرب‭ ‬الاستعماري‭.‬

بينما‭ ‬أشكال‭ ‬التعبير‭ ‬السياسي‭ ‬عن‭ ‬الكيانية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬قد‭ ‬تم‭ ‬محاربتها‭ ‬بشدة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الاحتلال‭ ‬العسكري‭ ‬البريطاني،‭ ‬ولا‭ ‬ننفي‭ ‬أن‭ ‬أحد‭ ‬مسببات‭ ‬ذلك‭ ‬داخلية‭ ‬سواء‭ ‬قبل‭ ‬النكبة‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬الحاضر‭ ‬تتمثل‭ ‬في‭ ‬الانقسام‭ ‬والاختلاف‭ ‬في‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬الكيانية‭. ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬على‭ ‬القوى‭ ‬الوطنية‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬الهيئات‭ ‬التمثيلية‭ ‬دفاعاً‭ ‬مستميتاً‭ ‬لأن‭ ‬غيابها‭ ‬أو‭ ‬تغييبها‭ ‬قد‭ ‬أثر‭ ‬على‭ ‬الحاضر‭ ‬بما‭ ‬تعيش‭ ‬به‭ ‬الكيانية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬من‭ ‬معضلات،‭ ‬وكان‭ ‬على‭ ‬ممثلي‭ ‬حكومة‭ ‬عموم‭ ‬فلسطين‭ ‬بعد‭ ‬النكبة‭ ‬مباشرة‭ ‬رفض‭ ‬قرار‭ ‬الجامعة‭ ‬العربية‭ ‬حلها‭ ‬نهائياً‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1959‭.‬

هناك‭ ‬مشروع‭ ‬سلام،‭ ‬كان‭ ‬يفترض‭ ‬أن‭ ‬يقود‭ ‬إلى‭ ‬دولة‭ ‬وطنية،‭ ‬لكن‭ ‬تعثر‭ ‬عملية‭ ‬السلام‭ ‬أبقت‭ ‬السلطة‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬حكم‭ ‬إداري‭ ‬ذاتي‭ ‬للسكان،‭ ‬المشكلة‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬السلطة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬الحد‭ ‬من‭ ‬دور‭ ‬منظمة‭ ‬التحرير‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬باعتبارها‭ ‬هوية‭ ‬وبيت‭ ‬لكل‭ ‬فلسطينيي‭ ‬الداخل‭ ‬والشتات‭.‬

في‭ ‬ظل‭ ‬اتفاقية‭ ‬أوسلو‭ ‬يُطرح‭ ‬التساؤل‭: ‬ما‭ ‬علاقة‭ ‬الاحساس‭ ‬بالانتماء‭ ‬بالهوية‭ ‬الوطنية‭ ‬بالمواطنة‭ ‬؟‭. ‬فالمواطنة‭ ‬تجسيد‭ ‬يومي‭ ‬بالممارسة‭ ‬العملية‭ ‬لمفهوم‭ ‬الهوية‭ ‬باعتباره‭ ‬ليس‭ ‬مفهوماً‭ ‬مجرداً،‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المستوى‭ ‬تنحدر‭ ‬الهوية‭ ‬إلى‭ ‬جنسية‭ ‬إلى‭ ‬بطاقة‭ ‬شخصية‭ ‬وجواز‭ ‬سفر‭ ‬وتصبح‭ ‬الهوية‭ ‬مفهوماً‭ ‬حقوقياً‭ ‬يطرح‭ ‬مسألة‭ ‬الدولة‭ ‬وتابعية‭ ‬المواطن‭ ‬لها،‭ ‬وبسبب‭ ‬الاحتلال‭ ‬والتشتت‭ ‬تبرز‭ ‬مشكلات‭ ‬مواطنة،‭ ‬و‭ ‬مشكلات‭ ‬جنسية،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬تعرض‭ ‬الأرض‭ ‬للتهويد،‭ ‬والشعب‭ ‬للتشتيت،‭ ‬وأكثر‭ ‬ما‭ ‬تثيره‭ ‬أوسلو‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬هو‭ ‬مسألة‭ ‬الهوية‭ ‬لفلسطينيي‭ ‬الشتات‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬ضعف‭ ‬أداء‭ ‬المنظمات‭ ‬الفلسطينية‭ ‬وغياب‭ ‬دور‭ ‬م‭.‬ت‭.‬ف‭. ‬ويخشى‭ ‬ألا‭ ‬يبقى‭ ‬الانقسام‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬حدوده‭ ‬الجغرافية‭ ‬بل‭ ‬من‭ ‬انعكاسه‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬ما‭ ‬على‭ ‬الهوية‭ ‬الوطنية،‭ ‬أما‭ ‬فلسطينيو‭ ‬1948‭ ‬‭ ‬فهويتهم‭ ‬ردة‭ ‬فعل‭ ‬وتحدي‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬قانون‭ ‬الهوية‭ ‬الذي‭ ‬أقره‭ ‬الكنيست‭ ‬كدولة‭ ‬لليهود‭ ‬كمواطني‭ ‬درجة‭ ‬ثانية‭. ‬فقد‭ ‬قامت‭ ‬إسرائيل‭ ‬على‭ ‬سياسة‭ ‬التطهير‭ ‬العرقي،‭ ‬وانتزاع‭ ‬الأرض‭ ‬بهدف‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬الكيانية‭ ‬الوطنية‭ ‬بتعبيراتها‭ ‬السياسية،‭ ‬وحصر‭ ‬الكيانية‭ ‬في‭ ‬الحكم‭ ‬الإداري‭ ‬الذاتي‭ ‬لسكان‭ ‬محاصرين‭ ‬في‭ ‬معازل‭ ‬تتخللها‭ ‬المستوطنات‭ ‬ومواقع‭ ‬وحواجز‭ ‬الجيش‭ ‬والشرطة‭ ‬الاسرائيلية‭.‬

في‭ ‬أوائل‭ ‬التسعينيات‭ ‬جرى‭ ‬الاعتراف‭ ‬المتبادل،‭ ‬مما‭ ‬أثر‭ ‬في‭ ‬‮«‬الكيانية‭ ‬الفلسطينية‮»‬‭ ‬و«الكيانية‭ ‬الإسرائيلية‮»‬‭ ‬معاً،‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬إسحاق‭ ‬رابين‭ ‬اعترف‭ ‬رسمياً‭ ‬بمنظمة‭ ‬التحرير‭ ‬الفلسطينية‭ ‬ككيان‭ ‬شرعي‭ ‬يمثل‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬ورئيس‭ ‬منظمة‭ ‬التحرير‭ ‬الفلسطينية‭ ‬ياسر‭ ‬عرفات‭ ‬اعترف‭ ‬رسمياً‭ ‬بحق‭ ‬‮«‬‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‮»‬‭ ‬في‭ ‬الوجود‭ ‬كدولة‭ ‬إسرائيل‭ ‬ذات‭ ‬سيادة،‭ ‬وأصبحت‭ ‬الأرض‭ ‬التي‭ ‬يُعترف‭ ‬بها‭ ‬كأرض‭ ‬فلسطينية‭ ‬أرض‭ ‬متنازع‭ ‬عليها،‭ ‬سيمهد‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬يجرِ‭ ‬تنفيذ‭ ‬قرارات‭ ‬المجلسين‭ ‬المركزي‭ ‬والوطني‭ ‬الفلسطيني‭ ‬بسحب‭ ‬الاعتراف‭ ‬وبالانسحاب‭ ‬من‭ ‬اتفاقيات‭ ‬أوسلو‭ ‬وبروتوكول‭ ‬باريس‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬ليصبح‭ ‬‮«‬الكيان‭ ‬الصهيوني‮»‬‭ ‬دولة‭ ‬‮«‬إسرائيل‭ ‬الكبرى‮»‬‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تصاعد‭ ‬الاستيطان‭ ‬والضم،‭ ‬والكيانية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬تسير‭ ‬نحو‭ ‬الضمور،‭ ‬بتغييب‭ ‬منظمة‭ ‬التحرير‭ ‬الفلسطينية‭ ‬كممثل‭ ‬شرعي‭ ‬ووحيد‭ ‬للشعب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬بكل‭ ‬تجمعاته‭ ‬وأماكن‭ ‬تواجده،‭ ‬ويجري‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬إبراز‭ ‬السلطة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬ككيان‭ ‬جديد‭ ‬لتمثل‭ ‬فلسطينيي‭ ‬الضفة‭ ‬فقط‭ ‬دون‭ ‬غزة‭ ‬والقدس‭.‬

من‭ ‬هنا‭ ‬أكد‭ ‬المؤتمر‭ ‬الثامن‭ ‬للجبهة‭ ‬الديمقراطية‭ ‬لتحرير‭ ‬فلسطين،‭ ‬على‭ ‬مبدأ‭ ‬صون‭ ‬الكيانية‭ ‬الوطنية،‭ ‬بأعمدتها‭ ‬الثلاثة‭:‬

م‭.‬ت‭.‬ف،‭ ‬هي‭ ‬الممثل‭ ‬الشرعي‭ ‬والوحيد‭ ‬للشعب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬وهي‭ ‬وحدها‭ ‬المعنية‭ ‬بتمثيله‭ ‬والنطق‭ ‬باسمه‭ ‬في‭ ‬أية‭ ‬عملية‭ ‬سياسية‭ ‬معنية‭ ‬بحل‭ ‬القضية‭ ‬الوطنية؛‭ ‬2‭- ‬برنامج‭ ‬م‭.‬ت‭.‬ف‭ ‬الوطني‭: ‬حق‭ ‬تقرير‭ ‬المصير،‭ ‬إقامة‭ ‬الدولة‭ ‬المستقلة‭ ‬كاملة‭ ‬السيادة‭ ‬على‭ ‬حدود‭ ‬4‭ ‬حزيران‭ (‬يونيو‭) ‬67‭ ‬وعاصمتها‭ ‬القدس،‭ ‬حل‭ ‬قضية‭ ‬اللاجئين‭ ‬بموجب‭ ‬القرار‭ ‬194،‭ ‬الذي‭ ‬يكفل‭ ‬لهم‭ ‬حق‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬الديار‭ ‬والممتلكات‭ ‬التي‭ ‬هجروا‭ ‬منها‭ ‬منذ‭ ‬العام‭ ‬1948؛‭ ‬3‭- ‬قرارات‭ ‬الشرعية‭ ‬الدولية‭ ‬ذات‭ ‬الصلة،‭ ‬الضامنة‭ ‬للحقوق‭ ‬الوطنية‭ ‬لشعبنا‭ ‬غير‭ ‬القابلة‭ ‬للتصرف‭.‬

من‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬فلسطين‭ ‬والإقليم‮»‬‭ ‬الكتاب‭ ‬السادس‭ ‬والأربعون‭ ‬من‭ ‬سلسلة‭ ‬الطريق‭ ‬إلى‭ ‬الاستقلال‭ ‬التي‭ ‬يصدرها‭ ‬المركز‭ ‬الفلسطيني‭ ‬للتوثيق‭ ‬والمعلومات

يشير‭ ‬المؤتمر‭ ‬الثامن‭ ‬للجبهة‭ ‬الديمقراطية‭ ‬لتحرير‭ ‬فلسطين‭ ‬إلى‭ ‬أهمية‭ ‬المبادرات‭ ‬السياسية‭ ‬التي‭ ‬أطلقتها‭ ‬الجبهة‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬السنوات‭ ‬الماضية،‭ ‬وتأثيراتها‭ ‬الإيجابية‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬الأوساط‭ ‬لجهة‭ ‬الدفع‭ ‬باتجاه‭ ‬إعادة‭ ‬صياغة‭ ‬أوضاع‭ ‬النظام‭ ‬الفلسطيني‭ ‬على‭ ‬قاعدة‭ ‬البرنامج‭ ‬الوطني‭ ‬الجامع،‭ ‬معززاً‭ ‬بتأكيد‭ ‬طابعه‭ ‬الديمقراطي‭ ‬التمثيلي‭ ‬الشامل‭ ‬لجميع‭ ‬القوى‭ ‬السياسية‭ ‬والمجتمعية‭.‬