اليوم الأول أم اليوم التالي؟

يونيو 22, 2024

مع‭ ‬دخول‭ ‬الحرب‭ ‬بما‭ ‬حملت‭ ‬شهرها‭ ‬التاسع،‭ ‬يتضح‭ ‬أكثر‭ ‬فأكثر‭ ‬أن‭ ‬فكرة‭ ‬اليوم‭ ‬التالي‭ ‬ولدت‭ ‬ميتة،‭ ‬ولا‭ ‬مؤشرات‭ ‬على‭ ‬اقتراب‭ ‬الحسم‭ ‬العسكري‭ ‬المزعوم‭ ‬أمريكياً‭ ‬وإسرائيلياً،‭ ‬نشطت‭ ‬فصائل‭ ‬المقاومة‭ ‬في‭ ‬استهداف‭ ‬قوات‭ ‬العدو‭ ‬المتوغلة‭ ‬في‭ ‬القطاع،‭ ‬نشاط‭ ‬برز‭ ‬من‭ ‬الشمال‭ ‬إلى‭ ‬الوسط‭ ‬فالجنوب،‭ ‬في‭ ‬دلالة‭ ‬توضح‭ ‬أن‭ ‬المقاومة‭ ‬استطاعت‭ ‬ترتيب‭ ‬أمورها،‭ ‬وترميم‭ ‬كتائبها،‭ ‬وتنظيم‭ ‬وتطوير‭ ‬عملياتها،‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬في‭ ‬الشمال‭ ‬والوسط،‭ ‬بعد‭ ‬التوغل‭ ‬في‭ ‬الجنوب،‭ ‬واقتحام‭ ‬رفح،‭ ‬بهدف‭ ‬معلن‭ ‬اسرائيلياً‭ ‬وهو‭ ‬استكمال‭ ‬تفكيك‭ ‬كتائب‭ ‬المقاومة‭ ‬المتبقية‭ ‬في‭ ‬رفح،‭ ‬وقد‭ ‬روّجوا‭ ‬أنها‭ ‬ستكون‭ ‬النهاية‭ ‬المرجوة‭ ‬لهم،‭ ‬ولكن‭ ‬بعد‭ ‬مرور‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬على‭ ‬توغل‭ ‬جيش‭ ‬الاحتلال‭ ‬في‭ ‬محور‭ ‬صلاح‭ ‬الدين‭ ‬ووصولهم‭ ‬إلى‭ ‬معبر‭ ‬رفح،‭ ‬ومرور‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ثمانية‭ ‬شهور‭ ‬على‭ ‬الحرب‭ ‬البرية،‭ ‬تعود‭ ‬المعركة‭ ‬إلى‭ ‬المربع‭ ‬الأول‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬جاهزية‭ ‬المقاومة‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬العشرين‭ ‬للطوفان‭ ‬في‭ ‬أوجها،‭ ‬وأتم‭ ‬استعدادها،‭ ‬وتحتفظ‭ ‬بكامل‭ ‬قوتها‭ ‬على‭ ‬التصدي‭ ‬لجيش‭ ‬الاحتلال‭ ‬وقدرتها‭ ‬على‭ ‬إيقاع‭ ‬الخسائر‭ ‬بجنوده‭ ‬وآلياته،‭ ‬بل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬اليوم‭ ‬الأول‭ ‬المتجدد‭ ‬تبدو‭ ‬المقاومة‭ ‬أشد‭ ‬بأساً‭ ‬وأكثر‭ ‬عدة‭ ‬وعدداً،‭ ‬وقد‭ ‬أوردت‭ ‬وسائل‭ ‬إعلام‭ ‬إسرائيلية‭ ‬أن‭ ‬مسؤولاً‭ ‬عسكرياً‭ ‬إسرائيلياً،‭ ‬قال‭: ‬أن‭ ‬المقاومة‭ ‬تعيد‭ ‬ترتيب‭ ‬كتائبها‭ ‬التي‭ ‬أعلن‭ ‬الجيش‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬عن‭ ‬تفكيكها،‭ ‬شمال‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬حيث‭ ‬قامت‭ ‬بتعيين‭ ‬قادة‭ ‬جدد‭ ‬وجمعت‭ ‬عناصر‭ ‬من‭ ‬كتائب‭ ‬مختلفة،‭ ‬معترفاً‭ ‬أنها‭ ‬قد‭ ‬تعافت‭ ‬من‭ ‬الأضرار‭ ‬التي‭ ‬ألحقها‭ ‬الجيش‭ ‬بها‭.‬

وفي‭ ‬دلائل‭ ‬أخرى‭ ‬على‭ ‬استعادة‭ ‬المقاومة‭ ‬عافيتها‭ ‬وإعادة‭ ‬الأمور‭ ‬في‭ ‬ساحة‭ ‬القتال‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬الحرب‭ ‬البرية،‭ ‬توسيع‭ ‬رقعة‭ ‬المعارك‭ ‬على‭ ‬الامتداد‭ ‬الجغرافي‭ ‬لقطاع‭ ‬غزة‭ ‬من‭ ‬أقصى‭ ‬الشمال‭ ‬إلى‭ ‬الوسط‭ ‬إلى‭ ‬الجنوب،‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬حانون‭ ‬المدينة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تبعد‭ ‬سوى‭ ‬أمتار‭ ‬عن‭ ‬السياج‭ ‬الحدودي‭ ‬استطاعت‭ ‬المقاومة‭ ‬يوم‭ ‬الثلاثاء‭ ‬21‭ ‬أيار‭/ ‬مايو‭ ‬تنفيذ‭ ‬كمين‭ ‬مركب‭ ‬ومحكم‭ ‬نفذ‭ ‬على‭ ‬ثلاث‭ ‬مراحل‭ ‬واستمر‭ ‬نحو‭ ‬26‭ ‬ساعة‭ ‬وأوقع‭ ‬خسائر‭ ‬جسيمة‭ ‬في‭ ‬صفوف‭ ‬جنود‭ ‬العدو‭ ‬أرغمه‭ ‬على‭ ‬الانسحاب،‭ ‬ومنذ‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬أوقف‭ ‬العدو‭ ‬تقدم‭ ‬وتوغل‭ ‬قواته‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬حانون‭ ‬بشكل‭ ‬كامل،‭ ‬وشهد‭ ‬القطاع‭ ‬عمليات‭ ‬نوعية‭ ‬أوجعت‭ ‬الجيش‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يقهر‭ ‬وأذلته،‭ ‬ومنها‭ ‬انزال‭ ‬خلف‭ ‬خطوط‭ ‬العدو،‭ ‬واستهداف‭ ‬آلياته‭ ‬ودباباته‭ ‬من‭ ‬المسافة‭ ‬صفر،‭ ‬وقنص‭ ‬جنوده‭ ‬،مما‭ ‬يحدد‭ ‬طبيعة‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬أنها‭ ‬حرب‭ ‬استنزاف،‭ ‬وقع‭ ‬العدو‭ ‬في‭ ‬شراكها،‭ ‬وستطول،‭ ‬طالما‭ ‬لا‭ ‬يريد‭ ‬وقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار‭ ‬والانسحاب‭ ‬الكامل‭ ‬من‭ ‬غزة،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يدرك‭ ‬ويعترف‭ ‬أن‭ ‬اليوم‭ ‬التالي‭ ‬يبتعد‭ ‬عن‭ ‬يد‭ ‬من‭ ‬أرادوه‭ ‬تصفية‭ ‬للقضية‭ ‬الوطنية‭ ‬الفلسطينية‭.‬

عمليات‭ ‬نوعية‭ ‬خططت‭ ‬لها‭ ‬قيادة‭ ‬المقاومة‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬ما‭ ‬يدل‭ ‬أنها‭ ‬لم‭ ‬تفقد‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬الميدان‭ ‬وتدير‭ ‬الاشتباك‭ ‬القتالي‭ ‬بكفاءة،‭ ‬كاستدراج‭ ‬العدو‭ ‬إلى‭ ‬الكمائن‭ ‬المركبة‭ ‬مثلما‭ ‬حصل‭ ‬في‭ ‬تل‭ ‬السلطان‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الحي‭ ‬السعودي‭ ‬غرب‭ ‬مدينة‭ ‬رفح،‭ ‬حيث‭ ‬أعلن‭ ‬الجيش‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬يوم‭ ‬السبت‭ ‬22‭ ‬حزيران‭ ‬مقتل‭ ‬8‭ ‬جنود‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬من‭ ‬بينهم‭ ‬نائب‭ ‬قائدة‭ ‬سرية‭ ‬في‭ ‬وحدة‭ ‬الهندسة‭ ‬601‭ ‬وضابط‭ ‬برتبة‭ ‬نقيب‭ ‬في‭ ‬تفجير‭ ‬ناقلة‭ ‬جند‭ ‬من‭ ‬طراز‭ ‬“نمر”‭ ‬في‭ ‬حي‭ ‬تل‭ ‬السلطان‭ ‬بمنطقة‭ ‬رفح‭. ‬

وتم‭ ‬استدراج‭ ‬قوة‭ ‬إسرائيلية‭ ‬إلى‭ ‬كمين‭ ‬مركب‭ ‬ضد‭ ‬الجيش‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬في‭ ‬حي‭ ‬الشابورة‭ ‬بمدينة‭ ‬رفح‭ ‬يوم‭ ‬الخميس‭ ‬20‭ ‬جزيران‭ ‬2024،‭ ‬أسفرت‭ ‬عن‭ ‬مقتل‭ ‬أربعة‭ ‬جنود‭ ‬إسرائيليين‭ ‬وإصابة‭ ‬ستة‭ ‬آخرين‭ ‬في‭ ‬تفجير‭ ‬منزل‭ ‬مفخخ،‭ ‬أعلن‭ ‬عنه‭ ‬الجيش‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬بما‭ ‬سماه‭ ‬حدثاً‭ ‬صعباً‭.‬

الأربعاء‭ ‬15‭ ‬أيار‭ ‬2024‭ ‬وفي‭ ‬جنوب‭ ‬حي‭ ‬الزيتون‭ ‬تم‭ ‬استهداف‭ ‬قوة‭ ‬إسرائيلية‭ ‬راجلة‭ ‬بقذيفة‭ ‬مضادة‭ ‬للأفراد‭ ‬وإيقاعهم‭ ‬بين‭ ‬قتيل‭ ‬وجريح‭ ‬جنوب‭ ‬حي‭ ‬الزيتون‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬غزة،‭ ‬حيث‭ ‬تصدت‭ ‬المقاومة‭ ‬لعمليات‭ ‬العدو‭ ‬في‭ ‬حي‭ ‬الزيتون‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬غزة‭ ‬بعد‭ ‬عملية‭ ‬عسكرية‭ ‬هناك‭ ‬استمرت‭ ‬6‭ ‬أيام‭.‬

وكانت‭ ‬المقاومة‭ ‬قد‭ ‬أعلنت‭ ‬يوم‭ ‬الأربعاء‭ ‬15‭ ‬أيار‭ ‬2024‭ ‬أنها‭ ‬تمكنت‭ ‬من‭ ‬قتل‭ ‬12‭ ‬جندياً‭ ‬إسرائيلياً‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬مركبة‭ ‬بمنطقة‭ ‬بلوك‭ ‬4‭ ‬في‭ ‬مخيم‭ ‬جباليا‭. ‬

وفي‭ ‬16حزيران‭ ‬وفي‭ ‬دوار‭ ‬النابلسي‭ ‬في‭ ‬حي‭ ‬تل‭ ‬الهوى‭ ‬جنوب‭ ‬غربي‭ ‬مدينة‭ ‬غزة،‭ ‬استهدفت‭ ‬المقاومة‭ ‬قوات‭ ‬إسرائيلية‭ ‬متمركزة‭ ‬عند‭ ‬المفترق،‭ ‬والعملية‭ ‬تمت‭ ‬بإعداد‭ ‬وتجهيز‭ ‬حقل‭ ‬الألغام‭ ‬وزراعة‭ ‬العبوات‭ ‬الناسفة،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬تفجير‭ ‬حقل‭ ‬الألغام‭ ‬في‭ ‬القوة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬وإيقاع‭ ‬أفرادها‭ ‬بين‭ ‬قتيل‭ ‬وجريح‭.‬

وفي‭ ‬وسط‭ ‬القطاع‭ ‬حيث‭ ‬أراد‭ ‬الجيش‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬محور‭ ‬نتساريم‭ ‬لكنه‭ ‬تحول‭ ‬إلى‭ ‬منطقة‭ ‬قتل‭ ‬مكشوفة‭ ‬تتساقط‭ ‬فوقها‭ ‬قذائف‭ ‬الهاون،‭ ‬ما‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬فشل‭ ‬العدو‭ ‬في‭ ‬تثبيت‭ ‬تواجده‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬شبر‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭.‬

سقوط‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬جنود‭ ‬الاحتلال‭ ‬بين‭ ‬جريح‭ ‬وقتيل‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬واحد،‭ ‬ساهم‭ ‬في‭ ‬إرباك‭ ‬قادة‭ ‬العدو،‭ ‬حول‭ ‬ما‭ ‬يعلنه‭ ‬عن‭ ‬اقترابه‭ ‬من‭ ‬تحقيق‭ ‬أهدافه‭ ‬وعن‭ ‬إنجازات‭ ‬قد‭ ‬حققها،‭ ‬وحول‭ ‬تفكيك‭ ‬كتائب‭ ‬المقاومة،‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬استغرقه‭ ‬القتال‭ ‬لا‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬ضربة‭ ‬قاسية‭ ‬قد‭ ‬أفقدت‭ ‬المقاومة‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬القتال،‭ ‬يعبر‭ ‬صمودها‭ ‬عن‭ ‬مظاهر‭ ‬قوة‭ ‬وبأس‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬منع‭ ‬العدو‭ ‬من‭ ‬تحقيق‭ ‬أي‭ ‬انجاز‭ ‬مهما‭ ‬طال‭ ‬زمن‭ ‬المعركة،‭ ‬بينما‭ ‬في‭ ‬الجهة‭ ‬المقابلة‭ ‬بدت‭ ‬قطعات‭ ‬جيش‭ ‬العدو‭ ‬منهكة‭ ‬غير‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬أهدافها،‭ ‬كيف‭ ‬تبدو‭ ‬الأمور‭ ‬في‭ ‬اليوم‭  ‬260‭ ‬من‭ ‬بدء‭ ‬العدوان‭ ‬على‭ ‬قطاع‭ ‬غزة؟‭.  ‬يتحرك‭ ‬رجال‭ ‬المقاومة‭ ‬على‭ ‬كامل‭ ‬الرقعة‭ ‬الجغرافية‭ ‬فيما‭ ‬يشبه‭ ‬اليوم‭ ‬الذي‭ ‬بدأت‭ ‬فيه‭ ‬المعارك‭ ‬البرية‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬يوم‭ ‬السبت‭ ‬28‭ ‬اكتوبر‭ ‬2023،‭ ‬يوم‭ ‬تعهد‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬بنيامين‭ ‬نتنياهو‭ ‬بتدمير‭ (‬العدو‭) ‬‮«‬‭ ‬فوق‭ ‬الأرض‭ ‬وتحت‭ ‬الأرض‮»‬،‭ ‬أعلن‭ ‬إطلاق‭ ‬العملية‭ ‬البرية،‭ ‬وبدء‭ ‬المرحلة‭ ‬الثانية‭ ‬من‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬غزة‭. ‬هل‭ ‬مازال‭ ‬نتنياهو‭ ‬مصراً‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬‮«‬النصر‭ ‬الكامل»؟‭. ‬أم‭ ‬يرضى‭ ‬مهزوماً‭ ‬بديلاً‭ ‬عنه‭ ‬بحل‭ ‬تفاوضي‭ ‬يدفع‭ ‬ثمنه‭ ‬غالياً؟‭. ‬يبدو‭ ‬عاجزاً‭ ‬في‭ ‬الميدان‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬تحقيق‭ ‬صورة‭ ‬نصر‭ ‬بأي‭ ‬شكل‭ ‬يقدمه‭ ‬لمستوطنيه،‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬أنجزته‭ ‬آلة‭ ‬الاحتلال‭ ‬العسكرية،‭ ‬بعد‭ ‬هذا‭ ‬الهجوم‭ ‬الهمجي‭ ‬استهداف‭ ‬المدنيين،‭ ‬الذي‭ ‬تسبب‭ ‬بعشرات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬الشهداء‭ ‬والجرحى‭ ‬معظمهم‭ ‬نساء‭ ‬وأطفال،‭ ‬وتدمير‭ ‬هائل‭ ‬في‭ ‬البنية‭ ‬التحتية،‭ ‬لم‭ ‬يستطع‭ ‬الجيش‭ ‬الأسطوري‭ ‬المصنف‭ ‬من‭ ‬أقوى‭ ‬جيوش‭ ‬العالم‭ ‬كسر‭ ‬شوكة‭ ‬المقاومة‭ ‬ولم‭ ‬تستطع‭ ‬هذه‭ ‬القوة‭ ‬الوحشية‭ ‬أن‭ ‬تنال‭ ‬من‭ ‬صمود‭ ‬الحاضنة‭ ‬الشعبية‭ ‬للمقاومة،‭ ‬وبدلاً‭ ‬من‭ ‬استعادة‭ ‬أسراه‭ ‬لدى‭ ‬المقاومة،‭ ‬تبرز‭ ‬الصور‭ ‬التي‭ ‬تبثها‭ ‬المقاومة‭ ‬جنوداً‭ ‬جدداً‭ ‬يقعون‭ ‬في‭ ‬الأسر،‭ ‬وعادت‭ ‬المقاومة‭ ‬إلى‭ ‬قصف‭ ‬تل‭ ‬أبيب‭ ‬برشقة‭ ‬صاروخية‭ ‬كثيفة،‭ ‬أطلقت‭ ‬من‭ ‬غزة،‭ ‬رداً‭ ‬على‭ ‬المجازر‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬بحق‭ ‬المدنيين،‭ ‬ودوت‭ ‬صفارات‭ ‬الإنذار‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬مدن‭ ‬الوسط،‭ ‬للمرة‭ ‬الأولى‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬4‭ ‬أشهر،‭ ‬يوم‭ ‬الأحد‭ ‬26‭ ‬أيار‭/ ‬مايو‭ ‬أكدت‭ ‬مصادر‭ ‬إسرائيلية‭ ‬أن‭ ‬صواريخ‭ ‬وشظايا‭ ‬سقطت‭ ‬في‭ ‬مدن‭ ‬هرتسليا‭ ‬ورعنانا‭ ‬وكفار‭ ‬سابا،‭ ‬شمال‭ ‬تل‭ ‬أبيب‭. ‬وأعلنت‭ ‬إذاعة‭ ‬الجيش‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬إطلاق‭ ‬نحو‭ ‬12‭ ‬صاروخا‭ ‬من‭ ‬منطقة‭ ‬رفح‭ ‬نحو‭ ‬قلب‭ ‬إسرائيل،‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬قامت‭ ‬به‭ ‬إسرائيل‭ ‬لم‭ ‬يجلب‭ ‬الأمن‭ ‬لمستوطنيها،‭ ‬وتوالى‭ ‬سقوط‭ ‬صواريخ‭ ‬المقاومة‭ ‬على‭ ‬غلاف‭ ‬غزة،‭ ‬لاسيما‭ ‬قواعدها‭ ‬العسكرية‭ ‬ومناطق‭ ‬تحشد‭ ‬الجنود‭.‬

ماذا‭ ‬يعني‭ ‬قصف‭ ‬تل‭ ‬أبيب‭ ‬بعد‭ ‬233‭ ‬يوماً‭ ‬من‭ ‬الحرب؟‭  ‬أمر‭ ‬يكذب‭ ‬قيادتهم‭ ‬السياسية‭ ‬والعسكرية‭ ‬التي‭ ‬تسوق‭ ‬لإنجازات‭ ‬كبيرة‭ ‬حققها‭ ‬جيشها‭ ‬في‭ ‬غزة‭.‬

عدم‭ ‬تحقيق‭ ‬الانتصار‭ ‬الذي‭ ‬منوا‭ ‬النفس‭ ‬فيه‭ ‬أسقط‭ ‬أهدافهم‭ ‬الواحد‭ ‬تلو‭ ‬الآخر‭ ‬وجعل‭ ‬القيادة‭ ‬السياسية‭ ‬والعسكرية‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬تتخبط‭ ‬وسط‭ ‬تأكيد‭ ‬بعضهم‭ ‬عدم‭ ‬جدوى‭ ‬الهدف‭ ‬الذي‭ ‬وضعوه‭ ‬لليوم‭ ‬التالي‭: ‬غزة‭ ‬خالية‭ ‬من‭ ‬المقاومة‭ ‬بادعاء‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬حركة‭ ‬حماس،‭ ‬الآن‭ ‬يطرحون‭ ‬تعديلاً‭ ‬لرؤيتهم‭ ‬لليوم‭ ‬التالي،‭ ‬بأن‭ ‬السلطة‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬لا‭ ‬تديرها‭ ‬حركة‭ ‬حماس،‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬جزءاً‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬السلطة‭. ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬التي‭ ‬تدعي‭ ‬تمسكها‭ ‬بالمبادئ‭ ‬الديمقراطية‭ ‬تغفل‭ ‬عن‭ ‬المبدأ‭ ‬الديمقراطي‭ ‬الأول‭ ‬أن‭ ‬السلطة‭ ‬مصدرها‭ ‬الشعب،‭ ‬هذا‭ ‬المبدأ‭ ‬الذي‭ ‬أقرته‭ ‬حركة‭ ‬التطور‭ ‬التاريخي‭ ‬للفكر‭ ‬الحضاري‭ ‬الانساني‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬الحديثة‭ ‬نحو‭ ‬الديمقراطية‭ ‬وحكم‭ ‬الشعوب‭ ‬نفسها‭ ‬بنفسها‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬ولى‭ ‬فيه‭ ‬زمن‭ ‬الوصاية‭ ‬والانتداب،‭ ‬يُطرح‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬اليوم‭ ‬التالي‭ ‬الذي‭ ‬يبتدع‭ ‬الامريكيون‭ ‬والإسرائيليون‭ ‬وآخرون‭ ‬أشكالاً‭ ‬من‭ ‬السلطة‭ ‬تحكم‭ ‬غزة‭ ‬بعد‭ ‬انتهاء‭ ‬الحرب‭ ‬بمعزل‭ ‬عن‭ ‬إرادة‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬في‭ ‬انتخاب‭ ‬من‭ ‬يمثله‭.‬

مما‭ ‬يتناسونه‭ ‬أيضاً‭ ‬أن‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬قد‭ ‬انتقد‭ ‬حركة‭ ‬حماس‭ ‬لانشغالها‭ ‬بأمور‭ ‬السلطة،‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬تتطلب‭ ‬تركيز‭ ‬جهودها‭ ‬باعتبارها‭ ‬حركة‭ ‬مقاومة،‭ ‬وأطلقوا‭ ‬عليها‭ ‬سلطة‭ ‬الأمر‭ ‬الواقع،‭ ‬وعادت‭ ‬الحركة‭ ‬إلى‭ ‬موقعها‭ ‬المقاوم‭ ‬وفق‭ ‬ضرورات‭ ‬إنجاز‭ ‬مهام‭ ‬مرحلة‭ ‬التحرر‭ ‬الوطني‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬طوفان‭ ‬الأقصى،‭ ‬بالخلاصة‭ ‬المقاومون‭ ‬ليسوا‭ ‬طلاب‭ ‬سلطة،‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته‭ ‬يرفضون‭ ‬ويقاومون‭ ‬أي‭ ‬سلطة‭ ‬مفروضة‭ ‬عليهم،‭ ‬وخارجة‭ ‬عن‭ ‬إرادة‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭.‬