كابوس‭ ‬المجاعة‭ ‬لم‭ ‬ينته‭ ‬بعد‭..‬

يونيو 11, 2024

لا‭ ‬تُنسى‭ ‬تلك‭ ‬الأيام‭ ‬المؤلمة‭ ‬التي‭ ‬مررنا‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬ومدينة‭ ‬غزة‭ ‬حين‭ ‬مارس‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬النازي‭ ‬‮«‬حرب‭ ‬التجويع‭ ‬والتعطيش‮»‬‭ ‬بحق‭ ‬المدنيين‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬العدوان‭ ‬على‭ ‬القطاع‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬فرض‭ ‬الحصار‭ ‬وتدمير‭ ‬البنى‭ ‬التحتية‭ ‬والمراكز‭ ‬التجارية،‭ ‬وكان‭ ‬آخرها‭ ‬الأسواق‭.‬

بات‭ ‬الجوع‭ ‬يطفو‭ ‬على‭ ‬سطح‭ ‬الأزمات‭ ‬التي‭ ‬تعصف‭ ‬بواقع‭ ‬الحياة‭ ‬الغزية‭ ‬التي‭ ‬تحولت‭ ‬إلى‭ ‬جحيم‭ ‬وتفاصيل‭ ‬يومية‭ ‬شاقة‭. ‬ان‭ ‬حرب‭ ‬التجويع‭ ‬التي‭ ‬تمارس‭ ‬بحق‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬700‭ ‬ألف‭ ‬مواطن‭ ‬يعيش‭ ‬في‭ ‬محافظتي‭ ‬غزة‭ ‬والشمال‭ ‬تحمل‭ ‬رسالة‭ ‬واضحة‭ ‬أن‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬لن‭ ‬تتوقف‭ ‬وتأخذ‭ ‬اشكالا‭ ‬متعددة،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬جعل‭ ‬الاحتلال‭ ‬يواصل‭ ‬حربه‭ ‬الدموية‭.‬

رُبما‭ ‬شعر‭ ‬المواطن‭ ‬بالتنفيس‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬اجتياح‭ ‬معسكر‭ ‬جباليا،‭ ‬وهو‭ ‬الأكثر‭ ‬حيوية‭ ‬وبقاءً‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬العدوان‭ ‬الذي‭ ‬طال‭ ‬جميع‭ ‬مناطق‭ ‬مدينة‭ ‬غزة‭ ‬وشمالها‭ ‬الصامد،‭ ‬لكن‭ ‬الأمر‭ ‬بات‭ ‬مختلفا‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يعيش‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬البقعة‭ ‬الجغرافية‭ ‬الصغيرة،‭ ‬العظيمة‭ ‬بتضحيات‭ ‬أبنائها‭ ‬وصمودهم‭ ‬الأسطوري‭.‬

في‭ ‬المرحلة‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬اشتداد‭ ‬عملية‭ ‬التجويع‭ ‬التي‭ ‬أثرت‭ ‬سلبا‭ ‬على‭ ‬حياة‭ ‬الأطفال‭ ‬والنساء‭ ‬والشيوخ‭ ‬بشكل‭ ‬كبير،‭ ‬استشهد‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬30‭ ‬طفلا‭ ‬بسبب‭ ‬سوء‭ ‬التغذية‭ ‬وانتشار‭ ‬الأمراض‭ ‬الناجمة‭ ‬عن‭ ‬محاربتهم‭ ‬بسلاح‭ ‬الجوع‭ ‬ومنع‭ ‬دخول‭ ‬المساعدات‭ ‬اللازمة‭ ‬لضمان‭ ‬استمرار‭ ‬البقاء‭ ‬على‭ ‬قيد‭ ‬الحياة‭ ‬وما‭ ‬يمنح‭ ‬اجسادهم‭ ‬القوة‭ ‬والصمود‭ ‬أمام‭ ‬ترسانة‭ ‬الاحتلال‭ ‬العسكرية‭.‬

ففي‭ ‬ظل‭ ‬الصمت‭ ‬الدولي‭ ‬على‭ ‬جرائم‭ ‬الاحتلال‭ ‬واستمرار‭ ‬الاستهداف‭ ‬المباشر‭ ‬لكل‭ ‬الجوانب‭ ‬الإنسانية،‭ ‬عاد‭ ‬شبح‭ ‬الجوع‭ ‬يخيم‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬على‭ ‬الذين‭ ‬تحولت‭ ‬أماكن‭ ‬سكناهم‭ ‬إلى‭ ‬مناطق‭ ‬غير‭ ‬صالحة‭ ‬للسكن،‭ ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬انعدام‭ ‬الأفق‭ ‬في‭ ‬إيجاد‭ ‬حلول‭ ‬تُنهي‭ ‬هذه‭ ‬الكارثة‭ ‬الإنسانية‭ ‬كالرصيف‭ ‬الأمريكي‭ ‬العائم،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬أعلن‭ ‬عنه‭ ‬برنامج‭ ‬الأغذية‭ ‬العالمي‭ ‬بوقف‭ ‬إدخال‭ ‬المساعدات‭ ‬لغزة‭ ‬بسبب‭ ‬‮«‬مخاوف‭ ‬أمنية‮»‬

هذا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬المساعي‭ ‬التي‭ ‬تدعيها‭ ‬الإدارة‭ ‬الأمريكية‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬كذبة‭ ‬كبيرة‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬تجميل‭ ‬صورتها‭ ‬أمام‭ ‬العالم‭ ‬وتدعي‭ ‬حرصها‭ ‬على‭ ‬إنهاء‭ ‬المأساة‭ ‬داخل‭ ‬غزة،‭ ‬دون‭ ‬إتخاذ‭ ‬إجراءات‭ ‬أو‭ ‬خطوات‭ ‬حاسمة‭. ‬وبعد‭ ‬مرور‭ ‬8‭ ‬شهور‭ ‬على‭ ‬العدوان‭ ‬المتواصل،‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬الموقف‭ ‬الأمريكي‭ ‬يترنح‭ ‬بين‭ ‬الدعوة‭ ‬وبيانات‭ ‬الاستنكار،‭ ‬ويتضح‭ ‬ذلك‭ ‬بإستمرار‭ ‬دعوة‭ ‬المندوبة‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬لإسرائيل‭ ‬باتخاذ‭ ‬تدابير‭ ‬في‭ ‬حماية‭ ‬المدنيين‭!!‬

بلا‭ ‬شك‭ ‬يتعمد‭ ‬الاحتلال‭ ‬في‭ ‬منع‭ ‬دخول‭ ‬المساعدات‭ ‬كالخضار‭ ‬واللحوم‭ ‬والفواكه‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الأشياء‭ ‬الضرورية،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يستدعي‭ ‬أن‭ ‬نسأل‭ ‬عن‭ ‬الموقف‭ ‬الدولي‭ ‬إزاء‭ ‬هذه‭ ‬الجريمة‭ ‬التي‭ ‬تنتهك‭ ‬مبادئ‭ ‬الإنسانية،‭ ‬وهل‭ ‬بات‭ ‬الضغط‭ ‬على‭ ‬إسرائيل‭ ‬أمرا‭ ‬مستحيلا‭ ‬بوقف‭ ‬جرائمها‭ ‬التي‭ ‬تقودها‭ ‬الحكومة‭ ‬الأكثر‭ ‬تطرفا؟‭!‬

المواقف‭ ‬التي‭ ‬صدرت‭ ‬عن‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬خلال‭ ‬مجزرة‭ ‬النصيرات‭ ‬الأخيرة‭ ‬والتي‭ ‬راح‭ ‬ضحيتها‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬270‭ ‬شهيدا‭ ‬تعكس‭ ‬حالة‭ ‬التماهي‭ ‬مع‭ ‬السلوك‭ ‬الإرهابي‭ ‬لجيش‭ ‬الاحتلال‭ ‬الذي‭ ‬استخدام‭ ‬شاحنات‭ ‬المساعدات‭ ‬على‭ ‬مرأى‭ ‬ومسمع‭ ‬العالم‭ ‬خلال‭ ‬ارتكاب‭ ‬المجزرة،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬أكده‭ ‬الهلال‭ ‬الأحمر‭ ‬الفلسطيني‭.‬

لذلك‭ ‬تتحمل‭ ‬إسرائيل‭ ‬وحليفتها‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬المسؤولية‭ ‬الكاملة‭ ‬عن‭ ‬حياة‭ ‬المدنيين‭ ‬بعد‭ ‬ظهور‭ ‬مؤشرات‭ ‬المجاعة‭ ‬وارتفاع‭ ‬معدلاتها‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬في‭ ‬الشمال‭ ‬دون‭ ‬مراعاة‭ ‬حجم‭ ‬الكارثة‭. ‬بات‭ ‬مطلوبا‭ ‬الإسراع‭ ‬في‭ ‬فتح‭ ‬المعابر‭ ‬البرية،‭ ‬والسماح‭ ‬بدخول‭ ‬كل‭ ‬أشكال‭ ‬المساعدات‭ ‬المختلفة‭ ‬التي‭ ‬يحتاجها‭ ‬المواطن‭ ‬بعد‭ ‬موجة‭ ‬الإرهاب‭ ‬التي‭ ‬قام‭ ‬بها‭ ‬مؤخرا‭ ‬في‭ ‬احتياج‭ ‬جباليا،‭ ‬ناهيا‭ ‬عن‭ ‬ضرورة‭ ‬إدخال‭ ‬احتياجات‭ ‬القطاعات‭ ‬الخدماتية‭ ‬كالمنظومة‭ ‬الصحية‭ ‬والبلديات‭ ‬والدفاع‭ ‬المدني‭.‬