متى‭ ‬يتم‭ ‬الإعلان‭ ‬عن‭ ‬الناتو‭ ‬العربي‭ – ‬الإسرائيلي‭ ‬؟‭! …‬

مايو 27, 2024

أثار‭ ‬الرد‭ ‬الإيراني‭ ‬على‭ ‬إسرائيل،‭ ‬بقصفها‭ ‬القنصلية‭ ‬الإيرانية‭ ‬في‭ ‬دمشق،‭ ‬ردود‭ ‬فعل‭ ‬متباينة،‭ ‬بقي‭ ‬كثير‭ ‬منها‭ ‬عند‭ ‬حدود‭ ‬الحدث،‭ ‬دون‭ ‬التوغل‭ ‬في‭ ‬قراءة‭ ‬أبعاده،‭ ‬ورصد‭ ‬ردود‭ ‬الفعل‭ ‬عليه،‭ ‬وبشكل‭ ‬خاص،‭ ‬رد‭ ‬الفعل‭ ‬الأميركي،‭ ‬الذي‭ ‬يعتبر‭ ‬نفسه‭ ‬المعني‭ ‬دون‭ ‬غيره،‭ ‬بالإشراف‭ ‬على‭ ‬منطقتنا،‭ ‬وضبط‭ ‬الحدث‭ ‬فيها‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تخرج‭ ‬عن‭ ‬سيطرته،‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬7‭ ‬أكتوبر‭ ‬الماضي‭ ‬مع‭ ‬معركة‭ ‬‮«‬طوفان‭ ‬الأقصى‮»‬‭.‬

كثيرون،‭ ‬للأسف،‭ ‬من‭ ‬المعلقين‭ ‬وكتاب‭ ‬الأعمدة،‭ ‬عرباً‭ ‬وبمن‭ ‬فيهم‭ ‬فلسطينيون،‭ ‬سخروا‭ ‬من‭ ‬الرد‭ ‬الإيراني،‭ ‬ووصفوه‭ ‬وكأنه‭ ‬ألعاب‭ ‬نارية،‭ ‬أطلقتها‭ ‬طهران‭ ‬في‭ ‬سماء‭ ‬المنطقة،‭ ‬لتدّعي‭ ‬أنها‭ ‬دافعت‭ ‬عن‭ ‬سيادتها‭ ‬وكرامتها،‭ ‬وتكمن‭ ‬خلفية‭ ‬هذه‭ ‬المواقف‭ ‬في‭ ‬موقف‭ ‬مبدئي‭ ‬يتخذه‭ ‬هؤلاء‭ ‬من‭ ‬إيران،‭ ‬وهم‭ ‬على‭ ‬إستعداد‭ ‬لمواصلة‭ ‬هذا‭ ‬الأسلوب‭ ‬في‭ ‬التشويه،‭ ‬حتى‭ ‬ولو‭ ‬كانت‭ ‬طهران‭ ‬تخوض‭ ‬حرباً‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭.‬

بالمقابل،‭ ‬لفت‭ ‬نظري‭ ‬مقال‭ ‬للدكتور‭ ‬حسن‭ ‬نافعة،‭ ‬المعروف‭ ‬للقاصي‭ ‬والداني،‭ ‬الذي‭ ‬قال‭ ‬فيه‭: ‬إن‭ ‬الرد‭ ‬الإيراني‭ ‬كشف‭ ‬عن‭ ‬واقع‭ ‬الحالة‭ ‬العربية،‭ ‬وقال‭ ‬أنها‭ ‬أثبتت‭ ‬إنقسامها‭ ‬إلى‭ ‬ثلاثة‭ ‬تيارات‭: ‬الأول؛‭ ‬التحالف‭ ‬العربي‭ ‬–‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬وهو‭ ‬الذي‭ ‬تدخل‭ ‬للدفاع‭ ‬عن‭ ‬إسرائيل‭ ‬أمام‭ ‬الرد‭ ‬الإيراني،‭ ‬بعضها‭ ‬بالتصدي‭ ‬مباشرة‭ ‬للمقذوفات‭ ‬الإيرانية،‭ ‬وبعضها‭ ‬الآخر‭ ‬بتقديم‭ ‬المعلومات‭ ‬الإستخباراتية‭. ‬الثاني؛‭ ‬هو‭ ‬محور‭ ‬المقاومة‭ ‬المتحالف‭ ‬مع‭ ‬إيران،‭ ‬والذي‭ ‬يتحمل‭ ‬مسؤوليته‭ ‬في‭ ‬الرد‭ ‬على‭ ‬إسرائيل‭ ‬من‭ ‬موقع‭ ‬تبني‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭. ‬أما‭ ‬الثالث؛‭ ‬فهو‭ ‬المحايد،‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬مشاعر‭ ‬بعضه‭ ‬تميل‭ ‬إلى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬بسبب‭ ‬موقعها‭ ‬المهيمن‭ ‬على‭ ‬المنطقة‭.‬

ومع‭ ‬إنحيازي‭ ‬إلى‭ ‬التحليل‭ ‬الصائب‭ ‬والشجاع،‭ ‬الذي‭ ‬توصل‭ ‬إليه‭ ‬الدكتور‭ ‬حسن‭ ‬نافعة،‭ ‬وهو‭ ‬المعروف‭ ‬بعمق‭ ‬تفكيره‭ ‬ورصانته،‭ ‬فإنني‭ ‬سأضيف‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬لفت‭ ‬نظري‭ ‬في‭ ‬جولة‭ ‬وزير‭ ‬خارجية‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬وأثناء‭ ‬حديثه‭ ‬في‭ ‬‮«‬منتدى‭ ‬الرياض‭ ‬الإقتصادي‮»‬،‭ ‬دعا‭ ‬فيه‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬أسماه‭ ‬‮«‬العمل‭ ‬على‭ ‬التكامل‭ ‬الدفاعي‭ ‬في‭ ‬المنطقة‮»‬،‭ ‬وقد‭ ‬مرت‭ ‬هذه‭ ‬العبارة‭ ‬مرور‭ ‬الكرام،‭ ‬ولا‭ ‬أعتقد‭ ‬أنها‭ ‬أثارت‭ ‬إنتباه‭ ‬العدد‭ ‬الكافي‭ ‬من‭ ‬المراقبين‭ ‬أو‭ ‬المحللين‭.‬

التكامل‭ ‬السياسي‭ ‬للإقليم

وردت‭ ‬عبارة‭ ‬‮«‬التكامل‭ ‬الهيكلي‭ ‬للإقليم‮»‬‭ ‬أو‭ ‬‮«‬إستكمال‭ ‬هيكلية‭ ‬الإقليم‮»‬‭ ‬أول‭ ‬ما‭ ‬وردت،‭ ‬حسب‭ ‬تقديري،‭ ‬في‭ ‬إعلان‭ ‬القدس،‭ ‬الذي‭ ‬وقعه‭ ‬الرئيس‭ ‬الأميركي‭ ‬جو‭ ‬بايدن‭ ‬مع‭ ‬رئيس‭ ‬حكومة‭ ‬إسرائيل‭ (‬آنذاك‭) ‬يائير‭ ‬لابيد‭ ‬في‭ ‬15‭/‬7‭/‬2021،‭ ‬في‭ ‬زيارة‭ ‬بايدن‭ ‬لإسرائيل،‭ ‬وشكل‭ ‬‮«‬إعلان‭ ‬القدس‮»‬‭ ‬كما‭ ‬ورد‭ ‬فيه‭ ‬تجديداً‭ ‬للعلاقة‭ ‬الإستراتيجية‭ ‬الثابتة‭ ‬بين‭ ‬الجانبين‭ ‬الأميركي‭ ‬والإسرائيلي،‭ ‬وهو‭ ‬إتفاق‭ ‬بين‭ ‬بلدين‭ ‬وليس‭ ‬بين‭ ‬رجلين،‭ ‬ملزم‭ ‬للبلدين‭ ‬معاً،‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬تغير‭ ‬الأفراد‭.‬

أكد‭ ‬الجانبان‭ ‬أهمية‭ ‬أن‭ ‬تعمل‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬على‭ ‬إستكمال‭ ‬هيكلة‭ ‬إقليم‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬مؤكدة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الإعلان،‭ ‬وفي‭ ‬تصريحات‭ ‬لاحقة،‭ ‬أنه‭ ‬بدون‭ ‬دمج‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬سيبقى‭ ‬هيكل‭ ‬الإقليم‭ ‬منقوصاً‭.‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬فإن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬تعتبر‭ ‬أن‭ ‬دمج‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬هو‭ ‬ضمان‭ ‬لأمن‭ ‬دولة‭ ‬الاحتلال،‭ ‬وأمن‭ ‬المنطقة‭ ‬واستقرارها،‭ ‬ما‭ ‬يرسي‭ ‬الأمور‭ ‬على‭ ‬معادلة‭ ‬تعتبر‭ ‬إسرائيل‭ ‬حلفياً‭ ‬وشريكاً‭ ‬للدول‭ ‬العربية،‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬الخطر‭ ‬الإيراني،‭ ‬كما‭ ‬تعتبرها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬خطوة‭ ‬ضرورية،‭ ‬لتعزيز‭ ‬وجودها‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬وإغلاق‭ ‬الأبواب‭ ‬أمام‭ ‬النفوذ‭ ‬الروسي‭ ‬والصيني،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬الإيراني‭.‬

ويمكن‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬تعبير‭ ‬إستكمال‭ ‬هيكلة‭ ‬الإقليم،‭ ‬أو‭ ‬التكامل‭ ‬الهيكلي‭ ‬للإقليم،‭ ‬مرادف‭ ‬لعبارة‭ ‬‮«‬تعميم‭ ‬التطبيع‭ ‬العربي‭ ‬–‭ ‬الإسرائيلي‮»‬‭ ‬من‭ ‬بوابة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية،‭ ‬للمرور‭ ‬بعدها‭ ‬إلى‭ ‬باقي‭ ‬العواصم‭ ‬العربية،‭ ‬والإمتداد‭ ‬نحو‭ ‬آسيا‭ ‬وإفريقيا،‭ ‬حيث‭ ‬تتوقع‭ ‬واشنطن‭ ‬أنه‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تفتح‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬أبوابها‭ ‬للتطبيع‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل،‭ ‬ستفتح‭ ‬من‭ ‬بعدها،‭ ‬بصورة‭ ‬آلية،‭ ‬بوابات‭ ‬العواصم‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية‭ ‬كافة،‭ ‬إلتزاماً‭ ‬من‭ ‬العربية‭ ‬السعودية،‭ ‬ودول‭ ‬الجامعة‭ ‬العربية‭. ‬إن‭ ‬تطبيع‭ ‬علاقة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل،‭ ‬سيقود‭ ‬إلى‭ ‬التطبيع‭ ‬مع‭ ‬دولة‭ ‬عربية‭ ‬وإسلامية‭.‬

التكامل‭ ‬الدفاعي‭ ‬في‭ ‬الإقليم

وردت‭ ‬هذه‭ ‬العبارة،‭ ‬كما‭ ‬أسلفنا‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬الأميركي‭ ‬أنتوني‭ ‬بلينكن،‭ ‬في‭ ‬محاضرته‭ ‬أمام‭ ‬‮«‬المنتدى‭ ‬الاقتصادي‭ ‬في‭ ‬الرياض‮»‬،‭ ‬في‭ ‬نيسان‭ (‬إبريل‭) ‬الماضي،‭ ‬وبالتالي‭ ‬فإن‭ ‬الفارق‭ ‬الزمني‭ ‬بين‭ ‬العبارتين‭ (‬التكامل‭ ‬الهيكلي‭ ‬والتكامل‭ ‬الدفاعي‭) ‬3‭ ‬سنوات‭ ‬تقريباً،‭ ‬شهدت‭ ‬خلالها‭ ‬المنطقة‭ ‬حدثين،‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬تداعياتهما‭ ‬تتوالى‭ ‬تباعاً،‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬الإقليمي،‭ ‬وفي‭ ‬بعض‭ ‬جوانبها‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬الدولي‭.‬

•‭ ‬الحدث‭ ‬الأول‭ ‬هو‭ ‬معركة‭ ‬‮«‬طوفان‭ ‬الأقصى‮»‬‭ ‬في‭ ‬7‭/‬10‭/‬2023،‭ ‬إهتزت‭ ‬لها‭ ‬أركان‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬إهتزت‭ ‬لها‭ ‬أركان‭ ‬دولة‭ ‬الاحتلال،‭ ‬إذ‭ ‬أدركت‭ ‬واشنطن‭ ‬سريعاً،‭ ‬أن‭ ‬إسرائيل‭ ‬عاجزة‭ ‬عن‭ ‬حماية‭ ‬نفسها‭ ‬عسكرياً‭ ‬وأمنياً،‭ ‬وأن‭ ‬بإمكان‭ ‬بضعة‭ ‬عشرات‭ ‬من‭ ‬الفدائيين،‭ ‬وتسليح‭ ‬بسيط،‭ ‬أن‭ ‬يخترقوا‭ ‬حدودها،‭ ‬وأن‭ ‬يقيموا‭ ‬في‭ ‬مستوطناتها،‭ ‬وأن‭ ‬يسوقوا‭ ‬جنودها‭ ‬وضباطها‭ ‬أسرى‭ ‬إلى‭ ‬داخل‭ ‬القطاع،‭ ‬وأن‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬لو‭ ‬تكرر‭ ‬مرة‭ ‬ثانية‭ ‬أو‭ ‬ثالثة،‭ ‬ستقف‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ (‬ومعها‭ ‬إسرائيل‭) ‬أمام‭ ‬مشهد‭ ‬جيوإستراتيجي‭ ‬جديد،‭ ‬تنهار‭ ‬معه‭ ‬كل‭ ‬الحسابات‭ ‬الأميركية،‭ ‬بما‭ ‬يتعلق‭ ‬بمصالحها‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬وإمتداداً‭ ‬نحو‭ ‬شمال‭ ‬إفريقيا‭ ‬ودول‭ ‬الساحل‭ ‬الإفريقي،‭ ‬وامتداداً‭ ‬نحو‭ ‬شرق‭ ‬آسيا،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تتجاهل‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تتعرض‭ ‬له‭ ‬قارة‭ ‬أوروبا‭ ‬الغربية‭ ‬من‭ ‬إهتزازات،‭ ‬لذلك‭ ‬أسرعت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬إلى‭ ‬التدخل،‭ ‬كما‭ ‬تابعنا،‭ ‬وما‭ ‬زالت‭ ‬حتى‭ ‬الآن،‭ ‬تعتبر‭ ‬نفسها‭ ‬ولي‭ ‬الأمر‭ ‬والآمر‭ ‬الناهي‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬حرب‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬لإدراكها‭ ‬مدى‭ ‬إنعكاس‭ ‬نتائج‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬المصالح‭ ‬الأميركية‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬مستقبل‭ ‬إسرائيل‭ ‬نفسها‭.‬

•‭ ‬الحدث‭ ‬الثاني‭ ‬ما‭ ‬شهدته‭ ‬المنطقة‭ ‬يوم‭ ‬13‭ ‬نيسان‭ ‬2024،‭ ‬حين‭ ‬قامت‭ ‬الجمهورية‭ ‬الإسلامية‭ ‬في‭ ‬إيران،‭ ‬بالرد‭ ‬على‭ ‬الاعتداء‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬على‭ ‬قنصليتها‭ ‬في‭ ‬دمشق،‭ ‬بضربة‭ ‬جوية،‭ ‬استعملت‭ ‬فيها‭ ‬حوالي‭ ‬300‭ ‬صاروخ‭ ‬وطائرة‭ ‬مسيرة‭.‬

جاء‭ ‬الرد‭ ‬الإيراني‭ ‬بعد‭ ‬طول‭ ‬جدل،‭ ‬حول‭ ‬إمكانية‭ ‬هذا‭ ‬الرد،‭ ‬وعلى‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يسفر‭ ‬عنه‭ ‬من‭ ‬نتائج،‭ ‬في‭ ‬جوهرها،‭ ‬أن‭ ‬الرد‭ ‬الإيراني‭ ‬سيكون‭ ‬إعلاناً‭ ‬بسقوط‭ ‬منظومة‭ ‬الردع‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬ومغادرة‭ ‬إيران‭ ‬‮«‬إستراتيجية‭ ‬الصبر‭ ‬الطويل‮»‬،‭ ‬لصالح‭ ‬إستراتيجية‭ ‬الضربة‭ ‬مقابل‭ ‬الضربة،‭ ‬ما‭ ‬يفتح‭ ‬الباب،‭ ‬في‭ ‬لحظة‭ ‬ما،‭ ‬أمام‭ ‬حرب‭ ‬إقليمية،‭ ‬غير‭ ‬منتظرة،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬حركة‭ ‬إسرائيلية،‭ ‬أثبتت‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬أنها‭ ‬عاجزة،‭ ‬بمفردها،‭ ‬عن‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬نفسها،‭ ‬وأنه‭ ‬لولا‭ ‬التدخل‭ ‬الأميركي‭ ‬والبريطاني‭ ‬والفرنسي‭ ‬والإيطالي،‭ ‬وبعض‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬لكانت‭ ‬نتائج‭ ‬الضربة‭ ‬الإيرانية‭ ‬أوسع‭ ‬وأكبر،‭ ‬ما‭ ‬يسهم،‭ ‬أكثر‭ ‬فأكثر‭ ‬في‭ ‬تهشيم‭ ‬صورة‭ ‬إسرائيل‭ ‬كأقوى‭ ‬قوة‭ ‬عسكرية‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬وكصاحبة‭ ‬جيش‭ ‬لا‭ ‬يهزم‭ ‬ولا‭ ‬يقهر،‭ ‬وكصاحبة‭ ‬إستراتيجية‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬الردع،‭ ‬وعلى‭ ‬نقل‭ ‬الحرب‭ ‬إلى‭ ‬أرض‭ ‬العدو،‭ ‬مع‭ ‬إيران،‭ ‬سقطت‭ ‬معادلة‭ ‬الردع،‭ ‬كما‭ ‬سقطت‭ ‬معادلة‭ ‬نقل‭ ‬الحرب‭ ‬إلى‭ ‬أرض‭ ‬العدو‭.‬

وبذلك‭ ‬أدركت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬أن‭ ‬تطبيع‭ ‬العلاقات‭ ‬العربية‭ ‬–‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬على‭ ‬أهميته‭ ‬القصوى،‭ ‬وخاصة‭ ‬بعد‭ ‬‮«‬طوفان‭ ‬الأقصى‮»‬‭ ‬و«الوعد‭ ‬الصادق‮»‬،‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬يستجيب‭ ‬للإستحقاقات‭ ‬المستجدة،‭ ‬وأهمها‭: ‬أمن‭ ‬إسرائيل،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يتطلب‭ ‬الربط‭ ‬الوثيق‭ ‬بين‭ ‬الإستكمال‭ ‬الهيكلي‭ ‬للإقليم،‭ ‬وبين‭ ‬إستكمال‭ ‬هيكله‭ ‬العسكري‭ ‬الأمني،‭ ‬وما‭ ‬كلمة‭ ‬‮«‬دفاعي‮»‬‭ ‬إلا‭ ‬لتغطية‭ ‬النوايا‭ ‬العدوانية‭ ‬للسياسة‭ ‬الأميركية‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭.‬

التكامل‭ ‬العسكري‭ ‬والأمني،‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الإقليم،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬ترجمته‭ ‬إلا‭ ‬بحلف‭ ‬عسكري،‭ ‬له‭ ‬مؤسساته‭ ‬وأدواته‭ ‬وخططه‭ ‬الموزعة‭ ‬على‭ ‬أعضائه،‭ ‬تلبيه‭ ‬للإستراتيجية‭ ‬الجيوسياسية‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬أجلها‭ ‬نشأ‭.‬

ووفق‭ ‬كل‭ ‬التقديرات،‭ ‬وخاصة‭ ‬بعد‭ ‬الحدثين‭ ‬الكبيرين‭ ‬7‭/‬10‭ ‬–‭ ‬13/4‭ ‬فإن‭ ‬إيران،‭ ‬وما‭ ‬تسميه‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬أتباعها‭ ‬في‭ ‬وصفها‭ ‬للمقاومة‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬وسوريا‭ ‬ولبنان،‭ ‬والعراق‭ ‬واليمن،‭ ‬باعتبارها‭ ‬هي‭ ‬الخطر‭ ‬الداهم‭ ‬على‭ ‬مصالح‭ ‬المنطقة،‭ ‬وفي‭ ‬القلب‭ ‬منها‭ ‬إسرائيل،‭ ‬ووظيفة‭ ‬الحلف‭ ‬العسكري‭ ‬هو‭ ‬ردع‭ ‬إيران‭ ‬واتباعها،‭ ‬بعدما‭ ‬سقطت‭ ‬منظومة‭ ‬الردع‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬وبعدما‭ ‬تبين‭ ‬عجز‭ ‬إسرائيل‭ ‬عن‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬نفسها‭ ‬منفردة‭.‬

وإقامة‭ ‬حلف‭ ‬عسكري‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ (‬ناتو‭ ‬عربي‭ –  ‬إسرائيلي‭ ‬–‭ ‬أميركي‭ ‬–‭ ‬أطلسي‭) ‬لا‭ ‬يشكل‭ ‬مفاجأة‭ ‬سياسية،‭ ‬إلا‭ ‬لمن‭ ‬كان‭ ‬غائباً‭ ‬عن‭ ‬متابعة‭ ‬أوضاع‭ ‬المنطقة،‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬أصر‭ ‬على‭ ‬تجاهل‭ ‬تطورات‭ ‬المنطقة،‭ ‬مرتاحاً‭ ‬إلى‭ ‬بقائه‭ ‬على‭ ‬هامش‭ ‬الحدث‭.‬

ففي‭ ‬آسيا،‭ ‬تقيم‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬حلف‭ ‬عسكري‭ ‬منها‭ ‬أوكيوس‭ ‬وكوانت،‭ ‬والحلف‭ ‬الأميركي‭ ‬–‭ ‬الكوري‭ ‬–‭ ‬الياباني،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬مصادر‭ ‬الناتو‭ ‬تتحدث‭ ‬عن‭ ‬ضرورة‭ ‬التوسع‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬أحلاف‭ ‬تابعة‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬إفريقيا،‭ ‬ودول‭ ‬الساحل،‭ ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬خروج‭ ‬فرنسا‭ ‬من‭ ‬المنطقة،‭ ‬ودخول‭ ‬إسرائيل‭ ‬للقارة‭ ‬السمراء‭ ‬عبر‭ ‬قنصليتها‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬‮«‬العيون‮»‬‭.‬

لذلك،‭ ‬لا‭ ‬غرابة‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬الكشف‭ ‬عن‭ ‬مشروع‭ ‬أميركي‭ ‬لإقامة‭ ‬قاعة‭ ‬عسكرية‭ ‬في‭ ‬صحراء‭ ‬النقب،‭ ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬الضربة‭ ‬الإيرانية،‭ ‬وأن‭ ‬يتم‭ ‬الكشف‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬لبت‭ ‬90‭% ‬من‭ ‬حاجة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬إلى‭ ‬السلاح،‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬التأسيس‭ ‬للتطبيع‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل،‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬تعزز‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وجودها‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬بحاملتي‭ ‬طائرات‭ ‬يرافقهما‭ ‬أسطولان‭ ‬كاملان‭ ‬من‭ ‬المدمرات‭ ‬والفرقاطات‭ ‬والطرادات‭ ‬وغيرها،‭ ‬وأن‭ ‬يتم‭ ‬الكشف‭ ‬عن‭ ‬قواعد‭ ‬عسكرية‭ ‬عند‭ ‬الحدود‭ ‬العراقية‭ ‬–‭ ‬السورية‭ ‬–‭ ‬الأردنية،‭ ‬كانت‭ ‬الدوائر‭ ‬المعنية‭ ‬متكتمة‭ ‬عليها‭ (‬البرج‭ ‬22‭).‬

استراتيجيتان

إذا‭ ‬كان‭ ‬الهدف‭ ‬الأبعد‭ ‬للحلف‭ ‬المنشود،‭ ‬هو‭ ‬درء‭ ‬الخطر‭ ‬الإيراني،‭ ‬كما‭ ‬تقول‭ ‬الدوائر‭ ‬الغربية،‭ ‬وبعض‭ ‬الدوائر‭ ‬العربية،‭ ‬فإن‭ ‬ثمة‭ ‬إستراتيجيتين‭ ‬تعتبر‭ ‬كل‭ ‬واحدة‭ ‬منها‭ ‬معنية‭ ‬بإنجاز‭ ‬هذا‭ ‬الهدف‭:‬

الأولى‭: ‬الإستراتيجية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬تدعو‭ ‬إلى‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬الأخطبوط‭ ‬الإيراني،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ضرب‭ ‬الرأس‭ ‬مباشرة‭ (‬أي‭ ‬طهران‭)‬،‭ ‬ما‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬شل‭ ‬الأطراف،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعبر‭ ‬عنه‭ ‬نتنياهو‭ ‬في‭ ‬دعوته‭ ‬لحرب‭ ‬ضد‭ ‬إيران،‭ ‬بذريعة‭ ‬منعها‭ ‬من‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬القنبلة‭ ‬النووية‭.‬

الثانية‭: ‬ما‭ ‬تعتقده‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬عملاً‭ ‬بنصيحة‭ ‬كيسنجر،‭ ‬الذي‭ ‬يعتبر‭ ‬إيران‭ ‬أمة‭ ‬ذات‭ ‬حضارة‭ ‬عميقة،‭ ‬ودولة‭ ‬كبرى‭ ‬لها‭ ‬نفوذها‭ ‬السياسي‭ ‬والمعنوي‭ ‬والديني،‭ ‬وبالتالي‭ ‬يصعب‭ ‬القضاء‭ ‬عليها‭ ‬بالحرب،‭ ‬فيدعو‭ ‬إلى‭ ‬سياسة‭ ‬بديلة‭ ‬هي‭ ‬سياسة‭ ‬الإحتواء،‭ ‬والعمل‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬على‭ ‬شل‭ ‬أطرافها‭.‬

ما‭ ‬يعني‭ ‬في‭ ‬الحالتين،‭ ‬أن‭ ‬أهداف‭ ‬الحلف‭ ‬المنشود،‭ ‬هي‭ ‬أهداف‭ ‬عدوانية،‭ ‬تهدف‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬إلى‭ ‬تعزيز‭ ‬النفوذ‭ ‬الأميركي‭ ‬–‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬بل‭ ‬وكذلك،‭ ‬وفي‭ ‬كلا‭ ‬الحالتين،‭ ‬فإذا‭ ‬كان‭ ‬الإدعاء‭ ‬بأن‭ ‬تشكيل‭ ‬الحلف‭ ‬المنشود،‭ ‬هو‭ ‬ضمان‭ ‬لأجل‭ ‬إستقرار‭ ‬الأمن‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬فإن‭ ‬خطوة‭ ‬التشكيل‭ ‬نفسها،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬أي‭ ‬دور‭ ‬يقوم‭ ‬به‭ ‬الحلف،‭ ‬لن‭ ‬تؤدي‭ ‬سوى‭ ‬إلى‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬الاضطراب‭ ‬والحروب‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭.‬