تراجع خدمات الأونروا التعليمية في لبنان.. مستقبل آلاف الطلاب الفلسطينيين في مهب الريح
خيارات المشاركة
المقالات

محمد حسين | مسؤول اتحاد الشباب الديمقراطي الفلسطيني – أشد – لبنان
يعتبر التعليم القطاع الاكبر بين الخدمات التي تقدمها وكالة الغوث، الى جانب الصحة والخدمات الاجتماعية وبعض الخدمات الاخرى، ويستحوذ على النسبة الاكبر من الموازنة وصل تاريخيا اكثر من 50 بالمائة..
اليوم، لا يمكن لاي متابع الا ان يقر ان هناك مشكلة حقيقية تعيشها الاونروا على مستوى هذا القطاع، وهذه المشكلة ليست وليدة لحظتها، بل تعود الى اعوام سابقة، قدمت فيها العديد من الهيئات والمؤسسات التربوية والمنظمات الطلابية ملاحظات كثيرة لم تلق آذانا صاغية من قبل المعنيين في الاونروا..
ولا يعود منشأ هذه الأزمة الى تراجع التمويل الخارجي فقط، كما يعتقد البعض والاونروا من ضمنهم هؤلاء، على اهمية هذه المسألة وتأثيرها على العملية التعليمية برمتها، بل ان اسبابا عديدة تراكمت لتوصل الاوضاع التعليمية الى حالها الراهن، يقع في مقدمتها الهدر المالي داخل الوكالة، وغياب التخطيط الاستراتيجي الفعّال، والارتجال وغياب الشراكة مع المجتمع المحلي وعدم إعلان الأونروا عن خطة طوارئ تربوية كان من شأنها أن تحدّ من تداعيات الأزمة.
تواجه المدارس التابعة للأونروا في لبنان اليوم واقعا صعبا برز من خلال البدء باعتماد نظام الدفعتين نتيجة الاكتظاظ الكبير الذي وصل الى اكثر من خمسين طالبا في الصف الواحد، ما أدى إلى تقليص ساعات التعليم وانخفاض جودته. كما انعكس الهدر المالي وغياب الشفافية في توجيه الموارد سلبا على صيانة المدارس وتجهيزاتها، بحيث أصبحت المباني تعاني من التآكل، والمختبرات والمكتبات شبه معطّلة، وتحوّل تأمين الكتب والقرطاسية إلى عبء ثقيل على كاهل العائلات الفلسطينية.
ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل اختارت الأونروا خلال العام الدراسي الأخير سياسة دمج الصفوف والمدارس كإجراء بديل عن وضع خطط تربوية استراتيجية واضحة. هذه السياسة أدت عمليا إلى رفع كثافة الصفوف بشكل غير مسبوق، وإرباك في توزيع المعلمين، وتراجع مستوى المتابعة التربوية، ما ترك أثرا سلبيا عميقا على الطلاب ومعلميهم. في بعض المناطق مثل صور، وصلت هذه السياسة إلى حدّ إلغاء مدارس بشكل كامل، ما عزّز الشعور بانعدام الأمان التعليمي لدى الطلاب والأهالي معا.
وقد عبّر الأهالي والهيئات الطلابية واللجان الشعبية مرارا عن رفضهم لهذه السياسة، واعتبروا في اكثر من مرة، أنها تمهّد لتقليص تدريجي لدور الأونروا في التعليم بدلا من أن تكون جزءا من خطة إصلاح حقيقية. وفي ظل انعدام التخطيط الاستراتيجي، غابت عن إدارة الأونروا الرؤية الشاملة التي تأخذ بعين الاعتبار حاجات الطلاب وحقهم في التعليم الجيد، وهو ما فاقم الأزمة.
إضافةً إلى ذلك، ساهمت الاوضاع الاقتصادية وتدهورها في لبنان في ارتفاع معدلات التسرب المدرسي، بعد ان اضطر العديد من الطلاب إلى ترك مقاعد الدراسة للمساعدة في إعالة أسرهم. لكن غياب خطة طوارئ تربوية واضحة من الأونروا جعل الاستجابة لهذه الظاهرة شبه معدومة، لتتوسع فجوة التعليم بين الطلاب الفلسطينيين وغيرهم.
أما على مستوى التعليم الجامعي، فقد شهدت السنوات الأخيرة تراجعا شبه كامل في المنح التي كانت تقدّمها الأونروا للطلاب الفلسطينيين المتفوقين. ومع غياب بدائل حقيقية، باتت تكاليف التعليم الجامعي المرتفعة تشكّل عائقا كبيرا أمام هؤلاء الطلاب، ما أدى إلى حرمان مجتمع اللاجئين من أجيال جديدة كان يمكن أن تساهم في تقدّمه.
إن جذور هذه الأزمة لا تقتصر على نقص التمويل الدولي، بل تتعمّق نتيجة غياب الرؤية التربوية طويلة الأمد داخل الأونروا، والهدر المالي الذي لم يُعالَج بشكل فعّال، إضافةً إلى تردّد الإدارة في إعلان حالة طوارئ تربوية تُترجم عمليا بخطة طوارئ واضحة تجذب تمويلا مخصّصا لهذا القطاع الحيوي. كل ذلك جعل رد فعل الأونروا على الأزمة أقرب إلى المعالجات الجزئية، بدلًا من مقاربة استراتيجية تضمن حق الطلاب الفلسطينيين في تعليم مستقرّ وذي جودة.
كما لا يمكن إغفال العوامل السياسية التي تضغط على الوكالة بهدف تقليص دورها أو إنهائه ضمن محاولات أوسع لتصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين، وهو ما يزيد من تعقيد الوضع.
إن استمرار التراجع في الخدمات التعليمية للأونروا وغياب المنح الجامعية يهدد مباشرة مستقبل آلاف الطلاب الفلسطينيين في لبنان. فبدون تعليم، يزداد خطر البطالة والفقر، وتتسع ظواهر الهجرة غير الشرعية والانخراط في أعمال غير قانونية. وفي غياب جيل متعلم، يصبح من باب الاستحالة تحسين أوضاع مجتمع اللاجئين أو بناء مستقبل أفضل له او تحقيق التنمية المستدامة التي تعهدت الاونروا بتحقيقها.
لمواجهة هذه الكارثة التربوية، لا بدّ أولا من تحمل الأونروا مسؤولياتها في إطلاق خطة طوارئ تعليمية حقيقية ممكن تنفيذها، مبنية على تخطيط استراتيجي مدروس يضمن حسن توجيه الموارد والحدّ من الهدر المالي. وثانيا، التزام المجتمع الدولي بزيادة دعمه المالي لهذا القطاع، إلى جانب تعزيز الشراكات مع الجامعات والمؤسسات المانحة لتأمين منح جديدة للطلاب.
وفي ظل الظروف الحالية، اضافة الى الحديث عن دمج للصفوف في العديد من مدارس الاونروا واغلاق لمدارس اخرى في عدة تجمعات فلسطينية، يبقى السؤال الحاسم مفتوحا: هل ستسارع الأونروا إلى الاعتراف بحجم الأزمة التعليمية ووضع خطة طوارئ تعليمية تعيد الأمل إلى آلاف الطلاب الفلسطينيين في لبنان؟ أم سيُترك هؤلاء الطلاب لمصير مجهول في مواجهة أعباء لا قِبَل لهم بها؟؟