فرانشيسكا ألبانيز تستحق نوبل للسلام لا عقوبات واشنطن
خيارات المشاركة
المقالات

وسام زغبر | عضو اللجنة المركزية للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
في عالم يتسابق فيه الساسة إلى تزوير الحقائق وتبرير الجرائم، تبرز أصوات قليلة تذكّرنا أن للعدالة وجوهًا لا تخضع للابتزاز، وأن الضمير الإنساني لا يُشترى ولا يُباع. من بين هذه الأصوات الشجاعة تلمع السيدة فرانشيسكا ألبانيز، المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، التي قررت الإدارة الأميركية مؤخرًا فرض عقوبات عليها، عقابًا لها على صدقها، لا على جرم ارتكبته.
إن هذه العقوبات لم تأتِ إلا نتيجة لمواقفها المبدئية والجريئة في فضح جرائم الاحتلال الإسرائيلي، ومطالبتها بمحاسبة مرتكبي الإبادة الجماعية بحق المدنيين الفلسطينيين، وخاصة في قطاع غزة الذي يشهد منذ أكتوبر الماضي حربًا همجية غير مسبوقة، باتت كل تقارير المنظمات الدولية تُجمع على أنها ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية.
بدلًا من تكريم ألبانيز لدورها الريادي في الدفاع عن حقوق الإنسان، اختارت واشنطن أن تُكافئ المجرمين وتعاقب من يطالب بالعدالة، في مشهد مقلوب يفضح مرة أخرى زيف الادعاءات الأميركية عن حقوق الإنسان و»النظام العالمي القائم على القواعد». إنها ليست مجرد عقوبات، بل اعتداءٌ سافرٌ على منظومة حقوق الإنسان الدولية، وتدخل وقح في عمل آليات الأمم المتحدة، ومحاولة فاضحة لإسكات الأصوات الحرة التي تفضح القتل والتدمير والتجويع الممنهج الذي يتعرض له أكثر من مليوني إنسان في قطاع غزة.
لقد عبّرت ألبانيز عن صوت الضمير الإنساني حين تساءلت علنًا عن أسباب سماح حكومات مثل إيطاليا وفرنسا واليونان بمرور رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو عبر أجوائها، ومنحه ممرًا آمنًا رغم كونه مطلوبًا للعدالة الدولية بموجب مذكرة توقيف صادرة عن المحكمة الجنائية الدولية. هذا التساؤل المشروع تحوّل، في أعين الإدارة الأميركية، إلى «جريمة» تستحق العقاب!
في المقابل، ما زال العالم يتذكر بمرارة كيف تم ترشيح – بل ومنح – جائزة نوبل للسلام لشخصيات مثل دونالد ترامب، الذي لطالما تباهى بدعمه اللامحدود لإسرائيل، وبصفقات السلاح، وبنقل سفارة بلاده إلى القدس، وبـ»صفقة القرن» التي كانت مقدمة لتصفية القضية الفلسطينية. فهل يُعقل أن يُكرَّم من يزرع الحروب ويغذي جرائم الإبادة، ويُعاقَب من ينادي بالعدالة وحقوق الإنسان؟
إن ما يجري اليوم ليس فقط محاكمة للعدالة، بل اختبار حقيقي للمنظومة الدولية: هل ستقف مع من يرفع الصوت في وجه الظلم، أم مع من يموله ويبرره؟ هل سيظل العالم متواطئًا بصمته، أم سينتصر لامرأة قالت «لا» في وجه طغاة العالم، ورفضت أن تتواطأ باسم الصمت الأممي؟
فرانشيسكا ألبانيز لا تستحق العقوبات، بل تستحق جائزة نوبل للسلام، احترامًا لشجاعتها، ودعمًا لصوت العدالة، ونصرةً لحقوق شعب يُذبح أمام عيون العالم، ولا يجد من ينصفه