سوريا بين التطبيع ورفع العقوبات
خيارات المشاركة
المقالات

أسامة خليفة | باحث في المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات «ملف»
أعلن دونالد ترامب تجميد العقوبات المفروضة على دمشق لمدة 6 شهور خلال لقائه بالرئيس الانتقالي السوري، أحمد الشرع، في الرياض في شهر أيار/مايو، كخطوة تمهيدية لرفعها بشكل تام ودائم، من خلال الكونغرس الجهة التي شرّعت عقوبات قيصر، ذلك خلال جولة الرئيس الأمريكي في ثلاث من دول الخليج التقى بالشرع واضعاً شروطاً في مقدمتها التطبيع مع إسرائيل، الانضمام إلى اتفاقية ابرهام، إغلاق مكاتب المنظمات الفلسطينية في دمشق. تشابه هذه الشروط في بعض منها شروطاً أميركية سابقة تعاملت معها دمشق بجدية، وعرفت بـ«شروط كولن بأول» وزير الخارجية الأميركية في ذلك الوقت، في لقاء جمعه مع بشار الأسد في دمشق في 3 أيار/ مايو 2003 بعد احتلال بغداد، وسقوط نظام البعث في العراق. تم تسليم قائمة مطالب إلى دمشق لتنفذها تتضمن تجميد نشاط الفصائل الفلسطينية وخروجها من سوريا، وعدم عرقلة خريطة الطريق على المسار الفلسطيني، دار جدل في ذلك الوقت كيف ستستجيب سوريا للتهديدات الأميركية؟. كانت الاستجابة حذرة، عملت على الحد من نشاط المنظمات الفلسطينية، في لقاء عبد الحليم خدام -نائب رئيس الجمهورية في ذلك الوقت- مع قياديين فلسطينيين طلب منهم عدم إبراز مظاهر إعلامية ونشاطات سياسية خارج مكاتبهم متحدثاً عن خطورة الوضع، وجدية التهديدات الأميركية لسوريا، وضرورة عدم إعطاء المبررات في وضع عربي متردٍ بعد سقوط بغداد، وأن من مصلحة الجميع عدم تعريض سوريا لأخطار غير قادرة على تحملها.
الآن يدور جدل حول نشاط الفصائل الفلسطينية، وإغلاق مكاتبها في سوريا، بل أيضاً عن إمكانية التطبيع بين سوريا وإسرائيل، من باب أن ذلك سيكون مدخلاً إلى رفع العقوبات عن سوريا، وحصولها على مساعدات لإعادة الإعمار، وترميم البنية التحتية والنهوض الاقتصادي، وتحسين مستوى المعيشة الذي انخفض لدى معظم الطبقات وتراجعت الطبقة الوسطى إلى ما دون مستوى خط الفقر، كما يدور الجدل حول هل كانت اللقاءات السورية الإسرائيلية رسمية؟. وهل كانت اللقاءات مباشرة أم غير مباشرة؟. وهل العلاقة العدائية تستمر وفق ما درجت عليه الحكومات السورية المتتالية منذ النكبة؟.
تحدثت تقارير عن لقاءات مباشرة بين مسؤولين إسرائيليين وعناصر في السلطة السورية الجديدة، في محاولة -كما قيل- لخفض التوترات ومنع اندلاع صراع في المنطقة الحدودية بين الجانبين. وخلال لقائه الرئيس الفرنسي في قصر الإليزيه، في شهر أيار/مايو، قال الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع إن هناك مفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل عبر وسطاء لـ«تهدئة الأوضاع وعدم خروجها عن السيطرة».
وعقب سقوط نظام الأسد أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن اتفاقية فصل القوات التي وقعت في العام 1974 بعد حرب تشرين قد انهارت، وأصبحت لاغية لأنها وقّعت مع النظام السابق، وليس مع سوريا كبلد عضو في الأمم المتحدة، وأمر نتنياهو جيشه باحتلال المنطقة العازلة، ومهدت إسرائيل لوضع جديد يلزمه اتفاقية جديدة أو تفاهمات جديدة، يعكس أي اتفاق ميزان القوى الذي يميل لصالح إسرائيل التي تستفيد من الأزمة السورية بالهيمنة على مزيد من الأراضي السورية وصولاً إلى حوض نهر اليرموك.
فقضية مرتفعات الجولان المحتل تمثل إحدى أبرز العقبات أمام إبرام اتفاق سلام. تبلغ مساحة الجولان حوالي 1200 كيلومتراً مربعاً، أي أكبر من غزة بأربع مرات، وهي منطقة ذات أهمية استراتيجية تفوق بكثير حجمها، إذ إن طبيعتها الجغرافية وموقعها المرتفع يمنحان من يسيطر عليها موقعاً متميزاً بين الجانب السوري والجانب الإسرائيلي. ضمّت إسرائيل مرتفعات الجولان من جانب واحد في عام 1981. ولم يُعترف بهذه الخطوة دولياً، رغم أن إدارة ترامب الأمريكية اعترفت بها عام 2019. وأنشأت إسرائيل أكثر من 30 مستوطنة في الجولان يعيش فيها نحو 20 ألف مستوطن إسرائيلي. ونظراً لهذه الميزات، ونظراً للأطماع الصهيونية، فالمؤكد عدم وجود أي مسؤول سياسي في إسرائيل مستعد الآن للتخلي عن الجولان. بالمقابل لا يوجد مسؤول سياسي في سوريا مستعد للتنازل عن الجولان. وفي ظل مرحلة انتقالية وعدم وجود هيئة تمثيلية لا تستطيع حكومة انتقالية التنازل عن الأراضي السورية المحتلة.
في مسألة تطبيع عدد من الدول العربية مع إسرائيل، لا يمكن إغفال الفارق الكبير بين دول عربية لا حدود لها مع إسرائيل، وليس لها أراض محتلة، وبين دولة مواجهة لها أرض تحتلها إسرائيل، حتى لو تواجدت سلطة سياسية ترى في التطبيع ما يحقق لها منافع ومكاسب قطرية، تشكل مخرجاً من الأزمة بأبعادها الداخلية والخارجية، لن تكون قادرة على المضي والتقدم في مسار التطبيع مع المحتل، ولن يكون الطريق ممهداً لإقامة علاقات طبيعية حتى على المستوى السياسي، أما المستوى الشعبي لن ينسى العداء التاريخي لاسيما في سورية.
في مجزرة داعل وطفس بتاريخ 8/1/1973 سيبقى دماء الشهداء المدنيين حاضراً لن يمحى من ذاكرة السوريين، لقد خاضت سوريا حروباً عديدة ضد إسرائيل، من حرب 1948، مروراً بحرب الخامس من يونيو/حزيران عام 1967، وصولاً إلى حرب أكتوبر/تشرين الأول عام 1973، إلى جانب اشتباكات ومعارك أخرى. وحتى الآن تشن إسرائيل غارات على مواقع داخل سوريا، وسبقها غارات على مواقع عسكرية وعلى البحوث العلمية خلال فترة الصراع السوري الداخلي، مستبيحة السيادة السورية، وإسرائيل تحتل الجولان منذ العام 1967 وخلال الأزمة السورية احتلت أراض سورية جديدة لتضعها تحت سيطرتها، وأعلنت نيتها عدم الانسحاب منها في وقت قريب، وفق هذا لم تغير سنوات الصراع الداخلي التي شهدتها سوريا من الموقف الشعبي نحو القضية الفلسطينية والموقف من إسرائيل، ولو أن تطبيعاً أعقبه تبادل التمثيل الدبلوماسي، وتبادل سفارات وسفراء بين البلدين على غرار الوضع في مصر والأردن سيلقى معارضة شديدة تزيد من حدة التوتر، إذا لم تكن مرتفعات الجولان ورقة تفاوض بين سوريا وإسرائيل في إطار اتفاق للتطبيع بين الجانبين، لن يكون هناك تطبيع، مصر كانت أولى المطبعين وبعد اتفاقيات كامب ديفيد، استعادت كامل أراضيها المحتلة بما فيها طابا بتحكيم دولي أقر في 29 سبتمبر 1988 بأن طابا أرض مصرية.
منظمة التحرير الفلسطينية ثاني المطبعين، وللقضية الفلسطينية خصوصيتها، ولم يتم تنفيذ اتفاقية أوسلو حيث تتضمن قيام دولة مستقلة بعد خمس سنوات من توقيعها في 13 سبتمبر/ أيلول 1993.
والأردن ثالث المطبعين ووقع رئيس وزراء إسرائيل إسحاق رابين والملك حسين والرئيس الأميركي بيل كلينتون على إعلان واشنطن في العاصمة الأميركية في 25 يوليو 1994. وجاء في الإعلان أن إسرائيل والأردن أنهيا حالة العداء الرسمية وسيبدآن مفاوضات من أجل «وضع حد لسفك الدماء» ولأجل سلام عادل ودائم. في 10 نوفمبر 2019 أعلن الملك الأردني عبد الله الثاني انتهاء العمل بالمُلحقين الخاصين بمنطقتي الباقورة والغمر في المعاهدة وفرض سيادة الدولة الأردنية عليها، بعد انتفاع إسرائيل بهما لفترة دامت 25 عاماً.
يدافع بعض المفكرين العرب عن التطبيع باعتباره وسيلة للانفتاح والسلام، والبعض المخدوع يعتقد أن التطبيع ستجر الرخاء على البلاد، معتبرين أن القطيعة لم تحقق تقدماً في مسار التسوية، ويعتقدون أصحاب النظرة القُطرية أن التطبيع يخدم بعض المصالح القُطرية رغم ضررها على القضية الفلسطينية. بالمقابل أصحاب النظرة الأوسع من المناصرين للقضية الفلسطينية يناهضون التطبيع أن التطبيع يرون أنه يُسهم في تلميع صورة إسرائيل العنصرية والاستيطانية، وأن لا تطبيع مجاني مع إسرائيل دون إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية والعربية، وإقرار الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني في العودة وتقرير المصير وإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس.