وقفة أمام المشهد الفلسطيني
خيارات المشاركة
المقالات

معتصم حمادة | عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
شهدت عطلة عيد الأضحى تطورات، كان يمكن القول أنها روتينية، ولولا الخطوات التي خطاها وزير الإستيطان في الطغمة الفاشية الإسرائيلية سموتريتش.
ففي قطاع غزة تواصل حفلة الصيد البشري بالأدوات المختلفة، بالرشاشات المتوسطة على حوافي حظائر توزيع المساعدات (والموت) على أبناء القطاع، رغم إنكار قوات الإحتلال مسؤولياتها عن قتل طالبي المساعدات، ورغم إدعاء قيادة جيش الاحتلال إستعدادها لفتح التحقيقات في ما يجري، مع إطلاق أكاذيب تدعي أن رجال المقاومة، وعلى الأخص حماس، هم الذين يطلقون النار على السكان، لمنعهم من الوصول إلى مراكز المساعدات، وحتى كتابة هذه الكلمات وصل عدد شهداء «لعبة الموت» في إطار المساعدات 114 شهيداً، معظمهم من النساء والأطفال الباحثين عن لقمة خبز، وقطرة حليب.
وكذلك استمرت في القطاع حفلات القتل الجماعي بالمقاتلات الحربية، تستهدف المنازل والمباني التي لم تهدم بعد، رغم معرفتها أنها تأوي سكاناً يعتقدون أنها آمنة وبعيدة عن الموت تحت الركام، كذلك تستهدف الطائرات الحربية الخيم وأماكن الإيواء الجماعي، في ظل حجة لا تتوقف دولة الاحتلال عن ترديدها، بأن المقاتلين يختبئون بين النساء والأطفال.
في الوقت نفسه، لم تتوقف دبابات زامير وآلياته عن التقدم نحو المناطق التي أفرغتها من سكانها وهجرتهم منها بقوة النار، لكن يبدو زامير الذي أصابته العنجهية، التي استمدت من رئيسه نتنياهو وكاتس، أخذ يعيد حساباته، بعد أن هدد بحرب تمتد حتى نهاية العام 2025 وربما 2026، موعد حل الكنيست وإجرار الانتخابات التشريعية، عاد ليطمئن جنوده وعائلاتهم بأن الحرب لن تستمر حتى النهاية، وأن نهايتها باتت قريبة، وقد صدمه مشهد التوابيت وهي تحمل له أشلاء جنوده في الجنوب كما في الشمال، وقد مزقتها العبوات الناسفة لرجال المقاومة، وجنود وضباط هم أفضل المقاتلين في جيش الاحتلال، أي «النخبة» حسب التعبير الإسرائيلي المفترض.
ولعل زامير على عكس نتنياهو، أدرك خطورة الوضع وصعوبته، فوعد بما وعد به، بينما ما زال نتنياهو يتبجح دون إعتبار لسقوط جنوده بعبوات المقاومة، مدعياً أن حربه ضد الشعب الفلسطيني تتطلب تضحيات، دون أن يرسم سقفاً لحجم التضحيات، ودون أن يرسم أهداف هذه الحرب، مرة هي من أجل استرداد الأسرى الإسرائيليين، وفي مرة أخرى يضيف مهمة نزع سلاح المقاومة، ثم في مرة ثالثة يضيف «طرد» المقاومة من القطاع، ثم في مرة رابعة يتمنى لو أن القرار كان بيده، لطرد كل سكان القطاع، وأفرغه من الفلسطينيين، لا ليقدمه إلى صديقه ترامب ليقيم عليه «ريفييرا الشرق الأوسط»، بل ليزرعه بالمستوطنات ويضمه إلى دولة إسرائيل «التوراتية»، إسرائيل الممتدة على كامل التراب الفلسطيني من النهر إلى البحر.
وهذا أتى بكل الأحوال، دليل على مناوراته المكشوفة، ورفضه أي إقتراح لوقف الحرب، والعودة إلى صيغة شبيهة بالتي أقرها قرار مجلس الأمن 2735 (وهو إقتراح أميركي في الأساس) وهذا ما ينقلنا بدوره إلى الضفة الغربية.
* * *
عشية عيد الأضحى، أي يوم الخميس مساء (5/6/2025)، أعلن وزير الإستيطان سموتريتش أنه أمر الجهات المختصة بالعمل على مد سيادة دولة إسرائيل على الضفة الغربية، وصباح اليوم التالي تم الإعلان عن جولة له في الضفة لمعاينة أماكن إقامة 22 مستوطنة جديدة أقرتها حكومة نتنياهو، وليدرس مع الدوائر المعنية الخطوات الآيلة إلى بسط سيادة إسرائيل على المنطقة (ج) (62% من مساحة الضفة الغربية) تمهيداً لبسطها على كامل الأراضي الأخرى.
قد يقال، ليس في الأمر ما هو جديد، فإسرائيل توقفت عن تسمية الضفة الغربية بإسمها المتداول، وصارت التسمية لها «يهودا والسامرة»، وهو الإسم التوراتي للضفة، ويعني ذلك في سياقه العام، أن إسرائيل لا تعترف بالضفة الغربية أرضاً فلسطينية، وأنها بالمقابل، كما وصفها رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق مناحيم بيغن، باعتبارها أرضاً توراتية، احتلها «الأغيار» وحررتها منهم إسرائيل في حرب الأيام الستة، أي في حزيران (يونيو) 1967.
ومع أن العالم، بموجب قرارات الشرعية الدولية، يعترف بدولة فلسطين على حدود 4 حزيران (يونيو) 67 وعاصمتها القدس، ولا يعترف بالاسم التوراتي للضفة الغربية، فإن رئيس الولايات المتحدة والحليف الرئيس، أخذ بالتسمية التوراتية للضفة، كما أن ترامب نفسه تخلى عن مشروع «حل الدولتين»، فضلاً عن كونه وصف إسرائيل بأنها دولة ضيقة المساحة، ومن حقها أن تتوسع، في إشارة شديدة الوضوح إلى تأييده مشروع الضم الإسرائيلي للضفة، بعد أن كان قد اعترف لإسرائيل عام 2020 في العام الأخير لولايته، بـ«حق» إسرائيل بضم 30% من مساحة الضفة الغربية، ما يعني في السياق أن ثمة تلاقياً بين تل أبيب وإدارة ترامب بشأن المشروع التوراتي لمستقبل الضفة الغربية، مع الإدراك التام أن نتنياهو وشركاءه، إذا ما أعطاهم ترامب إشارة للتقدم ميلاً واحداً تقدموا عشرة أميال، لفرض أمر واقع، وهم على يقين أن ترامب لن يمانع في كل الأحوال، ليست هي المرة الأولى التي يكشف فيها سموتريتش أوراقه بشأن ضم الضفة الغربية ومستقبلها التوراتي.
منذ وصوله إلى الوزارة، بإعتباره مسؤولاً عن الإستيطان، أطلق رؤيته الخاصة به لما يسمى «حل الدولتين» «دولة إسرائيل الكبرى» تمتد على مساحة المنطقة (ج) (62% من الضفة الغربية) وأجزاء واسعة من المنطقة (ب) (أي حوالي 20% من الضفة)، ويبقى لسكان الضفة حوالي 20% من مساحة الضفة، هي المدن والمناطق المتكظة بالسكان بالفلسطينيين.
ومن أجل «هندسة» أوضاع الضفة الغربية (في سياق هندسة نتنياهو للشرق الأوسط)، بدأت قوات الاحتلال في إفراغ شمال الضفة من سكانه، عبر القتل والتدمير والتهجير، وبحيث ينزاح «الخط الأخضر» شمال الضفة، ويتم الربط بين 4 مستوطنات، أعيد لها الإعتبار شمالاً وصولاً إلى الغور، عبر المناطق التي يتم إفراغها من سكانها، لملئها لاحقاً باليهود.
مقابل إتساع دولة الاحتلال يبقى للفلسطينيين «سلطة» تكون مرجعيتها إسرائيل بشكل كامل. هي أشبه بسلسلة بلديات منتشرة في المدن الفلسطينية، تتوحد فيما بينها عبر إدارة مركزية فلسطينية في رام الله، بما يسهل على دولة الاحتلال الإشراف على مناطق «السلطة الفلسطينية»، وكما هو بات معروفاً بأن سموتريتش وضع أبناء الضفة الغربية أمام 4 خيارات:
1) الخيار الأول أن يرحلوا إلى بلد ثالث يقيمون فيه، وأن إسرائيل على إستعداد لمساعدة أصحاب هذا الخيار على الحصول على تأشيرات سفر، وأجور سفر، ومنحة مالية سخية تتيح لهم الإنتقال السلس إلى «وطنهم الجديد».
2) الخيار الثاني القبول بالوضع الجديد، والعيش في كنف «السلطة الفلسطينية»، والرضوخ لقوانينها.
3) الخيار الثالث الذهاب إلى السجن إذا ما حاول التمرد على الوضع الجديد.
4) الخيار الرابع هو الموت إذا ما حاول أن يمارس الإرهاب ضد الوضع الناشئ.
وهذا يعني أننا أمام مشروع توراتي، سوف يفرض على سكان الضفة نظاماً سياسياً جديداً، دون أن نتناسى أوضاع القدس المسماة عاصمة إسرائيل.
فمشروع ضم المستوطنات المحيطة بالمدينة إلى القدس، وكذلك ضم المنطقة (E1) لإغلاق الفضاء تماماً في محيط القدس، وفصل شمال الضفة الغربية عن جنوبه، أما داخل القدس، فثمة أسئلة كثيرة تطرح نفسها، تتعلق بمشاريع التهويد الجاهزة، بما فيها مشروع تهويد الأقصى المبارك، هل يبقى على ما هو عليه الآن، يستبيح المستوطنون ساحاته، مع حق أبناء الضفة بالصلاة فيه في أيام الجمعة وفي الأعياد، أو سيقام نظام جديد لهذا المسجد المهدد كما هي مهددة القضية الفلسطينية؟
* * *
طبعاً، لن يكتفي سموتريتش برفع الأعلام الإسرائيلية في أنحاء الضفة، ليقنع نفسه أنه بسط سيادة دولته، بل إن ثمة خطوات «قانونية» و«تشريعية» وسياسية ودبلوماسية وميدانية، يتم تجهيزها لتنفيذ القرار.
الأمر الذي يطرح السؤال التالي: ماذا حضّر الفلسطينيون، وماذا عليهم أن يحضروا لإحباط مشروع سموتريتش؟