كفى تشويهاً لمخيماتنا والتحامل عليها!

مايو 12, 2025

ثمة إنفلات إعلامي في عدد من الفضائيات المحلية والعربية، والصحف ووسائط الإتصال، تقف خلفه شرائح لا تكن للشعب الفلسطيني المودة، وربما ما زالت في إنعزالها السياسي، تعيش أجواء سادت لبنان منذ أكثر من ثلاثة عقود، يبدو أنها تركت ترسبات في الوعي، تتحرك أحياناً في حملة تشويه تطال مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وأن تضعها في الإطار الذي يتفاعل فيه الوجود الفلسطيني في لبنان، ويستعيد في السياق ما يعتقد أنه يشكل الصورة الحالية للمخيم الفلسطيني، وعلى سبيل المثال:
• إن المخيمات تشكل جزراً أمنية خارج سيطرة الدولة وسيادتها على ترابها الوطني.
• إن المخيمات تشكل أوكاراً للفارين من وجه العدالة أو المطلوبين للقضاء، فضلاً عن كونها مرتعاً لتجار المخدرات.
• إن المخيمات تعج بالسلاح والمسلحين، وتشكل خطراً على أمن جوارها اللبناني.
وكأني بهذه الإتهامات التي تدور على ألسنة البعض، محاولة لنزع الشرعية عن الوجود الفلسطيني في لبنان، باعتباره بات حملاً زائداً.
في إطار حق الدفاع عن الذات أمام التشويهات التي لا تتوقف عن فبركتها أطراف بعينها، يمكن إيراد التالي:
أولاً- إن المخيمات ليست جزراً أمنية خارج سيادة الدولة وسيطرتها، إذ إن كافة المخيمات تطوقها الأجهزة الأمنية اللبنانية، وحصرت الحركة منها وإليها ببوابات لا يمكن عبورها إلى المخيم إلا إذا كان من سكانه، أو فلسطينياً لاجئاً، أو مواطناً لبنانياً، ومن هم غير ذلك فإن دخولهم إلى المخيم، يتم بإذن من الجهات الأمنية اللبنانية، أي وبتعبير آخر، تقع المخيمات، كلها، تحت سيطرة الدولة ورقابتها.
فضلاً عن ذلك تدير المخيمات لجان شعبية، ولجان أمنية محلية، بينها وبين الدولة اللبنانية آليات تعاون وثيق، بحيث تستطيع الدولة أن تطلب توقيف أي من أبناء المخيمات عبر اللجان الشعبية والأمنية، دون أن تكلف نفسها أي عناء في هذا المجال، وبالتالي ليست المخيمات جزراً أمنية، بل هي تحت سيطرة الدولة وسيادتها، وتحت رقابة الأجهزة الأمنية المعنية، وبين الجانبين تعاون وثيق، بحيث يمكن القول بكل ثقة لا مطلوبين للدولة في المخيمات، ولا فارين من العدالة.
أما الإدعاء عن وجود تجار مخدرات، فإنه يتجاهل أن المخدرات تتسرب إلى المخيمات من خارجها أو من جوارها اللبناني، وإذا إفترضنا أن في المخيمات مدمنين على المخدرات، فإن مكافحة هذه الآفة تتطلب بالضرورة تعاوناً وثيقاً بين المخيمات والجهات الأمنية المعنية، لمنع تسريب المخدرات إلى داخل المخيمات، وتلك قضية لبنانية من الطراز الأول، وتقع على عاتق الدولة وحدها، أما المخيمات فواجبها مكافحة ظاهرة المدمنين، هذا ما تقوم به اللجان الشعبية والأمنية والعديد من المؤسسات الأهلية التي لا تكف عن عقد الندوات لفضح مخاطر المخدرات وكيفية مكافحتها.
أما الحديث عن نزع السلاح الفلسطيني داخل المخيمات وخارجها، فإنه دلالة واضحة على أن أصحاب هذه الدعوات إنما يطلقون دعواتهم جزافاً، ربما لم تصلهم أنباء تسليم سلاح المقاومة خارج المخيمات للدولة، ولم يتبقَ أي موقع خارج المخيمات خارج سيطرة الدولة.
أما الحديث عن سلاح المخيمات، فإن الدعوة لنزعه تضخم المسألة وكأن في المخيمات راجمات ومدافع وصواريخ.
السلاح في المخيمات لا يعدو كونه مجرد بنادق بيد اللجان الأمنية الفلسطينية المتعاونة تعاوناً وثيقاً مع الدولة أي أنه سلاح شرطة، وليس سلاحاً للحرب، وتعرف الدولة جيداً أن الفصائل كافة سلمت سلاحها الثقيل في مطلع التسعينات من القرن الماضي، وما تقوم به اللجان الأمنية عمل أمني داخلي، من شأنه أن يعفي الدولة اللبنانية من هذا العبء، فضلاً عن ذلك، وإن وجد لدى بعض الأفراد بندقية هنا وبندقية هناك، فهذا من بقايا القرن الماضي.
بعد ذلك، اسمحوا لي أن نقول التالي:
إن الوجود الفلسطيني في لبنان وجود سياسي مرتبط بالقضية الفلسطينية والصراع مع إسرائيل، ويدرك الفلسطينيون بعد التجارب المرة والصعبة التي عاشوها، أن عدوهم الوحيد هو إسرائيل وليسوا طرفاً في الخلافات السياسية اللبنانية، ولا ينحازون إلى أي طرف من هذه الأطراف، وهم يطمحون لأن يكونوا على وئام وتفاهم تام مع مصالح الجميع، وهذا ما تقوم به فصائل العمل الوطني الفلسطيني في لبنان، وهي حريصة على بقاء المخيمات، صوناً للشخصية الوطنية الفلسطينية، ويندرج هذا في خدمة البلد المضيف، هذا أولاً.
وثانياً- ندعو الجميع لإعادة النظر بموقفه من المخيمات، فهي أماكن مكتظة بالسكان، تعيش بعيداً عن الشمس، والهواء النقي، بل والماء النقي، كل سكانها من الشرائح العمالية، إلا بعض موظفي وكالة الغوث، تحرّم عليهم قوانين وزارة العمل ممارسة العديد من المهن، خاصة خريجي الجامعات الذين لا ينكرون رغبتهم في الهجرة من لبنان بغرض العمل، كما تعيش المخيمات في ظل عجز وكالة الغوث عن أداء خدماتها بالمستوى الذي يكفل لهم الحد الأدنى من الحياة الكريمة والصحية، في وقت لا تشمل البلديات المجاورة للمخيمات بخدماتها، ما جعل البعض يسمي المخيمات مخيمات بؤس وفقر، وظروف حياتية شديدة التعقيد.
والمخيمات عبر لجانها الشعبية والأمنية، على إستعداد لإستقبال كل من يرغب بالإطلاع على الواقع الحقيقي لحياة المخيمات وسكانها، ولعل مخيمات بيروت (برج البراجنة وصبرا وشاتيلا) تشكل نموذجاً ساطعاً لأحوال المخيمات في الشمال والجنوب والبقاع.
من هنا يحق لنا أن نصرخ بألم: كفى تشويهاً للمخيمات وتحاملاً عليها!.