دائرة العلاقات الخارجية في الجبهة الديمقراطية: صمت العالم وعجزه عن وقف حرب الابادة في قطاع غزه، وصمة عار في جبين الإنسانية

أبريل 21, 2025


منذ الاسابيع الاولى للعدوان على قطاع غزه، كان واضحا ان الاهداف الحقيقية للفاشية الصهيونية في اسرائيل هي مواصلة الحرب لسنوات لأطول فترة ممكنة، في محاولة من نتنياهو لحماية مستقبله وضمان عدم ملاحقته قضائيا، سواء بتهم الفساد والرشاوى وغيرها من قضايا مثارة على مستوى المحاكم الاسرائيلية او على مستوى امكانية ادانته بالتقصير في احداث 7 اكتوبر. وقد تلاقت هذه الاهداف مع افكار الصهيونية الدينية واليمين المتطرف في اسرائيل، الذين حاولوا الاستفادة من التحالف الدولي الداعم لاسرائيل، والذي تشكل بعد الحرب، من اجل تحقيق اهداف تتجاوز في مضامينها الاهداف المعلنة.
وليس سرا القول: ان تعطيل كل مساعي الوسطاء ومقترحاتهم لانهاء الحرب اصطدمت بجدار كبير من الرفض الاسرائيلي، لاعتبارات لها علاقة بحالة الابتزاز الدائمة في العلاقة بين مكونات الحكومة الاسرائيلية، التي تضع استمرار الحرب عنوانا لبقاءها داخل اطار الائتلاف الحكومي، وهو امر معلن ويتحدث به اركان الحكومة الاسرائيلية بشكل يومي لجهة التهديد بالانسحاب من الحكومة في حال الاعلان عن انتهاء الحرب.. وقد سبق لأحد اركان الحكومة وان انسحب، عندما اعلن عن التوصل الى صفقة في 17 كانون الثاني، ولم يعد الا بعد استئناف الحرب على القطاع، بعد ان رفض نتنياهو الانتقال الى المرحلة الثانية، كما نص الاتفاق..
اليوم كافة دول العالم، بما فيها الحليفة لاسرائيل، اضافة الى الامم المتحدة وعشرات المؤسسات الدولية، كلها تدعو الى وقف حرب الابادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني في قطاع غزه.. نتيجة المآسي الانسانية الكبرى التي سببتها (اكثر من 200 الف شهيد وجريح معظمهم من النساء والاطفال، وتدمير شامل في قطاع غزه، وحرب تجويع وتعطيش تمارس بشكل علني..)، الا ان الطرف الوحيد الذي لا زال مصرا على مواصلة العدوان هو نتنياهو واركان حكومته الفاشية، بدعم واضح وصريح من الادارة الامريكية.. ولأسباب لا علاقة لها باعتبارات عسكرية او امنية، تؤكدها ظاهرة التمرد الواسعة التي تشهدها عدة وحدات عسكرية وامنية اسرائيلية ترفض مواصلة الحرب، كونها اصبحت حرب الدفاع عن نتنياهو فقط، وبسبب تآكل ثقة الجنود الاسرائيليين، بحيثيات مواصلة العمليات العسكرية، كما نقلت وسائل اعلام اسرائيلية..
كما ان جميع الخبراء العسكريين يؤكدون بأن الحرب على غزه لم يعد لها اية وظيفة سوى استمرار عمليات القتل، ورفع التكلفة البشرية على الشعب الفلسطيني. وعشية انتهاء العام الأول لحربه التدميرية، أعلن جيش الاحتلال، اكثر من مرة، إنتهاء عملياته في قطاع غزة وأنه لم يعد لديه ما يقوم به، رغم الفشل في القضاء على المقاومة، كما توعد نتنياهو، والعجز عن اطلاق سراح الأسرى الاسرائيليين لدى المقاومة الفلسطينية بالقوة العسكرية؛ كما فشلت ايضا عمليات الإبادة الجماعية في دفع السكان إلى مغادرة القطاع، في إطار خطة إفراغ القطاع، وتحويله إلى حزام أمني لدولة الإحتلال.
ان مواقف المسؤوليين العسكريين والسياسيين ابإسرائيليين، بأن المقاومة فكرة وبنية اجتماعية لا يمكن القضاء عليها عسكريا، هو بحد ذاته إعتراف صريح بفشل جيش الاحتلال في القضاء على المقاومة، وإشارة شديدة الوضوح باستحالة القضاء على المقاومة، وأنه مهما طالت الحرب، فإن الفشل سوف يلازم جيش الاحتلال، وكل فشل في الجانب الإسرائيلي سيحتسب نصرا للمقاومة. لذلك، نجد ان الاحتلال اعاد تنظيم خطابه بالإدعاء أنه نجح في تقويض قدرة المقاومة على تكرار هجمة 7 أكتوبر 2023..
في الإطار نفسه، إنتقلت العمليات الإسرائيلية الكبيرة الى استهداف المدنيين في هجمات قاسية وهمجية، بدءا باستهداف مراكز إيواء النازحين مرورا بتدمير مربعات كاملة في شمال القطاع في خطة الأرض المحروقة الهادفة الى تقويض إرادة الصمود لدى أبناء مناطق شمال قطاع غزه، والدفع بهم نحو الهجرة الى الجنوب، بهدف التمهيد للشروع في تنفيذ الخطوات الأولى لما يسمى اليوم التالي للقطاع، وتحويل مناطق الشمال إلى أرض محروقة، غير قابلة للسكن، يفرض عليها الحصار التمويني، وتدمر فيها المنشآت الحيوية.
إن عجز المجتمع الدولي عن التدخل، اعطى اسرائيل فرصة مواصلة الحرب، ونجحت بدعم من الإدارة الأميركية في تفويت الفرصة على مجلس الأمن لفرض وقف إطلاق النار، حسب نص القرار 2735 الذي دعا إلى إنهاء العمليات العدائية» وانسحاب جيش الاحتلال من القطاع وإجراء تبادل للأسرى، وإنهاء حالة الحصار، والشروع في عمليات إنقاذ لمن تبقى من السكان، عبر مشاريع ذات طابع متعدد المحاور. غير أن عناد الاحتلال افشل القرار وتواصلت الحرب من اجل تحقيق اهدافها، كما حددها نتنياهو: القضاء على المقاومة، استعادة الأسرى وتهجير السكان..
على هذه الخلفية، لم يكن مفاجئا استئناف العدوان في شهر آذا ر الماضي، لأن الجميع كان يعلم موقف نتنياهو، وسعيه لتصدير مشكلاته الداخلية بافتعال الازمات والحروب. وان كان استئناف العدوان جزء من عملية التفاوض بالنار في محاولة للضغط على فصائل المقاومة لخفض سقفها التفاوضي المتعلق برغبة اسرائيل تمديد المرحلة الاولى من الاتفاق دون وقف الحرب، الا انه على صلة بملفات داخل الكيان، خاصة بعد اقالة رئيس الشابك واعادة بن غفير الى الحكومة واقالة المستشارة القضائية، اي ان نتنياهو يريد من خلال جرائمه ومجازره في قطاع غزه ان يضمن استقرار وثبات حكومته تفاديا لحدوث مفاجآت قد تهدد بسقوط حكومته.. حتى لو كان ذلك قتل الآلاف من المدنيين الفلسطينيين، خاصة النساء والاطفال.
اما الولايات المتحدة الامريكية ، فيبدو واضحا انها غير جادة في ترجمة مواقفها المعلنة المتعلقة برغبتها انهاء الحرب، لأنها تتبنى الموقف الصهيوني بحرفيته.. والدليل ان فصائل المقاومة تعاطت ايجابيا مع المقترح الامريكي الاول، آدم بولر.. ما وضع الامريكيين في موقف حرج، ثم عادوا وقدموا مقترح جديد من المبعوث الامريكي ستيف ويتكوف، ليتأكد للجميع بأن الاسرائيليين والامريكيين لا يريدون سوى اطلاق سراح الاسرى الاسرائيليين فقط، دون الاستعداد لتقديم اي ثمن مقابل ذلك، وهذا امر لا يمكن لأي فلسطيني القبول به.. 
ان ما يريده الاحتلال الاسرائيلي هو محاولة تحقيق ثلاثة في آن:
اولا: الضغط على المقاومة الفلسطينية، عسكريا وانسانيا، للاستجابة للمطالب الاسرائيلية الامريكية التي اصبحت متطابقة، والسعي لأن يحققا بالسياسة، ما عجزا عن تحقيقه بالقوة، في محاولة لإستغلال الواقع  المأساوي للسكان في القطاع.
ثانيا: الانتقام من ابناء قطاع غزه الذين صمدوا في ارضهم، ورفضوا مخططات التهجير الجماعي والسعي لفرض هذا المشروع بقوة القتل والتدمير والتجويع والتعطيش. 
ثالثا: محاولة سحب ورقة الاسرى من يد المقاومة، اي محاولة قتل جميع الاسرى الاسرائيليين وبشكل متعمد، اقتناعا من نتن ياهو انه بهذه الطريقة يجرد المقاومة من اوراق الضغط التي تمتلكها، وهذا ما يفسر اعلان حركة حماس فقدان الاتصال بالمجموعة الآسرة لاحدى الاسرائيليين (عيدان الكسندر)، بعد قصف الاحتلال للمنطقة المتواجدين فيها.
لكن رغم كل الاعيب وتكتيكات نتنياهو، فان فصائل المقاومة الفلسطينية ستبقى منفتحة على الحلول التي يطرحها الوسطاء، لأنها معنية بالتوصل الى صفقة تنهي العدوان والحرب، واذا كان الامريكي جاد بالتوصل الى صفقة كما يزعم، فالعنوان معروف وهو رئيس وزراء العدو. لكن لا يجب ان يفهم ولا للحظة ان مرونة فصائل للمقاومة ورغبتهم بالتوصل الى صفقة يعني التنازل عن الثوابت التي هي موضع اجماع كل الشعب الفلسطيني، وهي وقف الحرب والانسحاب والبرتوكول الانساني والاعمار واطلاق سراح الاسرى الفلسطينيين من المعتقلات الاسرائيلية، ورفض اي حديث حول ما يسمى «نزع سلاح المقاومة»، وغير ذلك فان المقاومة ليس امامها من خيارات سوى الصمود والمقاومة في الدفاع عن شعبها وارضها..
ان ما يؤكد مرونة المقاومة وسعيها الجدية للتوصل الى صفقة تنهي الحرب هو موافقتها على المقترح الجديد الذي قدمه الوسطاء في شهر (نيسان)، لكن من رفض هذا المقترح هو نتنياهو، الذي قدم شرطا جديدا هو عدم وقف الحرب الا بعد نزع سلاح المقاومة، وهو امر رفضته كافة فصائل المقاومة، لكونه يتجاوز كل الصيغ السابقة.. وهو ما يؤكد ايضا ان الاهداف الحقيقية لنتنياهو هو ليس اطلاق سراح الاسرى، كما يزعم، بل مواصلة الحرب لاطول فترة ممكنة، وتحديدا حتى عام 2026، تاريخ انتخابات الكنيست الاسرائيلي.. حتى لو كانت النتيجة استمرار حصار قطاع غزه واسر العالم الذي ما زال عاجزا او صامتا او شريكا في حرب الابادة الجماعية للشعب الفلسطيني في قطاع غزه..
اننا في «دائرة العلاقات الخارجية في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين»، وإذ نقدر ونشكر كل جهد تقوم به دول العالم واطرهاىالسياسية والحزبية والقضائية والبرلمانية والاعلامية والنقابية، فاننا ندعو احزاب العالم وكافة التيارات الشعبية العالمية الى مواصلة تحركاتها رفضا لاستمرار الحرب ومن اجل دفع الحكومات الغربية بشكل خاص الى ممارسة الضغوط على الاحتلال الاسرائيلي لوقف حربه والاستجابة لصوت العالم المجمع على وقف الحرب بشكل كامل وانسحاب القوات الغازية من كافة اراضي القطاع وادخال المساعدات الانسانية وغير ذلك من عناوين اصبحت محل اجماع دولي