خيارات المشاركة
الاخبار
دائرة العلاقات الخارجية في الجبهة الديمقراطية: حصاد العام 2024: قتل، تدمير، تهجير، جوع وعطش.. صمود اسطوري ومقاومة لن تهزم
الديمقراطية: في الذكرى الـ 60 لانطلاق فتح والثورة لنعمل معاً لتعزيز صمود شعبنا ومقاومته وكسر شوكة العدو
علي فيصل: كفى صمتًا على المجازر بحق الشعب الفلسطيني وأطفاله والتدمير الممنهج للنظام الصحي في غزة، ليكن العام الجديد عامًا للوحدة والمقاومة لإسقاط مخططات الإبادة البشرية والسياسية
علي فيصل: ندين مجازر الاحتلال وندعو للوحدة الوطنية ومحاسبة إسرائيل كدولة إرهاب وفصل عنصري
في خلفيات استهداف الأونروا وتصفية حق العودة للاجئين الفلسطينيين
قراءة صادرة عن دائرة اللاجئين ووكالة الغوث في الجبهة الديمقراطية:
تأسيس وكالة الاونروا:
تأُسست وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (أونروا)، كهيئة دولية ذات طابع مؤقت، بموجب القرار الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 302 في 8/12/1949، بهدف تقديم خدمات الإغاثة والتشغيل الى اللاجئين الفلسطينيين. واستند قرار التأسيس إلى ما صدر عن بعثة الأمم المتحدة المكلفة بإجراء مسحٍ اقتصادي للشرق الأوسط، وإلى تقرير الأمين العام الخاص بمساعدة اللاجئين الفلسطينيين، وكان التقدير حينها بأن ولاية الاونروا لن تطول كثيراً، وستنتهي بمجرد عودة اللاجئين استنادا للقرار رقم 194، لكن ونتيجة لغياب حل عادلٍ وشامل للقضية الفلسطينية، وفي مقدمتها قضية اللاجئين الفلسطينيين، جرى تجديد ولاية الاونروا عبر الجمعية العامة للأمم المتحدة بشكل دوري.
وقد أكد القرار الأممي رقم 302 في المادة (5) منه على أنه: «من الضروري استمرار المساعدة لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين، بغية تلافي أحوال المجاعة والبؤس بينهم، ودعم السلام والاستقرار، مع عدم الإخلال بأحكام الفقرة 11 من قرار الجمعية العامة رقم 194 (الدورة 3) الصادر في 11 ديسمبر/كانون الأول 1948»، وهو ما يؤكد على أن تأسيس وكالة الاونروا ودورها لا يتعارض مع حق العودة والتعويض، اللذين عبر عنهما القرار 194، بل يرتبط ارتباطا وثيقا واساسيا باستمرارها ربطا بالقرار الدولي رقم 194.
دور وكالة الأونروا:-
باشرت الاونروا مهامها تجاه اللاجئين الفلسطينيين في أيار 1950، وشملت عملياتها في ذلك الوقت 750 ألف لاجئ فلسطيني فقط، وفي ضوء عدم حل قضية اللاجئين الفلسطينيين، ونتيجة تزايد أعداد اللاجئين بعد نكسة 1967، وتبعات رفض الاحتلال عن تنفيذ القرارات الدولية المعنية بالقضية الفلسطينية، استمرت الحاجة إلى دور الاونروا واستمرارها إلى يومنا هذا، وأصبحت تقدم خدماتها لحوالي 6 ملايين لاجئ فلسطيني، مسجلين في سجلاتها في مختلف مناطق عملها التي تشمل الأردن، لبنان، سوريا، غزة والضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية.
وفي ما يتعلق باللاجئين الفلسطينيين الذين بقوا مقيمين في المناطق التي سيطر عليها الاحتلال الاسرائيلي عام 1948، فقد استمرت الاونروا في تقديم خدماتها لهم منذ نشأتها ولغاية شهر تموز من عام ، بعد ذلك تحمل الاحتلال مسؤولياته الخدماتية تجاههم، ثم منحهم الجنسية الإسرائيلية. لكن رغم ذلك، لم يسمح لهم بالعودة إلى بيوتهم وأراضيهم الأصلية.
تشمل خدمات الاونروا التعليم والرعاية الصحية والإغاثة، والبنية التحتية وتحسين المخيمات والدعم المجتمعي بأشكال مختلفة، والاستجابة في حالات الطوارىء وغيرها من الخدمات الاساسية والهامة. كما تؤكد وثائق الامم المتحدة على امتداد وتواصل عمل الاونروا واستمرارها حتى بعد عودة اللاجئين حيث ينص قرار انشائها على «تسهيل إعادة اللاجئين وتوطينهم وتأهيلهم اقتصادياً واجتماعياً، وتعويضهم»، وهي المهمة الاساسية، التي استمرت بعد إنشائها.
مسلسل الاستهداف الاسرائيلي للأونروا منذ انشائها ولغاية اليوم:
استند موقف الاحتلال الاسرائيلي منذ بداياته الأولى من قضية اللاجئين الفلسطينيين إلى مبدأين اثنين هما: عدم الإقرار بمسؤولية الاحتلال عن تهجير الفلسطينيين من ارضهم وممتلكاتهم عام 1948، ورفض عودتهم إلى مدنهم وقراهم التي هُجّروا منها منذ النكبة. وبناء على هذا الموقف، أرفقت حكومة الاحتلال في مضمون رسالتها الموجهة إلى هيئة التوافق الأممية في 2 آب 1949 إحاطة وزير خارجيتها موشيه شاريت، التي قدمها للكنيست، والتي تنص على أنه «يجب حل قضية اللاجئين العرب، ليس من خلال عودتهم إلى إسرائيل، بل من خلال توطينهم في دول أخرى».
ونظرا للدور الهام الذي لعبته الاونروا على اكثر من مستوى، فقد كانت دائما محط استهداف الثنائي الاسرائيلي الامريكي، الذي سعى في اكثر من مناسبة الى افر اغ الاونروا من مضمونها السياسي وتحويلها الى جمعية خيرية لا تحمل اي ابعاد سياسية. لذلك ومنذ انشاء الاونروا، بادرت اسرائيل وبدعم كامل من الولايات المتحدة الاميركية الى طرح مشاريع عكست الرؤية الاسرائيلية-الأميركية لدور الوكالة ورفضٍ واضحٍ لتطبيق القرار الأممي رقم 194، وهو ما كرسته مشاريع أميركية عديدة سعت وتسعى إلى فرض حلولٍ اقتصادية وسياسية أخرى بديلا عن الاونروا وحق العودة.
باختصار شديد (مفصل في قراءة سابقة) نذكر في هذا السياق أبرز هذه المشاريع: مشروع ماك غي في آذار 1949، مشروع جوردن كلاب في آب 1949، مشروع الأميركي جون بلاند فورد المفوض العام لـلأونروا في الفترة الممتدة بين 1951- 1953.القائم على تأسيس برنامج شامل للتنمية ولتوطين اللاجئين الفلسطينيين، مشروع الجزيرة السورية 1952، مشروع الإنماء الموحد للمصادر المائية في غور الأردن 1953، مشروع دالاس 1955، مشروع داغ همرشولد 1959، مشروع جونسون للسلام 1962، مبادئ جونسون للسلام في الشرق الأوسط 1967، وثيقة ساوندرز 1975، مشروع كارتر للسلام في الشرق الأوسط 1977، مشروع ريغين للسلام 1982، مبادرة بوش 1991، مؤتمر مدريد 1991، برنامج «تطبيق السلام» بعد توقيع اتفاق أوسلو (1992- 2016(، مفاوضات كامب ديفيد 2000، رؤية الدولتين 2002، مبادئ كيري 2016، الاونروا أثناء ولاية دونالد ترامب الاولى كانت نقطة مركزية في صفقة القرن بعد ان تم فعلا وقف التمويل، الأونروا أثناء إدارة بايدن: سعت بكل جهد الى إزالة الوكالة نهائياً كونها شاهداً أممياً على المأساة الفلسطينية.
الاستهداف الإسرائيلي للاونروا بعد طوفان الاقصى:
في 26 كانون الثاني 2024، زعم مسؤولون إسرائيليون أن 12 موظفاً من موظفي الأونروا متورطون في معركة 7 تشرين الأول 2023، وتناقلت العديد من وسائل الإعلام، نقلاً عن معطيات استخباراتية، ادعاءات بأن حوالي 10 % من موظفي الأونروا في قطاع غزة، أي نحو 1200 شخص، لهم صلات بحركتي»حماس» و «الجهاد الإسلامي»، رغم ان وكالة الأونروا وحتى اللحظة لم تتلقَ أي معلومات، أو أدلة، من اسرائيل بخصوص هذه المزاعم..
ورغم مسارعة المفوض العام للاونروا في 26-1-2024 بفصل بعض الموظفين المتهمين فورا، مبررا القرار بأنه «حرصاً على مصلحة الوكالة»، الا ان عددا من الدول المانحة (19 دولة) وفي مقدمتها الولايات، سارعت الى اعلان تعليق مؤقت لمساعداتها وتمويلها للاونروا بناء على المزاعم الاسرائيلية، حتى قبل صدور نتائج التحقيق. فيما سارعت العديد من الدول والمنظمات والمؤسسات الدولية والاتحادات المحلية والدولية والفصائل الفلسطينية الى ادانة هذه الخطوة، كما ادانت ايضا قيام الاونروا بفصل موظفيها بناء على ادعاءات الاحتلال فقط. وقد تم اعتبار قرار التعليق بمثابة عقاب جماعي لعموم اللاجئين والاونروا.
وبناءً على طلب من الأمين العام للأمم المتحدة، قام مكتب خدمات الرقابة الداخلية، وهو أعلى هيئة تحقيق في الأمم المتحدة، بفتح تحقيق في المزاعم الاسرائيلية، وشكّل الأمين العام، في 5 شباط 2024، لجنة مستقلة للتحقيق «لجنة المراجعة المستقلة» برئاسة وزيرة خارجية فرنسا السابقة كاترين كولونا، لم يكشف تقريرها، الصادر في 22 نيسان 2024، عن «أي خلل وظيفي كبير داخل المنظمة»، على الرغم من بروز بعض «المشاكل المرتبطة بحياديتها»، وأن إسرائيل «لم تقدم حتى الآن دليلاً على اتهاماتها الرئيسية».
وبناء على نتائج هذا التقرير استأنفت جميع الدول تمويلها «باستثناء الولايات المتحدة»، خاصة ان هذا التقرير دحض قسماً كبيراً من الاتهامات الإسرائيلية»، وإن اعترف بوجود مشكلات «حياد سياسي»، إلا أنه أقرّ بأن الأونروا «تمتلك آليات لضمان هذا الحياد، أكثر مما تمتلكه وكالات أخرى تابعة للأمم المتحدة»، مقدّراً أن الأونروا «لا يمكن استبدالها ولا الاستغناء عنها»، وأن الهجوم عليها، بينما تواجه غزة «أزمة إنسانية، بل وجودية متعددة الأبعاد»، يكشف عن «سياسة غير مسؤولة للأرض المحروقة، بينما هناك طريق أفضل للرد على التساؤلات والانتقادات بشأن وضع الأونروا، وهي بذل كل الجهود من أجل إيجاد أفق سياسي يحل محل أفق الحرب المظلم القائم اليوم».
ولدحض الاتهامات ضدها، اصدرت الأونروا في 29 شباط 2024، وثيقة بعنوان: «حقائق في مواجهة المعلومات المضللة»، ذكرت فيها أنها «كأي منظمة أخرى تابعة للأمم المتحدة، تقوم بإجراء فحوصات مرجعية مفصلة لجميع موظفيها»، كما «تقوم سنوياً بإطلاع السلطات المضيفة، في لبنان والأردن وسورية والسلطة الفلسطينية وكذلك إسرائيل بصفتها السلطة القائمة بالاحتلال في الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية وغزة، على أسماء وأرقام الموظفين ووظائفهم»، وأنها لم تتلقّ، قبل شهر كانون الثاني 2024، «أي إشارة من السلطات المعنية حول تورط موظفيها في جماعات مسلحة». وأضافت الوثيقة أنه «خلال النزاعات في قطاع غزة، وقعت حوادث انتهكت فيها جهات مسلحة من كلا الجانبين حيادية مواقع الأونروا المحمية بموجب القانون الدولي»، الأمر الذي دفع الأونروا إلى «إدانة مثل هذه الانتهاكات لمباني الأمم المتحدة». أما فيما يتعلق بالزعم الإسرائيلي بأن مناهج التعليم المتبعة في مدارس الأونروا تحض على «الكراهية»، فقد أوضحت الوثيقة أن الأونروا «تستخدم الكتب المدرسية للحكومة المضيفة، بما يتماشى مع أفضل ممارسات الأمم المتحدة للتعليم الجيد في مخيمات اللاجئين»، وهي «تقوم بمراجعة جميع الكتب المدرسية المستخدمة في مدارسها لتحديد الأجزاء التي تتوافق مع قيم الأمم المتحدة ومعايير اليونسكو التعليمية، ولا تتسامح الأونروا مع خطاب الكراهية أو التحريض على التمييز أو العنف، وقد أكد المحللون المستقلون وخبراء التعليم الدوليون على جودة محتوى التعليم الذي تقدمه الأونروا في مدارسها».
وفي 30 أيار 2024 طالب المفوض العام لوكالة الأونروا، فيليب لازاريني، إسرائيل بوقف «حملتها» ضد الوكالة، في مقال رأي نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» بعنوان «يجب على إسرائيل أن توقف حملتها ضد الأونروا»، وورد فيه: «بينما أكتب هذه السطور، تحققت وكالتنا من مقتل ما لا يقل عن 192 من موظفيها في غزة، وتضرر أو دُمر أكثر من 170 مرفقاً تابعاً لها، وقد هُدمت المدارس التي تديرها الأونروا، وقُتل 450 نازحاً أثناء لجوئهم إلى المدارس أو غيرها من منشآت الأونروا». كما تقوم قوات الأمن الإسرائيلية، منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، «باعتقال موظفي الأونروا في غزة، الذين أفادوا بتعرضهم للتعذيب وسوء المعاملة أثناء احتجازهم»، كما «يتعرض موظفو الأونروا للمضايقات والإهانات بصورة منتظمة عند نقاط التفتيش الإسرائيلية في الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية» التي احتلها إسرائيل وضمتها. وأعرب فيليب لازاريني عن أسفه لأن «المسؤولين الإسرائيليين لا يهددون عمل موظفينا فحسب»، بل يعملون أيضاً على نزع الشرعية عن الأونروا من خلال تصويرها «كمنظمة إرهابية تروّج للتطرف»، داعياً المجتمع الدولي إلى «العمل بحزم ضد الهجمات غير الشرعية على الأمم المتحدة، ليس فقط من أجل غزة والفلسطينيين، بل من أجل جميع الدول».
قوانين الكنيست ضد وكالة الاونروا
بتاريخ 28 تشرين الأول 2024، أقر الكنيست الاسرائيلي قانونا يحظر عمل وكالة الأونروا في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ومن ضمنها القدس الشرقية المحتلة، حيث تقدم الاونروا خدماتها لسكان مخيم شعفاط للاجئين البالغ عددهم حوالي 60 ألف نسمة، وكذلك في الضفة الغربية وقطاع غزة المحتلين. ومن التداعيات الخطيرة لهذا القانون، بأنه سيجعل من الصعب على الأونروا، بل المستحيل، التعامل مع البنوك الإسرائيلية، مما سيؤدي «إلى الانهيار الإداري للوكالة في الضفة والقطاع بسبب العراقيل التي ستوضع على دفع الرواتب، وعلى الدفع للموردين والمقاولين وغيرهم من المتعاملين مع الوكالة. كما أقرّ الكنيست ايضا قانونا ضد الأونروا ينص على «منع مؤسسات الدولة وكيانات وأشخاص آخرين يتولون مناصب عامة، بحسب القانون، من إقامة أي علاقة مع الأونروا، أو أيّ جهة من طرفها»، بحيث يتم «إلغاء التسهيلات الضريبية والحصانة الدبلوماسية التي كانت تتمتع بها الوكالة»، على أن يدخل هذان القانونان حيز التطبيق خلال 90 يوماً، أي في 26 كانون الثاني 2025.
حملة دولية واسعة ضد قرار الكنسيت
وقد أثار تصويت الكنيست على قانونَي حظر عمل الأونروا غضباً دولياً واسعاً، ترافق مع دعوة المجتمع الدولي من خلال اصدار قرارين عن الجمعية العام للامم المتحدة الى إسرائيل من أجل تعليق قرارها الذي «ينتهك القانون الدولي من خلال استهدافه المباشر عمليات إحدى وكالات الأمم المتحدة، ويهدد مصير المساعدات الإنسانية في غزة». وقال المفوض العام للأونروا إن «هذا التصويت يخلق سابقة خطيرة تتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة وتنتهك التزامات دولة إسرائيل بموجب القانون الدولي»، وهو «يزيد من معاناة الفلسطينيين ولا يشكّل سوى عقاب جماعي». بينما قال الأمين العام للأمم المتحدة «إنه لا يوجد بديل للأونروا»، ودعا إسرائيل «إلى التصرف وفقاً لالتزاماتها بموجب ميثاق الأمم المتحدة وفيما يتعلق بالقوانين الدولية، بما في ذلك تلك المتعلقة بالقانون الإنساني وحقوق الإنسان»، مشدّداً على أن «القوانين الوطنية لا يمكنها تغيير هذه الالتزامات»، وذلك قبل أن يعلن عزمه على «عرض هذه القضية على الجمعية العامة للأمم المتحدة».
كما ندد المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، بالقرار «الذي لا يطاق»، والذي ستكون له «عواقب مدمرة»، وأضاف أن ذلك «يتعارض مع التزامات إسرائيل ومسؤولياتها»، مؤكداً أن «الأونروا شريان حياة لا يمكن تعويضه للشعب الفلسطيني». واعتبر ممثل منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) إن القانون الذي أقرّه الكنيست ضد الأونروا «ينطوي على طريقة جديدة لقتل الأطفال الفلسطينيين»، وأشار إلى أن منظمته «لا تستطيع تقديم المساعدات المُنقذة للحياة من دون الأونروا».
وقبل التصويت، أعلنت الولايات المتحدة أنها «قلقة للغاية» و»حثت الحكومة على عدم الموافقة» على هذا النص، بحسب المتحدث باسم وزارة الخارجية، الذي أصر على الدور الإنساني «الحاسم» للأونروا في غزة، في حين دعت سبع دول حليفة لإسرائيل، من بينها ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة، السلطات الإسرائيلية إلى «تعليق تشريعاتها هذه»، محذرة من «عواقبها المدمرة» في الضفة الغربية وقطاع غزة». وحتى في إسرائيل، أثار مشروع القانون، قبل يوم من إقراره، القلق بين كبار المسؤولين في وزارة الخارجية، حسبما ذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» التي حذرت «من أنه إذا تم اعتماد النص في القراءة الثانية والثالثة في الكنيست، فقد يتم تعليق عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة لانتهاكها ميثاق المنظمة».
أسباب الاستهداف الاسرائيلي والأميركي للاونروا:
يعود إصرار الاحتلال الاسرائيلي وداعمه الأميركي على استهداف الاونروا، والسعي إلى تقويضها كلياً، أو تغيير طبيعتها ودورها بالحد الأدنى إلى أسبابٍ عديدةٍ أهمها:
1) وكالة أممية: تأسست الوكالة بناء على قرارٍ أممي، كما تجدد الجمعية العامة للأمم المتحدة ولايتها دورياً، غالبا كل ثلاث سنوات، لذا فهي وكالة أممية تعيد تذكير دول العالم أجمع بالمأساة الفلسطينية، وبحجم الظلم المرتكب بحق شعب فلسطين، وبمسؤولية الاحتلال عنهما.
– التنصل من تطبيق القرار 194: يسعى الاحتلال الاسرائيلي إلى التنصل من تطبيق القرارات الدولية المعنية بحقوق الشعب الفلسطيني، وفي مقدمتها القرار 194، الذي ينص صراحة على «وجوب السماح بالعودة في أقرب وقت ممكن للاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم والعيش بسلام مع جيرانهم». ويساهم تقويض الاونروا في تلاعب الاحتلال بتعريف اللاجئ الفلسطيني، استناداً إلى تعريف اللاجئ في ميثاق اللاجئين 1951، بدلا من اعتماد تعريف الاونروا للاجئ الفلسطيني. حيث يريد الاحتلال تعريف اللاجئ الفلسطيني استناداً إلى تعريف اللاجئ في ميثاق اللاجئين 1951، بدلا من تعريف الاونروا.
– ما هو تعريف الاونروا للاجىء: تعرّف وكالة الاونروا اللاجئين الفلسطينيين بأنهم « أولئك الأشخاص الذين كانت فلسطين هي مكان إقامتهم الطبيعي خلال الفترة الواقعة بين حزيران 1946 وأيار 1948، والذين فقدوا منازلهم ومورد رزقهم نتيجة حرب عام 1948… إن أبناء لاجئي فلسطين الأصليين والمتحدرين من أصلابهم مؤهلون أيضا للتسجيل لدى الاونروا، أي شمل تعريف الاونروا للاجئ الفلسطيني أبناء اللاجئين والمتحدرين من أصلابهم. ولا يستثني تعريف الوكالة اللاجئين الحاصلين على جنسيةٍ أخرى، ما يعني الحفاظ على حق العودة وفق القرار 194. ويبلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين وفق سجلات الاونروا حتى كانون أول 2020 حوالي 6.4 ملايين لاجئ فلسطيني.
-أما ميثاق اللاجئين 1951: فإنه يحرم اللاجئ من توريث وضعه القانوني وحقوقه لنسله، وفي مقدمتها حقهم في العودة والتعويض من بعده، كذلك تنتفي صفة اللجوء وفق هذا الميثاق في حال حصول اللاجئ على جنسية دولة أخرى، وأصبح يتمتع بحمايتها، وبالتالي يفقد حقه في العودة والتعويض في هذه الحالة. وقد استثنت اتفاقية عام 1951 من تعريفها عندما نصت في الفقرة د (1) على ان «لا تشمل هذه الاتفاقية الأشخاص الذين يتمتعون حاليا بحماية أو مساعدة هيئات أو وكالات تابعة للأمم المتحدة غير مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين».
وعلى الرغم من سجلات الاونروا ووثائقها، يرفض الاحتلال الإقرار بأرقام الاونروا التي تتولى عملية حفظ سجلات وقيود اللاجئين الفلسطينيين، ويزعم أن مجمل لاجئي فلسطين الأحياء اليوم لا يتجاوز عددهم الـ 200 ألف لاجئٍ فلسطيني، وذلك استنادا إلى تعريف ميثاق 1951، الذي يحرم نسل اللاجئ من صفته القانونية، ومن حقهم الإنساني والقانوني في العودة والتعويض.
2) الكيانية/الهوية الفلسطينية: تمثّل الاونروا إطاراً مؤسسياً جامعاً لشريحةٍ واسعة من الفلسطينيين، إذ تقدم خدماتها لمجمل المخيمات داخل فلسطين وخارجها، الأمر الذي ساهم في حفظ الهوية الفلسطينية وتكريسها، خصوصاً في مخيمات اللجوء داخل الدول المستضيفة، التي راهن الاحتلال وداعموه على تماهي اللاجئين فيها واندماجهم مع المجتمعات المضيفة، وخسارتهم لهويتهم الوطنية الجامعة. ولا تمثّل الاونروا العامل الرئيسي لنجاح لاجئي الشتات الفلسطيني في الحفاظ على هويتهم الوطنية، وعلى بنيةٍ وطنية واجتماعية فلسطينية، إذ ينسب هذا الفضل إلى عوامل ذاتية وموضوعية أخرى، وأهمها استمرار حالة اللجوء وزخم الحياة الوطنية بفعل حضور فصائل العمل الوطني وغيرها من الاسباب..
وعلى الرغم من ذلك، حمّل الاحتلال الصهيوني الاونروا مسؤولية نجاح الفلسطينيين، وخصوصاً لاجئي الشتات، في الحفاظ على هويتهم الوطنية، بل وربما تعزيزها رغم طول مدة غيابهم عن وطنهم الأصلي فلسطين، نتيجة تهجيرهم قسراً منه منذ نكبة عام 1948 على يد قوات الاحتلال الاسرئيلي وعصاباته المجرمة.
3) حفظ الذاكرة الفلسطينية: ساهمت الاونروا في حفظ الذاكرة الوطنية الفلسطينية، تحديداً ذاكرة النكبة وما تبعها من جرائم الاحتلال الاسرائيلي، ومن مأساة الفلسطينيين المستمرة حتى اليوم، وهو ما يعتبره الاحتلال تهديداً وجودياً له، لاعتبارها جامعاً وطنياً، يحرض الفلسطينيين على استعادة حقوقهم المغتصبة منذ النكبة.
4) التأكيد على الحقوق الفلسطينية: يساهم تكوين وكالة الأونروا القانوني، ومنظومتها التعليمية، ودورها الاجتماعي في التأكيد على جملةٍ من الحقوق الفلسطينية المشروعة، من حق العودة، إلى حق تقرير المصير، مروراً بالحق في إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة. الأمر الذي يجده الاحتلال تهديداً وجوديا له، كون الاحتلال في طبيعته الإحلالية والكولونيالية، قائما على تكريس إلغاء حقوق شعب فلسطين الأصلي.
يتوهم الاحتلال بأن شطب الاونروا قد يشطب حق العودة
ليس جديدا الاستهداف الخطير الذي يقوم به الاحتلال ضد الاونروا، ولم يبدأ خلال عدوانها على قطاع غزة، وكان الاستهداف الإسرائيلي لهذه الوكالة منذ تأسيسها نهجاً ثابتاً انتهجته كافة الحكومات الإسرائيلية منذ الخمسينيات. ولذلك دأبت إسرائيل على مهاجمة الأونروا باستمرار، لعدة أسباب، أحدها: ان الاونروا أصبحت في نظر الشعب الفلسطيني الرمز الحي وجسر عبور لتطلعات اللاجئين في العودة إلى ديارهم، ورمزاً للمعاناة التي يعيشها اللاجئون الذين اقتلعوا من ديارهم. وبالتالي فإن مهاجمة الأونروا قد ينزع الشرعية عن حق العودة.
أن الأونروا ليست معنية مباشرة بالدفاع عن حق العودة، بصفتها «منظمة إنسانية غير سياسية»، لكن ما فعلته من خلال تصريحات مفوضيها العامين «هو التأكيد على وجود صلة عضوية بين القرار الدولي 194 الذي يدعو إلى عودة اللاجئين وتعويضهم، والقرار الدولي 302، الذي أُنشئت الأونروا بموجبه. ففي الأصل، كان من المفترض أن تعمل وكالة الأونروا لمدة عام واحد فقط، لكن الدول العربية المضيفة لم ترغب في تحمل مثل هذا العبء وحدها – فدعت إلى تعديل القرار 302، الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 8 كانون الأول 1949، بحيث تكون ولاية الأونروا قابلة للتجديد بصورة دورية كل 3 سنوات. ومع مرور الأعوام، انتقل عدد اللاجئين الفلسطينيين المسجلين لدى الوكالة من 750,000 إلى نحو 6000000، بحيث تحولت هذه الوكالة بفضل خدماتها في مجالات الصحة والتعليم والبنية التحتية إلى دولة داخل الدول، وأصبح دورها هاما وأساسيا في حياة اللاجئين، بل أكثر أهمية لأنه في بعض البلدان المضيفة مثل لبنان، يتم استبعاد اللاجئين من الخدمات العامة مثل حق العمل وغيرها من الخدمات الاساسية. كما لا بد من الإشارة الى أن الدور الأكثر أهمية للأونروا لا يكمن في هذه المجموعة من الخدمات الاساسية، بل في توثيق سجلات وقيود اللاجئين وأرشيفهم، من خلال سجلاتها المنسقة بعناية، منذ النكبة الفلسطينية وحتى الآن.
وهنا تكمن عقدة الاحتلال واهما بأن الاونروا هي من تديم وتطيل أزمة اللاجئين، لنؤكد ان ما يديم أزمة اللاجئين هو عدم قيام المجتمع الدولي ومؤسساته المختلفة بالضغط لفرض والزام الاحتلال تطبيق وتنفيذ القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة وفي مقدمتها القرار الاممي رقم 194.
لن يكسر الفلسطينيون مفتاح عودتهم
في 30 تشرين الأول 2024، تناولت الصحافة العبرية مقالاً للكاتبة الاسرائيلية عينات ويلف تلخص فيه حالة الرعب الاسرائيلي من المطالبة بحق العودة وابقاء وجود وكالة الاونروا، بعنوان: «بعد الآن، لن تكون إسرائيل «قبة حديدية» للأونروا، أشارت فيه إلى أنها عملت خلال عشرين عاماً «بطرق مختلفة في الكنيست، ومن خلال الكتب والمقالات والمحاضرات واللقاءات في البلد وفي الخارج»، كي تلقي الضوء «على الدور ‹المدمر› الذي تقوم به الأونروا من أجل إذكاء النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين، ومن خلال عملها تخلق شرعية غربية ودولية للأيديولوجيا الفلسطينية التي ترفض الصهيونية، ولا تعترف بوجود دولة إسرائيل وسيادة اليهود على أيّ أرض من النهر إلى البحر المتوسط»، وهو الإنكار الذي تجلّى «في الاختراع غير المسبوق لمفهوم اللجوء الذي لا أساس له، والمطالبة التي لا تنتهي بـ «حق العودة» إلى دولة أُخرى ذات سيادة»، معتبرة أنه «بفضل الأونروا واللجوء الذي لا نهاية له واختراع «حق العودة» كان من الممكن للعرب [الفلسطينيين]، تحت مظلة المال الغربي وتأييد الأمم المتحدة، الاستمرار في الاعتقاد أنهم لم يخسروا في حرب 1948، وسيأتي اليوم الذي سينتصرون فيه، ويحققون هدفهم في القضاء على السيادة اليهودية على أيّ أرض كانت».
وتعليقاً على قرار الكنيست بحظر عمل الأونروا، عبّرت «عينات ويلف» عن اعتقادها بأن «ما جرى تعبير مهم عن موقف الكنيست السيادي في مواجهة حكومة تعاني الجمود والضغوط، وأعتقد أنه بعد 7 أكتوبر، شعر أعضاء الكنيست بوجود إجماع واسع النطاق وسط الجمهور الإسرائيلي ضد الأونروا، وضد التعاون معها، وأن الحكومة تماطل، والمنظومة الأمنية تتصرف كأن شيئاً لم يتغير، ومن خلال هذه الفجوة، قام الكنيست بوظيفته».
وعينات ويلف هي باحثة في «معهد واشنطن» وفي «معهد سياسة الشعب اليهودي»، وكانت نائبة في الكنيست عن حزب العمل، وعملت ضابطاً في الاستخبارات، وقد ذاع صيتها قبل سنوات، بعد إصدارها كتاب بعنوان: «حرب العودة»، ظهر في تصميم غلافه مفتاح مكسور، وقدّرت فيه أن فكرة «حق العودة» للفلسطينيين أبقت الصراع «حياً لعقود طويلة من الزمن»، وأن جوهر الصراع «لا يتعلق بالحدود، أو بالسيادة، وإنما برفض وجود دولة يهودية». فمع أن العرب الفلسطينيين «فشلوا في هزيمة إسرائيل، إلا أن الطريق الوحيدة لاستكمال حربهم عليها كانت مطالبتهم بحق العودة». وفي هذه المواقف البسيطة، تبين عينات ويلف حقيقة الموقف الإسرائيلي، الذي يحظى بإجماع جميع الأحزاب الصهيونية، والذي يدل على أن الهدف من وراء استهداف وكالة الأونروا هو تصفية حق الفلسطينيين في العودة إلى وطنهم.
بيد أن الفلسطينيين، الذين ستزيد معاناتهم بعد حظر عمل الأونروا، لن يكسروا المفتاح، في أي حال من الأحوال، بل سيحافظون عليه بصفته رمزاً لحقهم في العودة، وهو الحق الذي أقرته الشرعية الدولية ولا يمكن لأي وطني فلسطيني أن يتخلى عنه. وهم قدموا تنازلاً كبيراً من أجل السلام، عندما ارتضوا قيام دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة، على قاعدة قرارات الشرعية الدولية، إلى جانب دولة إسرائيل.
ختاما ينبغي التأكيد على خطورة الاستهداف الاسرائيلي لوكالة الاونروا والتداعيات الخطيرة للقوانين الاسرائيلية ضد الوكالة، باعتبارها أحد الجسور الرئيسية التي يقوم عليها ويستند اليها حق العودة، الا ان ولاية الاونروا واستمرارها مضمون بارادة شعب فلسطين الصلبة والصامدة مهما طال الزمن، وبالشرعية الدولية والتصويت المتكرر في الجمعية العامة لصالح بقائها وفق ولايتها المنصوص عليها بالقرار الاممي رقم 302، فحق العودة حق ثابت وشرعي وقانوني تاريخي محمي ايضا بالقرار الاممي رقم 194، وهو ما يعني ان المعركة ستبقى لصالح اللاجئين وحق العودة والاونروا، وسوف يتم تجاوز هذا الاعتداء الاسرائيلي على الشرعية الدولية وصدقية المنظومة الدولية.