لإنقاذ السلم الأهلي والمشروع الوطني
خيارات المشاركة
المقالات
فؤاد بكر | مسؤول الدائرة القانونية في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
منذ اليوم الأول لإندلاع المواجهات في مخيم جنين بهذا التوقيت الحساس، والتي تطرح ألف علامة سؤال وسؤال، كم كانت مطالبنا موضوعية مقارنة بخطورة ما يحدث، والتي عنوانها وقف الاقتتال الداخلي، فتح حوار مجتمعي حفاظا على السلم الأهلي، وتطبيق مخرجات بكين التي اتفقت عليها الفصائل الفلسطينية بما فيها السلطة الفلسطينية.
مازالت السلطة الفلسطينية تتشبث بآرائها وتهيمن على القرار الأمني، حيث تحولت السلطة المنتهية ولايتها إلى سلطة أمنية، تقمع حتى المظاهرات السلمية، لتتهرب من استحقاقاتها الوطنية، والتي تفضل الموت البطيء، على تجديد شرعيتها، لأنها تعلم حجم المعارضة الكبيرة لسياساتها الداخلية، وتجاوزها للمرجعية الوطنية الفلسطينية والممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني والتي هي منظمة التحرير الفلسطينية.
وبدلا من أن تركز السلطة والأجهزة الامنية وتصب اهتماماتها بالدرجة الأولى ضد مخططات الضم والتهجير الاسرائيلية وامكانية حل السلطة بين الحين والاخر، ها هي تتفرغ اليوم لمواجهة جميع المعارضين لسياساتها، وتعتقل العشرات منهم، ولم تعد تحترم حتى أعضاء اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير الفلسطينية المعارضين لها، ولا تستوعب أن الخلاص الوحيد من مأزقها هو الايمان بقدرات شعبها، وتطبيق الحوارات الوطنية لما فيها مصلحة وطنية بالدرجة الاولى.
تحتج السلطة بأن ما يحصل في مخيم جنين هو خروج عن القانون، وهنا يبدأ الحوار الأصيل، عن أي قانون تتحدث، عن قوانين أوسلو التي سلبت حق الشعب الفلسطيني بالتعبير عن حقه بتقرير مصيره بالمقاومة المسلحة، ورهنت القضية الفلسطينية بمفاوضات تعتمد على الضعف بدلا من الاستناد على نقاط القوة؟ أم تتحدث عن بسط سيادة القانون فقط على أهالي مخيم جنين وتترك المستوطنين الاسرائيليين يعربدون في الاراضي المحتلة دون حسيب أو رقيب أو محاسبة؟ وهل من سلطة تحتاج الى تجديد شرعيتها بإجراء الانتخابات تستطيع أن تفرض سلطة القانون الذي يؤخذ بقرار منفرد من رئيسها، بعد حل المجلس التشريعي وعدم الالتزام بقرارات المجلس الوطني والمركزي، وبدون العودة الى مكونات الشعب الفلسطيني ومصالحه؟
متى ستستوعب السلطة أن مخيم جنين كسر شوكة جيش الاحتلال، وأن الحوار المجتمعي هو المخرج الوحيد لها، بعد أن وقعت بفخ لا تستطيع ان تخرج منه سالمة، والخوف من ان تمتد هذه المواجهات الى مخيمات أخرى في شمال الضفة الغربية، ولذلك لازلنا حريصين على السلم الأهلي وعدم الاحتكام الى السلاح، وفتح الحوار المجتمعي بين الاجهزة الامنية الفلسطينية والمقاومة في مخيم جنين، من أجل توحيد جهودها في مواجهة جيش الاحتلال ومستوطنيه ووقف التوسع في المستوطنات ومخطط الضم الاسرائيلي.
إن الاستمرار بحصار مخيم جنين أمر مرفوض، ولا يمكن القبول بإستيراد هذه الأفكار من سياسات الاحتلال الفاشية، التي تفرض حصارا على قطاع غزة، وأجزاء من الضفة الغربية، لقد ان الاوان للاحتكام الى ارادة الشعب الفلسطيني وحقه بتقرير مصيره.
أعلم أن هذا الكلام سيهاجم من المنتفعين من السلطة ماليا وسياسيا، لكنه في الوقت ذاته هو نصيحة وطنية قبل فوات الأوان، حيث انه لا يجب ان تلطخ الايادي بالاقتتال الداخلي، لأن التاريخ لن يرحم أحد، وعلينا الاحتكام الى لغة العقل والحوار لا الى لغة السلاح والتفرد وبسط الهيمنة التي لا تثمن ولا تغني من جوع.