فؤاد بكر: 8 إستراتيجيات مطلوبة لتجاوز الضعف الفلسطيني في القانون الدولي وتحقيق مكاسب سياسية

أكتوبر 31, 2024

حدّد الرفيق فؤاد بكر، رئيس الدائرة القانونية في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، 8 إستراتيجيات مطلوبة لتجاوز الضعف الفلسطيني في القانون الدولي وتحقيق مكاسب سياسية، مشددًا على أن معركة طوفان الأقصى مهّدت لطريق حقيقي حول المساءلة القانونية للاحتلال الصهيوني والتي غابت منذ أكثر من 76 عامًا.
وبيّن بكر في مقابلة مع فلسطين أون لاين أن الإستراتيجيات المطلوبة تبدأ بتوحيد الصف الفلسطيني تحت قيادة سياسية موحدة؛ لأن ذلك يعطي قوة قانونية وشرعية أكبر على الساحة الدولية.
وفي الإستراتيجية الثانية رأى أنه يمكن للسلطة الفلسطينية والفصائل الاستفادة من القوانين والمعاهدات الدولية لتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب، مما يعزز الضغط القانوني على «إسرائيل» ويقوي موقف فلسطين.
وأوضح أن الإستراتيجية الثالثة تتمثل في بناء تحالفات قوية مع دول داعمة للقضية الفلسطينية، خاصة في إفريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا.
وقال: هذه التحالفات يمكن أن تؤثر في القرارات الدولية في المحافل مثل الأمم المتحدة. كما أكد بكر ضرورة تعزيز الوجود الفلسطيني في المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة، مجلس حقوق الإنسان، واليونسكو لزيادة حضورها في المشهد الدولي، والعمل على تبني قرارات داعمة للحقوق الفلسطينية.
وفي الإستراتيجية الخامسة طالب بالسعي للحصول على اعترافات جديدة بدولة فلسطين، خاصة من الدول الأوروبية الكبرى، ودفع الدول التي لا تعترف بها بعد للاعتراف بها كدولة كاملة العضوية.
ودعا إلى دعم حملات المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS) التي تساهم في إضعاف الدعم الموجه للاحتلال.
وحث على الاستفادة من التأييد الشعبي العالمي، خاصة مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، لتسليط الضوء على معاناة الشعب الفلسطيني وكسب التعاطف والدعم الشعبي الدولي.
وفي الاستراتيجية الأخيرة أكد ضرورة تأهيل مختصين فلسطينيين في القانون الدولي لتكوين فريق متخصص للدفاع عن الحقوق الفلسطينية وتقديم مشروعات قانونية ودعاوى دولية بشكل مهني وقانوني يضمن تحقيق مكاسب فعلية.
وأشار الخبير القانوني إلى أن الثورة الفلسطينية في بداياتها اهتمت في الكفاح المسلح وأهملت الجانب القانوني، وهذا بالتأكيد له أسبابه التاريخية والموضوعية، نتيجة عدم الاعتراف الدولي حتى بمنظمة التحرير في بداية الامر، وهنا يتحمل مسؤوليته النظام العربي الرسمي، إضافة إلى بعض الفصائل الفلسطينية التي تستخف بالمقاومة القانونية، وتعتبرها مضيعة للوقت.
واستدرك بالقول: بالتأكيد، نحن لا نقول إن القانون وحده سيحرر فلسطين، ولكنه باب لتعرية من يدافع عن اسرائيل ويدعي تطبيق حقوق الانسان، اضافة كونه يعطي غطاء شرعيا للمقاومة المسلحة والنضال بكل أشكال الوسائل المتاحة في سبيل التخلص من الاستعمار والعنصرية، حيث ان في فلسطين يتواجد النظامين معًا.
نظام دولي داعم لـ «إسرائيل»
وبيّن أنه في المسائل القانونية والدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني امام المنظمات الدولية والمحاكم الدولية، فإننا لا نواجه فقط «إسرائيل»، بل نواجه منظومة دولية كبيرة داعمة لـ «إسرائيل» على جميع المستويات السياسية، العسكرية، الاقتصادية.
وقال: خلال تجربتنا، تقدم أكثر من مرة إلى المحاكم لمعاقبة مجرمين «إسرائيليين» وتم تغيير القوانين كما حصل في محكمة بلجيكا الجنائية عندما رفعت دعاوى ضد شارون بعد ارتكابه مجزرة صبرا وشاتيلا.
وأكد أن هيئات الدفاع والمحامين المدافعين عن الشعب الفلسطيني يمتلكون كل الإثباتات والأدلة، وليسوا ضعفاء على الاطلاق، وجميع المستندات والأدلة موثقة بالصوت والصورة، وما ينقصهم هو الدعم السياسي المغيب نسبيا من بعض الدول العربية أولًا، والدول الأوروبية والأميركية، زيادة على ذلك الضغط الشعبي الذي رأيناه يتصاعد في أوروبا وأميركا حاليا، ولكنه للأسف إلى الآن لم ينجح للضغط على الحكومات المؤيدة لـ «إسرائيل» وما ترتكبه من إبادة جماعية في قطاع غزة.
قصور المرجعية الفلسطينية الرسمية
وعن تقييمه لدور المرجعية السياسية الفلسطينية الرسمية والحزبية في ملاحقة مجرمي الحرب «الإسرائيليين»، أشار إلى محاولات تقوم بها السلطة الفلسطينية وسرعان ما تتراجع عنها بسبب الضغوطات السياسية والمالية التي تواجهها من الداعمين.
ودلّل على ذلك بقضية نقل السفارة الاميركية الى القدس، والتي تقدمت بها السلطة الفلسطينية الى محكمة العدل الدولية، وسرعان ما جمدت لإحالتها الى المفاوضات بين السلطة والولايات المتحدة الاميركية.
وأكد أن هناك محاولات رسمية من بعض الانظمة تكون فقط إعلامية لتكسب الرأي العام، ولم تحرك ساكنًا أو حتى دعمت ماليًا أي فريق قانوني يعمل على أي ملف حقوقي يمكنه ان يضع «إسرائيل» وقياداتها بقفص الاتهام، وهناك بعض الفصائل الفلسطينية لازالت تواجه الجهد القانوني وتعتبره مضيعة للوقت، ولا تقبل حتى بقرارات الشرعية الدولية.
لماذا لا تنجح محاكمة «إسرائيل»؟
ويعزو بكر عدم نجاح جهود إدانة مجرمي الحرب «الإسرائيليين» طوال عقود في المحاكم الدولية والوطنية إلى عدة أسباب منها: أولًا أنها تحتاج الى نفس طويل، وتستغرق لعدة سنوات، وعادة ما تميل السلطات الرسمية الى الحل السريع من اجل ايجاد تسوية سياسية، وتطوي كل الملاحقات القانونية.
كما أشار إلى أن كلفة رفع الدعاوي وتعيين محامين باهظ الثمن، وفيها عدة معرقلات إذا تم التوجه الى محاكم اوروبية حيث يشترط أن يكون المحامي حاملا لجنسية الدولة المعنية.
وذهب إلى أنه ليس هناك إرادة سياسية حقيقية من العديد من الأنظمة الرسمية من محاسبة «إسرائيل»، وتريد تسليط الضوء الإعلامي فقط، إضافة إلى أن المناخ الذي يسيطر على بعض المنظمات الدولية من الهمينة الاميركية وبعض الدول الداعمة لـ»إسرائيل» هو أبرز المعيقات للتقدم بالمسألة القانونية، والتجربة على ذلك تؤكد صحة هذا الحديث. وأشار إلى أن بعض الدول تمارس الضغوطات حتى على أعضاء المنظمات الدولية مثل تقييدات في العمل، عدم الموافقة الادارية على تقديم تقرير وعدم إعطاء موازنة كافية له، فرض عقوبات على الموظفين الدوليين.
ومع ذلك يشير القانوني بكر إلى أن هناك دولًا كثيرة مناصرة للقضية الفلسطينية، وكل دولة تدعم بما تراه مناسبًا، على سبيل المثال هناك دول تدعم المقاومة الفلسطينية المسلحة وتعتبر أن مواجهة الاحتلال هو الأهم في الوقت الراهن، وهناك دول تدعم ماليًا واقتصاديًا وتعتبر أن صمود الشعب الفلسطيني هو بحد ذاته هزيمة للمشروع الصهيوني، وهناك دول تدعم سياسيًا من خلال جامعة الدول العربية، موقعها في مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة.
وأضاف: هناك دول مثل جنوب افريقيا حديثا، قدمت ضد اسرائيل دعوى لخرقها اتفاقية المنع الابادة الجماعية والمعاقبة عليها، اضافة الى بعض الدول الاعضاء في نظام روما الاسي للمحكمة الجنائية الدولية الذين تقدموا بمذكرات لتحرك المدعي العام في المحكمة.
المحكمة الجنائية الدولية
وأشار إلى أن المحكمة الجنائية الدولية تواجه العديد من الضغوط وأولها قانون الكونغرس الأميركي الذي فرض عقوبات على موظفين المحكمة وأصدر قرارا باقتحام مقر المحكمة في حال اصدرت مذكرة التوقيف، اضافة الى الابتزاز المالي الذي تمارسه بعض الدول الأوروبية التي تمول المحكمة.
وقال: هنا نعود إلى كلمة المبعوث الأميركي الذي حضر صياغة نظام روما الاساسي عام 1998، وعدل 64 بندا منه وبعد أن أفرغه من مضمونه، وقبول الدول بالتعديلات لجعل الولايات المتحدة الاميركية طرفا به، وبعد أن رفضت هي و«إسرائيل» التوقيع عليه عام 2002 ليدخل حيز النفاذ، قال حينها سيكون مصير المحكمة كمصير عصبة الأمم عندما رفض الكونغرس الاميركي التوقيع عليها.
ومن بين مجمل المعرقلات التي تواجه المحكمة – وفق بكر- هو إمكانية تجميد مجلس الأمن عمل المحكمة في قضية معينة لمدة سنة قابلة للتجديد، وهذا ما يضعف مصداقية المحكمة ويجعلها تفكر عشرة مرات قبل أن تصدر أي قرار.
وانتقد تقاعس منظمة التحرير الفلسطينية في تفعيل الاتفاقيات القانونية للدفاع عن الفلسطيني في وجه العدوان، مشيرًا إلى أن هذه المهمة تولتها وزارة الخارجية التابعة للسلطة الفلسطينية.
وقال: دور منظمة التحرير يجب ان يكون اساسيا في ذلك، حتى ان اتحاد الحقوقيين في منظمة التحرير الفلسطينية دوره مغيب اطلاقا، وليس هناك اجتماعات للامانة العامة له منذ اكثر من عشرة سنوات، ويقتصر دوره على حضور الاجتماعات التي يعقدها اتحاد المحامين العرب، وبعض الاتحادات الدولية، حيث ان هناك قرار سياسي لتجميد الاتحادات الوطنية في منظمة التحرير ولاسيما اتحاد الحقوقيين، بحجة عدم وجود موازنات كافية له.
فشل العالم في اختبار حقوق الإنسان
وشدّد على أن الإبادة الجماعية «الإسرائيلية» في غزة أظهرت فشل النظام الدولي في تطبيق حقوق الانسان ولم تفشل اتفاقيات حقوق الانسان التي وصلت لها البشرية بعد حرب عالمية ثانية أودت بحياة مئات الآلاف، ولذلك نحتاج إلى نظام عالمي جديد يطبق الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الانسان، والقانون الدولي الإنساني.
وقال: استخدم النظام العالمي الحالي حقوق الإنسان للتدخل في الشؤون الداخلية لدول العالم الثالث، ولا يريد أحد أن يحاسب أي دولة لاعبة أو أساسية في هذا النظام الحالي لمعاقبتها في حال أخلت بالاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وهذا ما يظهر خلال اعتقال الناشطين الأوروبيين المناصرين للقضية الفلسطينية في الدول الأوروبية والأميركية من خلال قمع حرية الرأي والتعبير التي طالما تغنت بها هذه الدول.