قرار الكنيست بحظر عمل الاونروا امتحان جديد للأمم المتحدة

أكتوبر 29, 2024

عندما أصدر قرار الكنيست الاسرائيلي بحظر عمل الاونروا وتشغيل مكتبها التمثيلي او تقديم اي خدمة والقيام بأي نشاط بشكل مباشر او غير مباشر في أراضي دولة «إسرائيل»، يطرح علينا تساؤلات ما أبعاد هذا القرار على الصعيد القانوني، ومن المسؤول عن مواجهة هذا القرار؟ كون ان المقصود في هذا القرار هو حظر عمل الاونروا في المناطق الخاضعة تحت السيطرة الاسرائيلية، وتحديدا مقر الاونروا في القدس الشرقية التي ضمتها إسرائيل، ولاحقا الضفة الغربية وقطاع غزة، وبعدها في لبنان والاردن وسوريا اذا تم تمرير هذا القرار دون اجراءات عملية تفرض عمليا بقاء الاونروا، الامر الذي يهدد ملايين اللاجئين الفلسطينيين، ويدفع نحو الغاء الاونروا وتصفية القضية الفلسطينية وحق عودة اللاجئين الى ديارهم بموجب القرار 194 لاحقا.
خلفية القرار
تحاول اسرائيل من خلال هذا القرار تكريس سيادتها على القدس، لاسيما بعد رفض الامم المتحدة الاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل، وقرار محكمة العدل الدولية الذي صدر مؤخرا والذي اعتبر ان الاحتلال الاسرائيلي في الاراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 بما فيها القدس الشرقية هو احتلال غير قانوني ويجب انهاؤه، كما يساهم ذلك في تقويض حق العودة للاجئين الفلسطينيين، وهذا يعني تحديا صريحا للأمم المتحدة، يؤجج التوتر مع الدول الاوروبية المانحة والممولة للأونروا، حيث انها ستختار اما دعم اسرائيل، واما دعم الاونروا، ومن شأنها أيضا زيادة التوترات مع الشعب الفلسطيني في القدس، مما يؤدي الى تدهور وضعهم الانساني، ويشعل الاحتجاجات والمواجهات مع جيش الاحتلال الاسرائيلي.
لا تعد الاونروا مجرد وكالة اغاثية انسانية، بل تعد رمزا للهوية الفلسطينية ولمطالبة الشعب الفلسطيني بحقه في العودة، وهذا ما يؤثر بحفاظ الشعب الفلسطيني على هويته الوطنية، ولهذا تعتبر اسرائيل ان بقاء الاونروا يساهم في تعزيز قضية اللاجئين التي تعتبرها خطرا وجوديا بالنسبة إليها، بينما هي قضية حق ومن الحقوق غير القابلة للتصرف المنصوص عليها في قرارت الشرعية الدولية والاتفاقيات الدولية.
التحريض الاسرائيلي على الاونروا
يتخذ التحريض الإسرائيلي على الأونروا أشكالاً متعددة، ويمثل محاولة للضغط على المنظمة بهدف تقليص أو إنهاء دورها، خاصةً في القدس الشرقية وقطاع غزة. ويأتي هذا التحريض نتيجة لعدة عوامل سياسية وأيديولوجية، وهو جزء من استراتيجية تهدف إلى تهميش قضية اللاجئين الفلسطينيين وتقليل الدعم الدولي لهذه القضية، ومن اشكال هذا التحرض:
• اتهام الأونروا بدعم «الإرهاب»: حيث تتهم إسرائيل الأونروا بالتساهل مع جماعات المقاومة الفلسطينية، وحتى بدعمها، وزعمت أن بعض موظفي الأونروا لديهم ارتباطات بمجموعات فلسطينية مسلحة، أو أن منشآت الأونروا تُستخدم لتخزين أسلحة أو كقواعد لأنشطة عسكرية. دون ان تستند إسرائيل الى اي دليل لتعزيز سردية أن الأونروا تعمل كغطاء «للإرهاب»، والدليل على ذلك اللجان الدولية التي شكلت من عدد كبير من الدول والتي أكدت على عدم صحتها.
• الضغط على الدول المانحة لوقف التمويل: تضغط إسرائيل بشكل مستمر على الدول المانحة، وخاصةً الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، لوقف دعمها المالي للأونروا، بحجة أن المنظمة تساهم في «تكريس الصراع» عبر دعمها للاجئين الفلسطينيين وتعليمهم عن حق العودة. وقد حققت إسرائيل نجاحاً في هذا الجانب عندما قامت إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بوقف تمويلها للأونروا، مما سبب أزمة مالية كبيرة للوكالة.
• اتهام الأونروا بتعزيز «حق العودة» الفلسطيني: ترى اسرائيل أن الأونروا تلعب دوراً محورياً في الحفاظ على الهوية الفلسطينية، وتخشى من أن استمرار المنظمة في تقديم الخدمات للاجئين يرسخ مطلب حق العودة، الذي تعتبره إسرائيل تهديداً ديموغرافياً. لذا، تتهم إسرائيل الأونروا بأنها تزرع مفاهيم «معادية» للدولة الإسرائيلية من خلال مناهجها الدراسية التي تعلّم الطلاب الفلسطينيين حول قضايا الأرض والهوية.
• التشكيك في الشفافية المالية للأونروا: تسعى إسرائيل إلى تشويه سمعة الأونروا عبر الادعاء بأنها تُدار بطريقة غير شفافة وتستغل الأموال الدولية بشكل غير فعال. وتستخدم إسرائيل هذه الاتهامات لتحفيز الدول المانحة على مطالبة الأونروا بتقارير مالية دقيقة، ولتخويف الممولين من التورط في دعم منظمة تتهم بالفساد وسوء الإدارة.
• محاولة تغيير وضع الأونروا دولياً: تحاول إسرائيل الضغط على الأمم المتحدة لإعادة النظر في تفويض الأونروا أو لتغيير تعريف اللاجئ الفلسطيني، بحيث يتم تقليص أعداد اللاجئين الذين تتولاهم الأونروا. حيث ان اسرائيل ترى أن استمرار الأونروا في تقديم خدماتها يطيل أمد قضية اللاجئين ويحول دون التوصل إلى حل دائم للقضية، فتسعى لتحجيم أو إنهاء دور الوكالة.
• إثارة الرأي العام ضد الأونروا: تسعى إسرائيل لتوجيه الرأي العام، خاصة في الدول الداعمة للأونروا، ضدها عبر الترويج لقصص سلبية حولها في وسائل الإعلام، وتشجيع نشر تقارير عن «خطورة» وجود الأونروا كعامل في استمرار الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.
نقاط قانونية جوهرية
ان منع الاونروا كمنظمة دولية تابعة للامم المتحدة من ممارسة عملها الانساني والاغاثي للاجئين الفلسطينيين ودعم حقهم لاسيما في مجال الصحة والتعليم، يعتبر تقييدا لحقوق الانسان، كما ان حظر اسرائيل لعمل الاونروا هو انتهاك لالتزاماتها الدولية، حيث وافقت جميع الدول الاعضاء في الامم المتحدة بما في ذلك اسرائيل على تفويض الاونروا، ويشمل هذا التفويض تقديم المساعدات للاجئين الفلسطينيين في الاقاليم الخمسة بما في ذلك القدس الشرقية، وبما ان الامم المتحدة لم تعترف بالقدس عاصمة لاسرائيل، فإن حق الاونروا العمل في الاراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 بما في ذلك القدس الشرقية معترف به دوليا، وحظر نشاطها يعتبر غير قانوني وفقا للقانون الدولي.
وانطلاقا مما سبق، فإن هذا القرار يعد خرقا لاتفاقيات جنيف والقانون الدولي الانساني الذي يحظر الدولة المحتلة تغيير الوضع القانوني او الديمغرافي للاراضي المحتلة، كما ان للمدنيين في هذه المناطق حقوق انسانية يجب حمايتها، ومن ضمنها حقهم في الوصول الى الصحة والتعليم والاغاثة التي تقدمها الاونروا، كما ان تقويض عمل الاونروا يعني تراجع اسرائيل عن التزاماتها التي قبلت بتفويض الاونروا بناء على القرار 302 الصادر عن الجمعية العامة للامم المتحدة عام 1948.
كما انتهكت اسرائيل من خلال هذا القرار مبدأ عدم التمييز، الذي يُعد أحد المبادئ الأساسية في القانون الدولي لحقوق الإنسان، حيث ان اللاجئين الفلسطينيين في القدس الشرقية يُحرمون بذلك من الخدمات ما يُعد تمييزاً على أساس الهوية والعرق، ويثبت ان اسرائيل دولة فصل عنصري، والتي هي جريمة ضد الانسانية.
ما العمل اذا؟
مواجهة قرار الكنيست الاسرائيل من خلال الاطر القانونية يكون من خلال اللجوء الى محكمة العدل الدولية اما بطلب من الجمعية العامة للامم المتحدة لاصدار فتوى استشارية، واما بتقديم أي دولة كاملة العضوية في الامم المتحدة شكوى ضد اسرائيل لعدم التزامها بتفويض الاونروا التي وافقت عليه عام 1948، ومحاولتها لتغيير الوضع القانوني للقدس الشرقية والاراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، التي اكدت عليها محكمة العدل الدولية في قرارها الاخير، كما يمكن اللجوء الى المحاكم الوطنية الاوروبية من خلال المنظمات الدولية لادانة هذا الحظر، وفرض عقوبات على اسرائيل وتمنع الدول الدول الاوروبية من الدعم المالي لاسرائيل.
بما في ذلك، اللجوء الى مجلس حقوق الانسان ودعوته لانشاء لجنة تحقيق دولية واصدار تقارير تدين حظر عمل الاونروا في القدس الشرقية، ووضع اسرائيل تحت الرقابة الدولية المشددة، وتضغط من اجل سحب هذا القرار وعدم الاعتراف به، وايجاد غطاء دولي وقانوني لاستكمال عمل الاونروا في القدس الشرقية.
ويجب ايضا التنسيق مع الدول المانحة للاونروا لتشغيل ضغط دبلوماسي على اسرائيل، واصدار مشروع قرار يقدم للجمعية العامة للأمم المتحدة لاعادة النظر في قرار الكنيست الاسرائيلي، لتأكيد دعمها لاستمرار عمل الاونروا وزيادة تمويلها والتأكيد على ولايتها بالقدس الشرقية.
خلاصة:
ان هذا القرار لا يعني فقط القدس الشرقية، وانما جميع الاراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 ووضعها تحت الاستهدافات، ولاحقا عمل الاونروا ايضا في لبنان، والاردن وسوريا، مما يمهد لاقامة اسرائيل الكبرى والشرق الاوسط الجديد الذي تسعى له الولايات المتحدة الاميركية جاهدة، والتي هي أبرز اهداف اسرائيل في هذه الحرب التي تشنها على قطاع غزة ولبنان.
كما ان تهجم اسرائيل على الاونروا هو تهجم جديد على الامم المتحدة وليس فقط على القضية الفلسطينية، لان الاونروا هي منظمة دولية تابعة مباشرة للامم المتحدة، وبالتالي الدفاع عنها هو دفاع على كل منظمات الامم المتحدة التي تطاولت عليها اسرائيل، بدءا من الامين العام انطونيو غوتيريش الذي منعته من دخول اسرائيل، وقبل تمزيق ميثاق الامم المتحدة من قبل ممثل اسرائيل في الامم المتحدة.
ان استمرار اسرائيل في هذه السياسة قد اساء الى سمعة الامم المتحدة واعضائها التي لم تحرك ساكنا الى اليوم، لمواجهة هذه السياسات العنصرية، والتهجم على موظفيها، وقتل العشرات منهم سواء كان في غزة او لبنان، واذا لم تكن الامم المتحدة قادرة على حماية منظماتها فكيف ستكون اذا قادرة على حماية حقوق الشعب الفلسطيني؟