لبنان يفاوض تحت وقع القصف والانفجارات
خيارات المشاركة
المقالات
أسامة خليفة | باحث في المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات «ملف»
تواصل إسرائيل عدوانها على لبنان، وتتصاعد حدّة المواجهة العسكرية بين إسرائيل وحزب الله، مما استدعى التفتيش عن القديم من أجل حل للوضع الجديد، في العودة إلى قرار صدر منذ أكثر من ثمانية عشر عاماً، وعاد إلى الواجهة من جديد، يرى البعض في قرار مجلس الأمن الدولي «1701» أنه ما زال صالحاً لإيقاف الحرب، مع بعض التعديل يقال إنها منعاً للانزلاق للحرب مرة أخرى، ولكن في التعديل والتفاصيل يكمن الشيطان.
تسعى الولايات المتحدة للتوصل إلى اتفاق على وقف الحرب على جبهة الجنوب اللبناني بمعزل عن الحرب على غزة، على أن مستقبل لبنان وربطه بالنزاعات لا يمكن أن يكون في مصلحة اللبنانيين، في إشارة إلى ربط حزب الله وقف إطلاق النار على الحدود اللبنانية بوقف الحرب على غزة، وانسحاب الجيش الإسرائيلي من القطاع. إلا أن تنفيذ القرار «1701» المعدل وفق الشروط الإسرائيلية لن يقبل بها أحد من اللبنانيين.
حمل الورقة الإسرائيلية إلى لبنان كبير مستشاري الولايات المتحدة لأمن الطاقة العالمي، عاموس هوكشتاين، حيث لقيت الرفض من قبل المسؤولين اللبنانيين، وكل التوقعات تشير إلى أن مهمة هوكشتاين لن تنجح لأن هناك رفضاً تاماً للمقترح الذي جاء به إلى لبنان. ووُصفت ورقته بأنها عرض استسلام فهي تمس السيادة اللبنانية، وقبول المطالب التي نقلها المبعوث الأميركي تعني لأي دولة رفع راية الاستسلام، والإقرار بالهزيمة، وإملاء لشروط المنتصر.
تظن إسرائيل أن نجاحها في اغتيال الشخصيات القيادية على أعلى مستوى قد حققت النصر الذي يجعلها تفرض شروطها، وقد قدمت إسرائيل للولايات المتحدة وثيقة مبادئ بشأن شروطها للتوصل إلى حل دبلوماسي لإنهاء الحرب في لبنان. وكأنهم لم يفهموا المعنى المتضمن في مقولة السيد حسن نصر الله « بيننا وبينكم الأيام والليالي والميدان». أما التفاوض فقد أصبح تجربة وفكراً يتلخص في العبارة « ما لم يؤخذ منا بالنار لن يؤخذ بالسياسة».
فشل المفاوضات يضع المنطقة أمام مرحلة انتظار جولة جديدة من العنف الإسرائيلي، هوكشتاين يهدد بأن لبنان ليس في موقع يمكّنه من النقاش كثيراً، وأن عدم أخذه بالمقترح المعروض يعني أن الحرب ستتواصل وستكون أكثر قساوة. وكان هوكشتاين قد سبق وحذّر في زيارته في 14 آب/أغسطس المسؤولين اللبنانيين من أنه لم يبق وقت لإضاعته قبل التوصل إلى وقف لإطلاق نار. الموفد الاميركي جاء ليفاوض تحت النار مهوّلاً وراغباً في بث الرعب، وكان واضحاً فيما قاله بأن بلاده واسرائيل ترفضان العودة الى القرار «1701» بصورته القائمة حالياً، وأن هذه الصيغة باتت من الماضي».
وقد ترافق تهديد المبعوث الاميركي مع غارات وحشية استهدفت مباني سكنية في الضاحية الجنوبية والبقاع والجنوب، رغم ذلك حزب الله لا يجد أن اسرائيل في وضع يمكنها من فرض الشروط التي يحملها هوكشتاين.
في ظل حراك دبلوماسي من أجل وقف التصعيد في لبنان، أكد المبعوث الأمريكي الخاص إلى لبنان عاموس هوكشتاين الاثنين 21/10/2024 العمل للتوصل إلى صيغة تنهي هذا الصراع فوراً وإلى الأبد، لكنه قال إن الالتزام بالقرار «1701» ليس كافياً لوضع حد للنزاع الراهن بين الطرفين، مضيفاً أنه في حين «يظل القرار أساساً لإنهاء الصراع، فهناك حاجة إلى اتخاذ تدابير إضافية لضمان تنفيذه بشكل عادل ودقيق وشفاف».
يقضي التعديل الإسرائيلي على القرار الأممي «1701» توسيع المنطقة العازلة من الحدود الجنوبية إلى شمالي نهر الليطاني، بمسافة عدة كيلومترات، على الأقل 2 كيلومتر، والسماح بتدخل عسكري إسرائيلي للتأكد من خلو الجنوب من سلاح حزب الله، والتدخل الجوي الدائم للمراقبة والإنذار المبكر، ومنع أي وجود مسلح في المناطق اللبنانية القريبة من هذه الحدود. وأن تزيد عديد قوات الجيش اللبناني المفترض نشرها في تلك المنطقة، وكذلك زيادة كبيرة في عديد القوات الدولية العاملة ضمن قوات حفظ السلام «اليونيفل»، وتوسيع صلاحياتها، بحيث تشمل مهام القوات الدولية الحق في تفتيش أي نقطة أو مركبة أو موقع أو منزل يشتبه بأن فيه أسلحة، والحق في القيام بدوريات مفاجئة الى أي منطقة في نطاق عمل القرار من دون الحاجة الى أذن من السلطات اللبنانية، وأن يكون بمقدور القوات الدولية إطلاق عملية مسح متواصلة من خلال المسيّرات فوق كل المناطق التي يشملها النطاق الجغرافي للقرار، وفي حال قررت الدخول الى ممتلكات خاصة، فان لها الحق في ذلك، لكن بالتعاون مع الجيش اللبناني. كذلك توسيع نطاق عمل قوات الطوارئ الدولية لتشمل السواحل اللبنانية من الجنوب الى الشمال، بما يشمل المرافئ اللبنانية، والحق في التدقيق في هوية السفن المتجهة إليها، خصوصاً إلى المنطقة التي تنتشر فيها القوات الدولية. وكذلك نشر فرق مراقبة في المطارات المدنية العاملة أو المقفلة، ونشر أبراج مراقبة ونقاط تدقيق على طول الحدود البرية للبنان مع سوريا من عكار شمالاً الى البقاع الغربي وراشيا جنوباً.
يرفض لبنان رفضاً مطلقاً انتشار القوات الدولية، أو أي قوات أجنبية، على طول الحدود مع سوريا، وهو أمر يناقض السيادة اللبنانية، ويخالف طبيعة العلاقات بين لبنان وسوريا، التي يقول الدستور اللبناني أنها علاقات مميزة.
كل ذلك من إجراءات التنفيذ يتم تحت إشراف جهة لم تُحدد من هي، وعلى الأغلب المقصود أن يكون هناك إشراف أميركي وبريطاني على كل آليات عمل القوات الدولية، وهو أمر ترفضه المقاومة بشكل رئيسي، لأن الإشراف من قبل هذه الدول على وجه التحديد، يعني أنه إشراف تلقائي من جانب العدو الإسرائيلي.
كل ذلك يطبق على الجانب اللبناني في إجراءات أحادية في هذه الجهة، دون البحث في سبل وقف الخروقات الإسرائيلية، وقد سبق لإسرائيل خرق بنود من القرار «1701»، حيث دوّنت قوات الأمم المتحدة أكثر من 30 ألف خرق اسرائيلي منذ العام 2006. منها: لم تحترم الخط الأزرق وانتهكت الحدود الجوية والبحرية للبنان، وعدم الانسحاب الكامل من الأراضي اللبنانية حيث أبقت على احتلال الجزء الشمالي من قرية الغجر ومزارع شبعا وتلال كفرشوبا.
لبنان لا يمانع التعديل من حيث المبدأ، لكنه يعتبر أن على الأمم المتحدة تقديم آلية جديدة تضمن لمرة نهائية وقف كل أنواع الخروقات الاسرائيلية، البرية منها والبحرية والجوية، ولبنان هو أحوج لضمانات تمنع أي نوع من الاعتداءات الاسرائيلية، وأن أي آلية جديدة يجب أن تقدم خطوات متماثلة على جانبي الحدود بما يضمن عدم حصول خرق للقرار.
الموفد الرئاسي الاميركي عاموس هوكشتين أجرى اتصالات مكثفة مع الجانب الاسرائيلي قبل قدومه إلى بيروت، وقد تبلّغ من المسؤولين في تل أبيب بأنهم ليسوا في وارد السير في أي اتفاق لا يلبّي شروطهم، وأنه لا وقف لإطلاق النار قبل اتفاق كامل. بل وصلت مطالب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو إلى إحداث تغيير أمني وسياسي في لبنان، للسماح للإسرائيليين النازحين بالعودة بأمان إلى مستوطناتهم في شمال فلسطين المحتلة. وطالب بتعديل نص مقدمة القرار «1701» لجعله قراراً «يهدف الى إحلال السلام على الحدود بين لبنان وإسرائيل ومنع أي وجود مسلح في المناطق اللبنانية القريبة من هذه الحدود»، على حد تعبيره.
وعلى الأغلب المقصود بمقدمة القرار هو ما جاء فيه حول ترحيب مجلس الأمن « بالجهود التي بذلها رئيس وزراء لبنان والتزام حكومة لبنان، الـذي يتجلـى في خطتـها المؤلفـة مـن سـبع نقـاط، لبـسط سـلطتها علـى أراضـيه، مـن خـلال قواتهـا المـسلحة الــشرعية، بحيــث لا يكــون هنــاك ســلاح دون موافقــة حكومــة لبنــان ولا ســلطة غــير ســلطة حكومـة لبنـان، وإذ يرحـب أيـضا بالتزامهـا بنـشر قـوة للأمـم المتحـدة مـستكملة ومعـززة مـن حيث العدد والمعدات والولايـة ونطـاق العمليـات، وإذ يـضع نـصب عينيـه مـا طلبتـه في هـذه الخطة من انسحاب القوات الإسرائيلية انسحاباً فورياً من جنوب لبنان»، حيث اعتبر لبنان أن قوات حزب الله هي قوات شرعية، وسلاحها يحظى بموافقة حكومة لبنان، وأن حزب الله هو جزء من الحكومة اللبنانية.