في ذكرى الرحيل… إسماعيل هنية … قائد لا تغيب ذكراه عن الشعب

أغسطس 25, 2024

[ في العاصمة القطرية، الدوحة، وتلبية لنداء الدم الزكي، في تشييع القائد الوطني الكبير، رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية – حماس إسماعيل هنية، ورفيقه الوفي وسيم أبو شعبان، إجتمع قادة فصائل المقاومة والعمل الوطني الفلسطيني، تحت وطأة الحدث الجلل، الذي هزّ أركان العالم، وكانت له تداعياته الكبرى، وما زالت، في أكثر من مكان:]
بين لقائين، يفصل بينهما أكثر من ثلاثة عقود من الزمن الفلسطيني، أولهما في «مرج الزهور» – جنوب لبنان، وآخرهما في الدوحة، وبينهما لقاءات عدة، إمتدت من غزة إلى إيران، مروراً بلبنان، لم يكن يخطر ببالنا، أن الدوحة ستشهد مصابحتنا الأخيرة، بعد أن جمعنا لقاء عمل لبضعة أيام، لنعود ونلتقي، بعد أيام قليلة إلى جانب وفود غفيرة، ضمت قيادات ورجالات وشخصيات، من أربع جهات الأرض، تجمعت تحت ظلال نعشه، ونحن نودعه إلى مثواه الأخير، شهيداً في عملية إغتيال جبانة، خططت لها ونفذتها حكومة العدو.
في 31/7/2024، إغتالته يد الفاشية والغدر الإسرائيلية، يدفعها إلى ذلك حقد دفين، فقد اعتبرته هو، وما يمثل من موقع قيادي ومن قيم كفاحية، وكل من يمت إليه بصلة، عدواً لها، فاغتالت أبناءه وأحفاده وإخوانه وشقيقته، ثم اغتالته هو؛ غير أن ذلك لم يشفِ غليلها، فأصرت على تدمير منزله في مخيم الشاطيء، ثم استكملت حقدها باغتيال مرافقيه السابقين في قطاع غزة، وكأن إسرائيل تحاول أن تنتقم منه، بأكثر الأساليب وحشية وهمجية.
باستشهاد القائد الوطني الكبير إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية – حماس، نكون قد فقدنا أخاً وصديقاً ورفيقاً ومجاهداً صلباً، أفنى زهرة العمر في خدمة شعبه وقضيته وحقوقه الوطنية المشروعة، كما كَرَّسَها في خدمة حركته، وكان شديد الإخلاص والتواضع في أدائه السياسي النضالي، وصار رمزاً من أهم رموز شعبنا، وحركته الوطنية.
إتسم بروح الحوار، والمرونة التكتيكية على خلفية صلابة مبدئية متأصلة، يضع مصالح شعبه في مقدمة إهتماماته، قدم فلذات أكباده وأقرباءه، شهداء في خضم النضال والصمود في قطاع غزة، في سياق حرب الإبادة الجماعية لدولة الإحتلال الفاشي، وما استهداف العدو الوقح للقائد البارز أبو العبد في مقره بالعاصمة الإيرانية طهران، إلا محاولة للنيل من معنويات شعبنا وصموده وصلابته، غير أن المباديء التي زرعها الراحل والشهيد الكبير، في صفوف أبناء شعبنا الفلسطيني، جعلت من استشهاده، رغم الخسارة التي لا تعوض، محفزاً تاريخياً للإرتقاء بأساليب النضال والمقاومة، وتصعيد الكفاح بكل أشكاله، لا من أجل أن يدفع العدو الثمن فحسب، وهو حتماً دفع وسيدفع الثمن غالياً، بل ولتحقيق ما كان يصبو القائد الراحل إليه: تعزيز الوحدة الوطنية، واستعادة الوحدة الداخلية، وتصعيد المقاومة، وطرد الاحتلال، وتحرير الأرض، وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، وعودة اللاجئين إلى الديار والممتلكات.
إن استشهاد القائد الوطني الكبير أبو العبد، يؤكد مرة أخرى أن معركتنا مع العدو، هي حرب المصير، حرب الحاضر والمستقبل، يخوضها شعبنا، وقواه السياسية، ومقاومته الباسلة في كل مكان، وبكل الأشكال والأساليب، وأنَّ لا تراجع عن أهدافنا التي تغمست بالدم الطاهر لشهداء شعبنا، وأنَّ لا مساومة على أهداف شعبنا وحقوقه، وإذا كان العدو يريدها حرباً وجودية، فإن شعبنا الذي «نما وتطور على أرض الرسالات السماوية إلى البشر، عبر علاقة عضوية، لا انفصام فيها ولا انقطاع بينه وبين الأرض والتاريخ»؛ شعبنا على إستعداد كامل لأن يخوض هذه المعركة حتى فصلها الأخير، الذي تُكسَر فيه شوكة الاحتلال والعدوان، وشوكة المشروع الصهيوني، وتتحقق كامل أهدافنا في الحرية والإستقلال، وتنتصر فيها سرديتنا بحقيقتها العابرة للزمان.
إغتيال إسماعيل هنية، لم يشكل نصراً لإسرائيل، أو للولايات المتحدة، بل على العكس من ذلك، أنتج حالة من القلق العميق في أوساطهما، وتسبب بإرباك شديد.
أدركت إسرائيل كما الولايات المتحدة، حجم الزلزال الذي تسببت في إحداثه، وحجم الهزات الارتدادية التي سوف تصارع ضدها.
تُرى، أي رجل هذا، الذي تحسب حسابه واشنطن، كما تل أبيب، شهيداً، أكثر مما كانت تخافه حياً وقائداً.
هذه واحدة من أهم سمات هذا الرجل، حيثما يمر، يترك بصماته واضحة المعالم، في النفوس، والقلوب، التي تدانت مفاعيلها، مهما تباعدت وقائعها.
هذه سمات الرجال الذين تتحلى شخصياتهم بمظاهر الهدوء وعمق الثورة معاً، الشجاعة والإقدام، والعقل في آن.
عندما إلتقيناه في الدوحة، لم نكن ندري أنه لقاء ما بعده لقاء، عقدنا معه ثلاث جولات حوارية، إمتدت لساعات، تناولنا فيها بعمق العديد من القضايا التي تشغل بال الحالة الوطنية، كانت الصراحة والوضوح إحدى أهم علاماتها، ومع ذلك شعرنا أننا لم ننه ما يتوجب أن نعمله معاً، فانحكمنا لأولويات حالت دون تناول عديد القضايا التي كانت تجول في الذهن، فأجلنا بحثها لضيق الوقت، رغم أنه إمتد طويلاً. لقد كانت لفقيدنا الكبير القدرة، وكان لديه الإستعداد للإنفتاح على الحوار، والإستماع إلى وجهات النظر المطروحة بهدوء مهما تخالفت، ومناقشتها بكل أريحية.
كنا قد عرفناه في محطات سابقة، فلاحظنا أن الرجل بقي على وفائه لتواضعه الذي اتسم به منذ أن أطل على الرأي العام في خدمة القضية الوطنية.
وقبل أن نغادر قطر، أبى إلا أن يزورنا في مقر إقامتنا، بعد منتصف الليل، ليودعنا، وحمّلنا التحيات إلى الإخوة والرفاق، وبتجديد العهد على الوفاء، وبدعوات جديدة، للقاءات نستكمل فيها ما بقي في جعبتينا من هموم وطنية.
الأخ القائد أبو العبد …
ودعناك إلى مثواك الأخير في الدوحة، لكنك، أيها الأخ الكريم، واحد من القادة الذين لا تغيب ذكراهم عن الشعب، مهما إمتدت الأيام