في الذكرى السنوية لطوفان الاقصى: وعادت فلسطين من جديد

أكتوبر 14, 2024

نعيش هذه الايام اجواء الذكرى السنوية الاولى لمعركة طوفان الاقصى التي ستظل ذكراها تؤرق العدو الاسرائيلي بمختلف تشكيلاته لعقود قادمة، نظرا لما حملته من ابعاد ومن تداعيات ستبرز نتائجها بشكل جلي بعد انقشاع غبار العدوان.
رغم ان العدو الاسرائيلي خاض عدد واسع من الحروب مع جيوش عربية نظامية وانتصر في جميعها، لكنه فشلت في تحقيق الامر ذاته مع فصائل المقاومة سواء في فلسطين او لبنان. ولعل تفسير ذلك يعود الى الارادة التي تتحلة بها فصائل المقاومة والعزيمة على مواجهة العدوان، وهي رسالة الى كل مقاوم وكل متردد وكل خائف ان العدو الصهيوني اجبن من ان يواجه مقاوم يتسلح بحقه بأرضه وبتاريخه ومستقبله.
اليوم بعد مرور عام على العدوان، نحن واثقون ان جميع الاطراف المعنية على المستويين الدولي والاقليمي وعلى المستويين الامريكي والاسرائيلي لم تكن لتتوقع ان تمتد لحرب لعام كامل وان تبدع المقاومة الفلسطينية في المقاومة كما في الصمود دون ان تتمكن اسرائيل من تحقيق اي من اهدافها المعلنة وفي مقدمتها القضاء على فصائل المقاومة واستعادة الاسرى الاسرائيليين وتهجير الشعب الفلسطيني والاتيان بسلطة تدين الولاء الى جيش الاحتلال.. ،
بعد عام من عمر حرب الابادة التي يتعرض لها قطاع غزه بتنا أمام مشروع أميركي-إسرائيلي يهدف إلى تحقيق أهدافه ليس بالقوة فقط، بل وبرسالة ارهاب الى كل المنطقة في طريقة القتل الجماعي للمدنيين بشكل خاص. وهذا ما تعمل عليه الولايات المتحدة وإسرائيل في فلسطين ولبنان، بهدف القضاء على كل مظاهر المقاومة في المنطقة، عسكرياً وسياسياً وثقافياً وغيرها، لذلك حشدت الدول الغربية أساطيلها الجوية والبحرية وزجت بكل آلتها الحربية، مستهدفة القيادات كما البنية المجتمعية، لتجريد المقاومة في لبنان، وفي فلسطين، من حاضنتها الشعبية، لكن ما يحصل في الميدان وفي النتائج السياسية لا يطابق بالضرورة ما خطط له التحالف الامريكي الاسرائيلي..
ولعل من ضمن اسباب شن نتنياهو للحرب على لبنان هو الفشل الذي مني به جيشه في قطاع غزه، وبالتالي اعلان جيشه المهزوم اكثر من مرة ان ليس هناك شيئ يمكن ان يفعله في القطاع، سوى المزيد من القتل والتدمير الذي يجب ان يبقى على الدوام عنوانا يلاحق اسرائيل في مختلف المحافل الدولية السياسية والقانونية والشعبية.
كان يمكن لنتنياهو ان يقرب موعد عدوانه على لبنان، خاصة وان المعطيات الاستخبارية عن المقاومة، كما تتحدث كل المعطيات كانت بحوزته منذ اشهر، لكنه لم يستخدمها الا بعد ان وصل الى الطريق المسدود في قطاع غزه، ظنا منه انه قادر على تحقيق نتائج سياسية تضغط على المقاومة في القطاع واقصد امكانية اخضاع المقاومة في لبنان، لكن خابت توقعات نتنياهو وجيشه وتأكد من خلال الاسبوعين الماضيين اننا امام واقع قد يمتد لسنوات قادمة، وانه من غير المتوقع ان تحقق اسرائيل ما خططت له سواء باعادة الهاربين من مستوطنات شمال فلسطين او باجبار المقاومة في لبنان على التراجع الى ما بعد حدود نهر الليطاني..
ما تريده النخب الاسرائيلية على اختلاف انتماءاتها السياسية والفكرية والعقائدية الآن هو استعادة ثقة الجمهور الاسرائيلي بالجيش الذي اهتزت صورته، لأن هذه الثقة تعتبر النقطة المركزية في نجاح او فشل المشروع الصهيوني الامبريالي سواء لدى يهود اسرائيل او يهود العالم..
وهذا هو السبب الاساسي لاجماع القوى السياسية في اسرائيل على العدوان ضد غزه ولبنان وهو ان الامن عنصر اساس في برامج كافة الاحزاب في اسرائيل التي تتسابق به امام الجمهور الاسرائيلي من اجل الكسب والتأييد الشعبي.. لذلك هو استغلال اكثر منه ايمان باسرائيل الدولة..
هناك مسألة غاية في الاهمية، وجيش الاحتلال الصهيوني يعرفها جيدا، لكنه يكابر بعدم الاعتراف بها وهي ان المقاومة ضد الإحتلال في فلسطين كما في لبنان، تنطلق من الشعب والمجتمع أولاً، ولولا إنخراط الشعب والمجتمع بأسره في المقاومة، لما كان بإمكان الأجنحة العسكرية أن تصمد طيلة هذه الفترة في المعارك المُكْلِفة بقطاع غزة على سبيل المثال، آخذين بالإعتبار الإختلال الواسع في ميزان القوى بين إمكانيات الحركة الفلسطينية باعتبارها قائمة على تشكيلات فدائية، في جغرافيا ضيقة ومحاصرة، وبين إمكانيات العدو الصهيوني العسكرية المتفوقة، بخطوط إمداد سخية ومفتوحة، وهذا يؤشر مرة أخرى إلى عمق العلاقة التي تربط المقاومة بمجتمعها وبجماهيرها، ما يعني أننا أمام شعب واحد، ذي إرادة سياسية موحدة، واستعداد عالٍ لتقديم كل التضحيات اللازمة من أجل مستقبل الوطن، حريته واستقلاله.
من هنا أهمية التأكيد الدائم على حقيقة أن الشعب هو المقاومة، المجتمع هو المُنْجِب والحاضن معاً للمقاومة، هو الذي يمدها بعناصر القوة والتجدد؛ أما التشكيلات العسكرية، فهي عبارة عن أذرع تنفيذية لهذه الإرادة الشعبية، إرادة المجتمع الفلسطيني للمقاومة بكل الوسائل المتاحة من أجل وضع حد للعدوان الصهيوني المتمادي على الشعب.
وليس سرا القول ان اسرائيل تصطدم بمقاومة جدية وقوية في القطاع، لكن اكثر ما يؤرق قادة العدو الصهيوني وجيشهم المهزوم هو تحول الحرب إلى «حرب إستنزاف»، باتت تنال، مع إستمرارها، مقتلاً من التفوق العسكري للعدو، بما يضع الكيان على سكة تفاقم أزمته البنيوية، ليس مرئياً متى سيخرج منها.. خاصة مع العدوان الذي شن على لبنان، وتؤكد كل المؤشرات اننا امام هزيمة محدقة بجيش الغزاة الصهاينة تترجمها الضربات المؤلمة والقوة للمقاومة في لبنان ونحن ما زلنا في الايام الاولى للعدوا،
المؤكد ان «حرب الإستنزاف» امر لا يريده العدو الاسرائيلي كونه يتعاكس مع عقيدته التاريخية القائمة اساسا على مفهوم «الحرب الخاطفة» التي تكون أرض العدو مسرحا لعملياته وعبر اجباره على الاستسلام كما كرر نتنياهو منذ اليوم الاول للحرب بأنه يريد نصرا ساحقا اي استسلام الشعب الفلسطيني ومقاومته، بينما ما تكرس خلال الاشهر الماضية هو أعمال حربية ممتدة، تدور بقسم كبير منها على أرض الكيان الغاصب، ما يعني أن الأسلوب الذي تُدار فيه الأمور، لم يكن خيار العدو الأول، بل فُرِض عليها فرضاً، وإضطُر للإنسياق إليه رغماً عنها، لأسباب عدة.
«حرب الإستنزاف» التي إنجر إليها العدو بفعل صلابة المقاومة، تضعه الآن أمام خيارين، كلاهما يعكس أزمته المستحكمة، ويقودان بالنتيجة إلى الإعتراف بالهزيمة: إما الإنكفاء، الذي يعني إعتراف إسرائيل بعجزها عن تحقيق أهدافها المعلنة، ما يساوي الهزيمة في هذه الحرب التي تُصنف ضمن فئة الحروب غير المتناظرة، حيث يَهزم التشكيل الفدائي التشكيل النظامي، عندما لا يُمَكِّن الأخير من تحقيق اهدافه.
أو التصعيد، الذي – بدوره – يصطدم بعقبتين: 1- قدرة جبهة المقاومة على الرد في ضوء إدراك العدو عدم إستطاعته تحمل الخسائر البشرية، على نقيض من يواجهه؛ 2- عدم رغبة واشنطن او عدم حماسها لحرب واسعة على مستوى الإقليم، لتعارضها مع مصالحها؛ فالحرب التي نحن بصددها هي «حرب أميركية» من زاوية الإمداد والتمويل والإستخبار وتوفير المظلة السياسية، إلى جانب التموضع العسكري؛ ومن هنا مرجعية واشنطن القاطعة فيما يتعلق بقرارات السياسة العليا التي تبت بمستوى التصعيد، وتوقيته.
إن خوض «حرب إستنزاف» ضد قوات الإحتلال ستكون نتائجها عنصراً مهماً، إن لم يكن الأهم، في رسم نهاية العدوان في القطاع، وفي التأثير على المواجهات الجارية في الضفة، وفي إجهاض مشروع الحكومة الإسرائيلية لمستقبل الضفة والقدس والقطاع معاً..
رغم مرور عام على «طوفان الاقصى»، فما زال التقييم منقوصا نظرا للتعتيم الذي يفرضه العدو على خسائرة البشرية والاقتصادية وعلى الخسائر السياسية والاستراتيجية غير المنظورة، وفي مقدمتها عودة القضية الفلسطينية لتحتل موقعها الهام والطبيعي في صدارة المشهد الدولي وعزل اسرائيل على المستويات القانونية والسياسية والدبلوماسية والاقتصادية الدولية، والاهم من ذلك انتهاء كذبة «جيش اسرائيل الذي لا يقهر» ورفع منسوب الثقة لدى شعوبنا ولدى حركات التحرر العربية بامكانية هزيمة الاحتلال وتحرير فلسطين، بعد ان اكدت الاحداث عجز العدو الاسرائيلي عن حماية نفسه ما سيطرح لاحقا وبشكل جدي مسألة تشكيل نظام دولي جديد متعدد الاقطاب واكثر توازنا في التعبير عن قضايا الشعوب وفي مقدمة ذلك قضية الشعب الفلسطيني التي باتت قضية الانسانية برمتها..