حرب التحدي وانعدام الخيارات… بدء الحرب الشاملة ام استكمال حرب الاستنزاف؟

سبتمبر 25, 2024

تجاهلت إسرائيل محور فيلاديلفيا الذي كان عقبة أمام المفاوضات للتوصل إلى حل أو تسوية فيما يتعلق بوقف عدوانها على قطاع غزة، في ظل عدم وجود أي أفق أمام صمود المقاومة الفلسطينية، وعدم قدرتها على تصفية فصائل المقاومة الفلسطينية وتهجير الفلسطينيين، وتركز الان على ثلاثة أهداف أساسية، وهي فك الارتباط بين الجبهة اللبنانية مع ما يحدث في قطاع غزة، إبعاد المقاومة اللبنانية عن شمال نهر الليطاني، وضرب القدرات العسكرية لها، بعد ان شكلت الجبهة اللبنانية حرب استنزاف حقيقية طويلة الامد، تكبدت اسرائيل خسائر اقتصادية وعسكرية فادحة، اضافة الى الضغط الشعبي لعودة الاسرائيليين الى الشمال.
وأمام تهديدات الحرب الشاملة، لم يتم الى الان اعلان اسرائيل عن تجنيد واسع للاحتياط، ولاتزال القوات البرية الاسرائيلية تقوم بمهمات اسناد للهجوم الجوي الاسرائيلي على لبنان، وذلك لأن إسرائيل تدرك ان القيام بعملية برية في لبنان، واحتلال مساحة واسعة من جنوب لبنان لن تؤدي الى وقف اطلاق النار، بقدر ما تدفع للتفكير بتسوية سياسية، بإعتبار ان ثمن العملية البرية سيكون باهظا جدا، لاسيما بعد الخسائر التي تتكبدها في قطاع غزة، ودخولها في نفق مظلم لا تدري كيف تخرج منه.
وبناء على معادلة ان التهجير يقابله تهجير، قامت اسرائيل بتهجير سكان جنوب لبنان كما تم تهجير الاسرائيليين من الشمال، يكمن مخطط اسرائيل بإنشاء فوضى قتالية منظمة من أجل زيادة النيران لإيجاد أدوات جديدة للتأثير على المجتمع الدولي من جهة، والادارة الاميركية من جهة اخرى والتي تبدو انها غير مبالية بدخول اسرائيل بريا الى جنوب لبنان، وتعتقد أنه لايزال ممكن السيطرة على مجريات الامور، ومن هنا يتضح تخوف اسرائيل من نتائج الحرب الشاملة، وتفضيلها لفكرة التسوية التي تمر بحسب الوجهة الاسرائيلية عبر المزيد من النيران وزيادة تسخين الجبهات، وانطلاقا من ذلك، لم يأت على لسان السياسيين والعسكريين الاسرائيليين مصطلح حسم المعركة ولم يتحدثوا عن العملية البرية والحزام الامني الذي أشاروا اليه سابقا الى الان، بل أشاروا الى عودة الاسرائيليين الى منطقة الشمال وهذا ما يفتح هامشا من التأويلات، دون انكار امكانية القيام بعملية برية الى جنوب لبنان والتجهيز لها.
واستنادا على ذلك، تبقى مهمة الجبهة اللبنانية في اطار استدامة حرب الاستنزاف لاسرائيل وفي اطار الرد على الاعتداءات الاسرائيلية، لمواجهة الخيارات التي وضعتها الحكومة الاسرائيلية والتي هي: التكيف مع حرب الاستنزاف مع تقليل الخسائر وعودة الاسرائيليين الى الشمال، تنفيذ هجوم مباشر او غير مباشر وبطريقة محدودة ومدروسة، أو التوصل الى تسوية مع لبنان لوقف حرب الاستنزاف من خلال ترتيبات امنية معقدة.
وفي ظل انعدام امكانية تحقيق الاهداف الاسرائيلية والخيارات التي وضعتها الحكومة الاسرائيلية، وقبول المقاومة اللبنانية للتحدي الذي فرضته إسرائيل، فمن الصعب جدا فصل جبهة لبنان عن الحرب في قطاع غزة، وعلى قاعدة النار لا تطفئها النار، فإن إسرائيل تجر نفسها الى الحرب الشاملة شيئا فشيئا، وهي تدرك أنها لا تستطيع ان تحقق أي هدف لها، كونها خسرت زمام المبادرة، وتبقى الكرة في ملعب اسرائيل، حيث أنه لا خيار لها سوى بوقف عدوانها على قطاع غزة.
ولكن، مع الحالة الهستيرية التي تعيشها اسرائيل، وعدم استطاعة نتنياهو لرؤية الحقيقة كونه لا يستمع الا الى الدائرة الضيقية من مستشاريه المتطرفين، تبقى كل الخيارات، في ظل ازدياد التحدي للمقاومة في لبنان وفلسطين وصمودها الاسطوري، لاسيما وان اسرائيل معتادة على ارتكاب المجازر والجرائم، وفي حال عدم قدرة اسرائيل على تحقيق التسوية واهدافها، فإن الحرب الشاملة ستقرع طبولها حتما، ولذلك ليس لإسرائيل أي خيار سوى وقف عدوانها على غزة، كونه الحل المنطقي الوحيد في ظل انعدام الوصول الى تسوية سريعة.