التوصيف القانوني لتفجير أجهزة الاتصالات في لبنان جريمة سيبرانية أم حرب سيبرانية ؟

سبتمبر 20, 2024

تمهيد:
شنت اسرائيل عملية تفجير لأجهزة الاتصالات في لبنان، شملت الآلاف من المواطنين اللبنانيين من بينهم الاطفال، والطواقم الطبية، وبعض موظفي السلك الدبلوماسي، حيث أنها لم تستهدف فقط عناصر من المقاومة اللبنانية، وانما أيضا مدنيين، ما يضعنا أمام عدة تساؤلات متعلقة بالتوصيف القانوني لتفجير أجهزة الاتصالات في لبنان، وأي مدى تشكل خرقا للقانون الدولي، وأي جهة معنية بالمحاسبة.
مقدمة:
في اطار التقدم التكنولوجي والثورة الرقمية التي فرزت فضاء سيبرانيا يقوم على اساس بنية المعلومات والاتصالات، حيث جرى تحديث وتطوير برامج تقنية تستخدم في الفضاء السيبراني لأغراض عسكرية، ومن خلاله يتم توجيه هجمات بسرعة قصوى على مسافة بعيدة، وهو ما بات يعرف بالهجوم السيبراني، والذي بات يهدد سرية المعلومات، عن طريق اختراق نظام حساس، وقد جرى الاختلاف في تسميته بين خبراء القانون الدولي اذا ما كان فضاء سيبرانيا ام حربا سيبرانية، فيما ذهب البعض لتسميته بالهجمات السيبرانية.
ومن خصائص الجرائم السيبرانية، أنها تعكس تطور التقنيات بكلفة متدنية جدا، وبسرعة زمنية هائلة في قدرتها على التدمير او الاختراق، مع الصعوبة في امكانية تحديد المكان الجغرافي الذي تم ارتكاب منه الجريمة السيبرانية. كما ان هناك هناك جدل قانوني في طريقة التعامل مع الهجمات السيبرانية، اذا يمكن ان تعد الانشطة السيبرانية كسلاح يخضع لاتفاقيات دولية معنية بالحد من التسلح.
لقد قامت اسرائيل بإستهداف أجهزة «بيجر» و «ووكي توكي ايكوم» التي يمتلكها عدد من المواطنين اللبنانيين إضافة لعناصر من المقاومة اللبنانية، بدقائق محدودة جدا، ذهب ضحيتها اكثر من 3 الاف مواطن لبناني، وبينهم عدد كبير من المدنيين، دون ان تتبنى اسرائيل الهجمة السيبرانية، رغم معرفة الجميع انها من قامت بذلك، لعدم نفيها عن مسؤوليتها الى الان.
التمييز بين الهجمات السيبرانية عن الجرائم السيبرانية والحرب السيبرانية
تختلف الجرائم السيبرانية عن الهجمات السيبرانية من ناحيتين، الاولى ان غالبا ما يكون مرتكبي الجرائم السيبرانية هم الافراد وتوجه ضد مؤسسات مالية او شركات او افراد، بخلاف الهجمات السيبرانية التي تكون من خلال دول او مجموعات حكومية او عسكرية، اما الناحية الثانية، فغالبا ما تكون الجرائم السيبرانية بهدف اثبات مهارة الفاعل وقدرته على الاختراق دون الحاجة الى التعطيل او التدمير، بخلاف الهجمات السيبرانية التي يهدف فاعلوها الى استهداف الامن القومي والسياسي للدولة، وتدميرها بقصد ارباكها وزعزعة الاستقرار والنظام لتحقيق اهداف امنية او عسكرية او سياسية. اما الحرب السيبرانية، فهي جزء من الهجمات السيبرانية، تحدث اثناء نزاع مسلح تنتج اثار مادية وتعادل الهجمات المسلحة التقليدية.
ويمكن تفصيل أنواع الهجمات السيبرانية على النحو التالي:
• هجوم الحرمان من الخدمة: وتقوم على اساس استغلال المهاجم على بعض الثغرات الموجودة في الاجهزة لمهاجمتها وتعطيل استخدامها.
• البرامج الخبيثة: هو احداث اكبر قدر ممكن من الخراب والتدمير، وهي برامج تعمل على اصابة الانظمة التكنولوجية تقوم على اساس الاختراق اولا والتدمير ثانية.
• برامج القنابل: هي نوع من البرامج التي يتم ادخالها بشكل غير قانوني من خلال الشيفرات المؤقتة.
• برامج الدودة: وهو احتلال الشبكة بالكامل بفضل الوصلات التي تربط الشبكات ببعضها البعض بهدف التخريب.
فما قامت به اسرائيل لا يمكن توصيفه بالجريمة السيبرانية، انما بالحرب السيبرانية والتي تدخل ضمن اطار الهجمات السيبرانية، والتي استهدفت مدنيين دون ان تراعي مبادئ القانون الدولي الانساني، لأن اسرائيل جهة حكومية وعسكرية أولا، ثانيا ان ما قامت به اسرائيل يهدف الى عمل عسكري تخريبي لزعزعة الاستقرار الداخلي، واستهداف الامن القومي للبنان، لتحقيق اهداف امنية وعسكرية وسياسية.
الهجمات السيبرانية والقانون الدولي الانساني
يوفر القانون الدولي الانساني حماية معظم القواعد الناشئة على مبدأ التمييز والتناسب والاحتياط التي توفر حماية عامة للمدنيين والاعيان المدنية، وبالتالي فإن اي هجوم سيبراني يتعرض لهذه المبادئ، فهو انتهاك صارخ للقانون الدولي الانساني، ولذلك اطلق على من يقوم بالهجمات السيبرانية مصطلح «المقاتل السيبراني»، حيث ان هناك عددا من الدول التي استحدثت فرقا عسكرية مسلحة مهمتها الهجوم السيبراني.
وبالتالي فإن الاعيان المشروع استهدافها اثناء الهجمات السيبرانية يجب ان يتوفر فيها شرطان، الاول ان يسهم الهدف مساهمة فعالة في العمل العسكري ولا يكون الا استهدافا عسكريا للقوى الاخرى في اطار منطقة جغرافية عسكرية خاصة، وان لا تكون مكانا عاما يتواجد فيه المدنيون.
ومن هنا، فإن الهجمات السيبرانية التي لها ابعاد عسكرية تخضع مباشرة للقانون الدولي الانساني، وهذا ما اكد عليه قرار محكمة العدل الدولية الذي اشار ان مبادئ القانون الدولي الانساني المنطبق في النزاع المسلح تنطبق على جميع اشكال الحروب وعلى جميع انواع الاسلحة بما في ذلك الاسلحة المستقبلية.
ومن هنا، يجب ان يتواجد مبدأ التمييز بين المشروع والمحظور في قلب النزاعات المسلحة حديثا، وهو ما ينطبق ايضا على اي هجوم سيبراني ذات طابع عسكري، وكذلك بين المقاتلين السيبرانيين وغير المقاتلين السيبرانيين، اضافة الى التمييز بين الاعيان المدنية والعسكرية، ومبدأ الاحتياط لتجنب المحظورات اثناء الهجمات السيبرانية.
ولطالما كان الهجوم السيبراني الاسرائيلي قد استهدف عددا كبيرا من المدنيين من بينهم الطواقم الطبية، في منطقة مدنية غير عسكرية، دون احتساب لمبدأ التمييز بين المشروع والمحظور، وبين الاعيان المدنية والعسكرية، والاحتياط لتجنب المحظورات، فتكون إسرائيل قد ارتكبت جريمة حرب، وانتهكت القانون الدولي الانساني.
من يحاسب إسرائيل إذا؟
يجب في البداية القيام بتحقيق تقني حول طبيعة هذه الهجمات السيبرانية وأين مصدرها لتحديد المسؤولية، إذا ما كان هناك اختراق حقيقي للأجهزة التي تم تدميرها عن طريق المسيرات، أو من خلال الشركة المصنعة، أو قرصنة الشحنات المستوردة الى لبنان، وامام كل هذه السيناريوهات تبقى اسرائيل وراء هذه العملية الارهابية والاجرامية.
هناك تجارب حول الهجمات السيبرانية في حال النزاعات المسلحة، على سبيل المثال حرب كوسوفو عام 1999، والحرب بين روسيا وجورجيا عام 2008، وعلى الرغم ان الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الامن ومكتب مكافحة الارهاب في الامم المتحدة أصدروا عددا من القرارات المتعلقة بالهجمات السيبرانية، وضرورة التزام الدول بالمعايير المتعلقة بالفضاء السيبراني، الا ان اسرائيل لم تلتزم يوما بأي من القرارات ولا بالاتفاقيات الدولية، ولا حتى بقرارات محكمة العدل الدولية، ولم ينفع مع نتنياهو وغالانت طلب المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية للدائرة التمهيدية مذكرة توقيفه، وهذا يدل على العجز الدولي في تطبيق القوانين الدولية، التي تهيمن عليها الولايات المتحدة الاميركية من خلال تحكمها بالنظام الدولي.
ان قواعد الاشتباك بين لبنان واسرائيل، والتي رسمتها المقاومة اللبنانية لم تكن تتعلق بالهجمات السيبرانية، وهذا يعني أنه يجب خلق معادلة جديدة في قواعد الاشتباك متعلقة بالهجمات السيبرانية، وفي ظل صمت المجتمع الدولي الذي لم يتحرك حتى في ادانة اسرائيل، وامام عجز المحاكم الدولية الى الان عن تنفيذ اي قرار صادر عنها، وكذلك مجلس الامن الذي عجز عن تطبيق قرارات وقف اطلاق النار في قطاع غزة، فإن المقاومة هي الوحيدة التي تستطيع محاسبة إسرائيل، من خلال وضع قواعد اشتباك جديدة، والحفاظ على الردع اقله لحماية المدنيين.
خاتمة:
إن الهجوم السيبراني الذي طال اجهزة الاتصالات في لبنان يوضع في اطار التهديدات الاسرائيلية خلال حربها على لبنان، والتي تتعلق في عودة المستوطنين الاسرائيليين الى شمال الاراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، وفي ظل اصرار المقاومة اللبنانية على مواصلة الحرب حتى تحقيق وقف العدوان الاسرائيلي الشامل على قطاع غزة، وامام فشل اسرائيل في تحقيق اهدافها العسكرية في اغتيال قيادات بارزة من المقاومة، وعجزها عن اتخاذ اي اجراءات تحد من مواصلة الحرب في الجبهة الشمالية، وخسارتها لقوة الردع، جعلها تقوم بهذا الهجوم السيبراني الذي هو بمثابة جريمة حرب وانتهاك صارخ للقانون الدولي الانساني.