على خط اوكرانيا .. فلسطين، ليست فقط معايير مزدوجة!

سبتمبر 12, 2024

السمة‭ ‬الاساسية‭ ‬في‭ ‬تعاطي‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬مع‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬ومع‭ ‬المنطقة‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬هي‭ ‬المعايير‭ ‬المزدوجة‭. ‬بدت‭ ‬واضحة‭ ‬هذه‭ ‬السياسة‭ ‬منذ‭ ‬ان‭ ‬وطأت‭ ‬اقدام‭ ‬الانتداب‭ ‬البريطاني‭ ‬ارض‭ ‬فلسطين،‭ ‬الذي‭ ‬انحاز‭ ‬مع‭ ‬القوى‭ ‬الاستعمارية‭ ‬الاخرى‭ ‬الى‭ ‬جانب‭ ‬الحركة‭ ‬الصهيونية‭ ‬ومشروعها‭ ‬في‭ ‬فلسطين،‭ ‬وارتكبا‭ ‬أبشع‭ ‬عملية‭ ‬تطهير‭ ‬عرقي‭ ‬يشهدها‭ ‬العالم،‭ ‬بعد‭ ‬ان‭ ‬تم‭ ‬تدمير‭ ‬نحو‭ ‬530‭ ‬قرية‭ ‬ومدينة،‭ ‬وتهجير‭ ‬اهلها‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬العصابات‭ ‬اليهودية‭ ‬المدعومة‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬القوى‭ ‬الاستعمارية‭..‬

كانت‭ ‬نكبة‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬عام‭ ‬1948‭ ‬محصلة‭ ‬للرعاية‭ ‬والدعم‭ ‬الغربي‭ ‬والاحتضان‭ ‬الذي‭ ‬حظيت‭ ‬به‭ ‬الحركة‭ ‬الصهيونية‭ ‬ومشروعها‭ ‬الفاشي‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬كافة‭ ‬دول‭ ‬الاستعمار‭ ‬الغربي‭. ‬وشكلت‭ ‬تلك‭ ‬النكبة‭ ‬مأساة‭ ‬كبرى‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬وفي‭ ‬تاريخ‭ ‬المنطقة‭ ‬والانسانية،‭ ‬لما‭ ‬قادت‭ ‬اليه‭ ‬سياسات‭ ‬ومواقف‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬من‭ ‬اختلال‭ ‬فادح‭ ‬في‭ ‬موازين‭ ‬العدالة‭ ‬التي‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬غائبة‭ ‬عن‭ ‬سماء‭ ‬وارض‭ ‬فلسطين،‭ ‬وما‭ ‬زالت‭ ‬سياسة‭ ‬الانحياز‭ ‬قائمة،‭ ‬بل‭ ‬تعمقت‭ ‬وازدادت‭ ‬شراسة،‭ ‬في‭ ‬تعامل‭ ‬تلك‭ ‬الدول‭ ‬مع‭ ‬قضية‭ ‬فلسطين،‭ ‬وفي‭ ‬تهربها‭ ‬الدائم‭ ‬من‭ ‬استحقاقات‭ ‬نيل‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬لحقوقه‭ ‬السياسية‭ ‬والوطنية‭.‬

من‭ ‬الناحية‭ ‬النظرية،‭ ‬فإن‭ ‬كافة‭ ‬الدول‭ ‬الغربية،‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬الاستعمارية،‭ ‬تعترف‭ ‬بالشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬وبحقوقه‭ ‬الوطنية،‭ ‬كما‭ ‬تقر‭ ‬بأن‭ ‬وجود‭ ‬اسرائيل‭ ‬فوق‭ ‬أرضه‭ ‬هو‭ ‬احتلال‭. ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬الاعتراف‭ ‬لم‭ ‬يرتق‭ ‬الى‭ ‬درجة‭ ‬اتخاذ‭ ‬اجراءات‭ ‬ميدانية‭ ‬او‭ ‬سياسات‭ ‬مباشرة،‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬ما‭ ‬فعلته‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬مع‭ ‬الحركة‭ ‬الصهيونية‭ ‬حين‭ ‬نشأتها،‭ ‬وبما‭ ‬يوصل‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الى‭ ‬دولة‭ ‬نادى‭ ‬بها‭ ‬العالم‭ ‬منذ‭ ‬العام‭ ‬1947‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬قرار‭ ‬الامم‭ ‬المتحدة‭ ‬رقم‭ ‬181‭ ‬الذي‭ ‬اقر‭ ‬بتقسيم‭ ‬فلسطين‭ ‬الى‭ ‬دولتين‭ ‬يهودية‭ ‬وعربية،‭ ‬بسطت‭ ‬الاولى‭ ‬سيطرتها‭ ‬بقوة‭ ‬العدوان‭ ‬والارهاب‭ ‬والدعم‭ ‬الغربي،‭ ‬وتعطل‭ ‬قيام‭ ‬الثانية‭ ‬نتيجة‭ ‬الدعم‭ ‬الذي‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬تحظى‭ ‬به‭ ‬اسرائيل‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬دول‭ ‬غربية‭ ‬كانت‭ ‬السبب‭ ‬الاساس‭ ‬في‭ ‬نشوء‭ ‬اسرائيل‭.‬

لا‭ ‬نحتاج‭ ‬لكثير‭ ‬عناء‭ ‬كي‭ ‬نثبت‭ ‬ان‭ ‬الدول‭ ‬الغربية،‭ ‬في‭ ‬سياساتها‭ ‬وترجماتها،‭ ‬تعتمد‭ ‬المعايير‭ ‬المزدوجة‭ ‬في‭ ‬اسوأ‭ ‬اشكالها‭. ‬ففي‭ ‬مناطق‭ ‬معينة‭ ‬نراها‭ ‬حريصة‭ ‬على‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭ ‬وقراراته،‭ ‬حازمة‭ ‬في‭ ‬دفاعها‭ ‬عن‭ ‬القانون‭ ‬الدولي،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬تتطلب‭ ‬الامر‭ ‬خوضها‭ ‬لحروب‭ ‬عسكرية‭ ‬وسياسية‭ ‬واقتصادية،‭ ‬متسلحة‭ ‬بمزاعم‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬الديمقراطية‭ ‬وحقوق‭ ‬الانسان‭.. ‬وفي‭ ‬مناطق‭ ‬اخرى‭ ‬نراها‭ ‬مهادنة،‭ ‬متواطئة‭ ‬بل‭ ‬شريكة‭ ‬ومشجعة‭ ‬على‭ ‬عدم‭ ‬تطبيق‭ ‬القرارات‭ ‬الدولية،‭ ‬خاصة‭ ‬حين‭ ‬تكون‭ ‬اسرائيل‭ ‬طرفا،‭ ‬فتوضع‭ ‬القوانين‭ ‬في‭ ‬الادراج،‭ ‬وتفصل‭ ‬العدالة‭ ‬على‭ ‬مقاسها‭.. ‬فكم‭ ‬من‭ ‬حروب‭ ‬خاضتها‭ ‬هذه‭ ‬الدول،‭ ‬ومن‭ ‬تدخلات‭ ‬في‭ ‬شؤون‭ ‬دول‭ ‬تحت‭ ‬مزاعم‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬الشعارات،‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬ان‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬الحروب‭ ‬والتدخلات‭ ‬تحت‭ ‬العلم‭ ‬الازرق‭.. ‬وكم‭ ‬من‭ ‬الازمات‭ ‬الدولية‭ ‬تجاهلتها،‭ ‬وكم‭ ‬من‭ ‬حقوق‭ ‬انسان‭ ‬انتهكت‭ ‬امام‭ ‬اعين‭ ‬تلك‭ ‬الدول‭..‬

قد‭ ‬نبدأ‭ ‬ولا‭ ‬ننتهي‭ ‬في‭ ‬ايراد‭ ‬نماذج‭ ‬عن‭ ‬المعايير‭ ‬المزدوجة‭ ‬في‭ ‬تعاطي‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬مع‭ ‬قضايا‭ ‬كونية‭ ‬شبيهة‭ ‬بأوضاعنا‭. ‬ولعل‭ ‬النموذج‭ ‬الفاقع‭ ‬في‭ ‬ازدواجية‭ ‬المعايير‭ ‬هو‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬اوكرانيا‭ ‬وما‭ ‬شكلته‭ ‬من‭ ‬تحد‭ ‬لهذه‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬تعاطت‭ ‬معها‭ ‬بشكل‭ ‬مختلف‭ ‬عن‭ ‬تعاطيها‭ ‬مع‭ ‬قضايانا،‭ ‬خاصة‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬التي‭ ‬ما‭ ‬من‭ ‬قضية‭ ‬عالمية‭ ‬تضاهيها‭ ‬في‭ ‬حجم‭ ‬الدعم‭ ‬الدولي‭ ‬وبالعدد‭ ‬الكبير‭ ‬من‭ ‬القرارات‭ ‬الدولية‭ ‬التي‭ ‬حظيت‭ ‬به‭.. ‬وبالامكان‭ ‬استعراض‭ ‬مؤشرات‭ ‬لعناوين‭ ‬معينة‭ ‬بالمقارنة‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬اوكرانيا‭ ‬والقضية‭ ‬الفلسطينية‭:‬

1‭) ‬اذا‭ ‬كان‭ ‬لكل‭ ‬دولة‭ ‬توصيفها‭ ‬الخاص‭ ‬للعملية‭ ‬العسكرية‭ ‬الروسية‭ ‬في‭ ‬اوكرانيا،‭ ‬فان‭ ‬توصيف‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬لما‭ ‬حدث،‭ ‬انه‭ ‬غزو‭ ‬وجب‭ ‬مواجهته‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مد‭ ‬اوكرانيا‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬تحتاجه‭ ‬من‭ ‬دعم‭ ‬عسكري‭ ‬وسياسي‭ ‬ومالي‭ ‬وصولا‭ ‬الى‭ ‬فرض‭ ‬عقوبات‭ ‬على‭ ‬روسيا‭ ‬ومواطنيها‭. ‬وبغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬اهداف‭ ‬هذا‭ ‬الدعم‭ ‬وخلفياته،‭ ‬فالسؤال‭ ‬المشروع‭ ‬هو‭: ‬اذا‭ ‬كانت‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬تقر‭ ‬باحتلال‭ ‬اسرائيل‭ ‬للارض‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬وتعترف‭ ‬ان‭ ‬مجموعات‭ ‬صهيونية‭ ‬ارهابية‭ ‬ارتكبت‭ ‬الجرائم‭ ‬لتنفيذ‭ ‬مشروعها‭ ‬في‭ ‬فلسطين،‭ ‬فلماذا‭ ‬لم‭ ‬تمد‭ ‬تلك‭ ‬الدول‭ ‬يد‭ ‬العون‭ ‬والمساعدة‭ ‬للشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬ومساعدته‭ ‬على‭ ‬مواجهة‭ ‬الاحتلال‭ ‬الاسرائيلي،‭ ‬كما‭ ‬فعلت‭ ‬مع‭ ‬اوكرانيا؟‭ ‬ولماذا‭ ‬لم‭ ‬تتخذ‭ ‬من‭ ‬الاجراءات‭ ‬العقابية‭ ‬ضد‭ ‬اسرائيل‭ ‬وعصاباتها‭ ‬المسلحة‭ ‬والكيانات‭ ‬الصهيونية‭ ‬التي‭ ‬قدمت‭ ‬لاسرائيل‭ ‬كل‭ ‬الدعم،‭ ‬وهي‭ ‬تتخذ‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الاوروبية‭ ‬ملاذا‭ ‬آمنا‭ ‬في‭ ‬تزويد‭ ‬اسرائيل‭ ‬‮«‬الدولة‮»‬‭ ‬بكل‭ ‬اشكال‭ ‬العدوان‭.. ‬بل‭ ‬ان‭ ‬ما‭ ‬فعلته‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬كان‭ ‬اسوأ‭ ‬من‭ ‬توصيف‭ ‬افعالها‭ ‬بالمعايير‭ ‬المزدوجة،‭ ‬بعد‭ ‬ان‭ ‬قامت‭ ‬باحتضان‭ ‬‮«‬الدولة‭ ‬العدوانية‭ ‬الوليدة‮»‬‭ ‬ووفرت‭ ‬لها‭ ‬كل‭ ‬اشكال‭ ‬الديمومة‭ ‬والحماية‭ ‬كي‭ ‬تتمكن‭ ‬من‭ ‬اداء‭ ‬الوظيفة‭ ‬التاريخية‭ ‬التي‭ ‬اوكلت‭ ‬اليها‭ ‬بالدفاع‭ ‬عن‭ ‬المصالح‭ ‬الغربية‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬لذلك‭ ‬ليس‭ ‬غريبا‭ ‬ان‭ ‬تأتي‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬بأساطيلها‭ ‬وبوارجها‭ ‬وسفنها‭ ‬الحربية‭ ‬دفاعا‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬المصالح،‭ ‬بعد‭ ‬ان‭ ‬عجزت‭ ‬اسرائيل‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬نفسها‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬طوفان‭ ‬الاقصى‭..‬

2‭) ‬تعاطت‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬مع‭ ‬العملية‭ ‬العسكرية‭ ‬الروسية‭ ‬في‭ ‬اوكرانيا‭ ‬باعتبارها‭ ‬احتلال،‭ ‬بعد‭ ‬ان‭ ‬اصدرت‭ ‬الامم‭ ‬المتحدة‭ ‬قرارين‭ ‬بهذا‭ ‬الخصوص‭ (‬الاول‭ ‬يدين‭ ‬‮«‬ضم‭ ‬روسيا‭ ‬لمناطق‭ ‬أوكرانية‮»‬‭ ‬في‭ ‬تشرين‭ ‬اول‭ ‬2022‭ ‬والثاني‭ ‬في‭ ‬شباط‭ ‬2023‭ ‬يدين‭ ‬‮«‬الغزو‭ ‬الروسي‭ ‬لأوكرانيا‮»‬‭). ‬وعلى‭ ‬هذين‭ ‬القرارين‭ ‬بنت‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬استراتيجياتها‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬اوكرانيا‭. ‬اما‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬فان‭ ‬كافة‭ ‬الدول‭ ‬الغربية،‭ ‬ورغم‭ ‬انها‭ ‬تعترف‭ ‬بوجود‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬وبان‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬وقطاع‭ ‬غزه‭ ‬والقدس‭ ‬الشرقية‭ ‬هي‭ ‬اراض‭ ‬فلسطينية‭ ‬محتلة‭ ‬باقرار‭ ‬عشرات‭ ‬بل‭ ‬مئات‭ ‬القرارات‭ ‬الدولية‭ ‬من‭ ‬مجلس‭ ‬الامن‭ ‬والجمعية‭ ‬العام‭ ‬ومجلس‭ ‬حقوق‭ ‬الانسان‭ ‬ومن‭ ‬عشرات‭ ‬المنظمات‭ ‬الدولية‭ ‬التي‭ ‬اصدرت‭ ‬قرارات‭ ‬تحث‭ ‬العالم‭ ‬على‭ ‬دعم‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬وتمكينه‭ ‬من‭ ‬ممارسة‭ ‬حقوقه‭ ‬الوطنية‭. ‬لكن‭ ‬الدول‭ ‬الغربية،‭ ‬وفي‭ ‬تناقض‭ ‬تام‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬تدعيه‭ ‬من‭ ‬التزام‭ ‬بقيم‭ ‬العدالة‭ ‬والديمقراطية‭ ‬وحقوق‭ ‬الانسان‭ ‬التي‭ ‬وضعت‭ ‬جانبا،‭ ‬وذهبت‭ ‬بعيدا‭ ‬في‭ ‬توفير‭ ‬الدعم‭ ‬للمحتل،‭ ‬ووفرت‭ ‬له‭ ‬مقومات‭ ‬وجوده‭ ‬فوق‭ ‬الارض‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬وشاركت‭ ‬في‭ ‬حرمان‭ ‬شعب‭ ‬من‭ ‬حقه‭ ‬بتقرير‭ ‬مصيره‭ ‬بحرية‭ ‬فوق‭ ‬ارضه،‭ ‬وحين‭ ‬فكرت‭ ‬في‭ ‬العقوبات،‭ ‬فقد‭ ‬فرضتها‭ ‬على‭ ‬الضحية‭ ‬التي‭ ‬تقاوم‭ ‬الغزاة‭ ‬المحتلين‭.. ‬وحتى‭ ‬اللحظة‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬العلاقة‭ ‬غير‭ ‬متوازنة‭ ‬في‭ ‬طريقة‭ ‬وشكل‭ ‬التعاطي‭ ‬السياسي‭ ‬والامني‭ ‬والاقتصادي‭ ‬للدول‭ ‬الغربية‭ ‬مع‭ ‬الاسرائيليين‭ ‬وكياناتهم‭ ‬التي‭ ‬تتخذ‭ ‬من‭ ‬الارهاب‭ ‬وسيلة‭ ‬وحيدة‭ ‬لتحقيق‭ ‬اهدافها،‭ ‬ومع‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬ومنظماتهم‭ ‬السياسية‭ ‬الذين‭ ‬يحاصرون‭ ‬ويحاربون‭ ‬ليس‭ ‬لسبب‭ ‬سوى‭ ‬لأنهم‭ ‬يدافعوا‭ ‬عن‭ ‬ارضهم،‭ ‬مثلما‭ ‬فعل‭ ‬الاوكران‭ ‬في‭ ‬دفاعهم‭ ‬عن‭ ‬ارضهم‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬‮«‬الغزو‭ ‬الروسي‮»‬‭..‬

3‭) ‬رغم‭ ‬ان‭ ‬عددا‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬قد‭ ‬وقعت‭ ‬على‭ ‬‮«‬الاتفاقية‭ ‬الدولية‭ ‬لمناهضة‭ ‬تجنيد‭ ‬المرتزقة‮»‬،‭ ‬والتي‭ ‬تعتبر‭ ‬هذا‭ ‬الامر‭ ‬بمثابة‭ ‬الجريمة،‭ ‬الا‭ ‬ان‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬شجعت‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الجريمة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬توفير‭ ‬الحماية‭ ‬للمرتزقة‭ ‬الذين‭ ‬يقاتلون‭ ‬في‭ ‬اوكرانيا،‭ ‬وقد‭ ‬زاد‭ ‬عددهم‭ ‬عن‭ ‬13‭ ‬الف‭ ‬جندي‭. ‬الغريب‭ ‬هنا‭ ‬ان‭ ‬بعض‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬سنت‭ ‬قوانين‭ ‬داخلية‭ ‬لحماية‭ ‬مواطنيها‭ ‬المرتزقة‭ ‬من‭ ‬الملاحقات‭ ‬القانونية،‭ ‬كونهم‭ ‬‮«‬مقاتلي‭ ‬حرية‮»‬‭ ‬يدافعون‭ ‬عن‭ ‬قيم‭ ‬العالم‭ ‬الغربي‭. ‬بينما‭ ‬كانت‭ ‬النظرة‭ ‬الى‭ ‬فصائل‭ ‬المقاومة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬والمنتمين‭ ‬اليها‭ ‬مختلفا،‭ ‬حيث‭ ‬وصفتهم‭ ‬بأسوأ‭ ‬الصفات‭ ‬وخلعت‭ ‬عنهم‭ ‬انسانيتهم‭ ‬عندما‭ ‬استعانوا‭ ‬بحق‭ ‬مباح‭ ‬لهم‭ ‬وفقا‭ ‬للقانون‭ ‬الدولي‭ ‬اولا‭ ‬وللقيم‭ ‬التي‭ ‬تزعم‭ ‬تلك‭ ‬الدول‭ ‬الدفاع‭ ‬عنها‭.. ‬ووصل‭ ‬الامر‭ ‬ببعض‭ ‬الدول‭ ‬درجة‭ ‬سنها‭ ‬قوانين‭ ‬تجرم‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬على‭ ‬مقاومته‭ ‬الاحتلال‭ ‬وايضا‭ ‬قوانين‭ ‬تلاحق‭ ‬مواطني‭ ‬تلك‭ ‬الدول‭ ‬المتعاطفين‭ ‬مع‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬تحت‭ ‬شعارات‭ ‬‮«‬العداء‭ ‬للسامية‮»‬‭. ‬وهنا‭ ‬التناقض‭ ‬الفاضح‭ ‬بين‭ ‬شعب‭ ‬له‭ ‬الحق‭ ‬بالمقاومة‭ ‬باعراف‭ ‬القانون‭ ‬والطبيعية‭ ‬والاخلاق‭ ‬والسياسية‭ ‬والانسانية‭ ‬لكنه‭ ‬يلاحق‭ ‬ويتهم‭ ‬بالارهاب،‭ ‬ومرتزق‭ ‬لا‭ ‬تربطه‭ ‬بمكان‭ ‬الصراع‭ ‬سوى‭ ‬المصالح‭ ‬الشخصية‭ ‬البعيدة‭ ‬عن‭ ‬الوطن‭ ‬والوطنية‭ ‬لكن‭ ‬يتم‭ ‬احتضانه‭ ‬وتغدق‭ ‬عليه‭ ‬كل‭ ‬المحفزات‭ ‬والامتيازات‭..‬

4‭) ‬نموذج‭ ‬آخر‭ ‬يبرز‭ ‬التناقض‭ ‬في‭ ‬التعاطي‭ ‬بين‭ ‬مسألة‭ ‬تتشابه‭ ‬الى‭ ‬حد‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬عناصرها‭ ‬وهي‭ ‬ازمة‭ ‬اللاجئين‭ ‬الاوكران‭. ‬ومع‭ ‬التأكيد‭ ‬على‭ ‬حق‭ ‬لاجئي‭ ‬اوكرانيا‭ ‬بالحصول‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬اشكال‭ ‬الدعم‭ ‬من‭ ‬اعضاء‭ ‬الاسرة‭ ‬الدولية‭ ‬وتوفير‭ ‬احتياجاتهم‭ ‬المعيشية،‭ ‬فان‭ ‬التناقض‭ ‬يبرز‭ ‬واضحا‭ ‬في‭ ‬النظرة‭ ‬التمييزية‭ ‬لمعظم‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬تجاه‭ ‬حالات‭ ‬انسانية‭ ‬مماثلة‭ ‬في‭ ‬اماكن‭ ‬اخرى‭ ‬من‭ ‬العالم‭ ‬وتجاه‭ ‬لاجئين‭ ‬من‭ ‬اجناس‭ ‬واعراق‭ ‬مختلفة‭.‬

لقد‭ ‬اغدقت‭ ‬الاموال‭ ‬على‭ ‬اللاجئين‭ ‬الاوكران‭ ‬الذين‭ ‬فروا‭ ‬نتيجة‭ ‬الحرب‭ ‬الى‭ ‬دول‭ ‬مجاورة،‭ ‬اما‭ ‬اللاجئون‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬الذين‭ ‬يتجاوز‭ ‬عددهم‭ ‬ستة‭ ‬ملايين‭ ‬ونصف‭ ‬المليون،‭ ‬فهم‭ ‬عاجزون‭ ‬عن‭ ‬الوصول‭ ‬الى‭ ‬احتياجاتهم‭ ‬المعيشية‭ ‬والحياتية،‭ ‬بسبب‭ ‬المشكلة‭ ‬المالية‭ ‬التي‭ ‬تعيشها‭ ‬وكالة‭ ‬الغوث‭ (‬الاونروا‭)‬،‭ ‬المعنية‭ ‬بتوفير‭ ‬الخدمات‭ ‬لهم،‭ ‬لدرجة‭ ‬ان‭ ‬هذه‭ ‬الوكالة‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬مواصلة‭ ‬تقديم‭ ‬خدمات‭ ‬الصحة‭ ‬والتعليم،‭ ‬وتعجز‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬عن‭ ‬معالجة‭ ‬عجز‭ ‬مالي‭ ‬بمبلغ‭ ‬بسيط‭ ‬جدا‭ ‬لا‭ ‬يكاد‭ ‬يساوي‭ ‬شيئا‭ ‬مقارنة‭ ‬بما‭ ‬قدمته‭ ‬لمناطق‭ ‬اخرى،‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬العكس‭ ‬فان‭ ‬وكالة‭ ‬الغوث‭ (‬التي‭ ‬هي‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬منظومة‭ ‬عمل‭ ‬الامم‭ ‬المتحدة‭) ‬هي‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬مرمى‭ ‬النار‭ ‬الاسرائيلية،‭ ‬لكن‭ ‬لا‭ ‬نجد‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الدول‭ ‬سوى‭ ‬الشكوى‭ ‬والاحتجاج‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬غير‭ ‬من‭ ‬واقع‭ ‬ولا‭ ‬قدم‭ ‬حلولا‭ ‬للمشاكل‭ ‬المالية‭ ‬والسياسية‭ ‬التي‭ ‬تشكو‭ ‬منها‭ ‬الاونروا،‭ ‬نتيجة‭ ‬لتسييس‭ ‬الدعم‭ ‬المالي‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬دول‭ ‬تسعى‭ ‬لتحقيق‭ ‬اهداف‭ ‬سياسية‭ ‬لصالح‭ ‬اسرائيل‭.‬

5‭) ‬في‭ ‬مجال‭ ‬العقوبات،‭ ‬وفي‭ ‬تأكيد‭ ‬على‭ ‬سياسة‭ ‬المعايير‭ ‬المزدوجة‭ ‬في‭ ‬التعاطي‭ ‬مع‭ ‬القضايا‭ ‬الدولية،‭ ‬فقد‭ ‬فرضت‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬على‭ ‬روسيا‭ ‬اكبر‭ ‬حزمة‭ ‬من‭ ‬العقوبات‭ ‬تشهدها‭ ‬دولة‭ ‬خلال‭ ‬فترة‭ ‬قصيرة‭ (‬من‭ ‬عام‭ ‬2022‭ ‬وحتى‭ ‬عام‭ ‬2024‭)‬،‭ ‬حيث‭ ‬بلغ‭ ‬عددها‭ ‬حوالي‭ ‬17‭ ‬الف‭ ‬عقوبة‭ ‬شاركت‭ ‬فيها‭ ‬بشكل‭ ‬اساسي‭: ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وعدد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الاوروبية‭ ‬وكندا‭ ‬واليابان،‭ ‬وشملت‭ ‬افرادا‭ ‬وكيانات‭ ‬روسية‭ ‬رسمية‭ ‬وخاصة‭ ‬سياسية،‭ ‬واقتصادية‭ ‬ومالية،‭ ‬وثقافية‭ ‬وفنية،‭ ‬وإعلامية‭ ‬ورياضية‭..‬

اما‭ ‬في‭ ‬العلاقة‭ ‬مع‭ ‬اسرائيل،‭ ‬ورغم‭ ‬مرور‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬عن‭ ‬76‭ ‬عاما‭ ‬على‭ ‬احتلال‭ ‬فلسطين‭ ‬و67‭ ‬عاما‭ ‬على‭ ‬احتلال‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬وقطاع‭ ‬غزه‭ ‬والقدس‭ ‬الشرقية،‭ ‬المرسم‭ ‬بقرارات‭ ‬من‭ ‬الامم‭ ‬المتحدة‭ ‬ومجلس‭ ‬الامن‭ ‬وعشرات‭ ‬المنظمات‭ ‬الدولية‭ ‬والاقليمية،‭ ‬الا‭ ‬ان‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬لم‭ ‬تتخذ‭ ‬ما‭ ‬ينسجم‭ ‬مع‭ ‬كون‭ ‬اسرائيل‭ ‬كدولة‭ ‬محتلة،‭ ‬رغم‭ ‬ان‭ ‬هذا‭ ‬التوصيف‭ ‬يحظى‭ ‬باجماع‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬واكدته‭ ‬مؤخرا‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية‭ ‬في‭ ‬تموز‭ ‬2024‭ ‬حين‭ ‬اعتبرت‭ ‬ان‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬للضفة‭ ‬الغربية‭ ‬والقدس‭ ‬الشرقية‭ ‬مخالف‭ ‬للقانون‭ ‬الدولي‭ ‬ووجب‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬الهيئات‭ ‬والدول‭ ‬الامتناع‭ ‬عن‭ ‬مساعدة‭ ‬أو‭ ‬دعم‭ ‬اسرائيل‭.. ‬لكن‭ ‬رغم‭ ‬ذلك‭ ‬لم‭ ‬تفرض‭ ‬على‭ ‬اسرائيل‭ ‬اية‭ ‬عقوبة‭ ‬ذات‭ ‬شأن،‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬العكس،‭ ‬زادت‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬من‭ ‬دعمها‭ ‬لاسرائيل‭ ‬على‭ ‬كافة‭ ‬المستويات‭ ‬العسكرية‭ ‬والمادية‭ ‬والسياسية‭ ‬والقانونية‭ ‬والقضائيو،‭ ‬ووفرت‭ ‬لها‭ ‬ديمومة‭ ‬البقاء‭ ‬والاستمرارية‭..‬

لن‭ ‬نستعرض‭ ‬تاريخ‭ ‬المجازر‭ ‬والجرائم‭ ‬الاسرائيلية‭ ‬ضد‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬فقد‭ ‬نود‭ ‬الاشارة‭ ‬الى‭ ‬انه‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الاربعة‭ ‬الاخير‭ (‬2021‭ – ‬2024‭) ‬استشهد‭ ‬برصاص‭ ‬الاحتلال‭ ‬والمستوطنين‭ ‬اكثر‭ ‬من1500‭ ‬شهيد‭ ‬فلسطيني‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬والقدس،‭ ‬اضافة‭ ‬الى‭ ‬آلاف‭ ‬الاعتداءات‭ ‬التي‭ ‬توزعت‭ ‬على‭ ‬اطلاق‭ ‬نار،‭ ‬حرق‭ ‬منازل‭ ‬وممتلكات،‭ ‬هدم‭ ‬منازل،‭ ‬اعتقالات‭ ‬واختطاف‭ ‬اطفال‭ ‬وغير‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬ممارسات‭ ‬ارهابية‭ ‬لم‭ ‬تجد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬الا‭ ‬الادانة‭ ‬اللفظية‭ ‬وعقوبات‭ ‬على‭ ‬بضع‭ ‬افراد‭ ‬من‭ ‬المستوطنين‭. ‬وهذه‭ ‬العقوبات‭ ‬هي‭ ‬بحد‭ ‬ذاتها‭ ‬تفتقد‭ ‬الى‭ ‬التوازن‭ ‬وتشكل‭ ‬انحيازا‭ ‬للاحتلال‭ ‬بل‭ ‬تواطؤ‭ ‬في‭ ‬الجريمة‭.  ‬فالحديث‭ ‬عن‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬‮«‬عنف‭ ‬المستوطنين‮»‬‭ ‬لا‭ ‬يعكس‭ ‬حقيقة‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬على‭ ‬الارض‭ ‬ويقدم‭ ‬المشهد‭ ‬على‭ ‬غير‭ ‬حقيقته‭. ‬لأن‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬ليس‭ ‬استفزازات‭ ‬غير‭ ‬قانونية‭ ‬كما‭ ‬تزعم‭ ‬بعض‭ ‬الدول،‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬لتخفيف‭ ‬وقع‭ ‬الاجرام‭ ‬الاسرائيلي،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬ارهاب‭ ‬منظم‭ ‬ومسلح‭.. ‬بل‭ ‬سياسة‭ ‬ممنهجة‭ ‬تحظى‭ ‬بدعم‭ ‬الحكومة‭ ‬ومختلف‭ ‬مؤسساتها‭ ‬وتهدف‭ ‬الى‭ ‬طرد‭ ‬وتهجير‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬في‭ ‬اطار‭ ‬استراتيجية‭ ‬نظام‭ ‬الابارتهايد‭ ‬الاسرائيلي‭. ‬

وبعيدا‭ ‬عن‭ ‬توصيف‭ ‬اسرائيل‭ ‬ككيان‭ ‬احتلالي‭ ‬يمارس‭ ‬كل‭ ‬اشكال‭ ‬الارهاب‭ ‬الموصوف‭ ‬وعشرات‭ ‬الجرائم‭ ‬التي‭ ‬تشكل‭ ‬كل‭ ‬واحدة‭ ‬منها‭ ‬سببا‭ ‬كافيا‭ ‬لعزلها‭ ‬ومقاطعتها‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الدولي‭. ‬وما‭ ‬فعلته‭ ‬اسرائيل‭ ‬خلال‭ ‬عام‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزه‭ ‬يستحق‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬ابعد‭ ‬من‭ ‬حالات‭ ‬الاستنكار‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬انهت‭ ‬احتلالا‭ ‬ولا‭ ‬اوقفت‭ ‬ممارسات‭ ‬احتلالية‭ ‬لم‭ ‬يشهدها‭ ‬اي‭ ‬احتلال‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الارض‭..  ‬ففي‭ ‬ارض‭ ‬القطاع،‭ ‬وخلال‭ ‬اقل‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬فقط،‭ ‬شهدت‭ ‬الانسانية‭ ‬افظع‭ ‬صور‭ ‬الابادة‭ ‬التي‭ ‬طالت‭ ‬كل‭ ‬شرائح‭ ‬المجتمع‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬ما‭ ‬يؤكد‭ ‬ان‭ ‬اسرائيل‭ ‬اعتمدت‭ ‬سياسة‭ ‬الارض‭ ‬المحرق‭ ‬بتدمير‭ ‬كل‭ ‬شيء‭:‬

لقد‭ ‬قتلت‭ ‬اسرائيل‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬الابادة‭ ‬في‭ ‬غزه‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬المبدعين‭ ‬والمفكرين‭ ‬الذين‭ ‬يتوزعون‭ ‬على‭ ‬كافة‭ ‬صنوف‭ ‬العلم‭ ‬والمعرفة‭ ‬من‭ ‬اساتذة‭ ‬جامعات‭ ‬وقامات‭ ‬علمية‭ ‬سجلت‭ ‬ابداعاتها‭ ‬لدى‭ ‬الهيئات‭ ‬الدولية‭ (‬اكثر‭ ‬من‭ ‬150‭ ‬شخصية‭ ‬من‭ ‬حملة‭ ‬درجة‭ ‬البروفيسور‭ ‬والدكتوراه‭ ‬والماجستير‭)‬،‭ ‬صحفيين،‭ ‬اطباء،‭ ‬مهندسين،‭ ‬ادباء،‭ ‬كفاءات‭ ‬من‭ ‬أصحاب‭ ‬الاختصاصات‭ ‬النادرة،‭ ‬رجال‭ ‬اعمال‭ ‬فنانين،‭ ‬اكثر‭ ‬من‭ ‬800‭ ‬من‭ ‬الكوادر‭ ‬الطبية،‭ ‬منهم‭ ‬اصحاب‭ ‬تخصصات‭ ‬نادرة‭ ‬وأساسية،‭ ‬تدمير‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬110‭ ‬جامعات‭ ‬ومدارس‭ ‬بشكل‭ ‬كلي،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬تدمير‭ ‬316‭ ‬جامعة‭ ‬ومدرسة‭ ‬بشكل‭ ‬جزئي‭.‬

كما‭ ‬طالت‭ ‬الحرب‭ ‬ايضا‭ ‬اكثر‭ ‬من‭  ‬350‭ ‬شهيدا‭ ‬من‭ ‬الرياضيين‭ ‬المنتمين‭ ‬الى‭ ‬اتحادات‭ ‬محلية‭ ‬واعضاء‭ ‬في‭ ‬الاتحادات‭ ‬الاقليمية‭ ‬والدولية،‭ ‬اضافة‭ ‬الى‭ ‬ان‭ ‬نحو‭ ‬90‭ ‬بالمائة‭ ‬من‭ ‬المرافق‭ ‬الرياضية‭ ‬تعرضت‭ ‬للتدمير‭. ‬ورغم‭ ‬ان‭ ‬الاتحاد‭ ‬الفلسطيني‭ ‬لكرة‭ ‬القدم‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬قد‭ ‬خاطب‭ ‬الاتحادات‭ ‬الرياضية‭ ‬الغربية‭ ‬والدولية‭ ‬بشأن‭ ‬جرائم‭ ‬اسرائيل‭ ‬واستهدافها‭ ‬المتعمد‭ ‬للحركة‭ ‬الرياضية‭ ‬ودعوتها‭ ‬لمقاطعتها،‭ ‬كما‭ ‬حصل‭ ‬مع‭ ‬الاتحادات‭ ‬الرياضية‭ ‬الروسية،‭ ‬الا‭ ‬ان‭ ‬ردة‭ ‬فعل‭ ‬تلك‭ ‬الاتحادات‭ ‬كانت‭ ‬الصمت‭ ‬والعجز‭ ‬نتيجة‭ ‬الضغوط‭ ‬السياسية‭ ‬التي‭ ‬تتعرض‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬الحكومات‭ ‬الغربية‭ ‬بشكل‭ ‬خاص‭.‬

وبغض‭ ‬النظر‭ ‬عما‭ ‬قامت‭ ‬به‭ ‬المقاومة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬في‭ ‬7‭ ‬اكتوبر‭ ‬من‭ ‬عملية‭ ‬جاءت‭ ‬نتيجة‭ ‬تراكمات‭ ‬من‭ ‬القهر‭ ‬والحصار‭ ‬والاحتلال‭ ‬والجرائم،‭ ‬فموقف‭ ‬الدول‭ ‬الغربية،‭ ‬خاصة‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬اعلنت‭ ‬دعمها‭ ‬للعدوان‭ ‬الاسرائيلي‭ ‬على‭ ‬غزه،‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬تعتبر‭ ‬ان‭ ‬اسرائيل‭ ‬تدافع‭ ‬عن‭ ‬نفسها،‭ ‬رغم‭ ‬انها‭ ‬دولة‭ ‬احتلال‭. ‬فأية‭ ‬قوانين‭ ‬استندت‭ ‬اليها‭ ‬تلك‭ ‬الدول‭ ‬في‭ ‬منح‭ ‬دولة‭ ‬احتلال‭ ‬الحق‭ ‬بالدفاع‭ ‬عن‭ ‬نفسها‭ ‬من‭ ‬شعب‭ ‬محتلة‭ ‬ارضه‭ ‬ويعيش‭ ‬القهر‭ ‬اليومي‭ ‬نتيجة‭ ‬هذا‭ ‬الاحتلال‭ ‬وما‭ ‬يترتب‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬فظائع‭ ‬يومية‭. ‬بل‭ ‬ان‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يبيح‭ ‬لشعب‭ ‬رازح‭ ‬تحت‭ ‬ظلم‭ ‬الاحتلال‭ ‬ان‭ ‬يقاومه‭ ‬بمختلف‭ ‬الاشكال،‭ ‬والواجب‭ ‬الاخلاقي‭ ‬والسياسي‭ ‬والقانوني‭ ‬والانساني‭ ‬لدول‭ ‬العالم‭ ‬هو‭ ‬دعم‭ ‬الشعب‭ ‬الذي‭ ‬يعيش‭ ‬الاحتلال‭ ‬ومعاقبة‭ ‬من‭ ‬يحتل‭ ‬الارض‭ ‬وليس‭ ‬العكس‭..‬

يعلم‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬وكل‭ ‬الشعوب‭ ‬الحرة‭ ‬ان‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية‭ ‬لا‭ ‬تتحرك‭ ‬استنادا‭ ‬للقانون‭ ‬والعدالة،‭ ‬بل‭ ‬ان‭ ‬المصالح‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تتحكم‭ ‬بسياسات‭ ‬الدول،‭ ‬التي‭ ‬تعرف‭ ‬لدينا‭ ‬بالنفاق‭ ‬السياسي،‭ ‬فكيف‭ ‬يمكن‭ ‬مطالبة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬ان‭ ‬تفرض‭ ‬عقوبات‭ ‬على‭ ‬دولة‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬تمدها‭ ‬بكل‭ ‬اشكال‭ ‬الدعم،‭ ‬بل‭ ‬انها‭ ‬تشكل‭ ‬اكسيرالحياة‭ ‬بالنسبة‭ ‬لاسرائيل‭ ‬ككيان‭ ‬ذو‭ ‬وظائف‭ ‬امنية‭ ‬واستراتيجية‭. ‬وكيف‭ ‬لدول‭ ‬مثل‭ ‬بريطانيا‭ ‬وايطاليا‭ ‬والمانيا‭ ‬وغيرها‭ ‬ان‭ ‬تكون‭ ‬متوازنة‭ ‬في‭ ‬علاقاتها‭ ‬الدولية‭ ‬وهي‭ ‬من‭ ‬تساهم‭ ‬في‭ ‬تزويد‭ ‬اسرائيل‭ ‬بالاسلحة‭ ‬وبالمعلومات‭ ‬الاستخباراتية‭ ‬والامنية،‭ ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬تدافع‭ ‬عنها‭ ‬في‭ ‬المحافل‭ ‬الدولية‭ ‬وداخل‭ ‬الدول‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يحاول‭ ‬انتقاد‭ ‬هذه‭ ‬السياسات‭..‬

لذلك‭ ‬لا‭ ‬يمكننا‭ ‬توصيف‭ ‬سياسة‭ ‬الشراكة‭ ‬في‭ ‬الجريمة‭ ‬بالمعايير‭ ‬المزدوجة،‭ ‬بل‭ ‬توصيفه‭ ‬الحقيقي‭ ‬الذي‭ ‬ينسجم‭ ‬مع‭ ‬الواقع‭ ‬هو‭ ‬ان‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬جزءا‭ ‬اساسيا‭ ‬من‭ ‬المشكلة،‭ ‬ولو‭ ‬ارادت‭ ‬ان‭ ‬تفرض‭ ‬على‭ ‬اسرائيل‭ ‬استجابتها‭ ‬والتزامها‭ ‬بالحد‭ ‬الادنى‭ ‬من‭ ‬قيم‭ ‬العدالة‭ ‬والانسانية‭ ‬لفعلت‭ ‬ذلك،‭ ‬لكن‭ ‬الواضح‭ ‬ان‭ ‬الوظيفة‭ ‬التاريخية‭ ‬التي‭ ‬اوكلت‭ ‬لاسرائيل،‭ ‬ورغم‭ ‬تآكلها‭ ‬وتعرضها‭ ‬لضربات‭ ‬كبيرة،‭ ‬فما‭ ‬زالت‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬تبذل‭ ‬محاولات‭ ‬لانعاشها،‭ ‬لكن‭ ‬المؤكد،‭ ‬وكما‭ ‬اكدت‭ ‬تجارب‭ ‬التاريخ،‭ ‬ان‭ ‬ارادة‭ ‬الشعوب‭ ‬هي‭ ‬الباقية‭ ‬والمنتصرة‭ ‬دوما‭..‬