على خلفية إستراتيجية «التطبيع» المقاومة في مواجهة «حرب الإستنزاف»

سبتمبر 11, 2024

خط‭ ‬‮«‬التطبيع‮»‬‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬دمج‭ ‬إسرائيل‭ ‬بنيوياً‭ ‬في‭ ‬المحيط،‭ ‬هو‭ ‬الإستراتيجية‭ ‬الحاكمة‭ ‬لسياسة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬الإقليم‭. ‬‮«‬طوفان‭ ‬الأقصى‮»‬‭ ‬لم‭ ‬يقطع‭ ‬دابر‭ ‬هذه‭ ‬الإستراتيجية،‭ ‬لكنه‭ ‬أبطأ‭ ‬إندفاعتها‭. ‬واشنطن‭ ‬–‭ ‬من‭ ‬جهتها‭ ‬–‭ ‬مازالت‭ ‬متمسكة‭ ‬بهذه‭ ‬الإستراتيجية‭ ‬لأنها‭ ‬تلبي‭ ‬مصالحها‭ ‬المباشرة‭ ‬في‭ ‬الإقليم،‭ ‬وتحقق‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬أهداف‭ ‬إستراتيجيتها‭ ‬العامة‭ ‬في‭ ‬إدامة‭ ‬موقعيتها‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭ ‬باحتواء‭ ‬نفوذ‭ ‬القوى‭ ‬المنافسة‭ ‬في‭ ‬الإقليم،‭ ‬وقطع‭ ‬الطريق‭ ‬أمام‭ ‬تمدد‭ ‬دور‭ ‬الصين‭.‬

على‭ ‬هذه‭ ‬الخلفية،‭ ‬حاولت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬إستثمار‭ ‬‮«‬طوفان‭ ‬الأقصى‮»‬‭ ‬بالتفعيلات‭ ‬الإيجابية‭ ‬التي‭ ‬أحدثها‭ ‬

‭ – ‬فلسطينياً‭ – ‬إلى‭ ‬حرب‭ ‬تخدم‭ ‬أهدافها،‭ ‬فشجعت‭ ‬إسرائيل‭ ‬على‭ ‬إشعال‭ ‬فتيل‭ ‬الحرب،‭ ‬للقضاء‭ ‬على‭ ‬المقاومة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬وتفكيك‭ ‬أوضاع‭ ‬جبهات‭ ‬الإسناد‭ ‬الداعمة‭ ‬لها‭.‬

إصطدم‭ ‬السعي‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬بمقاومة‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬فتحوَّلت‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬حرب‭ ‬إستنزاف‮»‬،‭ ‬باتت‭ ‬تُصيب،‭ ‬مع‭ ‬إستمرارها،‭ ‬مقتلاً‭ ‬من‭ ‬التفوق‭ ‬العسكري‭ ‬للعدو،‭ ‬يضع‭ ‬الكيان‭ ‬على‭ ‬سكة‭ ‬تفاقم‭ ‬أزمته‭ ‬البنيوية،‭ ‬ليس‭ ‬مرئياً‭ ‬متى‭ ‬سيخرج‭ ‬منها‭.‬

وبالمقابل‭ ‬فإن‭ ‬الحالة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬رغم‭ ‬الخسائر‭ ‬الجسيمة‭ ‬التي‭ ‬لحقت‭ ‬بها،‭ ‬مازالت‭ ‬تواصل‭ ‬المقاومة‭ ‬بوحدة‭ ‬رائعة‭ ‬في‭ ‬الميدان،‭ ‬تفتح‭ ‬أمامها،‭ ‬مع‭ ‬مواصلة‭ ‬الصمود،‭ ‬أفق‭ ‬التقدم‭ ‬نحو‭ ‬إنجاز‭ ‬الحقوق‭ ‬الوطنية؛‭ ‬ومرة‭ ‬أخرى‭ ‬تتأكد‭ ‬حقيقة‭ ‬أن‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬كونها‭ ‬قضية‭ ‬شعب‭ ‬يناضل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬التحرر‭ ‬الوطني‭ ‬وحق‭ ‬تقرير‭ ‬المصير،‭ ‬مازالت‭ ‬–‭ ‬كما‭ ‬كانت،‭ ‬وربما‭ ‬أكثر‭ – ‬محور‭ ‬إستقرار‭ ‬الإقليم‭ ‬وأمنه،‭ ‬ومفتاح‭ ‬تحولاته‭ ‬الإستراتيجية،‭ ‬وهذا‭ ‬مرهون‭ ‬–‭ ‬أيضاً‭ – ‬على‭ ‬ما‭ ‬سوف‭ ‬ترسو‭ ‬عليه‭ ‬الحرب‭ ‬من‭ ‬نتائج‭:‬

‭(‬1‭)‬

‮«‬حرب‭ ‬الإستنزاف‮»‬

من‭ ‬بين‭ ‬التوصيفات‭ ‬التي‭ ‬تُضفى‭ ‬على‭ ‬الحرب‭ ‬الدائر‭ ‬رحاها‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬فلسطين‭ ‬وحدودها‭ ‬الشمالية،‭ ‬وصولاً‭ ‬إلى‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أغلقت‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬عدادها‭ ‬على‭ ‬شهرها‭ ‬الحادي‭ ‬عشر،‭ ‬وفي‭ ‬ضوء‭ ‬تقدمها‭ ‬حثيثاً‭ ‬نحو‭ ‬إكتمال‭ ‬عامها‭ ‬الأول،‭ ‬لعل‭ ‬أكثر‭ ‬هذه‭ ‬التوصيفات‭ ‬دقة‭ ‬ومطابقة‭ ‬لما‭ ‬هو‭ ‬قائم،‭ ‬هو‭ ‬‮«‬حرب‭ ‬الإستنزاف‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تبرز‭ ‬السمة‭ ‬الفعلية‭ ‬للصراع‭ ‬الناشب،‭ ‬العسكري‭ ‬بأسلوبه،‭ ‬والوطني‭ ‬التحرري‭ ‬بمضمونه‭ ‬وأهدافه،‭ ‬كما‭ ‬يحملها‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬وضعت‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الأولى‭ ‬أوزارها،‭ ‬ويناضل‭ ‬من‭ ‬أجلها‭ ‬ويضحي‭ ‬في‭ ‬سبيلها‭ ‬شعب‭ ‬فلسطين،‭ ‬في‭ ‬دورة‭ ‬الزمن‭ ‬الممعن‭ ‬في‭ ‬إدامة‭ ‬إغتصاب‭ ‬حقوقه‭ ‬الوطنية‭.‬

‮«‬حرب‭ ‬الإستنزاف‮»‬‭ ‬مضادة‭ ‬بالكامل‭ ‬لـ«العقيدة‭ ‬العسكرية‮»‬‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬مفهوم‭ ‬‮«‬الحرب‭ ‬الخاطفة‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تكون‭ ‬أرض‭ ‬العدو‭ ‬مسرح‭ ‬عملياتها،‭ ‬بينما‭ ‬ما‭ ‬نشهده‭ ‬اليوم‭ ‬هو‭ ‬أعمال‭ ‬حربية‭ ‬ممتدة،‭ ‬تدور‭ ‬بقسم‭ ‬وافر‭ ‬منها‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الكيان‭ ‬الغاصب،‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬الأسلوب‭ ‬الذي‭ ‬تُدار‭ ‬فيه‭ ‬الأمور،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬خيار‭ ‬إسرائيل‭ ‬الأول،‭ ‬بل‭ ‬فُرِض‭ ‬عليها‭ ‬فرضاً،‭ ‬أي‭ ‬إضطُرت‭ ‬للإنسياق‭ ‬إليه‭ ‬رغماً‭ ‬عنها،‭ ‬لأسباب‭ ‬عدة،‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬دولة‭ ‬العدوان‭ ‬تُقَدِّر‭ ‬لا‭ ‬نشوءها،‭ ‬ولا‭ ‬تضافرها،‭ ‬ولا‭ ‬إمكانية‭ ‬إستمرارها‭.‬

تتحرك‭ ‬هذه‭ ‬الأسباب‭ ‬على‭ ‬مستويين‭: ‬الأول،‭ ‬هو‭ ‬السياق‭ ‬العام‭ ‬الذي‭ ‬أنتجها،‭ ‬لكون‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬نشبت‭ ‬في‭ ‬7‭/‬10،‭ ‬إكتست‭ ‬–‭ ‬منذ‭ ‬بدايتها‭ – ‬طابع‭ ‬الحرب‭ ‬ذات‭ ‬التداعيات‭ ‬الإقليمية،‭ ‬لا‭ ‬تقتصر‭ ‬مجرياتها‭ ‬على‭ ‬الدائرة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬–‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬المحض،‭ ‬بل‭ ‬تنداح‭ ‬بتفعيلاتها‭ ‬على‭ ‬محيطها‭. ‬ومن‭ ‬الواضح‭ ‬أن‭ ‬حرباً‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬القبيل،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬التحكم‭ ‬تماماً‭ ‬بمساراتها،‭ ‬أو‭ ‬حصرها‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬زماني‭ ‬ومكاني‭ ‬قاطع‭ ‬المعالم،‭ ‬ولا‭ ‬التحسب‭ ‬المسبق‭ ‬لحجم‭ ‬ونوعية‭ ‬القوى‭ ‬التي‭ ‬تنخرط‭ ‬فيها،‭ ‬ولا‭ ‬التنبؤ‭ ‬بتفاعلاتها‭ ‬السياسية‭ ‬متعددة‭ ‬الدوائر‭ ‬والمستويات،‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أنها‭ ‬ستكون‭ ‬حرباً‭ ‬مديدة،‭ ‬الإستنزاف‭ ‬يطبعها‭ ‬بميسمه،‭ ‬نمطاً‭ ‬وأسلوباً‭.‬

أما‭ ‬المستوى‭ ‬الثاني،‭ ‬فهو‭ ‬كناية‭ ‬عن‭ ‬4‭ ‬أسباب‭ ‬مباشرة‭:‬

1‭. ‬صلابة‭ ‬الجبهة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬التي‭ ‬إنصهرت‭ ‬في‭ ‬بوتقتها‭ ‬إرادة‭ ‬الشعب‭ ‬مع‭ ‬المقاومة‭.‬

2‭.  ‬الدور‭ ‬المؤثر‭ ‬سياسياً‭ ‬وفي‭ ‬الميدان‭ ‬لجبهات‭ ‬الإسناد،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬الفاعلة‭ ‬منها‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬متواصل‭ ‬منهجياً‭.‬

3‭.‬ فقدان‭ ‬العدو‭ ‬لحصرية‭ ‬إمتلاك‭ ‬قوة‭ ‬الردع،‭ ‬التي‭ ‬ثُلمت‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬مُعيب‭ ‬بالنسبة‭ ‬له‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬إختراق‭ ‬عملية‭ ‬‮«‬الطوفان‮»‬‭ ‬لكل‭ ‬الخطوط‭ ‬الحمر‭ ‬في‭ ‬ساعات‭ ‬الحرب‭ ‬الأولى،‭ ‬تلك‭ ‬القوة‭ ‬الردعية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تمنحه‭ ‬–‭ ‬فيما‭ ‬مضى‭ – ‬ميزة‭ ‬التفرد‭ ‬والتحكم‭ ‬بقرار‭ ‬التصعيد‭ ‬بوجهة‭ ‬الحسم‭.‬

4‭.‬ التفاعلات‭ ‬الخارجية‭ ‬متعددة‭ ‬الصيغ‭ ‬والأشكال،‭ ‬من‭ ‬حركة‭ ‬الشارع‭ – ‬مروراً‭ ‬بمواقف‭ ‬حكومات‭ – ‬وصولاً‭ ‬إلى‭ ‬قرارات‭ ‬الشرعية‭ ‬الدولية،‭ ‬تلك‭ ‬التفاعلات‭ ‬الضاغطة‭ ‬على‭ ‬مركز‭ ‬القرار‭ ‬في‭ ‬واشنطن،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أضحت‭ ‬هي‭ ‬إحدى‭ ‬العناصر‭ ‬المؤثرة‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬الداخلية‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة؛‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬تل‭ ‬أبيب،‭ ‬حيث‭ ‬صبَّت‭ ‬الزيت‭ ‬على‭ ‬نار‭ ‬الملفات‭ ‬الخلافية‭ ‬–‭ ‬وما‭ ‬أكثرها‭ ‬–‭ ‬وفي‭ ‬المقدمة‭ ‬ملف‭ ‬الأسرى‭ ‬المحتجزين‭ ‬لدى‭ ‬المقاومة‭.‬

‮«‬حرب‭ ‬الإستنزاف‮»‬‭ ‬التي‭ ‬إنجر‭ ‬إليها‭ ‬العدو‭ ‬بفعل‭ ‬صلابة‭ ‬المقاومة،‭ ‬تضعه‭ ‬أمام‭ ‬خيارين،‭ ‬كلاهما‭ ‬يعكس‭ ‬أزمته‭ ‬المستحكمة،‭ ‬ويقودان‭ ‬بالنتيجة‭ ‬إلى‭ ‬الإعتراف‭ ‬بالهزيمة‭:‬

•‭ ‬إما‭ ‬الإنكفاء،‭ ‬الذي‭ ‬يعني‭ ‬إعتراف‭ ‬إسرائيل‭ ‬بعجزها‭ ‬عن‭ ‬تحقيق‭ ‬أهدافها‭ ‬المعلنة،‭ ‬ما‭ ‬يساوي‭ ‬الهزيمة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬تُصنف‭ ‬ضمن‭ ‬فئة‭ ‬الحروب‭ ‬غير‭ ‬المتناظرة،‭ ‬حيث‭ ‬يَهزم‭ ‬التشكيل‭ ‬الفدائي‭ (‬للمستعمَر‭) ‬التشكيل‭ ‬النظامي‭ (‬للمستعمِر‭)‬،‭ ‬عندما‭ ‬لا‭ ‬يُمَكِّن‭ ‬الأخير‭ ‬من‭ ‬تحقيق‭ ‬مراميه‭.‬

•‭ ‬أو‭ ‬التصعيد،‭ ‬الذي‭ ‬–‭ ‬بدوره‭ ‬–‭ ‬يصطدم‭ ‬بعقبتين‭:‬

1‭.‬ قدرة‭ ‬جبهة‭ ‬المقاومة‭ ‬على‭ ‬الرد‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬إدراك‭ ‬العدو‭ ‬عدم‭ ‬إستطاعته‭ ‬تحمل‭ ‬الخسائر‭ ‬البشرية،‭ ‬على‭ ‬نقيض‭ ‬من‭ ‬يواجهه‭.‬

2‭.‬ عدم‭ ‬موافقة‭ ‬واشنطن‭ ‬للإنجرار‭ ‬إلى‭ ‬حرب‭ ‬واسعة‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الإقليم،‭ ‬لتعارضها‭ ‬مع‭ ‬مصالحها؛‭ ‬فالحرب‭ ‬التي‭ ‬نحن‭ ‬بصددها‭ ‬هي‭ ‬‮«‬حرب‭ ‬أميركية‮»‬‭ ‬من‭ ‬زاوية‭ ‬الإمداد‭ ‬والتمويل‭ ‬والإستخبار‭ ‬وتوفير‭ ‬المظلة‭ ‬السياسية،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬التموضع‭ ‬العسكري‭ ‬على‭ ‬تخوم‭ ‬مسرح‭ ‬العمليات‭ ‬والتلويح‭ ‬بالتدخل‭ ‬كلما‭ ‬إقتضى‭ ‬الأمر؛‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬مرجعية‭ ‬واشنطن‭ ‬القاطعة‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بقرارات‭ ‬السياسة‭ ‬العليا‭ ‬التي‭ ‬تبت‭ ‬بمستوى‭ ‬التصعيد،‭ ‬وتوقيته‭.‬

إن‭ ‬خوض‭ ‬‮«‬حرب‭ ‬إستنزاف‮»‬‭ ‬ضد‭ ‬قوات‭ ‬الإحتلال‭ ‬ستكون‭ ‬نتائجها‭ ‬عنصراً‭ ‬مهماً،‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬الأهم،‭ ‬في‭ ‬رسم‭ ‬نهاية‭ ‬الحرب‭ ‬الضارية‭ ‬في‭ ‬القطاع،‭ ‬وفي‭ ‬التأثير‭ ‬على‭ ‬المواجهات‭ ‬الجارية‭ ‬في‭ ‬الضفة،‭ ‬وفي‭ ‬إجهاض‭ ‬مشروع‭ ‬الحكومة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬لمستقبل‭ ‬الضفة‭ ‬والقدس‭ ‬والقطاع‭ ‬معاً‭.‬

‭(‬2‭)‬

الشعب‭ ‬مصدر‭ ‬المقاومة،‭ ‬وحاميها

تنطلق‭ ‬المقاومة‭ ‬ضد‭ ‬الإحتلال‭ ‬من‭ ‬الشعب‭ ‬والمجتمع‭ ‬أولاً،‭ ‬ولولا‭ ‬إنخراط‭ ‬الشعب‭ ‬والمجتمع‭ ‬بأسره‭ ‬في‭ ‬المقاومة،‭ ‬لما‭ ‬كان‭ ‬بإمكان‭ ‬الأجنحة‭ ‬العسكرية‭ ‬أن‭ ‬تصمد‭ ‬طيلة‭ ‬هذه‭ ‬الفترة‭ ‬في‭ ‬المعارك‭ ‬المُكْلِفة‭ ‬بقطاع‭ ‬غزة،‭ ‬آخذين‭ ‬بالإعتبار‭ ‬الإختلال‭ ‬الواسع‭ ‬في‭ ‬ميزان‭ ‬القوى‭ ‬بين‭ ‬إمكانيات‭ ‬الحركة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬باعتبارها‭ ‬قائمة‭ ‬على‭ ‬تشكيلات‭ ‬فدائية،‭ ‬في‭ ‬جغرافيا‭ ‬ضيقة‭ ‬ومحاصرة،‭ ‬وبين‭ ‬إمكانيات‭ ‬العدو‭ ‬الصهيوني‭ ‬العسكرية‭ ‬المتفوقة،‭ ‬بخطوط‭ ‬إمداد‭ ‬سخية‭ ‬ومفتوحة،‭ ‬وهذا‭ ‬يؤشر‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬إلى‭ ‬عمق‭ ‬العلاقة‭ ‬التي‭ ‬تربط‭ ‬المقاومة‭ ‬بمجتمعها‭ ‬وبجماهيرها،‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أننا‭ ‬أمام‭ ‬شعب‭ ‬واحد،‭ ‬ذي‭ ‬إرادة‭ ‬سياسية‭ ‬موحدة،‭ ‬واستعداد‭ ‬عالٍ‭ ‬لتقديم‭ ‬كل‭ ‬التضحيات‭ ‬اللازمة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬مستقبل‭ ‬الوطن،‭ ‬حريته‭ ‬واستقلاله‭. ‬

التنسيق‭ ‬بين‭ ‬مختلف‭ ‬الأجنحة‭ ‬العسكرية‭ ‬في‭ ‬الميدان،‭ ‬حيث‭ ‬تخاض‭ ‬المعارك،‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬أو‭ ‬القدس،‭ ‬متقدم‭ ‬ومثمر‭ ‬وواعد؛‭ ‬الثغرة‭ ‬بالوضع‭ ‬الفلسطيني‭ ‬أو‭ ‬العقدة‭ ‬فيه‭ ‬ليست‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الجانب،‭ ‬بل‭ ‬بالإفتقاد‭ ‬إلى‭ ‬الوحدة‭ ‬الداخلية،‭ ‬فالساحة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬تنحكم‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬تصور‭ ‬سياسي،‭ ‬ولأكثر‭ ‬من‭ ‬رؤية‭ ‬إستراتيجية،‭ ‬ولأكثر‭ ‬من‭ ‬مرجعية‭ ‬تنظيمية،‭ ‬فيضحى‭ ‬المطروح‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬على‭ ‬جدول‭ ‬أعمال‭ ‬الحركة‭ ‬الوطنية،‭ ‬هو‭ ‬السعي‭ ‬بشكل‭ ‬جدي‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬توافقات،‭ ‬تجمع‭ ‬بين‭ ‬طاقات‭ ‬القوى‭ ‬الفاعلة،‭ ‬وتوحدها‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬تجدر‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬التنسيق‭ ‬والتعاون‭ ‬الجاري‭ ‬بين‭ ‬مختلف‭ ‬فصائل‭ ‬العمل‭ ‬الوطني‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬المعركة،‭ ‬يلتقي‭ ‬مع‭ ‬إستعداد‭ ‬مجتمعي‭ ‬وجماهيري‭ ‬متقدم‭ ‬لإسناد‭ ‬هذا‭ ‬العمل‭ ‬بكل‭ ‬الطاقات‭ ‬المتوفرة‭. ‬

من‭ ‬هنا‭ ‬أهمية‭ ‬تسليط‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬حقيقة‭ ‬أن‭ ‬الشعب‭ ‬هو‭ ‬المقاومة،‭ ‬المجتمع‭ ‬هو‭ ‬المُنْجِب‭ ‬والحاضن‭ ‬معاً‭ ‬للمقاومة‭ ‬الذي‭ ‬يمدها‭ ‬بعناصر‭ ‬القوة‭ ‬والتجدد؛‭ ‬أما‭ ‬التشكيلات‭ ‬العسكرية،‭ ‬فهي‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬أذرع‭ ‬تنفيذية‭ ‬لهذه‭ ‬الإرادة‭ ‬الشعبية،‭ ‬إرادة‭ ‬المجتمع‭ ‬الفلسطيني‭ ‬للمقاومة‭ ‬بكل‭ ‬الوسائل‭ ‬المتاحة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬وضع‭ ‬حد‭ ‬للعدوان‭ ‬الصهيوني‭ ‬المتمادي‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬والشعب‭ ‬معاً‭.‬

■‭ ‬إن‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬يدرك‭ ‬الأهمية‭ ‬الفائقة،‭ ‬لا‭ ‬بل‭ ‬المصيرية،‭ ‬للعلاقة‭ ‬الوثيقة‭ ‬القائمة‭ ‬بين‭ ‬المقاومة‭ ‬والشعب،‭ ‬هو‭ ‬العدو‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬الذي‭ ‬إستخلص،‭ ‬بعد‭ ‬حرب‭ ‬2006‭ ‬ضد‭ ‬المقاومة‭ ‬في‭ ‬لبنان،‭ ‬ما‭ ‬أسماه‭ ‬بـ«عقيدة‭ ‬الضاحية‮»‬‭ ‬نسبة‭ ‬للضاحية‭ ‬الجنوبية‭ ‬لمدينة‭ ‬بيروت،‭ ‬كما‭ ‬بلورها‭ ‬غينادي‭ ‬أيزنكوت‭ ‬–‭ ‬رئيس‭ ‬هيئة‭ ‬الأركان‭ ‬الأسبق،‭ ‬والتي‭ ‬تدور‭ ‬حول‭ ‬الفكرة‭ ‬المركزية‭ ‬التالية‭: ‬إن‭ ‬إلحاق‭ ‬الدمار‭ ‬الواسع‭ ‬بالبنية‭ ‬التحتية‭ ‬وبالعمار‭ ‬عموماً‭ ‬في‭ ‬المعسكر‭ ‬المعادي،‭ ‬إذ‭ ‬يؤدي‭ ‬بالأضرار‭ ‬الفادحة‭ ‬التي‭ ‬يتسبب‭ ‬بها‭ ‬إلى‭ ‬فصل‭ ‬الشعب‭ ‬وإبعاده‭ ‬عن‭ ‬المقاومة،‭ ‬أي‭ ‬عزلها‭ ‬عنه،‭ ‬فهو‭ ‬يشكل‭ ‬الخطوة‭ ‬اللازمة‭ ‬لإلحاق‭ ‬الهزيمة‭ ‬بالعمل‭ ‬المقاوم‭.‬

‭ (‬3‭)‬

‮«‬الطوفان‮»‬‭: ‬مرحلة‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬الإستقلال

معادلات‭ ‬النضال،‭ ‬والشروط‭ ‬التي‭ ‬تتحكم‭ ‬بالعملية‭ ‬الكفاحية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬بعد‭ ‬7‭ ‬أكتوبر،‭ ‬تَغَيَّرت‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬نوعي،‭ ‬أي‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬مسلماً‭ ‬به‭ ‬قبل‭ ‬7‭/‬10،‭ ‬لم‭ ‬يَعُدْ‭ ‬كذلك،‭ ‬حيث‭ ‬بتنا‭ ‬حالياً‭ ‬أمام‭ ‬سياق‭ ‬استراتيجي‭ ‬ومعادلات‭ ‬سياسية‭ ‬مختلفة‭ ‬نوعياً‭ ‬عما‭ ‬سبق؛‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه،‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬خيار‭ ‬المقاومة،‭ ‬خيار‭ ‬القتال،‭ ‬إرادة‭ ‬القتال،‭ ‬إرادة‭ ‬الصمود،‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬بات‭ ‬من‭ ‬المسلمات،‭ ‬فهذه‭ ‬الأمور‭ – ‬أساساً‭ – ‬ليست‭ ‬مستجدة‭ ‬أو‭ ‬طارئة‭ ‬على‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬الذي‭ ‬مرَّ‭ ‬بأكثر‭ ‬من‭ ‬مرحلة،‭ ‬واجتاز‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬محطة،‭ ‬أبدى‭ ‬فيها‭ ‬جاهزية‭ ‬عالية‭ ‬لخوض‭ ‬أصعب‭ ‬المعارك،‭ ‬في‭ ‬أصعب‭ ‬الظروف،‭ ‬وبأغلى‭ ‬التضحيات،‭ ‬ما‭ ‬يعتبر‭ ‬من‭ ‬الموروث‭ ‬المتراكم‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬عقود‭ ‬النضال‭ ‬المنقضية؛‭ ‬لكن‭ ‬الجديد‭ ‬الآن،‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬بات‭ ‬أمام‭ ‬خيار‭ ‬له‭ ‬الأولوية‭ ‬بلا‭ ‬منازع‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬عداه،‭ ‬ألا‭ ‬وهو‭ ‬المقاومة،‭ ‬المقاومة‭ ‬بكل‭ ‬أشكالها‭. ‬لذلك،‭ ‬نعتبر‭ ‬أن‭ ‬حرب‭ ‬‮«‬طوفان‭ ‬الأقصى‮»‬،‭ ‬إنما‭ ‬تؤذن‭ ‬بمرحلة‭ ‬نوعية‭ ‬في‭ ‬المواجهة‭ ‬بين‭ ‬المشروع‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬الإستعماري‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬وبين‭ ‬المشروع‭ ‬الوطني‭ ‬التحرري‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭.‬

■‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬لا‭ ‬تُقاس‭ ‬زمنياً‭ ‬بالشهور،‭ ‬بل‭ ‬بمديات‭ ‬أطول،‭ ‬وتُخاض‭ ‬بأشكال‭ ‬مختلفة‭ ‬في‭ ‬ساحات‭ ‬عدة،‭ ‬لذلك‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬نَعُدَّ‭ ‬العدة‭ ‬كفصائل‭ ‬وكحركة‭ ‬جماهيرية‭ ‬وكمجتمع‭ ‬فلسطيني،‭ ‬لمواجهة‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬المديدة،‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬ينجم‭ ‬عنها‭ ‬من‭ ‬تضحيات‭ ‬وما‭ ‬يترتب‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬مسؤوليات،‭ ‬فالحرب‭ ‬التي‭ ‬نحن‭ ‬بصددها‭ ‬هي‭ ‬الحرب‭ ‬الأخيرة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬حرب‭ ‬بعدها،‭ ‬نحن‭ ‬الآن‭ ‬أمام‭ ‬حرب‭ ‬الشعب‭ ‬التي‭ ‬ستقود‭ ‬إلى‭ ‬التحرير،‭ ‬والإستقلال،‭ ‬وطرد‭ ‬الإحتلال،‭ ‬وممارسة‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬المصير؛‭ ‬وبالتالي،‭ ‬فإن‭ ‬مواجهة‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬ومترتباتها،‭ ‬تستدعي‭ ‬إتخاذ‭ ‬كل‭ ‬الإجراءات‭ ‬اللازمة،‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬أن‭ ‬تُحشِّد‭ ‬الطاقات‭ ‬الفلسطينية‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬فلسطين‭ ‬وخارجها،‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬مكان‭ ‬لكي‭ ‬نرقى‭ ‬بأوضاعنا‭ ‬إلى‭ ‬مستوى‭ ‬التحدي

‭ (‬4‭)‬

رسالة‭ ‬جبهات‭ ‬الإسناد

رسالة‭ ‬جبهات‭ ‬الإسناد‭ ‬واضحة‭ ‬تماماً،‭ ‬ومضمونها‭ ‬أن‭ ‬القوى‭ ‬التي‭ ‬تنتمي‭ ‬إلى‭ ‬جبهة‭ ‬المقاومة،‭ ‬وهي‭ ‬قوى‭ ‬حركة‭ ‬تحرر‭ ‬وطني‭ ‬بالأساس،‭ ‬لن‭ ‬تَدَع‭ ‬العدو‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬وحلفاءه‭ ‬يستفردون‭ ‬بالشعب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬فهذا‭ ‬الشعب‭ ‬يملك‭ ‬عمقاً‭ ‬نضالياً‭ ‬حقيقياً‭ ‬بمعانيه‭ ‬الدلالية،‭ ‬ومضامينه‭ ‬السياسية‭ ‬والأخلاقية‭ ‬والعسكرية‭ ‬والمادية،‭ ‬والمؤكد‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الرسالة‭ ‬قد‭ ‬وصلت‭ ‬وبشكل‭ ‬واضح‭ ‬إلى‭ ‬معسكر‭ ‬الأعداء،‭ ‬ونقدّر‭ ‬أن‭ ‬جبهات‭ ‬الإسناد‭ ‬مقبلة‭ ‬على‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬النشاط‭ ‬والعمل؛‭ ‬وبالتالي،‭ ‬فإن‭ ‬دورها‭ ‬الداعم‭ ‬في‭ ‬المعركة‭ ‬الدائر‭ ‬رحاها‭ ‬حالياً‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬فلسطين،‭ ‬سوف‭ ‬يتعزز‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬القادمة،‭ ‬بدليل‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬حالياً‭ ‬على‭ ‬جبهة‭ ‬المواجهة‭ ‬بين‭ ‬شمال‭ ‬فلسطين‭ ‬المحتلة‭ ‬وجنوب‭ ‬لبنان،‭ ‬ما‭ ‬يؤشر‭ ‬إلى‭ ‬المنحى‭ ‬الصاعد‭ ‬للمواجهة‭ ‬الجارية‭ ‬فصولاً‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬موقع‭ ‬ومكان،‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬فلسطين‭ ‬قطاعاً‭ ‬وضفة،‭ ‬وعلى‭ ‬حدود‭ ‬فلسطين،‭ ‬لا‭ ‬بل‭ ‬يتجاوزها‭ ‬في‭ ‬المدى‭ ‬والتأثير‭.‬

المستوى‭ ‬الذي‭ ‬آلت‭ ‬إليه‭ ‬الأمور‭ ‬عسكرياً‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬لبنان،‭ ‬يؤكد‭ ‬أن‭ ‬جبهة‭ ‬القتال‭ ‬هذه‭ ‬مؤثرة‭ ‬على‭ ‬العدو‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬ومربكة‭ ‬لأوضاعه،‭ ‬لا‭ ‬بل‭ ‬مُستنزِفة‭ ‬لإمكانياته،‭ ‬ما‭ ‬يؤكده‭ ‬إضطرار‭ ‬عشرات‭ ‬آلاف‭ ‬المستوطنين‭ ‬لإخلاء‭ ‬أوكارهم‭ ‬شمال‭ ‬فلسطين‭ ‬المحتلة،‭ ‬مما‭ ‬شكل‭ ‬ضغطاً‭ ‬حقيقياً‭ ‬على‭ ‬الحكومة،‭ ‬وعلى‭ ‬المجتمع‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬بأسره؛‭ ‬إذن‭ ‬نحن‭ ‬أمام‭ ‬جبهة‭ ‬إشتباك،‭ ‬إذا‭ ‬صح‭ ‬أنها‭ ‬تندرج‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ ‬‮«‬الدعم‭ ‬والإسناد‮»‬،‭ ‬فإنها‭ ‬تكتسي‭ ‬أكثر‭ ‬فأكثر‭ ‬مضموناً‭ ‬لـ«المشاركة‮»‬‭ ‬الحقيقية‭ ‬وبآفاق‭ ‬متسعة‭ ‬في‭ ‬الحرب،‭ ‬بحيث‭ ‬باتت‭ ‬جزءاً‭ ‬لا‭ ‬يتجزأ‭ ‬من‭ ‬العناصر‭ ‬والمكونات‭ ‬التي‭ ‬تصب‭ ‬في‭ ‬صناعة‭ ‬ميزان‭ ‬القوى‭ ‬وتعزيزه‭ ‬في‭ ‬المعارك‭ ‬المحتدمة‭ ‬في‭ ‬فلسطين،‭ ‬وبكل‭ ‬التداعيات‭ ‬التي‭ ‬تطلقها‭ ‬في‭ ‬مدى‭ ‬الإقليم‭.‬

وإلى‭ ‬ما‭ ‬سبق‭ ‬نضيف‭: ‬صحيح‭ ‬أن‭ ‬الحرب‭ ‬الدائرة‭ ‬بين‭ ‬جنوب‭ ‬لبنان‭ ‬وشمال‭ ‬فلسطين‭ ‬تنحكم‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بـ«قواعد‭ ‬الإشتباك‮»‬،‭ ‬لكنها‭ ‬‮«‬قواعد‮»‬‭ ‬متحركة‭ ‬بسقف‭ ‬صاعد،‭ ‬أي‭ ‬أنها‭ ‬تزداد‭ ‬إحتداماً‭ ‬وسخونة،‭ ‬وبالتالي‭ ‬فهي‭ ‬تضعنا‭ ‬يومياً‭ ‬أمام‭ ‬معادلات‭ ‬متدحرجة‭ ‬بدينامية‭ ‬عالية‭. ‬نحن‭ ‬لسنا‭ ‬أمام‭ ‬جبهة‭ ‬ثابتة،‭ ‬أو‭ ‬ميدان‭ ‬معركة‭ ‬محكوم‭ ‬بمعادلات‭ ‬مرئية‭ ‬مسبقاً‭ ‬بنتائجها،‭ ‬بل‭ ‬نحن‭ ‬أمام‭ ‬ميدان‭ ‬يُنبيء‭ ‬بمزيد‭ ‬من‭ ‬الإتساع‭ ‬والفعالية،‭ ‬وبالتالي‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬ندقق‭ ‬بما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تؤدي‭ ‬إليه‭ ‬الأوضاع‭ ‬الآن‭ ‬على‭ ‬جبهات‭ ‬الإسناد‭ ‬والمشاغلة،‭ ‬آخذين‭ ‬في‭ ‬حساباتنا‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬تخضع‭ ‬بجميع‭ ‬مكوناتها‭ ‬للقوانين‭ ‬نفسها،‭ ‬للقواعد‭ ‬ذاتها،‭ ‬حيث‭ ‬لكل‭ ‬مكون‭ ‬خصوصيته،‭ ‬واعتباراته،‭ ‬وصولاً‭ ‬إلى‭ ‬أولوياته،‭ ‬لكننا‭ ‬نلاحظ‭ ‬بارتياح‭ ‬فعالية‭ ‬المحور‭ ‬الفاعل‭ ‬على‭ ‬الجبهة‭ ‬السورية‭ ‬–‭ ‬اللبنانية‭ ‬المتحدة‭.‬

■‭ ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬لا‭ ‬يفوتنا‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الجبهة،‭ ‬بالذات‭ ‬–‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬إنحكامها‭ ‬إلى‭ ‬قواعد‭ ‬إشتباك‭ ‬ترسم‭ ‬حدودها‭- ‬فقد‭ ‬دخل‭ ‬عليها‭ ‬عامل‭ ‬آخر‭ ‬هو‭: ‬الصراع‭ ‬على‭ ‬من‭ ‬يتحكم‭ ‬بميزان‭ ‬الردع،‭ ‬ما‭ ‬جعل‭ ‬سقفها‭ ‬يتحرك‭ ‬صعوداً‭. ‬إذن‭ ‬نحن‭ ‬أمام‭ ‬فعل‭ ‬‮«‬قانونين‮»‬‭ ‬متداخلين،‭ ‬يضفي‭ ‬ثانيهما‭ ‬المتمثل‭ ‬بمن‭ ‬يتفوق‭ ‬في‭ ‬ميزان‭ ‬الردع،‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الدينامية‭ ‬على‭ ‬الأول،‭ ‬المقيَّد‭ ‬بقواعد‭ ‬الإشتباك‭. ‬إن‭ ‬هذا‭ ‬التداعي،‭ ‬بحِراكه‭ ‬وتفاعلاته،‭ ‬يضع‭ ‬المقاومة‭ ‬على‭ ‬جبهة‭ ‬شمال‭ ‬فلسطين‭ ‬أمام‭ ‬إحتمالات‭ ‬التصعيد‭.‬

■‭ ‬إن‭ ‬دخول‭ ‬المقاومة‭ ‬مرحلة‭ ‬‮«‬حرب‭ ‬الإستنزاف‮»‬‭ ‬أمر‭ ‬يتطلب‭ ‬من‭ ‬جبهات‭ ‬الإسناد‭ ‬والمشاغلة‭ ‬هي‭ ‬الأخرى‭ ‬تطوير‭ ‬أدواتها‭ ‬وأساليبها‭ ‬القتالية،‭ ‬بحيث‭ ‬تنغلق‭ ‬الدائرة‭ ‬على‭ ‬العدو،‭ ‬ويستمر‭ ‬بالأحمال‭ ‬الثقيلة‭ ‬التي‭ ‬وضعتها‭ ‬على‭ ‬كتفيه‭ ‬‮«‬حرب‭ ‬الإستنزاف‮»‬‭ ‬المستمرة،‭ ‬ما‭ ‬يرغمه‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف‭ ‬إلى‭ ‬التسليم‭ ‬بما‭ ‬يضمن‭ ‬المصلحة‭ ‬الوطنية‭ ‬كما‭ ‬تراها‭ ‬المقاومة‭. ‬وبالنتيجة‭ ‬فإن‭ ‬وقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار‭- ‬حتى‭ ‬بعد‭ ‬وقوعه‭ ‬–‭ ‬فإنه‭ ‬لن‭ ‬ينجح‭ ‬في‭ ‬محو‭ ‬النتائج‭ ‬التي‭ ‬أحدثتها‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬تضحيات‭ ‬جبهات‭ ‬الإسناد‭ ‬والمشاغلة‭.‬

‭(‬5‭)‬

الدور‭ ‬الأميركي

إن‭ ‬غرفة‭ ‬العمليات‭ ‬المركزية‭ ‬في‭ ‬واشنطن،‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تمسك‭ ‬بقرار‭ ‬إيقاف‭ ‬الحرب‭ ‬عند‭ ‬مستوى‭ ‬معين‭ ‬من‭ ‬الإحتدام،‭ ‬فالقرار‭ ‬بالتصعيد‭ ‬ليس‭ ‬قراراً‭ ‬إسرائيلياً‭ ‬‮«‬صافياً‮»‬‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬معروف،‭ ‬ورغم‭ ‬كل‭ ‬المناورات‭ ‬التي‭ ‬تشيع‭ ‬أن‭ ‬الحكومة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬برئاسة‭ ‬نتنياهو،‭ ‬‮«‬تتمرد‮»‬‭ ‬على‭ ‬قرار‭ ‬واشنطن،‭ ‬أو‭ ‬تشق‭ ‬عصا‭ ‬الطاعة‭ ‬على‭ ‬الإدارة‭ ‬الأميركية،‭ ‬فهي‭ ‬ليست‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬كلام‭ ‬إستهلاكي،‭ ‬والخلافات‭ ‬الناشبة‭ ‬بين‭ ‬الحين‭ ‬والآخر‭ ‬ليست‭ ‬سوى‭ ‬‮«‬إحتقانات‮»‬‭ ‬عابرة‭ ‬في‭ ‬علاقات‭ ‬العروة‭ ‬الوثقى‭ ‬بين‭ ‬الطرفين؛‭ ‬والمعروف‭ ‬أن‭ ‬قرار‭ ‬التصعيد‭ ‬النوعي‭ ‬من‭ ‬عدمه،‭ ‬يُتخذ‭ ‬في‭ ‬غرفة‭ ‬عمليات‭ ‬تتمركز‭ ‬في‭ ‬واشنطن‭ ‬داخل‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض،‭ ‬لا‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬المكتب‭ ‬البيضاوي،‭ ‬وليس‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬آخر‭.‬

■‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الإطار‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نلاحظ‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬تعمل‭ ‬فيه‭ ‬بدأب‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬منع‭ ‬إنفجار‭ ‬الحرب‭ ‬الشاملة‭ ‬في‭ ‬الإقليم،‭ ‬لتعارضها‭ ‬مع‭ ‬مصالحها،‭ ‬فإنها‭ ‬لا‭ ‬تعمل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬وقف‭ ‬الحرب‭ ‬طالما‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬تتحرك‭ ‬تحت‭ ‬سقف‭ ‬الهدف‭ ‬المتفق‭ ‬عليه‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭: ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬المقاومة‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬والقطاع،‭ ‬بما‭ ‬يخدم‭ ‬الإجهاز‭ ‬لاحقاً‭ ‬على‭ ‬المقاومة‭ ‬بشكل‭ ‬عام،‭ ‬أو‭ ‬تفكيكها‭ ‬بكل‭ ‬مكوناتها‭ ‬في‭ ‬الإقليم،‭ ‬على‭ ‬طريق‭ ‬إزالة‭ ‬العقبات‭ ‬التي‭ ‬مازالت‭ ‬تعترض‭ ‬سبيل‭ ‬إحكام‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬سيطرتها‭ ‬على‭ ‬أوضاع‭ ‬إقليم‭ ‬غرب‭ ‬آسيا،‭ ‬الذي‭ ‬يحتل‭ ‬المشرق‭ ‬العربي‭ ‬مركز‭ ‬القلب‭ ‬فيه‭.‬

من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬وبغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬قرار‭ ‬التدرج‭ ‬بالتصعيد،‭ ‬فإن‭ ‬7‭ ‬أكتوبر،‭ ‬إذ‭ ‬وضع‭ ‬حداً‭ ‬لما‭ ‬يسمى‭ ‬إمتلاك‭ ‬إسرائيل‭ ‬لقوة‭ ‬الردع‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تُصد‭ ‬ولا‭ ‬تُرد،‭ ‬فإن‭ ‬جيش‭ ‬العدو‭ ‬بات‭ ‬مضطراً‭ ‬للتخلي‭ ‬عن‭ ‬أحد‭ ‬مرتكزات‭ ‬عقيدته‭ ‬القتالية‭ ‬المتمثلة‭ ‬بامتلاك‭ ‬ميزة‭ ‬‮«‬الهيمنة‭ ‬على‭ ‬قرار‭ ‬التصعيد‮»‬،‭ ‬أو‭ ‬‮«‬التحكم‭ ‬بقرار‭ ‬التصعيد‮»‬،‭ ‬فعندما‭ ‬تصطدم‭ ‬آلته‭ ‬العسكرية‭ ‬بعقبات‭ ‬غير‭ ‬متوقعة،‭ ‬فهو‭ ‬يزج‭ ‬في‭ ‬المعركة‭ ‬بمزيد‭ ‬من‭ ‬القوى‭ ‬والإمكانيات‭. ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬الشعار‭ ‬الذي‭ ‬ما‭ ‬إنفكت‭ ‬تروجه‭ ‬–‭ ‬لا‭ ‬بل‭ ‬تتباهى‭ ‬به‭ – ‬مستوياته‭ ‬القيادية،‭ ‬بمناسبة‭  ‬ودون‭ ‬مناسبة‭: ‬‮«‬ما‭ ‬لا‭ ‬يُحل‭ ‬بالقوة،‭ ‬يُحَل‭ ‬بمزيد‭ ‬من‭ ‬القوة‮»‬،‭ ‬علماً‭ ‬–‭ ‬وكما‭ ‬تعلم‭ ‬التجربة‭ – ‬أن‭ ‬‮«‬فرط‭ ‬القوة‮»‬‭ – ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يحقق‭ ‬أغراضه‭ ‬–‭ ‬يتحول‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬عجز‭ ‬القوة‮»‬‭. ‬وبتقديرنا‭ ‬أن‭ ‬العدو‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭.‬

في‭ ‬هذا‭ ‬الإطار‭ ‬نلاحظ‭ ‬مايلي‭: ‬إن‭ ‬هذا‭ ‬العنصر‭ ‬في‭ ‬العقيدة‭ ‬العسكرية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬المتمثل‭ ‬بما‭ ‬تدعيه‭ ‬من‭ ‬إنفرادها‭ ‬بامتلاك‭ ‬ميزة‭ ‬التحكم‭ ‬بقرار‭ ‬التصعيد‭ ‬هذا،‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬بمقدوره‭ ‬أن‭ ‬يغيِّر‭ ‬كثيراً‭ ‬في‭ ‬ميزان‭ ‬القوى‭ ‬في‭ ‬المواجهة‭ ‬المستعرة‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬الجبهات،‭ ‬فإذا‭ ‬كان‭ ‬بمقدور‭ ‬إسرائيل‭ ‬أن‭ ‬تصعّد‭ ‬فبوسع‭ ‬قوى‭ ‬المقاومة‭ ‬أن‭ ‬تصعّد‭ ‬هي‭ ‬الأخرى؛‭ ‬إذن‭ ‬هناك‭ ‬عملية‭ ‬تداعٍ‭ ‬لم‭ ‬تَعُدْ‭ ‬فيها‭ ‬الهيمنة‭ ‬أو‭ ‬القدرة‭ ‬أو‭ ‬التحكم‭ ‬بآليات‭ ‬التصعيد‭ ‬حِكراً‭ ‬على‭ ‬قرار‭ ‬العدو،‭ ‬إنما‭ ‬باتت‭ ‬ملكاً‭ ‬للطرفين‭ ‬المتواجهين،‭ ‬ما‭ ‬يضع‭ ‬معطيات‭ ‬الميدان،‭ ‬أمام‭ ‬عملية‭ ‬تصعيدية‭ ‬ذات‭ ‬آفاق‭ ‬أرحب،‭ ‬لا‭ ‬ندعي‭ ‬بأن‭ ‬أحداً‭ ‬من‭ ‬مكونات‭ ‬جبهة‭ ‬المقاومة،‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يتحكم‭  ‬مُبادئاً‭ ‬بمغاليقها،‭ ‬وبخاصة‭ ‬المكون‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬لاعتبار‭ ‬وجود‭ ‬قوى‭ ‬كبرى‭ ‬تتحكم‭ ‬بالمعادلات،‭ ‬وتبقى‭ ‬ممسكة‭ ‬بزمام‭ ‬المبادرة،‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬الفترة‭ ‬القادمة‭ ‬ستكون‭ ‬فترة‭ ‬تنزع‭ ‬فيها‭ ‬إسرائيل‭ ‬إلى‭ ‬التصعيد،‭ ‬وإن‭ ‬بسقف‭ ‬مدروس،‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬ضمن‭ ‬المديات‭ ‬السياسية‭ ‬التي‭ ‬يخطط‭ ‬لها‭ ‬العدو‭ ‬وحكومته،‭ ‬لكن‭ ‬إمكانيات‭ ‬المقاومة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬وجبهات‭ ‬الإسناد‭ ‬مجتمعة‭ ‬ومنسقة،‭ ‬تبقى‭ ‬مالكة‭ ‬للقدرة‭ (‬مادياً‭)‬،‭ ‬وقادرة‭ (‬سياسياً‭) ‬على‭ ‬الرد‭ ‬المناسب‭ ‬والمتناسب‭.‬

‭(‬6‭)‬

العلاقة‭ ‬بين‭ ‬حروب‭ ‬المنطقة‭ ‬والصراع‭ ‬لإعادة‭ ‬بناء‭ ‬النظام‭ ‬الدولي

من‭ ‬بوابة‭ ‬فلسطين‭ ‬والإقليم‭ ‬عموماً،‭ ‬تخوض‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأميركية‭ ‬–‭ ‬وبالتحليل‭ ‬الأخير،‭ ‬من‭ ‬موقع‭ ‬دفاعي‭ ‬إستراتيجياً،‭ ‬رغم‭ ‬كل‭ ‬مظاهر‭ ‬العدوانية‭ ‬الهجومية‭ ‬التي‭ ‬تحاول‭ ‬إشاعتها‭ – ‬معركة‭ ‬إدامة‭ ‬سيطرتها‭ ‬على‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭ ‬قيد‭ ‬المراجعة،‭ ‬فواشنطن‭ ‬قوة‭ ‬سياسية‭ ‬وعسكرية‭ ‬وإقتصادية‭ ‬ومالية‭ ‬متفوقة،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬فهي‭ ‬تواجه‭ ‬تحديات‭ ‬كبرى‭ ‬لها‭ ‬علاقة‭ ‬بتصاعد‭ ‬دور‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬والأطر‭ ‬التي‭ ‬تجمع‭ ‬عدداً‭ ‬معتبراً‭ ‬منها،‭  ‬إن‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬القاري‭ ‬أو‭ ‬الدولي‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬الإطار‭ ‬نخص‭ ‬بالذكر‭ ‬الدور‭ ‬الصيني‭ ‬نظراً‭ ‬لاستثنائية‭ ‬وتيرة‭ ‬صعوده،‭ ‬إن‭ ‬في‭ ‬الإقتصاد‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬القوة‭ ‬العسكرية،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬إمتلاكه‭ ‬مفاتيح‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬الشاهقة‭ ‬والذكاء‭ ‬الإصطناعي،‭ ‬الخ‭.. ‬

في‭ ‬مواجهة‭ ‬هذه‭ ‬التحديات،‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬أن‭ ‬تترك‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة‭ ‬التي‭ ‬تعتبر‭ ‬بالجغرافيا‭ ‬غرب‭ ‬آسيا،‭ ‬بما‭ ‬هي‭ ‬ساحة‭ ‬صراع‭ ‬جيوسياسي‭ ‬بامتياز،‭ ‬لمن‭ ‬ينافسها‭ ‬على‭ ‬النفوذ،‭ ‬وبالتالي‭ ‬عندما‭ ‬تساند‭ ‬واشنطن‭ ‬إسرائيل،‭ ‬فإن‭ ‬أنظارها‭ ‬تكون‭ ‬شاخصة‭ ‬إلى‭ ‬روسيا‭ ‬والصين‭ ‬وإيران،‭ ‬كما‭ ‬وإلى‭ ‬حلفائهم‭ ‬في‭ ‬الإقليم،‭ ‬وبهذا‭ ‬المعنى‭ ‬لا‭ ‬تريد‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬أن‭ ‬تصل‭ ‬الأمور‭ ‬إلى‭ ‬حرب‭ ‬شاملة،‭ ‬بل‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬تُقَدِّر‭ ‬أنه‭ ‬يشكل‭ ‬نقطة‭ ‬توازن،‭ ‬تسمح‭ ‬لها‭ ‬بإدامة‭ ‬وإحكام‭ ‬سيطرتها‭ ‬على‭ ‬المنطقة،‭ ‬بعد‭ ‬تفكيك‭ ‬البنى‭ ‬العسكرية‭ ‬الخارجة‭ ‬عن‭ ‬تبعيتها‭. ‬

وعلينا‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬ننسى‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬الأخيرة،‭ ‬قد‭ ‬عملت‭ ‬بشكل‭ ‬واعٍ‭ ‬ومخطط‭ ‬إلى‭ ‬عسكرة‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية،‭ ‬حيث‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬هناك‭ ‬علاقات‭ ‬دولية‭ ‬محكومة‭ ‬بالعلاقات‭ ‬الإقتصادية‭ ‬أو‭ ‬بـأساليب‭ ‬الدبلوماسية،‭ ‬أو‭ ‬بأحكام‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬فحسب،‭ ‬فالولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬تدفع‭ ‬بشكل‭ ‬منهجي‭ ‬نحو‭ ‬تسييد‭ ‬منطق‭ ‬سيطرة‭ ‬ميزان‭ ‬القوى‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية‭ ‬بالإعتماد‭ ‬أساساً‭ ‬على‭ ‬عناصر‭ ‬القوة‭ ‬الصلبة‭ ‬باستخدام‭ ‬المال‭ ‬والسلاح‭ ‬والسيطرة‭ ‬على‭ ‬طرق‭ ‬المواصلات‭ ‬ونشر‭ ‬حاملات‭ ‬الطائرات‭…‬؛‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬نلاحظه‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الإتفاقيات‭ ‬والمعاهدات‭ ‬التي‭ ‬تعقدها،‭ ‬أو‭ ‬توسع‭ ‬مشتملاتها‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬شرق‭ ‬آسيا‭: ‬كوريا‭ ‬الجنوبية،‭ ‬اليابان،‭ ‬الفليبين،‭ ‬أستراليا،‭ ‬الخ‭.. ‬وصولاً‭ ‬إلى‭ ‬الهند،‭ ‬التي‭ ‬يجمعها‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬واليابان‭ ‬وأستراليا،‭ ‬إتفاق‭ ‬‮«‬الحوار‭ ‬الأمني‭ ‬الرباعي‮»‬‭ ‬–‭ ‬كواد‭/ ‬Quad‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الإتفاقات،‭ ‬كما‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬توسيع‭ ‬دائرة‭ ‬عمل‭ ‬الحلف‭ ‬الأطلسي‭. ‬

وعليه،‭ ‬يقوم‭ ‬القانون‭ ‬السائد‭ ‬عند‭ ‬واشنطن‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬العسكرة‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية،‭ ‬والسيطرة‭ ‬على‭ ‬العقد‭ ‬الإستراتيجية،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يقتصر‭ ‬على‭ ‬منطقتنا،‭ ‬بل‭ ‬نراه‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مكان،‭ ‬من‭ ‬بحر‭ ‬جنوب‭ ‬الصين‭ ‬إلى‭ ‬شرق‭ ‬أوروبا،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر‭ ‬وغيره‭ ‬من‭ ‬بقاع‭ ‬المسكونة‭.‬

التطور‭ ‬الجديد‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬هذا،‭ ‬والذي‭ ‬تجدر‭ ‬الإشارة‭ ‬إليه‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬وحدها‭ ‬تملك‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬عسكرة‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية،‭ ‬لنرى‭ ‬مثلاً‭ ‬أن‭ ‬دولة‭ ‬كاليمن،‭ ‬لا‭ ‬تمتلك‭ ‬القدرة‭ ‬الإقتصادية‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬عوامل‭ ‬القوة‭ ‬الموجودة‭ ‬لدى‭ ‬دول‭ ‬أخرى،‭ ‬هذه‭ ‬الدولة‭ ‬إستطاعت‭ ‬–‭ ‬بفضل‭ ‬الإرادة‭ ‬السياسية‭ ‬الصلبة‭ ‬لقيادتها‭ ‬وإلتفاف‭ ‬الشعب‭ ‬حولها‭ – ‬أن‭ ‬تشكل‭ ‬عنصراً‭ ‬مؤثراً‭ ‬في‭ ‬معادلة‭ ‬التوازن‭ ‬العسكري‭ ‬والردعي‭ ‬في‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر‭ ‬وفي‭ ‬إمتداده‭ ‬القرن‭ ‬الإفريقي‭ ‬وصولاً‭ ‬إلى‭ ‬بحر‭ ‬العرب،‭ ‬المنطقة‭ ‬الحيوية‭ ‬بالنسبة‭ ‬للتجارة‭ ‬العالمية‭ ‬والإستراتيجيا‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭. ‬

لقد‭ ‬بات‭ ‬القرار‭ ‬اليمني‭ ‬الآن،‭ ‬يؤثر‭ ‬على‭ ‬معادلة‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية‭ ‬وتوازناتها‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة،‭ ‬مما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬حِكراً‭ ‬على‭ ‬واشنطن،‭ ‬بل‭ ‬بات‭ ‬بمقدور‭ ‬دول،‭ ‬ومكونات،‭.. ‬تنتمي‭ ‬إلى‭ ‬جبهة‭ ‬مقاومة‭ ‬الهيمنة‭ ‬الأميركية‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬العالمي،‭ ‬أن‭ ‬تستخدم‭ ‬هذا‭ ‬الأسلوب‭ ‬باعتماد‭ ‬أدوات‭ ‬عمل،‭ ‬وإمكانيات،‭ ‬نكاد‭ ‬أن‭ ‬نقول‭ ‬أنها‭ ‬بمتناول‭ ‬حتى‭ ‬الدول‭ ‬ذات‭ ‬الإقتصاديات‭ ‬النامية،‭ ‬شرط‭ ‬تحليها‭ ‬بالإرادة‭ ‬السياسية‭ ‬ودعم‭ ‬الشعب‭.‬

‭(‬7‭)‬

دور‭ ‬القوى‭ ‬الصديقة‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬نضال‭ ‬شعبنا

ثلاث‭ ‬دول‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬تلعب‭ ‬دوراً‭ ‬حاسماً‭ ‬في‭ ‬الصراع‭ ‬بالإقليم،‭ ‬هي‭: ‬الصين،‭ ‬إيران‭ ‬وروسيا،‭ ‬فهي‭ ‬دول‭ ‬‮«‬الجوار‭ ‬القريب‮»‬،‭ ‬وهي‭ ‬دول‭ ‬تملك،‭ ‬مجتمعة،‭ ‬طاقات‭ ‬جبارة‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬المجالات،‭ ‬وهي‭ ‬مهتمة،‭ ‬لا‭ ‬بل‭ ‬ساعية‭ ‬–‭ ‬إنطلاقاً‭ ‬من‭ ‬مصالحها‭ – ‬لمواجهة‭ ‬المخطط‭ ‬الأميركي‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة‭.‬

إقليمنا‭ ‬يقع‭ ‬في‭ ‬غرب‭ ‬آسيا،‭ ‬وعلى‭ ‬سواحل‭ ‬الحوض‭ ‬الشرقي‭ ‬للبحر‭ ‬المتوسط،‭ ‬ويشكل‭ ‬مجالاً‭ ‬حيوياً‭ ‬لهذه‭ ‬الدول‭ ‬الثلاث،‭ ‬التي‭ ‬لها‭ ‬تطلعات‭ ‬تلتقي‭ ‬بجانب‭ ‬مؤثر‭ ‬فيها‭ ‬مع‭ ‬مصالح‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬كما‭ ‬والدول‭ ‬التواقة‭ ‬إلى‭ ‬الحرية‭ ‬والإستقلال‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭. ‬إن‭ ‬العلاقات‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬تشهد‭ ‬تقدماً‭ ‬ملحوظاً،‭ ‬وإن‭ ‬لم‭ ‬تصل‭ ‬بعد‭ ‬إلى‭ ‬المستوى‭ ‬المنشود‭.‬

وفي‭ ‬سياق‭ ‬ما‭ ‬ذُكر،‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نلاحظ‭ ‬أن‭ ‬ثمة‭ ‬إهتماماً‭ ‬متزايداً‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬روسيا‭ ‬والصين،‭ ‬بمجرى‭ ‬الصراعات‭ ‬الدائرة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة،‭ ‬ومن‭ ‬ضمنها‭ ‬مجريات‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية؛‭ ‬كما‭ ‬وفي‭ ‬السياق‭ ‬ذاته‭ ‬تجدر‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الصين‭ ‬كدولة‭ ‬مؤيدة‭ ‬تاريخياً‭ ‬للحقوق‭ ‬الوطنية‭ ‬لشعب‭ ‬فلسطين،‭ ‬إنما‭ ‬بأسلوب‭ ‬ينزع‭ ‬إلى‭ ‬الإكتفاء‭ ‬بإعلان‭ ‬الموقف؛‭ ‬وبوصفها‭ ‬دولة‭ ‬دائمة‭ ‬العضوية‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن،‭ ‬فهي‭ ‬تصوّت‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬في‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬وسائر‭ ‬المؤسسات‭ ‬الدولية،‭ ‬وهذا‭ ‬أمر‭ ‬مهم،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬الإنتقاص‭ ‬من‭ ‬أهميته،‭ ‬لكنه‭ ‬غير‭ ‬كافٍ‭ ‬لإحجامه،‭ ‬أو‭ ‬تردده‭ ‬عن‭ ‬الإقدام‭ ‬على‭ ‬خطوات‭ ‬عملية‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬الصين‭ ‬بدأت‭ ‬مؤخراً‭ ‬بإرسال‭ ‬إشارات‭ ‬لا‭ ‬تخفى‭ ‬على‭ ‬أحد،‭ ‬عن‭ ‬توجهها‭ ‬للإنتقال‭ ‬من‭ ‬موقع‭ ‬التحفظ‭ ‬إلى‭ ‬موقع‭ ‬أكثر‭ ‬حضوراً‭ ‬وتأثيراً؛‭ ‬وضمن‭ ‬هذا‭ ‬التوجه،‭ ‬فقد‭ ‬إستضافت‭ ‬بكين‭ ‬بين‭ ‬21‭ ‬إلى‭ ‬23‭/‬7‭/‬2024‭ ‬جولة‭ ‬من‭ ‬الحوار‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬خرجت‭ ‬بنتائج‭ ‬فائقة‭ ‬الأهمية‭.‬

كما‭ ‬نلاحظ‭ ‬–‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ – ‬تزايد‭ ‬إهتمام‭ ‬موسكو‭ ‬بالشأن‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬ومن‭ ‬بين‭ ‬مؤشراته‭ ‬زيارة‭ ‬الرئيس‭ ‬الفلسطيني‭ ‬إلى‭ ‬موسكو،‭ ‬والمباحثات‭ ‬مع‭ ‬القيادة‭ ‬الروسية،‭ ‬التي‭ ‬أكدت‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬التنسيق‭ ‬الفلسطيني–‭ ‬الروسي‭ ‬–‭ ‬الصيني،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬تدعو‭ ‬إليه‭ ‬بكين‭ ‬أيضاً،‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الحملة‭ ‬العدوانية‭ ‬الأميركية‭ ‬–‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬المنسقة،‭ ‬وهذه‭ ‬تطورات‭ ‬مهمة‭ ‬جداً،‭ ‬نتطلع‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تنضم‭ ‬إليها‭ ‬دول‭ ‬أخرى‭ ‬إليها‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الإقليم،‭ ‬لأن‭ ‬التعاون‭ ‬معها،‭ ‬وتنسيق‭ ‬الجهد‭ ‬والعمل‭ ‬المشترك‭ ‬فيما‭ ‬بينها‭ ‬يمدنا‭ ‬بالقوة‭ ‬اللازمة‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬العدوان‭.‬

‭ (‬8‭)‬

تأثير‭ ‬العوامل‭ ‬الخارجية

حتى‭ ‬الآن،‭ ‬مازال‭ ‬العامل‭ ‬الخارجي‭ ‬الأكثر‭ ‬تأثيراً‭ ‬في‭ ‬معادلة‭ ‬الصراع،‭ ‬هو‭ ‬العامل‭ ‬الأميركي،‭ ‬الذي‭ ‬تندمج‭ ‬فيه‭ ‬عضوياً‭ ‬دولة‭ ‬الإحتلال،‭ ‬وهذا‭ ‬العامل‭ ‬–‭ ‬بدوره‭ – ‬تتحكم‭ ‬فيه‭ ‬‮«‬معادلة‭ ‬الجدوى‮»‬،‭ ‬التي‭ ‬ببلوغها‭ ‬عتبة‭ ‬التأثير‭ ‬السلبي‭ ‬الحقيقي‭ ‬على‭ ‬مصالح‭ ‬أميركا،‭ ‬سوف‭ ‬تجعلها‭ ‬تتبع‭ ‬سياسة‭ ‬أخرى‭. ‬وبما‭ ‬أن‭ ‬الخسائر‭ ‬اللاحقة‭ ‬بإسرائيل‭ ‬وأميركا‭ ‬لم‭ ‬تصل‭ ‬بعد‭ ‬إلى‭ ‬مستوى‭ ‬التأثير‭ ‬غير‭ ‬القابل‭ ‬للتعويض‭ ‬عنه‭ ‬على‭ ‬مصالح‭ ‬البلدين،‭ ‬فلا‭ ‬شيء‭ ‬يحول‭ ‬دون‭ ‬إستمرار‭ ‬المعركة،‭ ‬و«صفقة‭ ‬وقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار‮»‬‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬ترَ‭ ‬النور‭ ‬بعد،‭ ‬ستبقى‭ ‬بيد‭ ‬إسرائيل‭ ‬وأميركا‭ ‬بمثابة‭ ‬وسيلة‭ ‬إبتزاز‭ ‬لإدامة‭ ‬الحرب‭ ‬بأشكال‭ ‬مختلفة‭. ‬

من‭ ‬هنا،‭ ‬ضرورة‭ ‬حث‭ ‬الجهد‭ ‬لإحداث‭ ‬تغيير‭ ‬على‭ ‬ميزان‭ ‬القوى‭ ‬لتعظيم‭ ‬الخسائر‭ ‬في‭ ‬الصف‭ ‬المعادي،‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬ممكن،‭ ‬فالصمود‭ ‬الفلسطيني‭ ‬هو‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬تغيير‭ ‬ميزان‭ ‬القوى؛‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬جبهة‭ ‬الإسناد‭ ‬وتصعيد‭ ‬فعل‭ ‬قواها،‭ ‬هو‭ ‬أيضاً‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المعادلة؛‭ ‬وكذا‭ ‬الأمر‭ ‬بالنسبة‭ ‬لجبهة‭ ‬التضامن‭ ‬مع‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬وشجب‭ ‬العدوان‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان‭ ‬على‭ ‬الصعيدين‭ ‬الرسمي‭ ‬والشعبي‭ ‬وفي‭ ‬المؤسسات‭ ‬الدولية‭ ‬وقرارات‭ ‬الشرعية‭ ‬الدولية‭… ‬

إن‭ ‬الوقائع‭ ‬تؤكد‭ ‬أن‭ ‬الأطراف‭ ‬التي‭ ‬تقف‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬شعب‭ ‬فلسطين،‭ ‬تراكم‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬عناصر‭ ‬القوة،‭ ‬وأن‭ ‬الأطراف‭ ‬المقابلة‭ ‬تواجه‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الصعوبات،‭ ‬فهي‭ ‬دخلت‭ ‬في‭ ‬دائرة‭ ‬العد‭ ‬العكسي،‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬بدأ‭ ‬‮«‬طوفان‭ ‬الأقصى‮»‬،‭ ‬وهذا‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يفعل‭ ‬فعله‭ ‬في‭ ‬إعادة‭ ‬صياغة‭ ‬المعادلات‭ ‬الإقليمية‭ ‬لصالح‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬والقوى‭ ‬التي‭ ‬تسانده،‭ ‬ما‭ ‬يجعلنا‭ ‬أمام‭ ‬معركة‭ ‬يستطيع‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬أن‭ ‬ينتصر‭ ‬فيها‭ ‬بإدامة‭ ‬الصمود،‭ ‬فمن‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يديم‭ ‬صمود،‭ ‬يحقق‭ ‬النتائج‭ ‬المرجوة‭.‬

مازالت‭ ‬عين‭ ‬إسرائيل‭ ‬شاخصة‭ ‬إلى‭ ‬توسيع‭ ‬الحرب‭ ‬لتشمل‭ ‬الإقليم‭ ‬بأسره،‭ ‬وبالذات‭ ‬إيران‭. ‬نتنياهو‭ ‬يعتقد‭ ‬أن‭ ‬ثمة‭ ‬فرصة‭ ‬ذهبية‭ ‬أمامه‭ ‬لكي‭ ‬ينطلق‭ ‬من‭ ‬ميدان‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬فلسطين،‭ ‬إلى‭ ‬ساحة‭ ‬الحرب‭ ‬الأوسع‭ ‬مع‭ ‬إيران،‭ ‬لأنه‭ ‬يعتبر‭ ‬أن‭ ‬إيران‭ ‬بما‭ ‬تملكه‭ ‬من‭ ‬عناصر‭ ‬قوة‭ ‬مرشحة‭ ‬للتعاظم،‭ ‬باتت‭ ‬تمثل‭ ‬الخطر‭ ‬الرئيس‭ ‬على‭ ‬أطماع‭ ‬إسرائيل‭ ‬راهناً،‭ ‬وفي‭ ‬المرحلة‭ ‬القادمة،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬وطَّدت‭ ‬طهران‭ ‬علاقاتها،‭ ‬ووثقت‭ ‬تحالفاتها‭ ‬مع‭ ‬قوى‭ ‬التحرر‭ ‬الوطني‭ ‬على‭ ‬إمتداد‭ ‬الإقليم،‭ ‬من‭ ‬بوابة‭ ‬المقاومة‭.‬

مع‭ ‬7‭ ‬أكتوبر،‭ ‬إنتقل‭ ‬الإهتمام‭ ‬بالقضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬من‭ ‬الهامش‭ ‬إلى‭ ‬المركز،‭ ‬فلا‭ ‬يمكن‭ ‬بعد‭ ‬الآن‭ ‬إعادة‭ ‬صياغة‭ ‬أوضاع‭ ‬المنطقة‭ ‬بمعزل‭ ‬عن‭ ‬الإستجابة‭ ‬للحقوق‭ ‬الوطنية‭ ‬لشعب‭ ‬فلسطين،‭ ‬ولحق‭ ‬دول‭ ‬المنطقة‭ ‬بالاستقلال،‭ ‬ما‭ ‬يجعلها‭ ‬دولاً‭ ‬متحررة‭ ‬من‭ ‬التأثير‭ ‬الأميركي،‭ ‬ولو‭ ‬بالمعنى‭ ‬النسبي‭ ‬للكلمة‭. ‬إن‭ ‬الحركة‭ ‬الوطنية‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬تقف‭ ‬أمام‭ ‬تحولات‭ ‬لا‭ ‬تقتصر‭ ‬على‭ ‬الوضع‭ ‬الفلسطيني‭ ‬وحده،‭ ‬وإنما‭ ‬تشمل‭ ‬مجمل‭ ‬أوضاع‭ ‬شعوب‭ ‬وبلدان‭ ‬الإقليم‭.‬

‭ (‬9‭)‬

إتساع‭ ‬التأييد‭ ‬الشعبي‭ ‬العالمي‭ ‬للقضية‭ ‬الوطنية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬وتزايد‭ ‬عزلة‭ ‬إسرائيل

تحولت‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬إلى‭ ‬قضية‭ ‬راهنة،‭ ‬ملحة‭ ‬وضاغطة‭ ‬على‭ ‬أجندة‭ ‬السياسة‭ ‬الدولية‭ ‬والإقليمية،‭ ‬وتحت‭ ‬وطأة‭ ‬7‭ ‬أكتوبر،‭ ‬تقدمت‭ ‬هذه‭ ‬القضية‭ ‬وباتت‭ ‬أكثر‭ ‬حضوراً‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬وقت‭ ‬مضى،‭ ‬إذا‭ ‬دققنا‭ ‬بما‭ ‬حظيت‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬دعم‭ ‬جماهيري‭ ‬وشعبي،‭ ‬وقرارات‭ ‬مؤيدة‭ ‬للحق‭ ‬الفلسطيني‭ ‬بتقرير‭ ‬المصير‭ ‬والدولة‭ ‬المستقلة‭ ‬وعودة‭ ‬اللاجئين،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬قرارات‭ ‬الشرعية‭ ‬الدولية،‭ ‬ومن‭ ‬ضمنها‭ ‬قرار‭ ‬الجمعية‭ ‬العامة‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ – ‬10‭ ‬أيار‭/ ‬مايو‭ ‬2024،‭ ‬الذي‭ ‬نصَّ‭ ‬بوضوح‭ ‬على‭ ‬جاهزية‭ ‬فلسطين‭ ‬وقابليتها،‭ ‬بأن‭ ‬تصبح‭ ‬دولة‭ ‬كاملة‭ ‬العضوية‭ ‬في‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬وأن‭ ‬تتمتع‭ ‬بكافة‭ ‬إمتيازات‭ ‬الدول‭ ‬الأعضاء‭ ‬في‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬باستثناء‭ ‬حق‭ ‬التصويت‭. ‬

وبالمقابل،‭ ‬فإن‭ ‬أزمة‭ ‬العدو‭ ‬تتفاقم،‭ ‬وتؤدي‭ ‬به‭ ‬أكثر‭ ‬فأكثر‭ ‬إلى‭ ‬عزلة‭ ‬متزايدة‭ ‬لدولة‭ ‬العدوان‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬الدولي،‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬أن‭ ‬تفاقم‭ ‬أزمته‭.‬‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬يؤشر‭ ‬إلى‭ ‬مدى‭ ‬التقدم‭ ‬الذي‭ ‬أحرزته‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬وإن‭ ‬بتضحيات‭ ‬بالغة‭ ‬لا‭ ‬ريب،‭ ‬على‭ ‬طريق‭ ‬إنجاز‭ ‬الحقوق‭ ‬الوطنية‭ ‬لأنها‭ ‬تنتسب‭ ‬إلى‭ ‬قلب‭ ‬الصراع‭ ‬الذي‭ ‬يجري‭ ‬بين‭ ‬شعوب‭ ‬العالم‭ ‬والإمبريالية‭ ‬الأميركية‭. ‬

إن‭ ‬قرارات‭ ‬الشرعية‭ ‬الدولية‭ ‬المستجيبة‭ ‬لحقوق‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬ليست‭ ‬هِبة،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬تعبير‭ ‬عن‭ ‬ميزان‭ ‬قوى،‭ ‬يعكس‭ ‬موقفاً‭ ‬إيجابياً‭ ‬حيال‭ ‬هذه‭ ‬الحقوق‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الميزان‭ ‬مازال‭ ‬يفتقد‭ ‬إلى‭ ‬النصاب‭ ‬الذي‭ ‬يسمح‭ ‬بتطبيق‭ ‬قراراته،‭ ‬أي‭ ‬ينقلها‭ ‬من‭ ‬حيِّز‭ ‬النص‭ ‬السياسي‭ ‬الذي‭ ‬يخدم‭ ‬العملية‭ ‬النضالية‭ ‬إلى‭ ‬حيِّز‭ ‬التنفيذ‭ ‬الذي‭ ‬يحقق‭ ‬أهدافها‭. ‬وفي‭ ‬ضوء‭ ‬الحرب‭ ‬الدائرة‭ ‬الآن‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬فلسطين‭- ‬وإذا‭ ‬ما‭ ‬تسلح‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬ومقاومته‭ ‬بالنفس‭ ‬الطويل‭  – ‬سوف‭ ‬ينشأ‭ ‬ميزان‭ ‬القوى‭ ‬الكفيل‭ ‬بنقل‭ ‬قرارات‭ ‬الشرعية‭ ‬الدولية‭ ‬إلى‭ ‬دائرة‭ ‬الحياة‭. ‬إن‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬يقترب‭ ‬شيئاً‭ ‬فشيئاً‭ ‬من‭ ‬مشارف‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭.‬

‭ (‬10‭)‬

أهداف‭ ‬المشروع‭ ‬الصهيوني‭ ‬بطبعته‭ ‬الدينية‭ ‬العنصرية

منذ‭ ‬أن‭ ‬شرعت‭ ‬الحركة‭ ‬الصهيونية‭ ‬بصيغتها‭ ‬العلمانية‭ ‬الغالبة‭ ‬بوضع‭ ‬اللبنات‭ ‬الأولى‭ ‬لمشروعها‭ ‬الإستيطاني‭ ‬الإجلائي‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬فلسطين،‭ ‬إحتكمت‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬ثنائية‭ ‬الخرافة‭ ‬والإرهاب»؛‭ ‬وبهذا‭ ‬المعنى،‭ ‬فإن‭ ‬الحركة‭ ‬الصهيونية‭ ‬بطبعتها‭ ‬الدينية‭ ‬المتطرفة‭ ‬لم‭ ‬تأتِ‭ ‬بجديد،‭ ‬فهي‭ ‬تقع‭ ‬في‭ ‬إمتداد‭ ‬ما‭ ‬سبق‭ ‬باستنادها‭ ‬إلى‭ ‬تراثها‭ ‬الفكري‭ ‬والسياسي،‭ ‬إنما‭ ‬بجرعة‭ ‬أقوى‭ ‬من‭ ‬العنصرية‭ ‬والدموية‭ ‬والتشوف‭ ‬العرقي،‭ ‬وبسمات‭ ‬فاشية‭ ‬بالغة‭ ‬الظهور‭ ‬وأكثر‭ ‬تأصلاً‭ ‬من‭ ‬ذي‭ ‬قبل،‭ ‬فهي‭ ‬لم‭ ‬تَعُدْ‭ ‬تقتصر‭ ‬على‭ ‬إنكار‭ ‬أي‭ ‬قدر‭ ‬من‭ ‬الحقوق‭ ‬الوطنية‭ ‬للشعب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬بل‭ ‬باتت‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬نفي‭ ‬وجود‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬نفسه‭.‬

ضمن‭ ‬هذه‭ ‬البيئة‭ ‬الأيديولوجية‭ ‬المريضة،‭ ‬تتحرك‭ ‬الحياة‭ ‬السياسية‭ ‬حالياً‭ ‬في‭ ‬إسرائيل،‭ ‬وإليها‭ ‬إتكأت‭ ‬حكومة‭ ‬نتنياهو‭ ‬قبل‭ ‬7‭/‬10‭ ‬في‭ ‬التعاطي‭ ‬مع‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬عموماً‭ ‬والضفة‭ ‬الغربية‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬القدس‭ ‬بالتخصيص‭. ‬

بعد‭ ‬7‭/‬10،‭ ‬إزدادت‭ ‬ممارسات‭ ‬هذه‭ ‬الحكومة‭ ‬توحشاً‭ ‬وشراسة،‭ ‬وتوسعت‭ ‬دائرة‭ ‬فعلها‭ ‬لتشمل‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬بالإستناد‭ ‬إلى‭ ‬أجندة‭ ‬معلنة،‭ ‬وأخرى‭ ‬يُعمل‭ ‬عليها‭ ‬دون‭ ‬التصريح‭ ‬الكامل‭ ‬–‭ ‬بأقله‭ ‬رسمياً‭ – ‬عن‭ ‬مضمونها؛‭ ‬الأولى‭ ‬حددت‭ ‬هدفين‭ ‬لهذه‭ ‬الحرب‭: ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬المقاومة‭ + ‬إستعادة‭ ‬الأسرى‭ ‬الإسرائيليين؛‭ ‬الأجندة‭ ‬الأخرى‭ ‬تستهدف‭ ‬التطهير‭ ‬العرقي‭ ‬وتهجير‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬خارج‭ ‬ترابه‭ ‬الوطني؛‭ ‬هذه‭ ‬الأجندة،‭ ‬وإن‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬واردة‭ ‬رسمياً‭ ‬في‭ ‬برنامج‭ ‬الحكومة،‭ ‬لكنها‭ ‬متضمنة‭ ‬في‭ ‬برامج‭ ‬عديد‭ ‬القوى‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬الحكومة‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬وهي‭ ‬قيد‭ ‬التنفيذ‭ ‬بأساليب‭ ‬متعددة‭ ‬من‭ ‬قبلها؛‭ ‬

إن‭ ‬‮«‬خطة‭ ‬الحسم‮»‬‭ ‬التي‭ ‬طرحها‭ ‬وزير‭ ‬المال‭ ‬والاستيطان‭ ‬سموتريتش‭ ‬بشكل‭ ‬علني‭ ‬منذ‭ ‬العام‭ ‬2017،‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬ثلاث‭ ‬ركائز‭: ‬مصادرة‭ ‬الأرض‭ ‬أي‭ ‬الضم،‭ ‬ووضع‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬أمام‭ ‬خيار‭ ‬الرحيل،‭ ‬أو‭ ‬البقاء‭ ‬في‭ ‬عين‭ ‬المكان‭ ‬إذعاناً‭ ‬لمتطلبات‭ ‬الحسم،‭ ‬أو‭ ‬سجناً‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬الإعتراض،‭ ‬أو‭ ‬قتلاً‭ ‬عند‭ ‬المقاومة‭. ‬

إن‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأحزاب‭ ‬والقوى‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬لا‭ ‬تخفي‭ ‬أهدافها‭ ‬التصفوية‭ ‬حيال‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬بالمعنى‭ ‬السياسي‭ ‬العملي‭ ‬للكلمة،‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬فلسطين،‭ ‬وما‭ ‬هو‭ ‬حاصل‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬وباعتراف‭ ‬هيئة‭ ‬الأركان‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬أن‭ ‬الجيش‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬تجاوز‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يسمى‭ ‬أهدافاً‭ ‬عسكرية،‭ ‬بعد‭ ‬إدعاء‭ ‬أنه‭ ‬نفذها‭ ‬جميعها،‭ ‬لينتقل‭ ‬إلى‭ ‬سياسة‭ ‬محورها‭ ‬مواصلة‭ ‬القتل‭ ‬الجماعي‭ ‬للشعب‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬وإفقاده‭ ‬مقومات‭ ‬الحياة‭ ‬الآدمية،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬صمود‭ ‬المجتمع‭ ‬أحبط‭ ‬هذه‭ ‬الخطط‭.‬

‭(‬11‭)‬

‮«‬التطبيع‮»‬‭ .. ‬أعلى‭ ‬درجات‭ ‬مسار‭ ‬‮«‬سلام‭ ‬أبراهام‮»‬

وإذا‭ ‬عدنا‭ ‬إلى‭ ‬مرحلة‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬7‭ ‬أكتوبر،‭ ‬فإن‭ ‬الإستراتيجية‭ ‬الأميركية‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الحين،‭ ‬كانت‭ ‬تتجه‭ ‬لإقامة‭ ‬نظام‭ ‬إقليمي‭ ‬تندمج‭ ‬فيه‭ ‬‮«‬إسرائيل‭ ‬الكبرى‮»‬‭ ‬إقتصادياً‭ ‬وثقافياً‭ ‬وعسكرياً،‭ ‬من‭ ‬بوابة‭ ‬تطبيع‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬إسرائيل‭ ‬والعربية‭ ‬السعودية،‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬الحديث‭ ‬يدور‭ ‬عن‭ ‬مثلث‭ ‬العلاقات‭ ‬الأميركية‭ ‬–‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬–‭ ‬السعودية،‭ ‬وما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يترتب‭ ‬عليه،‭ ‬فيما‭ ‬لو‭ ‬إرتقى‭ ‬بالمعنى‭ ‬الإستراتيجي‭ ‬للكلمة؛‭ ‬وبالتالي‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬موضوعاً‭ ‬قائماً‭ ‬بذاته،‭ ‬بل‭ ‬ستتحول‭ ‬إلى‭ ‬ملحق‭ ‬بالمشروع‭ ‬الأميركي‭ ‬الإستراتيجي‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬التطبيع،‭ ‬مما‭ ‬سيحولها‭ ‬من‭ ‬قضية‭ ‬شعب‭ ‬تحت‭ ‬الاحتلال،‭ ‬يناضل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬حقوقه‭ ‬الوطنية‭ ‬المشروعة‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬المصير‭ ‬والدولة‭ ‬المستقلة‭ ‬والعودة،‭ ‬إلى‭ ‬مجرد‭ ‬موضوع‭ ‬حقوق‭ ‬معيشية‭ ‬وإقتصادية‭ ‬بغرض‭ ‬إدامة‭ ‬الأود،‭ ‬ليس‭ ‬إلا‭.‬

من‭ ‬المسلم‭ ‬به‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬التي‭ ‬تستهدف‭ ‬المشرق‭ ‬العربي‭ ‬باعتباره‭ ‬القلب‭ ‬النابض‭ ‬لغرب‭ ‬آسيا‭ ‬وحوض‭ ‬شرق‭ ‬المتوسط،‭ ‬إنما‭ ‬تقتضي‭ ‬إستيفاء‭ ‬متطلباتها،‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬شروطها،‭ ‬وأهمها‭:‬

1‭.‬ أن‭ ‬تقود‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬هذه‭ ‬العملية‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬باعتبارها‭ ‬ركناً‭ ‬ركيناً‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬النظام،‭ ‬وهو‭ ‬الدور‭ ‬الذي‭ ‬تسعى‭ ‬واشنطن‭ ‬إلى‭ ‬تعزيزه‭ ‬أصلاً،‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬إتضح‭ ‬عدم‭ ‬جدوى‭ ‬أسلوب‭ ‬‮«‬القيادة‭ ‬من‭ ‬خلف‮»‬‭ ‬العائد‭ ‬إلى‭ ‬إدارة‭ ‬أوباما‭.‬

2‭.‬ أن‭ ‬ترتبط‭ ‬أهداف‭ ‬هذه‭ ‬الإستراتيجية‭ ‬في‭ ‬الإقليم‭ ‬عضوياً‭ ‬بالأهداف‭ ‬التي‭ ‬تسعى‭ ‬واشنطن‭ ‬لتحقيقها‭ ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬النظام‭ ‬العالمي‭ ‬بما‭ ‬يستجيب‭ ‬لمصالحها،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يتمثل‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬إحتواء‭ ‬النفوذين‭ ‬الإيراني‭ ‬والروسي‭ ‬في‭ ‬الإقليم،‭ ‬المضي‭ ‬قدماً‭ ‬على‭ ‬طريق‭ ‬إستكمال‭ ‬شبكة‭ ‬الأحلاف‭ ‬والإتفاقيات‭ ‬العسكرية‭ ‬لتضييق‭ ‬الخناق‭ ‬على‭ ‬الصين‭ ‬بشكل‭ ‬خاص‭.‬

3‭.‬ أن‭ ‬تقوم‭ ‬هذه‭ ‬الإستراتيجية‭ ‬على‭ ‬أكتاف‭ ‬أطراف‭ ‬محورية‭ ‬في‭ ‬الإقليم‭: ‬إسرائيل،‭ ‬السعودية،‭ ‬والسلطة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬باعتبار‭ ‬الأخيرة‭ ‬حاملة‭ ‬للقضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬المحورية‭ ‬بمدلولها‭ ‬وتأثيرها‭.‬

ومن‭ ‬هذه‭ ‬الزاوية‭ ‬فإن‭ ‬دمج‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬الإقليم،‭ ‬إذ‭ ‬يقع‭ ‬في‭ ‬إمتداد‭ ‬مسار‭ ‬‮«‬سلام‭ ‬أبراهام‮»‬،‭ ‬معززاً‭ ‬بما‭ ‬سبقه‭ ‬من‭ ‬معاهدات‭ ‬سلام‭ ‬مع‭ ‬الكيان،‭ ‬فإن‭ ‬إستراتيجية‭ ‬‮«‬التطبيع‮»‬‭ ‬تتجاوز‭ ‬ما‭ ‬سبقها‭ ‬لشمولية‭ ‬أجندتها‭ ‬لدول‭ ‬الإقليم‭ ‬بأسره،‭ ‬ما‭ ‬يجعلها‭ ‬تمثل‭ ‬أعلى‭ ‬درجات‭ ‬مسار‭ ‬‮«‬سلام‭ ‬أبراهام‮»‬،‭ ‬باقتصاره‭ ‬حالياً‭ ‬على‭ ‬إتفاقيات‭ ‬ثنائية‭ ‬لا‭ ‬ترقى‭ ‬إلى‭ ‬مستوى‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬التخطيط‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬عملية‭ ‬‮«‬التطبيع‮»‬،‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬إلى‭ ‬المسار‭ ‬أقرب‭- ‬Process‭.‬

‮«‬طوفان‭ ‬الأقصى‮»‬‭ ‬باعتباره‭ ‬المُعَبِّر‭ ‬عن‭ ‬المقاومة‭ ‬كما‭ ‬تقدم‭ ‬نفسها‭ ‬حالياً‭ ‬بوجهها‭ ‬الغالب،‭ ‬برنامجاً‭ ‬وخياراً،‭ ‬كبح‭ ‬جماح‭ ‬مسار‭ ‬‮«‬التطبيع‮»‬‭ ‬في‭ ‬الإقليم،‭ ‬أبطأ‭ ‬إندفاعته،‭ ‬لكنه‭ ‬لم‭ ‬يقطع‭ ‬الطريق‭ ‬عليه،‭ ‬فواشنطن‭ ‬بمعية‭ ‬تل‭ ‬أبيب‭ ‬واجهتا‭ ‬المقاومة‭ ‬بإعلان‭ ‬الحرب‭ ‬عليها،‭ ‬فتحول‭ ‬الميدان‭ ‬إلى‭ ‬مواجهة‭ ‬عسكرية‭ ‬بأدوات‭ ‬غير‭ ‬متناظرة،‭ ‬أفضت‭ ‬إلى‭ ‬وضع‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬أزمة‭ ‬بنيوية‭ ‬لم‭ ‬يشهدها‭ ‬الكيان‭ ‬بهذه‭ ‬الحدة‭ ‬والشمول‭ ‬منذ‭ ‬التأسيس،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬إفتقاد‭ ‬إسرائيل‭ ‬لـ‭ ‬‮«‬إستراتيجية‭ ‬خروج‮»‬‭ ‬لليوم‭ ‬التالي‭ ‬لوقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار‭.‬

‭ (‬12‭)‬

الإنقسام‭ ‬الفلسطيني‭ ‬من‭ ‬منظور‭ ‬علاقات‭ ‬القوى‭ ‬المستجدة

شهد‭ ‬الإنقسام‭ ‬الفلسطيني‭ ‬مع‭ ‬‮«‬طوفان‭ ‬الأقصى‮»‬‭ ‬ومن‭ ‬منظور‭ ‬علاقات‭ ‬القوى‭ ‬المستجدة،‭ ‬تطوراً‭ ‬مهماً،‭ ‬عكس‭ ‬نفسه‭ ‬على‭ ‬المشهد‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬نلخصه‭ ‬بالتالي‭: ‬كان‭ ‬الإنقسام‭ ‬قبل‭ ‬7‭/‬10‭ ‬بين‭ ‬سلطتين،‭ ‬الأولى‭ ‬رسمية،‭ ‬معترف‭ ‬بشرعيتها؛‭ ‬والثانية‭ ‬هي‭ ‬‮«‬سلطة‭ ‬الأمر‭ ‬الواقع‮»‬‭. ‬بعد‭ ‬7‭/‬10‭ ‬نشأت‭ ‬ظروف‭ ‬موضوعية‭ ‬وعملية‭ ‬وضعت‭ ‬‮«‬سلطة‭ ‬الأمر‭ ‬الواقع‮»‬‭ ‬في‭ ‬موضع‭ ‬الشريك‭ ‬للموقع‭ ‬الرسمي،‭ ‬باعتبار‭ ‬‮«‬المقاومة‮»‬‭ ‬هي‭ ‬مرجعية‭ ‬القرار‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬والميدان‭ ‬معاً،‭ ‬ما‭ ‬نقل‭ ‬الإنقسام‭ ‬من‭ ‬حالته‭ ‬السابقة‭ ‬إلى‭ ‬حالة‭ ‬جديدة‭: ‬جهة‭ ‬تسيطر‭ ‬على‭ ‬الميدان‭ ‬وعلى‭ ‬جانب‭ ‬مهم‭ ‬من‭ ‬المرجعية‭ ‬التمثيلية‭ – ‬أي‭ ‬السياسية‭ ‬–‭ ‬بالأمر‭ ‬الواقع،‭ ‬وجهة‭ ‬أخرى‭ ‬مازالت‭ ‬تحتفظ‭ ‬بموقعها‭ ‬التمثيلي،‭ ‬إنما‭ ‬بالشراكة‭ ‬–‭ ‬بالواقع‭ ‬العملي‭ – ‬مع‭ ‬المقاومة،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لها‭ ‬تأثير‭ ‬يذكر‭ ‬في‭ ‬وقائع‭ ‬الميدان‭.‬

إن‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬باتت‭ ‬تستوجب‭ ‬‮«‬توحيد‭ ‬العنوان‭ (‬التمثيل‭ ‬السياسي‭) ‬مع‭ ‬الميدان‭ (‬المقاومة‭)‬‮»‬،‭ ‬أي‭ ‬توحيد‭ ‬طرفي‭ ‬السلطة،‭ ‬الرسمي‭ ‬المعترف‭ ‬بشرعيته‭ ‬باعتباره‭ ‬مالك‭ ‬التمثيل،‭ ‬مع‭ ‬‮«‬سلطة‭ ‬الأمر‭ ‬الواقع‮»‬‭ ‬التي‭ ‬باتت‭ ‬عملياً‭ ‬تدير‭ ‬الشأن‭ ‬السياسي،‭ ‬باعتبارها‭ ‬صاحبة‭ ‬القرار‭ ‬في‭ ‬الميدان،‭ ‬ومشاركة‭ ‬بهذه‭ ‬الصفة‭ ‬في‭ ‬المرجعية‭ ‬التمثيلية،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يفرض‭ ‬–‭ ‬بالمنطق‭ ‬العملي‭ ‬والمصلحة‭ ‬الوطنية‭ ‬في‭ ‬آن‭ ‬–‭ ‬إعتماد‭ ‬صيغة‭ ‬‮«‬الوفد‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الموحد‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬يدير‭ ‬العملية‭ ‬السياسية‭ ‬بكل‭ ‬جوانبها‭.‬

لقد‭ ‬حمل‭ ‬‮«‬حوار‭ ‬بكين‮»‬‭- ‬21‭ ‬إلى‭ ‬23‭/‬7‭/‬2024،‭ ‬بالنتائج‭ ‬التي‭ ‬تمخض‭ ‬عنها،‭ ‬المخرج‭ ‬الوطني‭ ‬المناسب‭ ‬لعموم‭ ‬الحالة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬من‭ ‬مأزقها،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬قرر‭ ‬أمرين‭ ‬رئيسيين‭: ‬إعادة‭ ‬تفعيل‭ ‬الإطار‭ ‬القيادي‭ ‬الموحد‭ ‬والمؤقت،‭ ‬الذي‭ ‬يوحد‭ ‬مركز‭ ‬القيادة‭ ‬والتوجيه‭ ‬للحركة‭ ‬الوطنية‭ + ‬تشكيل‭ ‬حكومة‭ ‬الوفاق‭ ‬الوطني‭ ‬لإدارة‭ ‬الشأن‭ ‬العام‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬والقطاع،‭ ‬وقطع‭ ‬الطريق‭ ‬على‭ ‬المشاريع‭ ‬البديلة‭.‬

إن‭ ‬الإقدام‭ ‬على‭ ‬هاتين‭ ‬الخطوتين‭ ‬يؤسس‭ ‬لخطوات‭ ‬لاحقة‭ ‬تسمح‭ ‬بتعزيز‭ ‬المكانة‭ ‬التمثيلية،‭ ‬وبالتالي‭ ‬الشرعية‭ ‬للهيئات‭ ‬القيادية‭ ‬لمنظمة‭ ‬التحرير‭ ‬الفلسطينية‭: ‬المجلس‭ ‬المركزي‭ ‬واللجنة‭ ‬التنفيذية،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬توفير‭ ‬شروط‭ ‬تمثيل‭ ‬جميع‭ ‬القوى‭ ‬السياسية‭ ‬فيها،‭ ‬ما‭ ‬يفتح‭ ‬الطريق‭ ‬أمام‭ ‬التحضير‭ ‬لانتخابات‭ ‬عامة‭ ‬بنظام‭ ‬التمثيل‭ ‬النسبي‭ ‬الكامل‭.‬

إن‭ ‬وضع‭ ‬مُخرجات‭ ‬بكين‭ ‬موضع‭ ‬التطبيق‭ ‬يضع‭ ‬الحالة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬على‭ ‬سكة‭ ‬التقدم‭ ‬الحثيث‭ ‬نحو‭ ‬إنهاء‭ ‬الإنقسام،‭ ‬ويقطع‭ ‬الطريق‭ ‬أمام‭ ‬من‭ ‬يتوهم‭ ‬أنه‭ ‬سيكون‭ ‬بإمكان‭ ‬السلطة‭ ‬الرسمية‭ ‬منفردة‭ ‬بتكوينها‭ ‬الحالي‭ ‬الإضطلاع‭ ‬بالدور‭ ‬المطلوب‭ ‬منها‭ ‬في‭ ‬القطاع،‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬والقدس‭ ‬سواء‭ ‬بسواء‭. ‬إن‭ ‬خيار‭ ‬التقدم‭ ‬على‭ ‬طريق‭ ‬‮«‬الشراكة‭ ‬الوطنية‮»‬‭ ‬هو‭ ‬ممر‭ ‬إلزامي،‭ ‬لا‭ ‬مَحيد‭ ‬عنه،‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬الحسابات‭ ‬التي‭ ‬تعلق‭ ‬نجاح‭ ‬أي‭ ‬عمل‭ ‬على‭ ‬موافقة‭ ‬جهات‭ ‬خارجية‭ ‬بعينها،‭ ‬لا‭ ‬تضع‭ ‬المصلحة‭ ‬الوطنية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬الحقة‭ ‬نصب‭ ‬الأعين،‭ ‬لاعتبارات‭ ‬خاصة‭ ‬بها،‭ ‬تجمع‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬المصلحة‭ ‬الشخصية‭ ‬وضعف‭ ‬الإدراك‭.‬

إن‭ ‬الوضع‭ ‬الراهن‭ ‬يضع‭ ‬الحركة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬أمام‭ ‬تحديات‭ ‬كبرى‭ ‬بوسعها‭ ‬أن‭ ‬تقدم‭ ‬الإجابات‭ ‬الصحيحة‭ ‬عليها،‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬إستجابت‭ ‬لمتطلباتها،‭ ‬أي‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬حسمت‭ ‬بوجهة‭ ‬الحل‭ ‬مسألتي‭ ‬الوحدة‭ ‬الداخلية‭ ‬التي‭ ‬تقتضي‭ ‬بناءً،‭ ‬والمقاومة‭ ‬الشاملة‭ ‬التي‭ ‬تستوجب‭ ‬برنامجاً؛‭ ‬وعلى‭ ‬هذين‭ ‬الأمرين‭ ‬أعطى‭ ‬الشعب‭ ‬إجابته‭ ‬القاطعة‭ ‬بالتضحيات‭ ‬البالغة‭ ‬التي‭ ‬قدمها‭ ‬في‭ ‬الميدان،‭ ‬والجهود‭ ‬الإستثنائية‭ ‬التي‭ ‬بذلها‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان‭. ‬ويبقى‭ ‬أن‭ ‬تحزم‭ ‬القيادات‭ ‬المعنية‭ ‬أمرها‭ ‬بالوجهة‭ ‬السليمة،‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬تفتقد‭ ‬إلى‭ ‬التحديد،‭ ‬بل‭ ‬إلى‭ ‬الإرادة‭ ‬السياسية‭ ‬التي‭ ‬تضمن‭ ‬الإلتزام‭ ‬الصارم‭ ‬بالتطبيق‭.‬