قضايا فلسطينية أمام محكمة العدل الدولية، الجزء الرابع: حرب الإبادة الجماعية

سبتمبر 9, 2024

تعتبر‭ ‬إحالة‭ ‬إسرائيل‭ ‬إلى‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية،‭ ‬بتهمة‭ ‬انتهاك‭ ‬اتفاقية‭ ‬منع‭ ‬جريمة‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬والمعاقبة‭ ‬عليها‭ ‬ضد‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬خطوة‭ ‬مفصلية‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬وفي‭ ‬تاريخ‭ ‬دولة‭ ‬الاحتلال،‭ ‬ففي‭ ‬يوم‭ ‬الجمعة‭ ‬‮«‬29‮»‬‭ ‬كانون‭ ‬الأول‭/ ‬ديسمبر‭ ‬2023،‭ ‬رفعت‭ ‬دولة‭ ‬جنوب‭ ‬أفريقيا‭ ‬دعوى‭ ‬قضائية‭ ‬أمام‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية‭ ‬تتهم‭ ‬فيها‭ ‬إسرائيل‭ ‬بارتكاب‭ ‬أعمال‭ ‬إبادة‭ ‬جماعية‭ ‬ضد‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬على‭ ‬خلفية‭ ‬توافر‭ ‬النية‭ ‬لدى‭ ‬إسرائيل‭ ‬لاقتراف‭ ‬هذه‭ ‬الأعمال،‭ ‬وانعقاد‭ ‬عزمها‭ ‬المبيت‭ ‬على‭ ‬ارتكاب‭ ‬الجريمة‭ ‬النكراء‭.‬

تعتمد‭ ‬الدعوى‭ ‬على‭ ‬تصريحات‭ ‬وتعليقات‭ ‬علنية‭ ‬من‭ ‬مسؤولين‭ ‬وجنود‭ ‬إسرائيليين،‭ ‬وأعضاء‭ ‬في‭ ‬الكنيست،‭ ‬وصحفيين،‭ ‬ومنهم‭ ‬النائب‭ ‬عن‭ ‬حزب‭ ‬الليكود‭ ‬نسيم‭ ‬فاتوري،‭ ‬ووزير‭ ‬التراث‭ ‬عميحاي‭ ‬إلياهو،‭ ‬ويسرائيل‭ ‬كاتس‭ ‬وزير‭ ‬الطاقة‭ ‬والبنية‭ ‬التحتية‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬السابق،‭ ‬الذي‭ ‬جرى‭ ‬تعيينه‭ ‬وزيراً‭ ‬للخارجية‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭. ‬

أرفقت‭ ‬جنوب‭ ‬أفريقيا‭ ‬الدعوى‭ ‬بالعديد‭ ‬من‭ ‬الأدلة‭ ‬والحقائق،‭ ‬وخصصت‭ ‬الدعوى‭ ‬فصلاً‭ ‬كاملاً‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ ‬‮«‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬نية‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬ضد‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬مسؤولي‭ ‬الدولة‭ ‬الإسرائيلية‮»‬،‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬مقدمة‭ ‬الالتماس‭ ‬أن‭ ‬الأدلة‭ ‬على‭ ‬النية‭ ‬المحددة‭ ‬لمسؤولي‭ ‬الدولة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬لارتكاب‭ ‬أعمال‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬والاستمرار‭ ‬فيها‭ ‬أو‭ ‬الفشل‭ ‬في‭ ‬منعها،‭ ‬كانت‭ ‬كبيرة‭ ‬وعلنية‭ ‬منذ‭ ‬تشرين‭ ‬أول‭/ ‬أكتوبر‭ ‬2023،‭ ‬تصريحات‭ ‬النوايا‭ ‬هذه‭ ‬اقترنت‭ ‬بمستوى‭ ‬خارج‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬الأعراف‭ ‬الإنسانية‭ ‬من‭ ‬القتل‭ ‬والتشريد‭ ‬والتدمير‭ ‬والحصار‭ ‬الذي‭ ‬طال‭ ‬الغذاء‭ ‬والماء‭ ‬والدواء،‭ ‬وما‭ ‬ذلك‭ ‬إلا‭ ‬دليل‭ ‬على‭ ‬التغول‭ ‬في‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬والإصرار‭ ‬على‭ ‬التمادي‭ ‬في‭ ‬استمرار‭ ‬تنفيذها،‭ ‬وأكّدت‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬في‭ ‬طلبها‭ ‬أن‭ ‬أفعال‭ ‬إسرائيل‭ ‬تحمل‭ ‬طابع‭ ‬إبادة،‭ ‬لأنها‭ ‬مصحوبة‭ ‬بالنية‭ ‬المحددة‭ ‬المطلوبة‭ ‬لتدمير‭ ‬فلسطينيي‭ ‬غزة،‭ ‬كجزء‭ ‬من‭ ‬المجموعة‭ ‬القومية‭ ‬والعرقية‭ ‬والاثنية‭ ‬الأوسع،‭ ‬وتشمل‭ ‬الأفعال‭ ‬ـــــــ‭ ‬بحسب‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬ـــــــ‭ ‬قتل‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬وإلحاق‭ ‬الأذى‭ ‬الجسدي‭ ‬والنفسي‭ ‬بهم،‭ ‬وفرض‭ ‬ظروف‭ ‬معيشية‭ ‬عليهم،‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬أن‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تدميرهم‭ ‬جسدياً،‭ ‬وذلك‭ ‬في‭ ‬انتهاك‭ ‬واضح‭ ‬لاتفاقية‭ ‬منع‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭.‬

يومي‭ ‬الخميس‭ ‬والجمعة‭ ‬‮«‬11‮»‬‭ ‬و‮«‬12‮»‬‭ ‬كانون‭ ‬الثاني‭/ ‬يناير،‭ ‬عُقدت‭ ‬جلستا‭ ‬استماع‭ ‬علنيتان‭ ‬في‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية،‭ ‬حول‭ ‬دعوى‭ ‬جنوب‭ ‬أفريقيا‭ ‬ضد‭ ‬إسرائيل‭ ‬بخصوص‭ ‬جريمة‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬قدمت‭ ‬جنوب‭ ‬أفريقيا‭ ‬مرافعتها‭ ‬الشفهية‭ ‬يوم‭ ‬الخميس‭ ‬الموافق‭ ‬‮«‬11‮»‬‭ ‬كانون‭ ‬الثاني‭/‬يناير‭ ‬2024،‭ ‬طلبت‭ ‬خلالها‭ ‬من‭ ‬المحكمة‭ ‬حماية‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬ضرر‭ ‬إضافي‭ ‬جسيم،‭ ‬وغير‭ ‬قابل‭ ‬للإصلاح‭ ‬بموجب‭ ‬اتفاقية‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية،‭ ‬وضمان‭ ‬امتثال‭ ‬إسرائيل‭ ‬لالتزاماتها‭ ‬بموجب‭ ‬الاتفاقية‭ ‬بعدم‭ ‬الانخراط‭ ‬في‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية،‭ ‬ومنعها‭ ‬والمعاقبة‭ ‬عليها‭.‬

ثلاث‭ ‬وأربعون‭ ‬دولة‭ ‬عربية‭ ‬وإسلامية‭ ‬عضو‭ ‬في‭ ‬اتفاقية‭ ‬منع‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬والمعاقبة‭ ‬عليها‭ ‬لسنة‭ ‬1948،‭ ‬لم‭ ‬تبادر‭ ‬أي‭ ‬منها‭ ‬للتوجه‭ ‬للمحاكم‭ ‬الدولية،‭ ‬وتبادر‭ ‬جنوب‭ ‬أفريقيا‭ ‬بتقديم‭ ‬طلب‭ ‬إلى‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية‭ ‬في‭ ‬لاهاي،‭ ‬لإقامة‭ ‬دعوى‭ ‬ضد‭ ‬إسرائيل،‭ ‬مستندة‭ ‬في‭ ‬رفع‭ ‬الدعوى‭ ‬على‭ ‬معاهدة‭ ‬دولية،‭ ‬تتضمن‭ ‬شرط‭ ‬الاختصاص‭ ‬القضائي،‭ ‬وهي‭ ‬اتفاقية‭ ‬منع‭ ‬جريمة‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬والمعاقبة‭ ‬عليها،‭ ‬التي‭ ‬صادقت‭ ‬عليها‭ ‬الجمعية‭ ‬العامة‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬بالإجماع،‭ ‬إذ‭ ‬أن‭ ‬اختصاص‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية‭ ‬ذات‭ ‬صفة‭ ‬إلزامية‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالمعاهدات‭ ‬الدولية‭. ‬

أثارت‭ ‬هذه‭ ‬الخطوة‭ ‬إسرائيل‭ ‬كما‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬وهي‭ ‬المرة‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬تقف‭ ‬فيها‭ ‬إسرائيل‭ ‬مباشرة‭ ‬كدولة‭ ‬مخالفة‭ ‬للقانون‭ ‬الدولي،‭ ‬والدولي‭ ‬الإنساني،‭ ‬أمام‭ ‬أعلى‭ ‬مؤسسة‭ ‬قضائية‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬هي‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬مؤسسات‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭. ‬بعد‭ ‬ان‭ ‬تجرأت‭ ‬للمرة‭ ‬الأولى‭ ‬دولة‭ ‬كجنوب‭ ‬أفريقيا‭ ‬على‭ ‬اختراق‭ ‬خطوط‭ ‬الحماية‭ ‬التي‭ ‬تفرضها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬حول‭ ‬إسرائيل،‭ ‬لمنع‭ ‬مساءلتها‭ ‬أمام‭ ‬القانون‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬توفير‭ ‬الغطاء‭ ‬لجرائمها،‭ ‬ولحروب‭ ‬التدمير‭ ‬ضد‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬باللجوء‭ ‬لاستخدام‭ ‬حق‭ ‬النقض‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬لإجهاض‭ ‬أي‭ ‬مشروع‭ ‬قرار‭ ‬ترى‭ ‬فيه‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬إدانة‭ ‬لسياسات‭ ‬تل‭ ‬أبيب‭ ‬العدوانية‭. ‬

وكانت‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬قد‭ ‬طلبت‭ ‬من‭ ‬المحكمة،‭ ‬إصدار‭ ‬أمر‭ ‬عاجل‭ ‬يعلن‭ ‬أن‭ ‬إسرائيل،‭ ‬في‭ ‬عدوانها‭ ‬على‭ ‬غزة،‭ ‬تنتهك‭ ‬التزاماتها‭ ‬بموجب‭ ‬اتفاقية‭ ‬منع‭ ‬جريمة‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬لعام‭ ‬1948،‭ ‬كما‭ ‬طالبت‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬المحكمة‭ ‬أن‭ ‬تأمر‭ ‬إسرائيل‭ ‬بوقف‭ ‬عدوانها‭.‬

وكانت‭ ‬جنوب‭ ‬أفريقيا‭ ‬قد‭ ‬دعت‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬سابق‭ ‬إلى‭ ‬نشر‭ ‬قوة‭ ‬سريعة‭ ‬لحماية‭ ‬المدنيين‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬وسط‭ ‬تكثيف‭ ‬العدوان‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬على‭ ‬القطاع،‭ ‬الذي‭ ‬أدى‭ ‬لسقوط‭ ‬8300‭ ‬شهيد‭ ‬فلسطيني‭ ‬منذ‭ ‬7‭ ‬تشرين‭ ‬أول‭ / ‬أكتوبر‭ ‬2023‭ ‬حتى‭ ‬‮«‬30‮»‬‭ ‬تشرين‭ ‬أول‭/ ‬أكتوبر2023،‭ ‬معظمهم‭ ‬من‭ ‬النساء‭ ‬والأطفال،‭ ‬وأكدت‭ ‬أن‭ ‬أعداد‭ ‬القتلى‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬المقاتلين،‭ ‬خاصة‭ ‬أعداد‭ ‬الأطفال‭ ‬الذين‭ ‬قتلوا،‭ ‬تتطلب‭ ‬من‭ ‬العالم‭ ‬أن‭ ‬يظهر‭ ‬أنه‭ ‬جاد‭ ‬بخصوص‭ ‬المساءلة‭ ‬العالمية‭.‬

امتثال‭ ‬إسرائيل‭ ‬أمام‭ ‬المحكمة‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬احتراماً‭ ‬للقانون‭ ‬الدولي،‭ ‬بل‭ ‬اضطرت‭ ‬للمثول‭ ‬للرد‭ ‬على‭ ‬الدعوى‭ ‬التي‭ ‬قدمتها‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬لمقاضاتها‭ ‬بتهمة‭ ‬ارتكاب‭ ‬جرائم‭ ‬إبادة‭ ‬جماعية‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬وقدمت‭ ‬إسرائيل‭ ‬مرافعتها‭ ‬الشفهية‭ ‬يوم‭ ‬الجمعة‭ ‬الموافق‭ ‬‮«‬12‮»‬‭ ‬كانون‭ ‬الثاني‭/‬يناير‭ ‬2024،‭ ‬في‭ ‬مقر‭ ‬المحكمة‭ ‬في‭ ‬لاهاي‭. ‬وتسعى‭ ‬إسرائيل‭ ‬كدولة‭ ‬احتلال‭ ‬متهمَة‭ ‬بجرائم‭ ‬الإبادة‭ ‬والحرب‭ ‬إلى‭ ‬إثبات‭ ‬عكس‭ ‬ما‭ ‬نُسب‭ ‬اليها‭ ‬أمام‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية،‭ ‬لكنها‭ ‬تعجز‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬أمام‭ ‬الحقائق‭ ‬والقرائن‭ ‬الموجودة‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الميدان،‭ ‬وغير‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬نفي‭ ‬أو‭ ‬طمس‭ ‬حقيقة‭ ‬ارتكابها‭ ‬هذه‭ ‬التهمة‭ ‬الموجهة‭ ‬إليها‭.‬

مارست‭ ‬إسرائيل‭ ‬حملة‭ ‬إبادة‭ ‬جماعية‭ ‬ضد‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬قبل‭ ‬حادثة‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬أكتوبر‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬فرض‭ ‬حصار‭ ‬على‭ ‬القطاع،‭ ‬واستمرار‭ ‬فرض‭ ‬الحصار‭ ‬لسنوات‭ ‬طويلة‭ ‬تسبب‭ ‬بتدهور‭ ‬الأوضاع‭ ‬المعيشية‭ ‬للجماعة‭ ‬العرقية‭ ‬عمداً‭ ‬مما‭ ‬يعتبر‭ ‬عملية‭ ‬إبادة‭ ‬جماعية‭ ‬وفقاً‭ ‬للتعريف‭ ‬القانوني‭.‬

انتظرت‭ ‬إسرائيل‭ ‬هزيمة‭ ‬قانونية‭ ‬في‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية،‭ ‬وهي‭ ‬قلقة‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المحاكمة‭ ‬المبنية‭ ‬على‭ ‬حجج‭ ‬قوية‭ ‬وموضوعية،‭ ‬وإسرائيل‭ ‬قد‭ ‬وقعت‭ ‬اتفاقية‭ ‬منع‭ ‬جرائم‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬عام‭ ‬1948،‭ ‬وأصبحت‭ ‬تخضع‭ ‬لولاية‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية،‭ ‬وأحكامها‭ ‬ملزمة‭ ‬في‭ ‬القانون‭ ‬الدولي،‭ ‬لكن‭ ‬لا‭ ‬تملك‭ ‬السلطة‭ ‬لإجبار‭ ‬إسرائيل‭ ‬على‭ ‬تنفيذ‭ ‬الأحكام،‭ ‬وفي‭ ‬حال‭ ‬عدم‭ ‬التنفيذ‭ ‬سيؤثر‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬الذي‭ ‬بدأ‭ ‬يتغير‭ ‬في‭ ‬رفض‭ ‬السردية‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬وسيحرج‭ ‬أوروبا‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬وسيكذب‭ ‬ادعائهما‭ ‬أنهما‭ ‬القوة‭ ‬الرئيسية‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬لمنع‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية،‭ ‬قامت‭ ‬إسرائيل‭ ‬بنفي‭ ‬جميع‭ ‬الاتهامات‭ ‬التي‭ ‬وجهتها‭ ‬جنوب‭ ‬أفريقيا‭ ‬لها،‭ ‬وادعت‭ ‬أن‭ ‬لإسرائيل‭ ‬حق‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬النفس،‭ ‬وحق‭ ‬الرد‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬قامت‭ ‬به‭ ‬حماس‭ ‬من‭ ‬أعمال‭ ‬و«جرائم‮»‬‭ ‬ضد‭ ‬الإسرائيليين،‭ ‬خلال‭ ‬عملية‭ ‬طوفان‭ ‬الأقصى‭ ‬في‭ ‬7‭ ‬تشرين‭ ‬أول‭/ ‬أكتوبر،‭ ‬ولو‭ ‬سلمنا‭ ‬جدلاً‭ ‬بأن‭ ‬لإسرائيل‭ ‬هذا‭ ‬الحق،‭ ‬فإنه‭ ‬لا‭ ‬يبرر‭ ‬ارتكاب‭ ‬جرائم‭ ‬ضد‭ ‬الإنسانية،‭ ‬وفي‭ ‬حالة‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬النفس،‭ ‬لا‭ ‬يجوز‭ ‬انتهاك‭ ‬قواعد‭ ‬القانون‭ ‬الدولي،‭ ‬ولا‭ ‬يجوز‭ ‬استهداف‭ ‬المدنيين،‭ ‬وأي‭ ‬جرم‭ ‬غير‭ ‬مبرر‭ ‬تحت‭ ‬ذريعة‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬النفس‭.‬

نجاح‭ ‬جنوب‭ ‬أفريقيا‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الدعوى‭ ‬تشكل‭ ‬إدانة‭ ‬لإسرائيل،‭ ‬وتفتح‭ ‬الباب‭ ‬أمام‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدعاوى‭ ‬القضائية‭ ‬التي‭ ‬ستقام‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬أعضاء‭ ‬في‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬الذين‭ ‬يعارضون‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭. ‬ويواجه‭ ‬تحرك‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬تحديات‭ ‬قد‭ ‬تمنع‭ ‬من‭ ‬تحقيق‭ ‬أهدافه،‭ ‬من‭ ‬أبرزها‭ ‬غياب‭ ‬آلية‭ ‬فعلية‭ ‬لتنفيذ‭ ‬الأحكام،‭ ‬وأيضاً‭ ‬اتخاذ‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬الكبرى‭ ‬على‭ ‬رأسها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬مواقف‭ ‬مساندة‭ ‬لإسرائيل،‭ ‬وسيؤدي‭ ‬تحويل‭ ‬قرار‭ ‬المحكمة‭ ‬إلى‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬إلى‭ ‬استخدام‭ ‬حق‭ ‬النقض‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭.‬

سعت‭ ‬جنوب‭ ‬أفريقيا‭ ‬إلى‭ ‬تأسيس‭ ‬اختصاص‭ ‬المحكمة‭ ‬على‭ ‬اتفاقية‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬للإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬لعام‭ ‬1948،‭ ‬لإصدار‭ ‬تدابير‭ ‬مؤقتة‭ ‬لحماية‭ ‬حقوق‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تصدر‭ ‬حكماً‭ ‬نهائياً،‭ ‬في‭ ‬موضوع‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬غزة‭ ‬أشارت‭ ‬المحكمة‭ ‬إلى‭ ‬التدابير‭ ‬المؤقتة‭. ‬وألزمت‭ ‬الدول‭ ‬الأطراف‭ ‬في‭ ‬النزاع‭ ‬باتخاذ‭ ‬التدابير‭ ‬المؤقتة‭ ‬أو‭ ‬الاحترازية‭.‬

في‭ ‬24‭/‬1‭/‬2024،‭ ‬أصدرت‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية‭ ‬سلسلة‭ ‬‮«‬قرارات‭ ‬احترازية‮»‬،‭ ‬تدعو‭ ‬إسرائيل‭ ‬لالتزامها،‭ ‬لضمان‭ ‬عدم‭ ‬انتهاكها‭ ‬لاتفاقية‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية،‭ ‬بانتظار‭ ‬صدور‭ ‬الحكم‭ ‬النهائي‭ ‬في‭ ‬القضية،‭ ‬وطلبت‭ ‬المحكمة‭ ‬من‭ ‬إسرائيل،‭ ‬أن‭ ‬تقدم‭ ‬لها‭ ‬خلال‭ ‬شهر‭ ‬من‭ ‬تاريخه‭ ‬تقريراً،‭ ‬تعرض‭ ‬فيه‭ ‬مدى‭ ‬تقيّدها‭ ‬بالإجراءات‭ ‬اللازمة‭ ‬في‭ ‬خطوة‭ ‬شكلت‭ ‬انتصاراً‭ ‬سياسياً‭ ‬ومعنوياً‭ ‬لشعبنا‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬ولكل‭ ‬الأطراف‭ ‬الدولية‭ ‬التي‭ ‬تسانده‭ ‬وتدعم‭ ‬صموده‭.‬

نَصَّت‭ ‬‮«‬القرارات‭ ‬الاحترازية‮»‬‭ ‬آنفة‭ ‬الذكر‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يلي‭:‬

1-‭ ‬اتخاذ‭ ‬إسرائيل‭ ‬الإجراءات‭ ‬لمنع‭ ‬جميع‭ ‬الأفعال،‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬القتل‭ ‬والتسبب‭ ‬بضرر‭ ‬بدني،‭ ‬وبالظروف‭ ‬التي‭ ‬تؤثر‭ ‬على‭ ‬الحياة‭ ‬والدمار‭ ‬المادي‭.‬

2-‭ ‬اتخاذ‭ ‬إجراءات‭ ‬لضمان‭ ‬توفير‭ ‬الاحتياجات‭ ‬الإنسانية‭ ‬الملحة‭ ‬للفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬غزة‭.‬

3-‭ ‬اتخاذ‭ ‬إجراءات‭ ‬فورية،‭ ‬للتأكد‭ ‬من‭ ‬منع‭ ‬تدمير‭ ‬الأدلة‭ ‬حول‭ ‬ارتكاب‭ ‬إبادة‭ ‬جماعية‭.‬

4-‭ ‬تقدم‭ ‬إسرائيل‭ ‬تقريراً‭ ‬للمحكمة‭ ‬حول‭ ‬كل‭ ‬التدابير‭ ‬خلال‭ ‬شهر‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬تاريخ‭ ‬إصدار‭ ‬القرار‭.  (‬1‭) ‬

أثارت‭ ‬هذه‭ ‬القرارات‭ ‬جدلاً‭ ‬سياسياً‭ ‬وفقهياً‭ ‬قانونياً،‭ ‬حول‭ ‬مدى‭ ‬إلزاميتها‭ ‬لإسرائيل،‭ ‬وكيفية‭ ‬تطبيقها،‭ ‬ودوماً‭ ‬على‭ ‬خلفية‭ ‬سياسية،‭ ‬تعكس‭ ‬حقيقة‭ ‬الموقف‭ ‬من‭ ‬قرارات‭ ‬الشرعية‭ ‬الدولية‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬الإطار‭ ‬أكدت‭ ‬أغلبية‭ ‬أعضاء‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن،‭ ‬إلزامية‭ ‬قرارات‭ ‬المحكمة‭ ‬الدولية‭ ‬لإسرائيل‭ ‬ما‭ ‬عدا‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬وتهربت‭ ‬فرنسا‭ ‬وبريطانيا‭ ‬من‭ ‬تحديد‭ ‬موقف‭ ‬واضح،‭ ‬وإن‭ ‬كانتا‭ ‬قد‭ ‬أكدتا‭ ‬في‭ ‬السياق‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬توفير‭ ‬حل‭ ‬دائم‭ ‬للقضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬‮«‬حل‭ ‬الدولتين‮»‬‭.‬

وقد‭ ‬رأى‭ ‬محللون‭ ‬في‭ ‬الموضوعات‭ ‬السياسية،‭ ‬في‭ ‬إحالة‭ ‬إسرائيل‭ ‬إلى‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية،‭ ‬سابقة‭ ‬ستكون‭ ‬لها‭ ‬مثيلاتها،‭ ‬منها‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬شكوى‭ ‬نيكاراغوا‭ ‬ضد‭ ‬ألمانيا،‭ ‬المتهمة‭ ‬بالاشتراك‭ ‬بحرب‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تزويد‭ ‬إسرائيل‭ ‬بالسلاح‭ ‬والذخائر،‭ ‬ما‭ ‬أرغم‭ ‬ألمانيا،‭ ‬للوقوف‭ ‬أمام‭ ‬قوس‭ ‬العدالة‭ ‬الدولية‭ ‬والدفاع‭ ‬عن‭ ‬نفسها،‭ ‬ألحق‭ ‬بها‭ ‬وصمة‭ ‬عار،‭ ‬وكشف‭ ‬زيف‭ ‬ادعاءاتها‭ ‬هي‭ ‬الأخرى،‭ ‬بالالتزام‭ ‬بالقانون‭ ‬الدولي‭ ‬واحترام‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭. ‬

كما‭ ‬أكدوا‭ ‬أن‭ ‬خوض‭ ‬المعارك‭ ‬ضد‭ ‬الاحتلال،‭ ‬وشركائه،‭ ‬وحلفائه،‭ ‬أمام‭ ‬المحافل‭ ‬الدولية،‭ ‬أمر‭ ‬له‭ ‬أهميته‭ ‬القصوى،‭ ‬بالتناغم‭ ‬مع‭ ‬خوض‭ ‬المعارك‭ ‬في‭ ‬الميدان،‭ ‬فإسرائيل،‭ ‬تقف‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬جبهة‭ ‬عالمية‭ ‬تَحَلَّقت‭ ‬حول‭ ‬دعوى‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا،‭ ‬تكشف‭ ‬حجم‭ ‬العزلة‭ ‬التي‭ ‬تعانيها‭ ‬دولة‭ ‬الاحتلال،‭ ‬وتفتح‭ ‬الآفاق‭ ‬واسعة،‭ ‬لمزيد‭ ‬من‭ ‬التحرك‭ ‬السياسي‭ ‬والدبلوماسي‭ ‬والقضائي،‭ ‬لمنازلة‭ ‬العدو‭ ‬في‭ ‬محافل‭ ‬أخرى،‭ ‬خاصة‭ ‬وأن‭ ‬صمود‭ ‬شعبنا‭ ‬الأسطوري‭ ‬وتضحياته‭ ‬البالغة،‭ ‬وبطولات‭ ‬مقاومته‭ ‬وإبداعاتها،‭ ‬أعادت‭ ‬تقديمه‭ ‬إلى‭ ‬العالم،‭ ‬شعباً‭ ‬ذا‭ ‬كرامة‭ ‬وطنية،‭ ‬ومفخرة‭ ‬وطنية‭ ‬للحضارة‭ ‬الإنسانية،‭ ‬حضارة‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬الحياة‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬آلة‭ ‬القتل‭ ‬الجماعي،‭ ‬والإبادة‭ ‬المهدَّفة،‭ ‬ومشاريع‭ ‬إغراق‭ ‬العالم‭ ‬بحروب‭ ‬همجية‭ ‬استعمارية‭ ‬فاشية‭ ‬الطابع‭ ‬والهوية‭. ‬‭(‬2‭)‬

لم‭ ‬تقف‭ ‬الدعوى‭ ‬المرفوعة‭ ‬أمام‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية،‭ ‬أمام‭ ‬حدود‭ ‬تبني‭ ‬دولة‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬لها‭ ‬وحدها،‭ ‬فقد‭ ‬أعلنت‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬80‭ ‬دولة‭ ‬في‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم‭ (‬أوروبا‭ + ‬آسيا‭ + ‬إفريقيا‭ + ‬استراليا‭ + ‬الأميركيتين‭) ‬تبنيها‭ ‬لدعوى‭ ‬دولة‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬شكل‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬وصفه،‭ ‬بمثابة‭ ‬جبهة‭ ‬عالمية‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬مبادرة‭ ‬بريتوريا،‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬دولة‭ ‬الاحتلال،‭ ‬خاصة‭ ‬بعدما‭ ‬اتخذت‭ ‬المحكمة‭ ‬الدولية‭ ‬قراراها‭ ‬بقبول‭ ‬شكوى‭ ‬ضد‭ ‬إسرائيل،‭ ‬لانطباق‭ ‬المعايير‭ ‬الدولية‭ ‬عليها،‭ ‬ولتوفر‭ ‬المعطيات‭ ‬التي‭ ‬تؤكد‭ ‬أن‭ ‬إسرائيل‭ ‬قد‭ ‬انتهكت‭ ‬اتفاقية‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية،‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬–‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬–‭ ‬انتهاكاً‭ ‬للقانون‭ ‬الدولي،‭ ‬والدولي‭ ‬الإنساني‭.(‬3‭)‬

ومع‭ ‬أن‭ ‬إسرائيل‭ ‬استجابت‭ ‬لقرار‭ ‬تقديم‭ ‬تقرير‭ ‬في‭ ‬غضون‭ ‬شهر‭ ‬إلى‭ ‬المحكمة،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬أخَلَّت‭ ‬بباقي‭ ‬القرارات،‭ ‬وواصلت‭ ‬سياستها‭ ‬التدميرية‭ ‬الشاملة،‭ ‬مستندة‭ ‬إلى‭ ‬الغطاء‭ ‬السياسي‭ ‬والدعم‭ ‬العسكري‭ ‬غير‭ ‬المحدود‭ ‬من‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬ما‭ ‬دعا‭ ‬المحكمة‭ ‬لأن‭ ‬تصدر‭ ‬في‭ ‬28‭/‬3‭/‬2024‭ ‬أمراً‭ ‬إلزامياً‭ ‬يدعو‭ ‬إسرائيل‭ ‬إلى‭ ‬اتخاذ‭ ‬كافة‭ ‬الإجراءات‭ ‬الضرورية‭ ‬والفاعلة،‭ ‬لضمان‭ ‬تدفق‭ ‬المساعدات‭ ‬الإنسانية،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬عوائق‭ ‬إلى‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬لتجنب‭ ‬المجاعة،‭ ‬في‭ ‬تدخل‭ ‬مباشر‭ ‬من‭ ‬المحكمة،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أكدت‭ ‬المؤسسات‭ ‬الدولية‭ ‬وفي‭ ‬مقدمها‭ ‬وكالة‭ ‬الغوث‭ (‬الأونروا‭) ‬وباقي‭ ‬المؤسسات‭ ‬الإنسانية،‭ ‬وقوف‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬على‭ ‬حافة‭ ‬المجاعة‭.‬

ومن‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭ ‬خلص‭ ‬محللون‭ ‬سياسيون‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬شكوى‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا‭ ‬ضد‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية،‭ ‬قد‭ ‬أكدت‭ ‬أهمية‭ ‬الدور‭ ‬الذي‭ ‬تؤديه‭ ‬المؤسسات‭ ‬الدولية‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬وأعماله‭ ‬العدوانية،‭ ‬كما‭ ‬أكدت‭ ‬أهمية‭ ‬قرارات‭ ‬الشرعية‭ ‬الدولية‭ ‬في‭ ‬المعركة‭ ‬السياسية‭ ‬التي‭ ‬يخوضها‭ ‬شعبنا‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬مقاومته‭ ‬الميدانية،‭ ‬وأشار‭ ‬هؤلاء‭ ‬المحللون‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬ألحقته‭ ‬سياسة‭ ‬الانضباط‭ ‬لقيود‭ ‬أوسلو‭ ‬من‭ ‬أضرار‭ ‬بمصالح‭ ‬شعبنا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الميدان،‭ ‬بسبب‭ ‬تلكؤ‭ ‬الرسمية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬من‭ ‬دخول‭ ‬المعترك‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬المؤسسات‭ ‬الدولية،‭ ‬إن‭ ‬في‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬المحكمة‭ ‬الجنائية‭ ‬الدولية،‭ ‬أو‭ ‬مجلس‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬تنسيب‭ ‬دولة‭ ‬فلسطين‭ ‬إلى‭ ‬الوكالات‭ ‬المتخصصة‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة،‭ (‬كوكالة‭ ‬حقوق‭ ‬الملكية‭ ‬الفكرية،‭ ‬ومنظمة‭ ‬الصحة‭ ‬العالمية،‭ ‬ومنظمة‭ ‬التنمية‭ ‬الصناعية‭ ‬الدولية،‭ ‬ومنظمة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬للتجارة‭ ‬والتنمية،‭..)‬،‭ ‬أو‭ ‬متابعة‭ ‬الجهود‭ ‬بدأب‭ ‬لتوفير‭ ‬الحماية‭ ‬الدولية‭ ‬لشعبنا‭ ‬في‭ ‬الأراضي‭ ‬المحتلة،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تغيب‭ ‬المسألة‭ ‬الأكبر،‭ ‬أي‭ ‬تنفيذ‭ ‬قرارات‭ ‬المجلسين‭ ‬الوطني‭ ‬والمركزي،‭ ‬والرهان‭ ‬على‭ ‬المقاومة‭ ‬بكل‭ ‬أشكالها،‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬الوعود‭ ‬الفارغة‭ ‬بـ‭ ‬‮«‬حل‭ ‬الدولتين‮»‬‭  ‬والتي‭ ‬لا‭ ‬تعدو‭ ‬كونها‭ ‬–‭ ‬في‭ ‬أفضل‭ ‬الحالات‭ ‬–‭ ‬تطبيقاً‭ ‬بائساً‭ ‬لما‭ ‬تبقى‭ ‬من‭ ‬‮«‬اتفاق‭ ‬أوسلو‮»‬‭ ‬و«صفقة‭ ‬القرن‮»‬‭ (‬4‭)‬

هوامش‭:‬

1-‭ ‬الجبهة‭ ‬الديمقراطية‭ ‬لتحرير‭ ‬فلسطين،‭ ‬الكتاب‭ ‬19‮«‬‭ ‬وثائق‭ ‬المؤتمر‭ ‬الوطني‭ ‬العام‭ ‬الثامن‭ ‬ــــــــ‭ ‬2024‮»‬،‭ ‬من‭ ‬سلسلة‭ ‬‮«‬الفكر‭ ‬السياسي‭ ‬الفلسطيني‭ ‬المعاصر‮»‬،‭ ‬ص48‭ .‬

2-‭ ‬المصدر‭ ‬السابق،‭ ‬ص‭ ‬21

3-‭ ‬المصدر‭ ‬السابق،‭ ‬ص‭ ‬48

4-‭ ‬المصدر‭ ‬السابق،‭ ‬ص‭ ‬49