الضفة الغربية ساحة حرب أساسية أم ثانوية؟

سبتمبر 9, 2024

فجر‭ ‬يوم‭ ‬الأربعاء‭ ‬28‭ ‬أغسطس‭/‬آب‭ ‬2024،‭ ‬شنت‭ ‬قوات‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬عملية‭ ‬عسكرية‭ ‬أسمتها‭ ‬‮«‬المخيمات‭ ‬الصيفية‮»‬‭ ‬وصفت‭ ‬بأنها‭ ‬الأوسع‭ ‬منذ‭ ‬عملية‭ ‬‮«‬السور‭ ‬الواقي‮»‬‭ ‬عام‭ ‬2002،‭ ‬أحكمت‭ ‬قوات‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬الحصار‭ ‬على‭ ‬مدن‭ ‬ومخيمات‭ ‬وبلدات‭ ‬شمال‭ ‬الضفة،‭ ‬وحشدت‭ ‬لاقتحامها‭ ‬لواء‭ ‬المشاة‭ ‬كفير،‭ ‬وأربعة‭ ‬كتائب‭ ‬تابعة‭ ‬لحرس‭ ‬الحدود،‭ ‬ووحدات‭ ‬من‭ ‬المستعربين،‭ ‬وقوات‭ ‬النخبة،‭ ‬ووحدات‭ ‬من‭ ‬الهندسة‭ ‬العسكرية،‭ ‬بتنسيق‭ ‬مع‭ ‬جهاز‭ ‬الأمن‭ ‬العام‭ (‬الشاباك‭)‬،‭ ‬ودعم‭ ‬من‭ ‬سلاح‭ ‬الجو‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬الذي‭ ‬دفع‭ ‬بمروحيات‭ ‬ومقاتلات‭ ‬حربية‭ ‬ومسيرات‭ ‬لتوفير‭ ‬غطاء‭ ‬للقوات‭ ‬البرية‭.‬

شملت‭ ‬عملية‭ ‬‮«‬مخيمات‭ ‬صيفية‮»‬‭ ‬هجوماً‭ ‬على‭ ‬مدن‭ ‬جنين‭ ‬وطولكرم‭ ‬وطوباس‭ ‬وبلدات‭ ‬ومخيمات‭ ‬شمالي‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬المحتلة‭ ‬واستهدفت‭ ‬المقاومين‭ ‬بالاغتيال‭ ‬أو‭ ‬الاعتقال،‭ ‬بعد‭ ‬تقديرات‭ ‬أن‭ ‬الوضع‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬أصبح‭ ‬يشكل‭ ‬خطراً‭ ‬سياسياً‭ ‬وأمنياً،‭ ‬أعلنت‭ ‬المؤسسة‭ ‬الأمنية‭ ‬للاحتلال‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬يوم‭ ‬الاثنين‭ ‬2‭/‬9‭/‬2024،‭ ‬أن‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬‮«‬ساحة‭ ‬ثانوية‮»‬‭ ‬بل‭ ‬‮«‬ساحة‭ ‬قتال‭ ‬أساسية‮»‬‭ ‬تأتي‭ ‬مباشرة‭ ‬بعد‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬وأنّها‭ ‬بهذا‭ ‬القرار‭ ‬لا‭ ‬تعتبر‭ ‬عملية‭ ‬‮«‬المخيمات‭ ‬الصيفية‮»‬‭ ‬بمثابة‭ ‬تغيير‭ ‬في‭ ‬السياسة،‭ ‬أو‭ ‬عملية‭ ‬استثنائية‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬‮«‬الإرهاب‮»‬،‭ ‬بل‭ ‬ستكون‭ ‬قاعدة‭ ‬استراتيجية‭ ‬في‭ ‬الصراع‭.‬

وكانت‭ ‬صحيفة‭ ‬‮«‬يسرائيل‭ ‬هيوم‮»‬،‭ ‬قد‭ ‬ذكرت‭ ‬إن‭ ‬إسرائيل‭ ‬تدرس‭ ‬إعلان‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬ساحة‭ ‬قتال‭ ‬أساسية،‭ ‬وإن‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬كانت‭ ‬منذ‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬أكتوبر‭ ‬تصنف‭ ‬‮«‬ساحة‭ ‬ثانوية‮»‬‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬باتت‭ ‬الجبهة‭ ‬الثانية‭ ‬الأكثر‭ ‬أهمية‭ ‬مباشرة‭ ‬بعد‭ ‬جبهة‭ ‬غزة،‭ ‬رئيس‭ ‬حكومة‭ ‬الاحتلال‭ ‬بنيامين‭ ‬نتنياهو،‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬صرح‭ ‬أن‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬حرب‭ ‬مع‭ ‬سبع‭ ‬جبهات،‭ ‬إحداها‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية،‭ ‬والباقي‭: (‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬حزب‭ ‬الله‭ ‬اللبناني،‭ ‬أنصار‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬اليمن،‭ ‬المقاومة‭ ‬الإسلامية‭ ‬في‭ ‬العراق،‭ ‬سوريا،‭ ‬وإيران‭)‬،‭ ‬بهذا‭ ‬يقصد‭ ‬بنيامين‭ ‬نتنياهو‭ ‬الترتيب‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬يعني‭ ‬التصنيف،‭ ‬الأولى‭ ‬جبهة‭ ‬غزة،‭ ‬حتى‭ ‬تحقيق‭ ‬الأهداف‭ ‬المعلنة‭ ‬للحرب،‭ ‬ولاسيما‭ ‬موضوع‭ ‬الاهتمام‭ ‬الأساسي‭ ‬للإسرائيليين‭ ‬بملف‭ ‬الأسرى‭ ‬المحتجزين‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬أما‭ ‬الجبهة‭ ‬الثانية‭ ‬والثالثة،‭ ‬فقد‭ ‬تأخرت‭ ‬الضفة‭ ‬عن‭ ‬لبنان‭ ‬ثم‭ ‬تقدمت‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬الترتيب،‭ ‬وخضع‭ ‬الأمر‭ ‬للحسابات‭ ‬العسكرية‭ ‬والاستراتيجية‭. ‬وللمقارنة‭ ‬بين‭ ‬الضفة‭ ‬وبين‭ ‬الجبهة‭ ‬اللبنانية،‭ ‬بين‭ ‬الجبهة‭ ‬الأساسية‭ (‬الاشتباك‭ ‬المباشر‭ ‬على‭ ‬الأرض،‭ ‬بقوات‭ ‬برية‭)‬،‭ ‬والجبهة‭ ‬الثانوية‭ ( ‬تتصف‭ ‬بتبادل‭ ‬القصف‭ ‬بالمدفعية‭ ‬أو‭ ‬الصواريخ‭ ‬أو‭ ‬قصف‭ ‬الطيران‭)‬،‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬الجبهة‭ ‬اللبنانية‭ ‬تخضع‭ ‬لضوابط،‭ ‬وقواعد‭ ‬اشتباك‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬عدم‭ ‬توسيع‭ ‬دائرة‭ ‬الحرب،‭ ‬وإبقائها‭ ‬دون‭ ‬الحرب‭ ‬البرية،‭ ‬تصنف‭ ‬ضمن‭ ‬حرب‭ ‬الاستنزاف،‭ ‬كجبهة‭ ‬إسناد‭ ‬لغزة،‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬تخفيف‭ ‬العبء‭ ‬الواقع‭ ‬على‭ ‬المقاومة‭ ‬في‭ ‬فلسطين،‭ ‬وتربط‭ ‬دورها‭ ‬بوقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار‭ ‬على‭ ‬جبهة‭ ‬غزة،‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬يضع‭ ‬الاحتلال‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬كساحة‭ ‬قتال‭ ‬ثانية،‭ ‬وتقديمها‭ ‬على‭ ‬جبهة‭ ‬الشمال‭ ‬مع‭ ‬حزب‭ ‬الله،‭ ‬لكن‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬من‭ ‬التصعيد‭ ‬في‭ ‬الجنوب‭ ‬اللبناني،‭ ‬كادت‭ ‬هذه‭ ‬الجبهة‭ ‬أن‭ ‬تتحول‭ ‬إلى‭ ‬ساحة‭ ‬قتال‭ ‬أولى،‭ ‬تتقدم‭ ‬على‭ ‬غزة،‭ ‬وهي‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬مرشحة‭ ‬لذلك،‭ ‬والاحتمالات‭ ‬واردة،‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬تتحول‭ ‬في‭ ‬التصنيف‭ ‬من‭ ‬حرب‭ ‬استنزاف‭ ‬إلى‭ ‬حرب‭ ‬مفتوحة،‭ ‬قام‭ ‬الجيش‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬باستعدادات‭ ‬لشن‭ ‬حرب‭ ‬برية‭ ‬واسعة‭ ‬على‭ ‬لبنان،‭ ‬حرب‭ ‬بلا‭ ‬ضوابط‭ ‬ولا‭ ‬قواعد،‭ ‬يريدها‭ ‬المستوطنون‭ ‬المهجرون‭ ‬من‭ ‬مستوطنات‭ ‬الشمال‭ ‬على‭ ‬الحدود‭ ‬مع‭ ‬لبنان،‭ ‬استعجالاً‭ ‬لعودتهم‭ ‬إلى‭ ‬سكناهم‭ ‬قبل‭ ‬موسم‭ ‬الشتاء،‭ ‬وقبل‭ ‬بدء‭ ‬العام‭ ‬الدراسي‭. ‬لكن‭ ‬في‭ ‬الداخل‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬بقيت‭ ‬مسألة‭ ‬عودة‭ ‬الأسرى‭ ‬إلى‭ ‬أسرهم‭ ‬تتفوق‭ ‬على‭ ‬موضوع‭ ‬عودة‭ ‬المهجرين‭ ‬إلى‭ ‬مستوطناتهم،‭ ‬بالإضافة‭ ‬أن‭ ‬جبهة‭ ‬غزة،‭ ‬تتضمن‭ ‬كلا‭ ‬الجانبين،‭ ‬المهجرين‭ ‬من‭ ‬غلاف‭ ‬غزة،‭ ‬وأسرى‭ ‬عملية‭ ‬طوفان‭ ‬الأقصى‭. ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الزاوية‭ ‬وباعتبار‭ ‬مستوطني‭ ‬الضفة‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬شعور‭ ‬بالقوة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬تسليحهم‭ ‬وتشكيل‭ ‬مليشيات‭ ‬شبه‭ ‬عسكرية،‭ ‬قام‭ ‬الجيش‭ ‬بتجنيد‭ ‬آلاف‭ ‬المستوطنين‭ ‬المسلحين‭ ‬في‭ ‬‮«‬كتائب‭ ‬الدفاع‭ ‬الإقليمي‮»‬‭ ‬لحماية‭ ‬المستوطنات،‭ ‬وقد‭ ‬تضاعف‭ ‬عدد‭ ‬المجندين‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الكتائب‭ ‬خمس‭ ‬مرات‭ ‬ليصل‭ ‬حالياً‭ ‬إلى‭ ‬نحو‭ ‬7‭ ‬آلاف‭ ‬مستوطن،‭ ‬كما‭ ‬قام‭ ‬الجيش‭ ‬بتوزيع‭ ‬حوالي‭ ‬7‭ ‬آلاف‭ ‬قطعة‭ ‬سلاح‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الكتائب،‭ ‬ترتيب‭ ‬الضفة‭ ‬في‭ ‬المرتبة‭ ‬الثانية‭ ‬أو‭ ‬الثالثة‭ ‬تحدده‭ ‬التطورات‭ ‬القادمة‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تحمل‭ ‬الكثير،‭ ‬وربما‭ ‬يتوسع‭ ‬الصدام‭ ‬إلى‭ ‬حرب‭ ‬شوارع‭ ‬مع‭ ‬هؤلاء‭ ‬المستوطنين‭ ‬الذين‭ ‬يهاجمون‭ ‬التجمعات‭ ‬السكنية‭ ‬الفلسطينية‭.‬

من‭ ‬جهة‭ ‬المحللين‭ ‬السياسيين‭ ‬والعسكريين‭ ‬العرب‭ ‬توقعوا‭ ‬أن‭ ‬تظل‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬‮«‬الجبهة‭ ‬الثالثة‮»‬،‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬طبيعة‭ ‬النشاط‭ ‬العملياتي‭ ‬الهجومي‭ ‬للجيش‭ ‬بعد‭ ‬لبنان،‭ ‬بينما‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬هو‭ ‬الجبهة‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬المرحلة‭ ‬الحالية،‭ ‬أما‭ ‬بالنظر‭ ‬إلى‭ ‬عدد‭ ‬القوات‭ ‬المنتشرة‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية،‭ ‬فإنها‭ ‬تُعد‭ ‬الجبهة‭ ‬الأولى‭.‬

قال‭ ‬محلل‭ ‬عسكري‭ ‬اسرائيلي‭ ‬إنه‭ ‬يوجد‭ ‬23‭ ‬كتيبة‭ ‬من‭ ‬جيش‭ ‬الاحتلال‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬حالياً،‭ ‬وحسب‭ ‬تقديرات‭ ‬عدد‭ ‬القوات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬المنتشرة‭ ‬حالياً‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬هو‭ ‬ضعف‭ ‬عدد‭ ‬القوات‭ ‬الموجودة‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬والتوقعات‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الجيش‭ ‬سيحتاج‭ ‬لاستدعاء‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬القوات،‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬استمرار‭ ‬التصعيد‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬أكبر‭ ‬مما‭ ‬هو‭ ‬عليه،‭ ‬واشتعال‭ ‬انتفاضة‭ ‬ثالثة‭ ‬محتملة‭ ‬تفقد‭ ‬الاحتلال‭ ‬السيطرة‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية،‭ ‬ولما‭ ‬لهذه‭ ‬الجبهة‭ ‬من‭ ‬مخاطر‭ ‬مباشرة‭ ‬على‭ ‬المشروع‭ ‬الاستيطاني،‭ ‬سيضطر‭ ‬الجيش‭ ‬إلى‭ ‬تعزيز‭ ‬قواته‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية،‭ ‬وهذا‭ ‬سيخفف‭ ‬من‭ ‬الضغط‭ ‬الهجومي‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬على‭ ‬الجبهات‭ ‬الأخرى‭.‬

في‭ ‬حرب‭ ‬الخامس‭ ‬من‭ ‬حزيران‭ ‬العام‭ ‬1967‭ ‬شنت‭ ‬إسرائيل‭ ‬حرباً‭ ‬على‭ ‬ثلاث‭ ‬جبهات‭ ‬رئيسية‭ ( ‬حرب‭ ‬مفتوحة‭ ‬برية‭ ‬جوية‭ ‬بحرية‭)‬،‭ ‬وجبهة‭ ‬واحدة‭ ‬ثانوية‭ (‬العراق‭ ‬قصف‭ ‬جوي‭)‬،‭ ‬يعتقد‭ ‬البعض‭ ‬أن‭ ‬الجبهة‭ ‬المصرية‭ ‬كانت‭ ‬هي‭ ‬الجبهة‭ ‬المركزية‭ ‬بالنسبة‭ ‬لإسرائيل،‭ ‬لفارق‭ ‬القوة‭ ‬العسكرية‭ ‬بينها‭ ‬وبين‭ ‬الجبهتين‭ ‬الآخرين،‭ ‬إنما‭ ‬الجبهات‭ ‬الثلاث‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬تصنيف‭ ‬هجوم‭ ‬عسكري‭ ‬واحد،‭ ‬إنما‭ ‬اختلف‭ ‬الترتيب،‭ ‬والأولوية‭ ‬في‭ ‬الحشد‭ ‬والعمليات‭ ‬العسكرية،‭ ‬للجبهة‭ ‬المصرية‭ ‬الأولى،‭ ‬ثم‭ ‬الأردنية‭ ‬الثانية،‭ ‬فالجبهة‭ ‬السورية‭ ‬ثالثة‭. ‬

بعد‭ ‬نحو‭ ‬11‭ ‬شهراً‭ ‬من‭ ‬العدوان‭ ‬على‭ ‬غزة،‭ ‬وبدء‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬وفشل‭ ‬الاحتلال‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬أهدافه‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬يقول‭ ‬البعض‭ ‬إن‭ ‬بنيامين‭ ‬نتنياهو‭ ‬أصبح‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬صورة‭ ‬نصر‭ ‬يقدمها‭ ‬لجمهوره،‭ ‬لإنقاذ‭ ‬سمعته‭ ‬وشعبيته‭ ‬المنهارة،‭ ‬محاولاً‭ ‬البحث‭ ‬عنها‭ ‬في‭ ‬الضفة‭. ‬بينما‭ ‬يقول‭ ‬آخرون‭ ‬إن‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬تغيير‭ ‬تصنيف‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬جاء‭ ‬بعد‭ ‬سلسلة‭ ‬عمليات‭ ‬مؤلمة‭ ‬للاحتلال،‭ ‬قامت‭ ‬بها‭ ‬رجال‭ ‬المقاومة‭ ‬في‭ ‬الضفة،‭ ‬منها‭ ‬تفجير‭ ‬سيارة‭ ‬في‭ ‬تل‭ ‬أبيب،‭ ‬وتفجير‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬‮«‬غوش‭ ‬عتصيون‮»‬،‭ ‬وثالثة‭ ‬في‭ ‬‮«‬كرمي‭ ‬تسور‮»‬،‭ ‬وإطلاق‭ ‬نار‭ ‬على‭ ‬حاجز‭ ‬ترقوميا،‭ ‬وقد‭ ‬تبع‭ ‬ذلك‭ ‬تحريض‭ ‬في‭ ‬وسائل‭ ‬إعلام‭ ‬إسرائيلية‭ ‬لتنفيذ‭ ‬عمليات‭ ‬عسكرية‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭. ‬

هل‭ ‬صحيح‭ ‬القول‭ ‬أن‭ ‬العملية‭ ‬العسكرية‭ ‬‮«‬مخيمات‭ ‬صيفية‮»‬‭ ‬هي‭ ‬تحول‭ ‬جبهة‭ ‬الضفة‭ ‬من‭ ‬جبهة‭ ‬ثانوية‭ ‬إلى‭ ‬جبهة‭ ‬رئيسية؟‭. ‬هل‭ ‬هو‭ ‬تغير‭ ‬في‭ ‬التصنيف‭ ‬أم‭ ‬تغير‭ ‬في‭ ‬الترتيب؟‭. ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬ساحة‭ ‬صراع‭ ‬مستمرة،‭ ‬ومعارك‭ ‬مباشرة‭ ‬وجههاً‭ ‬لوجه،‭ ‬ولا‭ ‬يتوقف‭ ‬دورها‭ ‬على‭ ‬إسناد‭ ‬للقطاع‭ ‬مؤقت،‭ ‬مشروط‭ ‬بوقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬حال‭ ‬الجبهة‭ ‬اللبنانية‭. ‬

يشار‭ ‬هنا‭ ‬أن‭ ‬اقتحامات‭ ‬القوات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬وميليشيا‭ ‬المستوطنين‭ ‬للمدن‭ ‬والقرى‭ ‬والمخيمات‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬استمرت‭ ‬عبر‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة‭ ‬اغتيالاً‭ ‬وإعداماً‭ ‬ميدانياً‭ ‬واعتقالاً‭ ‬وتدميراً‭ ‬للمنازل،‭ ‬تصاعدت‭ ‬هذه‭ ‬الاقتحامات‭ ‬منذ‭ ‬ظهور‭ ‬الكتائب‭ ‬المسلحة‭ ‬ككتيبة‭ ‬جنين‭ ‬وعرين‭ ‬الأسود‭ ‬وطولكرم‭ ‬وغيرها‭ ‬قبل‭ ‬7‭ ‬أكتوبر،‭ ‬وتحديداً‭ ‬منذ‭ ‬أيّار‭/‬مايو‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬2021،‭ ‬بدعوى‭ ‬كبح‭ ‬أي‭ ‬فرصة‭ ‬لتحولها‭ ‬إلى‭ ‬جبهة‭ ‬تشابه‭ ‬المقاومة‭ ‬في‭ ‬جبهة‭ ‬غزة،‭ ‬وبعد‭ ‬طوفان‭ ‬الأقصى‭ ‬جرى‭ ‬تصعيد‭ ‬آخر‭ ‬جديد‭ ‬بتكثيف‭ ‬الاقتحامات‭ ‬التي‭ ‬صارت‭ ‬شبه‭ ‬يومية‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬الضفة،‭ ‬و‭ ‬زاد‭ ‬اعتماد‭ ‬القوات‭ ‬المقتحمة‭ ‬على‭ ‬الطائرات‭ ‬المسيّرة‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬مناطق‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬سواء‭ ‬للتجسس‭ ‬والحصول‭ ‬على‭ ‬معلومات‭ ‬أو‭ ‬الهجوم‭ ‬والاغتيال،‭ ‬منها‭ ‬الهجوم‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬أيار‭/ ‬مايو‭ ‬2024‭ ‬الذي‭ ‬نفذته‭ ‬الطائرات‭ ‬المسيّرة‭ ‬على‭ ‬مسلحين‭ ‬في‭ ‬أزقة‭ ‬مخيم‭ ‬نور‭ ‬شمس‭ ‬للاجئين‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬طولكرم،‭ ‬وهو‭ ‬تطور‭ ‬لم‭ ‬يقم‭  ‬به‭ ‬جيش‭ ‬الاحتلال‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬قبل‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬أكتوبر،‭ ‬ومنذ‭ ‬الانتفاضة‭ ‬الثانية،‭ ‬حيث‭ ‬استخدمت‭ ‬الطائرات‭ ‬الحربية‭ ‬في‭ ‬قصف‭ ‬مخيم‭ ‬جنين،‭ ‬مما‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬قوات‭ ‬الاحتلال‭ ‬تواجه‭ ‬صعوبات‭ ‬ومخاطر‭ ‬في‭ ‬ملاحقة‭ ‬ومطاردة‭ ‬المقاومين‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬الضفة،‭ ‬إذ‭ ‬أصبح‭ ‬اعتقالهم‭ ‬أو‭ ‬اغتيالهم‭ ‬عبر‭ ‬التسلل‭ ‬والاقتحام‭ ‬والكمائن‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬مكلفاً‭ ‬يدفع‭ ‬الاحتلال‭ ‬ثمنه‭ ‬من‭ ‬أصابات‭ ‬في‭ ‬جنوده،‭ ‬وتدمير‭ ‬في‭ ‬آلياته،‭ ‬بعد‭ ‬تطوير‭ ‬العبوات‭ ‬الناسفة‭ ‬شديدة‭ ‬الانفجار‭ ‬المصنعة‭ ‬محلياً‭. ‬

التصعيد‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬الحالي‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬يتمثل‭ ‬في‭ ‬تطبيق‭ ‬نموذج‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬غزة‭ ‬في‭ ‬الضفة،‭ ‬باتباع‭ ‬سياسة‭ ‬الأرض‭ ‬المحروقة‭ ‬والتدمير‭ ‬والتجريف‭ ‬الواسع‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬اجتياح‭ ‬باستخدام‭ ‬الجرافات‭ ‬العملاقة‭ ‬لتدمير‭ ‬البنى‭ ‬التحتية‭ ‬وهدم‭ ‬البيوت‭ ‬وتدمير‭ ‬شامل‭ ‬للبنية‭ ‬التحتية،‭ ‬في‭ ‬أحياء‭ ‬مدينة‭ ‬جنين‭ ‬ومخيمها‭ ‬فقط‭ ‬دمّر‭ ‬الجيش‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬نحو‭ ‬25‭ ‬كيلومتراً‭ ‬من‭ ‬شوارعها‭ ‬في‭ ‬العملية‭ ‬العسكرية‭ ‬التي‭ ‬استمرت‭ ‬10‭ ‬أيام‭ ‬نهاية‭ ‬شهر‭ ‬آب‭ ‬وبداية‭ ‬شهر‭ ‬أيلول‭ ‬في‭ ‬استراتيجية‭ ‬تدميرية‭ ‬لتهجير‭ ‬السكان‭.‬

‭ ‬أوضح‭ ‬بيان‭ ‬بلدية‭ ‬جنين‭ ‬أن‭ ‬جيش‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬جرف‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬70‭% ‬من‭ ‬شوارع‭ ‬مدينة‭ ‬جنين‭ ‬و20‭ ‬كم‭ ‬من‭ ‬شبكات‭ ‬المياه‭ ‬والصرف‭ ‬الصحي‭ ‬وكوابل‭ ‬الاتصالات‭ ‬والكهرباء‭ ‬ما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬انقطاع‭ ‬المياه‭ ‬عن‭ ‬كامل‭ ‬مخيم‭ ‬جنين‭ ‬و80‭% ‬من‭ ‬المدينة،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬ذلك‭ ‬حرق‭ ‬سوق‭ ‬الخضروات‭ ‬الشعبي‭ ‬في‭ ‬المدينة‭.‬‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬التجويع‭ ‬والتعطيش،‭ ‬واستهدف‭ ‬المشافي،‭ ‬حيث‭ ‬أفاد‭ ‬مدير‭ ‬مستشفى‭ ‬جنين‭ ‬أن‭ ‬قوات‭ ‬الاحتلال‭ ‬تفرض‭ ‬حصاراً‭ ‬حول‭ ‬المستشفى‭ ‬وتعرقل‭ ‬عمل‭ ‬سيارات‭ ‬الإسعاف‭ ‬والطواقم‭ ‬الطبية‭ ‬وتمنع‭ ‬المواطنين‭ ‬من‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬المشفى،‭ ‬وانقطاع‭ ‬الكهرباء‭ ‬والمياه‭ ‬عنها‭ ‬مما‭ ‬ينذر‭ ‬بتوقف‭ ‬عمل‭ ‬المشفى‭ ‬بالكامل‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬توقفت‭ ‬المولدات‭. ‬

وحتى‭ ‬يوم‭ ‬الخميس‭ ‬5‭/‬9‭ ‬بلغ‭ ‬عدد‭ ‬الشهداء‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬المحتلة‭ ‬39‭ ‬شهيداً‭ ‬ونحو‭ ‬150‭ ‬مصاباً،‭ ‬ما‭ ‬يرفع‭ ‬حصيلة‭ ‬الشهداء‭ ‬إلى‭ ‬691‭ ‬فلسطينياً‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬5700‭ ‬مصاب،‭ ‬منذ‭ ‬اندلاع‭ ‬حرب‭ ‬غزة‭ ‬في‭ ‬أكتوبر‭/‬تشرين‭ ‬الأول،‭ ‬حسب‭ ‬ما‭ ‬أعلنته‭ ‬وزارة‭ ‬الصحة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬كما‭ ‬اعتقل‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الشبان‭ ‬خلال‭ ‬العملية‭ ‬العسكرية‭.‬

نفذت‭ ‬القوات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬اقتحامات‭ ‬متتالية،‭ ‬في‭ ‬حملات‭ ‬امتدت‭ ‬من‭ ‬شمال‭ ‬الضفة‭ (‬مخيم‭ ‬ومدينة‭ ‬جنين‭ ‬وأحياء‭ ‬نابلس‭ ‬ومخيم‭ ‬بلاطة‭ ‬ومخيم‭ ‬نور‭ ‬شمس‭ ‬ومدينة‭ ‬طولكرم‭..) ‬إلى‭ ‬جنوب‭ ‬الضفة‭ ‬واقتحام‭ (‬أحياء‭ ‬مدينة‭ ‬الخليل‭ ‬والبلدات‭ ‬المجاورة‭ ‬مروراً‭ ‬بمخيم‭ ‬الفارعة‭ ‬ومدينة‭ ‬طوباس‭)‬،‭ ‬إلى‭ ‬الشرق‭ ( ‬منطقة‭ ‬أريحا،‭ ‬مخيّم‭ ‬عقبة‭ ‬جبر‭ ‬ومخيم‭ ‬العوجا‭ ..) ‬إلى‭ ‬الغرب‭ (‬أحياء‭ ‬مدينة‭ ‬قلقيلية‭ ‬وطولكرم‭). ‬منعاً‭ ‬لتطبيق‭ ‬النموذج‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الغزاوي،‭ ‬بما‭ ‬سماه‭ ‬البعض‭ ‬غزغزة‭ ‬الضفة،‭ ‬أو‭ ‬الضفة‭ ‬غزة‭ ‬الثانية،‭ ‬وأطلق‭ ‬الجيش‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬عملية‭ ‬‮«‬المخيمات‭ ‬الصيفية‮»‬‭ ‬وقال‭ ‬عنها‭ ‬أنها‭ ‬مستمرة‭ ‬تحسباً‭ ‬لادعاءاته‭ ‬بتلقيه‭ ‬إنذارات‭ ‬بوجود‭ ‬نية‭ ‬لتنفيذ‭ ‬هجوم‭ ‬على‭ ‬المستوطنات‭ ‬مشابه‭ ‬لهجوم‭ ‬الـ‮«‬7‮»‬‭ ‬من‭ ‬أكتوبر‭ ‬في‭ ‬مستوطنات‭ ‬الضفة‭.‬