محور فيلاديلفيا بين الاتفاقيات والمفاوضات
خيارات المشاركة
المقالات
فؤاد بكر | مسؤول الدائرة القانونية في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
بدأت إسرائيل بتطويق قطاع غزة من جميع الجهات عقب عملية طوفان الأقصى التي وقعت في 7 أكتوبر 2023 وتشديد الخناق على المقاومة، وأصبح محور فيلادلفيا أحد أهم المناطق الاستراتيجية المستهدفة في الخطة الإسرائيلية لعزل القطاع، وأخذت الضربات الجوية تقصف الخط الحدودي الفاصل بين مصر وغزة، وشنت قوات الاحتلال الاسرائيلي هجوماً استثنائياً على طول الحدود بين مصر وقطاع غزة، بحجة تدمير الأنفاق التي تستخدمها المقاومة لتهريب الأسلحة وقادتها، وترغب إسرائيل في تأمين أكبر لحدودها الجنوبية كي لا تصبح معبراً لإمداد الفصائل الفلسطينية بالسلاح.
الا ان اتفاقية كامب دايفيد بين مصر وإسرائيل عام 1979 قد فرضت انسحاب القوات العسكرية من جوانب محور فيلاديلفيا المعروف أيضاً باسم «محور صلاح الدين» والذي هو عبارة عن شريط حدودي لا يتجاوز عرضه مئات الأمتار، ويمتد بطول 14.5 كيلومتر من البحر المتوسط حتى معبر كرم أبو سالم على الأراضي الفلسطينية بين شبه جزيرة سيناء وقطاع غزة، ويعدّ منطقة عازلة بموجب «اتفاقية كامب ديفيد» الموقّعة بين القاهرة وتل أبيب عام 1979.
وتسمح الاتفاقية لإسرائيل ومصر بنشر قوات محدودة العدد والعتاد ومحددة بالأرقام ونوعيات السلاح والآليات بهدف القيام بدوريات على جانب المحور المصري؛ لمنع التهريب والتسلل والأنشطة الأخرى. وبعد توقيع «اتفاقية أوسلو 2» سنة 1995، وافقت إسرائيل على إبقاء المحور بطول الحدود كشريط آمن، لمنع تهريب المواد غير المشروعة (الأسلحة والذخائر)، وأيضاً منع الهجرة غير المشروعة بين المنطقتين.
وتشير المبادئ العامة لخطة فك الارتباط المؤرخة في 14/04/2004 ان منطقة الحدود بين قطاع غزة ومصر (محور فيلاديلفيا) في المرحلة الاولى ستواصل اسرائيل الابقاء على تواجد عسكري على طول الخط الحدودي بين قطاع غزة ومصر، وان هذا التواجد هو حاجة امنية حيوية يحتمل ان يكون لازما توسيع مادي للأرض التي تنفذ فيها النشاطات العسكرية، وانه سيتم التطرق للنظر في امكانية اخلاء هذه المنطقة مشروطا بالواقع الامني وبمدى تعاون مصر وعندما تنشأ الظروف لاخلاء هذه المنطقة ستكون اسرائيل مستعدة لفحص امكانية اقامة ميناء بحري ومطار في قطاع غزة، بالخضوع الى الترتيبات التي تتقرر مع اسرائيل.
وفي 6/6/2004، جرى تعديل خطة فك الارتباط بما يتعلق بمحور فيلاديلفيا، حيث نص على مواصلة اسرائيل الابقاء على وجود عسكري على طول خط الحدود بين قطاع غزة ومصر (محور فيلاديلفيا) وهذا الوجود هو حاجة امنية حيوية في اماكن معينة، يحتمل ان يكون لازما توسيع مادي للمنطقة التي يجري فيها نشاط عسكري، وستنظر الحكومة في امكانية اخلاء هذه المنطقة مشروطة بواقع امني وبمقدور التعاون المصري في خلق ترتيب موثوق اخر.
وفي سبتمبر (أيلول) 2005، تم توقيع «اتفاق فيلادلفيا» بين إسرائيل ومصر الذي تعدّه إسرائيل ملحقاً أمنياً لمعاهدة «السلام» 1979، وتقول إنه محكوم بمبادئها العامة وأحكامها، عندما سحبت إسرائيل قواتها في إطار «خطة فك الارتباط مع قطاع غزة». ويتضمن الاتفاق نشر قوات مصرية على الحدود الفاصلة مع قطاع غزة، وتُقدر تلك القوات بنحو 750 جندياً من حرس الحدود المصري، ومهمتهم تتمحور في «مكافحة الإرهاب والتسلل عبر الحدود والتهريب والكشف عن الأنفاق»، وأتاحت الاتفاقية تواجد قوة عسكرية إسرائيلية محدودة من أربع كتائب مشاة وتحصينات ميدانية ومراقبين من الأمم المتحدة. ولا تتضمن القوة الإسرائيلية أي تواجد للدبابات أو المدفعيات أو الصواريخ، ما عدا الصواريخ الفردية «أرض – جو».
وفي 15 نوفمبر 2005م، وقعت السلطة الفلسطينية وإسرائيل اتفاقاً عرف باسم اتفاق المعابر تم من خلاله وضع الشروط والضوابط والمعايير التي تنظم حركة المورور من وإلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، وقد قامت الحكومة الإسرائيلية بنقل سلطة محور فيلاديلفيا إلى السلطة الفلسطينية، وقد وقعت اتفاقية للعبور والحركة بعد نقل السلطة للسلطة الفلسطينية من أجل تعزيز التنمية الاقتصادية وتحسين الوضع الإنساني على أرض الواقع عرفت” باتفاقية المعابر”، وفتحت إسرائيل معبر رفح في نوفمبر 2005 ووضعته تحت سلطة مصر والسلطة الفلسطينية ومراقبين من الاتحاد الأوروبي.
اما الان، فيوجد مقترحات إسرائيلية بشأن تغيير إدارة المعبر، حيث اشارت جهات اسرائيلية عن عدم امكانية استمرار عمل المعبر بالآلية السابقة قبل 7 أكتوبر 2023، وتحدثت عن آلية عمل جديدة للمعبر من خلال إدخال تقنيات وأساليب مراقبة، تضمن عدم مرور أي من المواد التي قد تستعين بها المقاومة لاحقاً.
وبينما تجري المقاومة الفلسطينية مفاوضاتها رغم التناقض في المواقف الاسرائيلية وتحديدا مواقف نتنياهو والتي تتأرجح بين الرفض المطلق والقبول ببعض المقترحات، حيث انه وفي 27 ايار كان هناك مقترح اسرائيلي يتضمن انسحاب اسرائيل من غزة بالكامل بما في ذلك معبر فيلاديلفيا ولم يكن الجيش الاسرائيلي حينها قد سيطر عليه بالكامل، لكن سرعان ما تبدل بتاريخ 27 تموز، عندما اظهر نتنياهو خرائط لتقليص الوجود الاسرائيلي على طول محور فيلاديلفيا وعدم الانسحاب الكامل للجيش الاسرائيلي، كما صادق الكابينت المصغر في 30 اب على بقاء قوات الجيش الاسرائيلي في فيلاديلفيا وان يتضمن ذلك في اي اتفاق يشمل تبادل الاسرى ووقف اطلاق النار.
تبقى هذه المنطقة الاستراتيجية نقطة محورية في الحرب المستمرة بين إسرائيل وغزة، حيث أصبحت السيطرة على محور فيلادلفيا قضية مثيرة للجدل والسعي لتحقيق الاستقرار الإقليمي، خصوصا وأن سيطرة إسرائيل على هذا المحور سيكون بمثابة أسوار السجن المفتوح في غزة، وهو ما سيدفع سكان القطاع للهجرة الطوعية خارجه.
ان سيطرة إسرائيل على محور فيلادلفيا يتطلب توقيع بروتوكول ملحق باتفاقية كامب دايفيد مماثل للذي تم اقراره عام 2005، بعد انسحاب إسرائيل الأحادي من قطاع غزة، كما إن انتقال إدارة الجانب الفلسطيني من هذا الشريط الحدودي إلى إسرائيل يعني السيطرة على معبر رفح الحدودي الذي يعد حالياً المنفذ الوحيد لقطاع غزة، والذي يقع خارج سيطرة إسرائيل بموجب اتفاقية المعابر، وهو ما قد يضيق الخناق والحصار أكثر على سكان غزة.
تدرك المقاومة الفلسطينية والسلطات المصرية القصد الاسرائيلي من السيطرة على محور فيلاديلفيا، والذي ربما يكون لأسباب يعود للشؤون الداخلية الاسرائيلية ومرتبطة بنتنياهو، او ربما لقصد التهجير وزيادة الحصار على قطاع غزة، وكأن الاسرائيلي لم يتعلم من تجربة السابع من اكتوبر ومعركة طوفان الاقصى التي أحد اهدافها فك الحصار عن قطاع غزة.
ان رفض المقاومة الفلسطينية والجانب المصري سيطرة اسرائيل على محور فيلاديلفيا، يعني انه لا تعديل على البروتوكولات والاتفاقيات الموقعة سابقا حول محور فيلاديليفيا، وان الكلمة ستكون للميدان سواء كان من الجانب المصري او من الجانب الفلسطيني.
ومن هنا يتطلب على الجانب الفلسطيني الإسراع بتنفيذ مخرجات إعلان بكين، وعقد اجتماع للإطار القيادي المؤقت والموحد، لوضع استراتيجية وطنية شاملة، تتعلق بإنهاء العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة، وقطع الطريق امام مخططات «اليوم التالي» عبر تشكيل حكومة وفاق وطني تدير شؤون قطاع غزة بما في ذلك محور فيلاديلفيا، وقطع الطريق ايضا امام الذرائع الاسرائيلية التي تتحجج بها والمتعلقة في محور فيلاديلفيا الذي أصبح عائقا الان امام انهاء المفاوضات، والتي ترغب بمواصلة عدوانها على قطاع غزة، وتخلق الحجج والمعرقلات للإستمرار في عدوانها.