قضايا فلسطينية أمام محكمة العدل الدولية، الجزء الثاني: نقل السفارة الأميركية إلى القدس

سبتمبر 4, 2024

اعترف‭ ‬الرئيس‭ ‬الأميركي‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬بتاريخ‭ ‬6‭/‬12‭/‬2017‭ ‬بالقدس‭ ‬عاصمة‭ ‬لدولة‭ ‬المستوطنين،‭ ‬وقرر‭ ‬نقل‭ ‬السفارة‭ ‬الأميركية‭ ‬إليها‭ ‬اعتباراً‭ ‬من‭ ‬14/5/2018،‭ ‬هذا‭ ‬اليوم‭ ‬يوم‭ ‬نقل‭ ‬السفارة‭ ‬إلى‭ ‬القدس،‭ ‬صادف‭ ‬الذكرى‭ ‬السبعين‭ ‬لإعلان‭ ‬قيام‭ ‬دولة‭ ‬إسرائيل‭. ‬تأتي‭ ‬هذه‭ ‬الخطوة‭ ‬الاستفزازية‭ ‬بعد‭ ‬23‭ ‬عاماً‭ ‬من‭ ‬إقرار‭ ‬قانون‭ ‬سفارة‭ ‬القدس‭ ‬الصادر‭ ‬عن‭ ‬الكونغرس‭ ‬في‭ ‬23‭ ‬أكتوبر‭/‬تشرين‭ ‬الأول‭ ‬1995،‭ ‬والذي‭ ‬حدد‭ ‬يوم‭ ‬31‭ ‬مايو‭/‬أيار‭ ‬1999،‭ ‬موعدًا‭ ‬نهائياً‭ ‬لنقل‭ ‬السفارة‭. ‬وكانت‭ ‬إدارات،‭ ‬كلينتون‭ ‬وبوش‭ ‬وأوباما،‭ ‬قد‭ ‬أرجأت‭ ‬هذه‭ ‬الخطوة،‭ ‬التي‭ ‬رأى‭ ‬البعض‭ ‬فيها‭ ‬اعترافاً‭ ‬من‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بالسيادة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬على‭ ‬الأراضي‭ ‬التي‭ ‬استولت‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬حزيران‭ ‬عام‭ ‬1967‭. ‬قام‭ ‬مسؤولون‭ ‬في‭ ‬دولة‭ ‬فلسطين‭ ‬بإرسال‭ ‬إشعار،‭ ‬يبلغ‭ ‬الحكومة‭ ‬الأميركية‭ ‬أن‭ ‬نقل‭ ‬السفارة‭ ‬إلى‭ ‬القدس‭ ‬هو‭ ‬إخلال‭ ‬بأحكام‭ ‬اتفاقية‭ ‬فيينا‭ ‬للعلاقات‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬لعام‭ ‬1961،‭ ‬التي‭ ‬انضمت‭ ‬إليها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬عام1972،‭ ‬وانضمت‭ ‬إليها‭ ‬فلسطين‭ ‬عام‭ ‬2014،‭ ‬لم‭ ‬تجاوب‭ ‬الحكومة‭ ‬الأميركية‭ ‬على‭ ‬الإشعار‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬بل‭ ‬استخدمت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬حق‭ ‬النقض‭ ‬الفيتو‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬الدولي،‭ ‬ضد‭ ‬مشروع‭ ‬لإدانة‭ ‬أية‭ ‬تغييرات‭ ‬ديموغرافية‭ ‬أو‭ ‬قانونية‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬القدس،‭ ‬وكان‭ ‬جميع‭ ‬أعضاء‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬قد‭ ‬وافقوا‭ ‬على‭ ‬مشروع‭ ‬القرار‭ ‬الذي‭ ‬أحبطه‭ ‬الفيتو‭ ‬الأميركي،‭ ‬ثم‭ ‬تم‭ ‬تحويله‭ ‬إلى‭ ‬الجمعية‭ ‬العامة‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬كمشروع‭ ‬قرار،‭ ‬وأصبح‭ ‬قراراً‭ ‬أممياً‭ ‬أيدته‭ ‬معظم‭ ‬الدول‭.‬

بتاريخ‭ ‬4‭ ‬نيسان‭/‬أبريل‭ ‬2018،‭ ‬تقدّمت‭ ‬دولة‭ ‬فلسطين،‭ ‬استناداً‭ ‬إلى‭ ‬المادة‭ ‬1‭ ‬من‭ ‬البروتوكول‭ ‬الاختياري‭ ‬التابع‭ ‬لاتفاقيّة‭ ‬العلاقات‭ ‬الدبلوماسيّة‭ ‬لعام‭ ‬1961،‭ ‬بشكوى‭ ‬أمام‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدوليّة‭ ‬ضدّ‭ ‬الولايات‭ ‬المتّحدة،‭ ‬بعد‭ ‬قرار‭ ‬إدارة‭ ‬الرئيس‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب،‭ ‬في‭ ‬كانون‭ ‬الأول‭/ ‬ديسمبر‭ ‬2017،‭ ‬بنقل‭ ‬السفارة‭ ‬الأميركية‭ ‬إلى‭ ‬القدس‭. ‬أقدمت‭ ‬فلسطين‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬بعد‭ ‬انضمامها‭ ‬إلى‭ ‬اتفاقية‭ ‬العلاقات‭ ‬الدبلوماسيّة‭ ‬عام‭ ‬2014،‭ ‬وإلى‭ ‬البروتوكول‭ ‬الاختياري‭ ‬عام‭ ‬2018‭. ‬

أرسلت‭ ‬الولايات‭ ‬المتّحدة،‭ ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬المستشار‭ ‬القانوني‭ ‬لوزارة‭ ‬الخارجية،‭ ‬تصريحاً‭ ‬إلى‭ ‬الأمين‭ ‬العام‭ ‬للأمم‭ ‬المتّحدة‭ ‬ترى‭ ‬فيه‭ ‬انّها‭ ‬غير‭ ‬ملزمة‭ ‬بتنفيذ‭ ‬اتفاقيّة‭ ‬العلاقات‭ ‬الدبلوماسيّة‭ ‬1961‭ ‬والبروتوكول‭ ‬الاختياري‭ ‬الذي‭ ‬يُلزم‭ ‬بحل‭ ‬الخلافات‭ ‬الدبلوماسيّة‭ ‬مع‭ ‬فلسطين‭ ‬أمام‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدوليّة‭.‬

‭ ‬في‭ ‬أيلول‭/ ‬سبتمبر‭ ‬2018،‭ ‬تقدمت‭ ‬فلسطين‭ ‬بدعوى‭ ‬ضد‭ ‬الحكومة‭ ‬الأميركية‭ ‬طلبت‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية‭ ‬أن‭ ‬تحكم‭ ‬في‭ ‬مسألة‭ ‬قانونية‭ ‬أساسية‭ ‬تكمن‭ ‬وراء‭ ‬النزاع‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬وهي‭ ‬‮«‬السيادة‭ ‬على‭ ‬القدس‮»‬،‭ ‬والسؤال‭ ‬الذي‭ ‬طرحته‭ ‬الدعوى‭ ‬الفلسطينية‭ ‬على‭ ‬المحكمة‭ ‬الدولية‭ ‬للإجابة‭ ‬عليه‭ ‬هو‭: ‬هل‭ ‬إقامة‭ ‬السفارة‭ ‬الأميركية‭ ‬في‭ ‬القدس‭ ‬هي‭ ‬إقامة‭ ‬على‭ ‬أراضٍ‭ ‬إسرائيلية؟‭ ‬وبات‭ ‬من‭ ‬المعروف‭ ‬أن‭ ‬الفتوى‭ ‬القانونية‭ ‬الصادرة‭ ‬عام‭ ‬2004‭ ‬عن‭ ‬المحكمة‭ ‬الدولية‭ ‬في‭ ‬قضية‭ ‬جدار‭ ‬الفصل‭ ‬العنصري،‭ ‬قد‭ ‬أقرّت‭ ‬بأن‭ ‬‮«‬الأراضي‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المحتلة‮»‬‭ ‬تشمل‭ ‬‮«‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬القدس‭ ‬الشرقية،‭ ‬وقطاع‭ ‬غزة‮»‬‭. ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬للمحكمة‭ ‬أن‭ ‬تخالف‭ ‬ما‭ ‬سبق‭ ‬وأن‭ ‬أقرّته،‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬السفارة‭ ‬الأميركية‭ ‬نقلت‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬أراضٍ‭ ‬محتلة‮»‬‭ ‬ولا‭ ‬تتبع‭ ‬لـ«إسرائيل‮»‬‭. ‬هذا‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬القرارات‭ ‬تعلن‭ ‬بطلان‭ ‬القرار‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬بضم‭ ‬القدس،‭ ‬صدرت‭ ‬عن‭ ‬الجمعية‭ ‬العامة‭ ‬ومجلس‭ ‬الأمن‭ ‬الدولي‭. ‬

تقوم‭ ‬الدعوى‭ ‬الفلسطينية‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬اتفاقية‭ ‬فيينا‭ ‬التي‭ ‬تنص‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬إقامة‭ ‬البعثة‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬إلاّ‭ ‬على‭ ‬أراضي‭ ‬الدولة‭ ‬المستقبلة‭. ‬وهذا‭ ‬التعبير‭ ‬‮«‬في‭ ‬أراضي‭ ‬الدولة‭ ‬المستقبلة‮»‬‭ ‬ورد‭ ‬في‭ ‬اثني‭ ‬عشر‭ ‬موقعاً‭ ‬من‭ ‬اتفاقية‭ ‬فيينا‭. ‬

في‭ ‬12‭/‬4‭/‬2021،‭ ‬طلبت‭ ‬دولة‭ ‬فلسطين‭ ‬في‭ ‬رسالة‭ ‬موجهة‭ ‬إلى‭ ‬المحكمة‭ ‬الدولية‭ ‬تأجيل‭ ‬المرافعة‭ ‬الشفوية‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬المقرر‭ ‬إجراؤها‭ ‬في‭ ‬1‭/‬6‭/‬2021،‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إتاحة‭ ‬الفرصة‭ ‬للطرفين‭ ‬لإيجاد‭ ‬حل‭ ‬للنزاع،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬المفاوضات،‭ ‬وقد‭ ‬ورد‭ ‬إلى‭ ‬المحكمة‭ ‬أن‭ ‬الحكومة‭ ‬الأميركية‭ ‬‮«‬لا‭ ‬تعترض‭ ‬على‭ ‬طلب‭ ‬المدعي‭ ‬‮«‬فلسطين‮»‬،‭ ‬ولذلك‭ ‬قررت‭ ‬المحكمة‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬طلب‭ ‬الفريقين‭ ‬تأجيل‭ ‬جلسات‭ ‬الاستماع‭ ‬إلى‭ ‬إشعار‭ ‬آخر‭.‬

وبمرور‭ ‬الوقت،‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬تحريك‭ ‬الدعوى‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬حتى‭ ‬الآن،‭ ‬ولو‭ ‬صدر‭ ‬قرار‭ ‬لصالح‭ ‬فلسطين،‭ ‬لكان‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬دعم‭ ‬قضائي‭ ‬للموقف‭ ‬الفلسطيني‭ ‬على‭ ‬نحوٍ‭ ‬غير‭ ‬مسبوق،‭ ‬ولكان‭ ‬له‭ ‬إنجازات‭ ‬غاية‭ ‬في‭ ‬الأهمية‭: ( ‬أولها‭: ‬أن‭ ‬القرار‭ ‬الأميركي‭ ‬بنقل‭ ‬السفارة‭ ‬قرار‭ ‬باطل‭ ‬ويجب‭ ‬إلغاؤه،‭ ‬وسحب‭ ‬السفارة‭ ‬من‭ ‬القدس،‭ ‬وثانيها‭: ‬أن‭ ‬الإعلان‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬بأن‭ ‬القدس‭ ‬هي‭ ‬عاصمتها،‭ ‬هو‭ ‬إعلان‭ ‬باطل‭ ‬قانوناً،‭ ‬وكانت‭ ‬الجمعية‭ ‬العامة‭ ‬ومجلس‭ ‬الأمن‭ ‬الدولي‭ ‬قد‭ ‬أصدرا‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬القرارات‭ ‬تعلن‭ ‬بطلان‭ ‬القرار‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬وثالثها‭: ‬إعادة‭ ‬التأكيد‭ ‬أن‭ ‬القدس‭ ‬جزء‭ ‬لا‭ ‬يتجزأ‭ ‬من‭ ‬الأراضي‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المحتلة،‭ ‬ولا‭ ‬يجوز‭ ‬تغيير‭ ‬الوضع‭ ‬القانوني‭ ‬لأراضٍ‭ ‬محتلة‭. ‬وفي‭ ‬ذلك‭ ‬دعم‭ ‬قضائي‭ ‬للموقف‭ ‬الفلسطيني‭ ‬على‭ ‬نحوٍ‭ ‬غير‭ ‬مسبوق‭). ‬‭(‬1‭)‬

ولو‭ ‬توصلت‭ ‬المحكمة‭ ‬الدولية‭ ‬إلى‭ ‬قرار‭ ‬بأن‭ ‬نقل‭ ‬السفارة‭ ‬الأميركية‭ ‬إلى‭ ‬القدس‭ ‬فيه‭ ‬خرق‭ ‬لالتزام‭ ‬دولي،‭ ‬فإن‭ ‬على‭ ‬الحكومة‭ ‬الأميركية‭ ‬أن‭ ‬تصوّب‭ ‬الوضع،‭ ‬وتسحب‭ ‬سفارتها‭ ‬من‭ ‬الأراضي‭ ‬المحتلة،‭ ‬باعتبار‭ ‬أنها‭ ‬ليست‭ ‬أراضي‭ ‬إسرائيلية‭.‬

في‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬تم‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬‮«‬مساومة‭ ‬باهتة‮»‬‭ ‬قامت‭ ‬بها‭ ‬القيادة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬دون‭ ‬الأخذ‭ ‬بعين‭ ‬الاعتبار‭ ‬أخطار‭ ‬جسيمة‭ ‬تهدد‭ ‬الشعب‭ ‬والقضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬وصلت‭ ‬بالبعض‭ ‬أن‭ ‬يقول‭ ‬إن‭ ‬التنازل‭ ‬عن‭ ‬الدعوى‭ ‬تم‭ ‬مقابل‭ ‬المال،‭ ‬وليس‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬مكسب‭ ‬ما‭ ‬للشعب‭ ‬الفلسطيني‭.‬

في‭ ‬عام‭ ‬2012‭ ‬اعترفت‭ ‬الجمعية‭ ‬العامة‭ ‬بدولة‭ ‬فلسطين،‭ ‬كدولة‭ ‬مراقب‭ ‬وغير‭ ‬عضو،‭ ‬بقرارها‭ ‬19‭/‬67‭ ‬تشرين‭ ‬الثاني‭/‬نوفمبر‭ ‬2012،‭ ‬رغم‭ ‬ذلك‭ ‬اعترضت‭ ‬الولايات‭ ‬المتّحدة‭ ‬على‭ ‬تدخّل‭ ‬المحكمة،‭ ‬وطالبتها‭ ‬بعدم‭ ‬قبول‭ ‬الشكوى‭ ‬الفلسطينيّة،‭ ‬لأن‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدوليّة‭ ‬تحكم‭ ‬في‭ ‬‮«‬نزاعات‭ ‬بين‭ ‬الدول‮»‬‭ ‬كما‭ ‬تنص‭ ‬المادة‭ ‬34‭ ‬الفقرة‭ ‬1‭ ‬من‭ ‬نظام‭ ‬المحكمة‭. ‬لهذا،‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬التوضيح‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬فلسطين‭ ‬دولة‭ ‬وفق‭ ‬هذه‭ ‬المادة‭. ‬أثار‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬جدلاً‭ ‬كبيراً‭. ‬مما‭ ‬دفع‭ ‬بالمحكمة‭ ‬إلى‭ ‬مطالبة‭ ‬الأطراف‭ ‬بتقديم‭ ‬توضيح‭ ‬لموقفهم،‭ ‬هل‭ ‬تلبي‭ ‬فلسطين‭ ‬شروط‭ ‬الدولة؟‭ ‬وبناء‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬هل‭ ‬تقبل‭ ‬المحكمة‭ ‬الدعوى؟‭.   ‬

رأى‭ ‬البعض‭ ‬أن‭ ‬الدولة‭ ‬الفلسطينيّة‭ ‬تمثل‭ ‬حالة‭ ‬فريدة،‭ ‬بمعنى‭ ‬أن‭ ‬الإقليم‭ ‬الذي‭ ‬تطالب‭ ‬بحجزه‭ ‬لممارسة‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطينيّ‭ ‬حقه‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬المصير،‭ ‬هو‭ ‬إقليم‭ ‬غير‭ ‬واضح‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬السيادة،‭ ‬حيث‭ ‬يوجد‭ ‬تجاهه‭ ‬مطالب‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬دول‭ ‬أخرى،‭ ‬وبالتحديد‭ ‬‮«‬إسرائيل‮»‬‭. ‬كذلك‭ ‬وفي‭ ‬ظل‭ ‬الانقسام‭ ‬2007،‭ ‬وما‭ ‬تلاه‭ ‬من‭ ‬الصراع‭ ‬بين‭ ‬حماس‭ ‬وفتح،‭ ‬ومن‭ ‬الصعب‭ ‬تعريف‭ ‬السكان‭ ‬الذين‭ ‬سيخضعون‭ ‬للدولة‭ ‬الفلسطينيّة‭. ‬ووفقًا‭ ‬لاتفاق‭ ‬أوسلو‭ ‬1993،‭ ‬فإن‭ ‬السلطة‭ ‬الفلسطينيّة‭ ‬لا‭ ‬تملك‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬إقامة‭ ‬علاقات‭ ‬خارجيّة،‭ ‬ولا‭ ‬تملك‭ ‬سيادة‭ ‬على‭ ‬الفضاء‭ ‬الجوي‭ ‬للأراضي‭ ‬الفلسطينيّة،‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬الحدود‭ ‬مع‭ ‬الدول‭ ‬المجاورة‭ ‬مثل‭ ‬الأردن‭ ‬ومصر‭.‬

بينما‭ ‬أشار‭ ‬القاضي‭ ‬بوعز‭ ‬أوكون،‭ ‬أن‭ ‬اتفاق‭ ‬أوسلو‭ ‬1995‭ ‬‮«‬غيّر‭ ‬من‭ ‬الوضع‭ ‬القانوني‭ ‬لجزء‭ ‬من‭ ‬إقليم‭ ‬الأراضي‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المحتلّة،‭ ‬حيث‭ ‬أصبح‭ ‬هذا‭ ‬الجزء‭ ‬كياناً‭ ‬شبه‭ ‬سيادي‭ ‬يمارس‭ ‬سيطرة‭ ‬مستقلّة،‭ ‬وهذا‭ ‬الكيان‭ ‬شبه‭ ‬السيادي‭ ‬يرتقي‭ ‬إلى‭ ‬مستوى‭ ‬الدولة،‭ ‬لأنّه‭ ‬يلبي‭ ‬عناصر‭ ‬الدولة‭ ‬من‭ ‬إقليم‭ ‬وسكان‭ ‬وحكومة‮»‬‭. ‬ورأى‭ ‬المتخصص‭ ‬القانوني‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬إيال‭ ‬بنفنتسي‭ ‬أن‭ ‬‮«‬الكيان‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الذي‭ ‬أقيم‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬وأريحا‭ ‬يملك‭ ‬حياة‭ ‬ودينامية‭ ‬خاصة‭ ‬به‮»‬‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬سلطته‭ ‬‮«‬لا‭ ‬يستمدها‭ ‬من‭ ‬السلطة‭ ‬العسكرية‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬ولا‭ ‬حتى‭ ‬من‭ ‬إعلان‭ ‬المبادئ‭ ‬إنما‭ ‬من‭ ‬حقّ‭ ‬تقرير‭ ‬المصير‭ ‬للشعب‭ ‬الفلسطيني‮»‬‭. ‬‭(‬2‭)‬

في‭ ‬حقبة‭ ‬التحرّر‭ ‬من‭ ‬الاستعمار‭ ‬تمّ‭ ‬ربط‭ ‬الحقّ‭ ‬في‭ ‬الدولة‭ ‬بحقّ‭ ‬تقرير‭ ‬المصير،‭ ‬لأنّه‭ ‬وفق‭ ‬الممارسة‭ ‬الدوليّة‭ ‬تمّ‭ ‬تهميش‭ ‬شروط‭ ‬الدولة‭ ‬الفعليّة،‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬وجود‭ ‬مجموعة‭ ‬تطالب‭ ‬بحقّ‭ ‬تقرير‭ ‬المصير‭. ‬

فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالعلاقة‭ ‬بين‭ ‬حقّ‭ ‬تقرير‭ ‬المصير‭ ‬واتفاقات‭ ‬أوسلو،‭ ‬فإن‭ ‬معظم‭ ‬متخصصي‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬رأوا‭ ‬أنّه‭ ‬من‭ ‬المهم‭ ‬تفسير‭ ‬أوسلو‭ ‬انطلاقاً‭ ‬من‭ ‬حقّ‭ ‬تقرير‭ ‬المصير‭ ‬للشعب‭ ‬الفلسطيني‭. ‬يعتقد‭ ‬أنطونيو‭ ‬كاسيزي‭ ‬أنّ‭ ‬اتفاق‭ ‬أوسلو‭ ‬وإنّ‭ ‬ركّز‭ ‬على‭ ‬حقّ‭ ‬تقرير‭ ‬مصير‭ ‬داخلي‭ ‬للفلسطينيين‭ ‬إلا‭ ‬أنّه‭ ‬ومنذ‭ ‬اللحظة‭ ‬الأولى‭ ‬تمّ‭ ‬التأكيد‭ ‬أنّ‭ ‬الهدف‭ ‬هو‭ ‬حقّ‭ ‬تقرير‭ ‬مصير‭ ‬خارجي‭ ‬وإقامة‭ ‬الدولة‭ ‬الفلسطينيّة‭ ‬المستقلّة‭. ‬هذا‭ ‬أيضاً‭ ‬ما‭ ‬يؤكده‭ ‬إيال‭ ‬بنفتسي،‭ ‬حين‭ ‬يزعم‭ ‬أنّ‭ ‬هذا‭ ‬الاتفاق،‭ ‬وتبادل‭ ‬رسائل‭ ‬الاعتراف‭ ‬بين‭ ‬عرفات‭ ‬ورابين،‭ ‬ولّدا‭ ‬وضعاً‭ ‬قانونياً‭ ‬جديداً‭ ‬بين‭ ‬أشخاص‭ ‬متساوين‭ ‬في‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭. ‬كما‭ ‬أنّه‭ ‬شدد‭ ‬على‭ ‬تفسير‭ ‬الاتفاق‭ ‬انطلاقاً‭ ‬من‭ ‬حقّ‭ ‬تقرير‭ ‬المصير‭ ‬للشعب‭ ‬الفلسطيني‭. ‬‭(‬3‭)‬

بتاريخ‭ ‬17‭/‬12‭/‬2017،‭ ‬أكدت‭ ‬الجمعيّة‭ ‬العامة‭ ‬موقفها‭ ‬بشأن‭ ‬مدينة‭ ‬القدس،‭ ‬وإعلان‭ ‬الرئيس‭ ‬ترامب‭ ‬الاعتراف‭ ‬بها‭ ‬عاصمة‭ ‬لإسرائيل،‭ ‬ونقل‭ ‬سفارة‭ ‬بلاده‭ ‬إليها،‭ ‬وطالبت‭ ‬الدول‭ ‬بعدم‭ ‬الاعتراف‭ ‬بأي‭ ‬من‭ ‬الإجراءات‭ ‬التي‭ ‬تتّخذها‭ ‬دولة‭ ‬الاحتلال‭ ‬لفرض‭ ‬قوانينها‭ ‬وسلطتها‭ ‬وإدارتها‭ ‬على‭ ‬مدينة‭ ‬القدس‭.‬‭ ‬فهذه‭ ‬الإجراءات‭ ‬غير‭ ‬قانونية،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬فهي‭ ‬لاغية‭ ‬وباطلة‭ ‬وليس‭ ‬لها‭ ‬أي‭ ‬شرعية‭ ‬على‭ ‬الإطلاق،‭ ‬وتطلب‭ ‬من‭ ‬إسرائيل‭ ‬أن‭ ‬توقف‭ ‬فوراً‭ ‬جميع‭ ‬هذه‭ ‬التدابير‭ ‬غير‭ ‬القانونيّة‭ ‬المتّخذة‭ ‬بصفة‭ ‬أحادية‭ ‬الجانب‭.‬

رغم‭ ‬ذلك‭ ‬استمرت‭ ‬سلطات‭ ‬الاحتلال‭ ‬بسياسة‭ ‬ضم‭ ‬وتهويد‭ ‬القدس،‭ ‬وفرض‭ ‬الأمر‭ ‬الواقع،‭ ‬وهدم‭ ‬المنازل،‭ ‬وسحب‭ ‬الهويات،‭ ‬وفرض‭ ‬الضرائب‭ ‬والغرامات‭ ‬الباهظة،‭ ‬والاقتحامات،‭ ‬وانتهاك‭ ‬حرمة‭ ‬المقدسات‭ ‬الدينية‭ ‬الإسلامية‭ ‬والمسيحية‭..‬،‭ ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬باتت‭ ‬تستنفر‭ ‬مواجهة‭ ‬شعبية‭ ‬متواصلة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬مواطني‭ ‬المدينة،‭ ‬مواجهة‭ ‬تتصاعد‭ ‬بين‭ ‬الحين‭ ‬والآخر،‭ ‬وصولاً‭ ‬إلى‭ ‬هبات‭ ‬جماهيرية‭ ‬عارمة‭. ‬وما‭ ‬تزال‭ ‬مهمة‭ ‬بناء‭ ‬مرجعية‭ ‬وطنية‭ ‬موحدة‭ ‬للمدينة‭ ‬تعمل‭ ‬وفق‭ ‬برنامج‭ ‬شامل‭ ‬لتعزيز‭ ‬الصمود،‭ ‬ما‭ ‬تزال‭ ‬هذه‭ ‬المهمة‭ ‬معطلة‭ ‬بفعل‭ ‬نزعات‭ ‬التفرد‭ ‬والهيمنة‭ ‬التي‭ ‬أعاقت‭ ‬تنفيذ‭ ‬المقترحات‭ ‬المتوازنة،‭ ‬كما‭ ‬بلورتها‭ ‬اللجنة‭ ‬المكلفة‭ ‬بتطبيق‭ ‬قرارات‭ ‬المجلس‭ ‬الوطني‭ ‬الخاص‭ ‬بهذا‭ ‬الشأن‭. ‬‭(‬4‭) ‬

هوامش

1‭. ‬قاسم،‭ ‬أنيس‭ ‬فوزي،‭ ‬‮«‬ماذا‭ ‬حدث‭ ‬لدعوى‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية‭ ‬بخصوص‭ ‬سفارة‭ ‬أمريكا‭ ‬بالقدس؟‭ ‬‮»‬،‭ ‬القدس‭ ‬العربي‭.‬

2‭. ‬عاصي،‭ ‬جوني‭ ‬ـــــــ‭ ‬وعبد‭ ‬الرازق،‭ ‬مرسي،‭ ‬‮«‬فلسطين‭ ‬ضد‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭. ‬نقل‭ ‬السفارة‭ ‬الأميركية‭ ‬إلى‭ ‬القدس‭ ‬أمام‭   ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية‮»‬،‭ ‬مركز‭ ‬دراسات‭ ‬الوحدة‭ ‬العربية،‭ ‬ص2‭.‬

3‭. ‬المصدر‭ ‬السابق‭ . ‬ص3

4‭. ‬الجبهة‭ ‬الديمقراطية‭ ‬لتحرير‭ ‬فلسطين،‭ ‬الكتاب‭ ‬37‭ ‬‮«‬صفقة‭ ‬القرن‭ ‬في‭ ‬الميزان‮»‬،‭ ‬من‭ ‬سلسلة‭ ‬‮«‬الفكر‭ ‬السياسي‭ ‬الفلسطيني‭ ‬المعاصر‮»‬،‭  ‬ص‭ ‬110