«حرب الإبادة» في الشهر الأخير من عامها الأول

سبتمبر 4, 2024

مع‭ ‬دخول‭ ‬حرب‭ ‬أكتوبر‭ ‬23‭ ‬التي‭ ‬فجرتها‭ ‬عملية‭ ‬‮«‬طوفان‭ ‬الأقصى‮»‬‭ ‬في‭ ‬7‭/‬10‭/‬2023،‭ ‬الشهر‭ ‬الأخير‭ ‬من‭ ‬عامها‭ ‬الأول،‭ ‬تدخل‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬طوراً‭ ‬جديداً،‭ ‬تبدو‭ ‬ملامحه‭ ‬واضحة‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية،‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬خطة‭ ‬إسرائيلية،‭ ‬يتم‭ ‬العمل‭ ‬على‭ ‬تطبيقها‭ ‬بأساليب‭ ‬مختلفة،‭ ‬عسكرية،‭ ‬سياسية،‭ ‬إستيطانية،‭ ‬قانونية‭ ‬وأمنية،‭ ‬تهدف‭ ‬مجتمعة‭ ‬إلى‭ ‬تسريع‭ ‬‮«‬حسم‭ ‬الصراع‮»‬‭ ‬مع‭ ‬شعبنا،‭ ‬في‭ ‬سباق‭ ‬محموم‭ ‬مع‭ ‬الزمن،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬إعتقاد‭ ‬أن‭ ‬الفرصة‭ ‬باتت‭ ‬سانحة‭ ‬لمثل‭ ‬هذا‭ ‬الحسم،‭ ‬الذي‭ ‬شكل‭ ‬العنوان‭ ‬الأبرز‭ ‬المعمول‭ ‬به‭ ‬لبرنامج‭ ‬حكومة‭ ‬الفاشية‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬منذ‭ ‬اللحظة‭ ‬الأولى‭ ‬لتوليها‭ ‬مقاليد‭ ‬السلطة‭ ‬في‭ ‬إسرائيل،‭ ‬في‭ ‬اليومين‭ ‬الأخيرين‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬2022‭. ‬وفي‭ ‬قراءة‭ ‬المشهد‭ ‬بلوحاته‭ ‬المختلفة،‭ ‬نعرض‭ ‬التالي‭:]‬

‭(‬1‭)‬

الضفة‭ ‬الغربية‭: ‬في‭ ‬إطار‭ ‬معركة‭ ‬‮«‬الحسم‮»‬‭ ..‬

إستحثاث‭ ‬مخطط‭ ‬الضم

على‭ ‬أرض‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية،‭ ‬إنطلقت‭ ‬معركة‭ ‬‮«‬الحسم‮»‬،‭ ‬بسلسلة‭ ‬من‭ ‬الإجراءات‭ ‬الميدانية‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬حكومة‭ ‬نتنياهو،‭ ‬تمثلت‭ ‬في‭ ‬ضم‭ ‬المنطقة‭ ‬‮«‬ب‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬المنطقة‭ ‬‮«‬ج‮»‬،‭ ‬وفرض‭ ‬السلطة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬عليها،‭ ‬باعتبارها‭ ‬باتت‭ ‬جزءاً‭ ‬من‭ ‬دولة‭ ‬الإحتلال،‭ ‬فاقتصرت‭ ‬صلاحيات‭ ‬السلطة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬الإدارية‭ ‬–‭ ‬عملياً‭ – ‬على‭ ‬المنطقة‭ ‬‮«‬أ‮»‬،‭ ‬ما‭ ‬يوازي‭ ‬18‭% ‬من‭ ‬مساحة‭ ‬الضفة،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬إجراءات‭ ‬إضافية‭ ‬قَلَّصت‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬صلاحياتها‭ ‬هذه،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬رخص‭ ‬البناء،‭ ‬وربط‭ ‬المواطن‭ ‬الفلسطيني‭ ‬مباشرة‭ ‬بالإدارة‭ ‬المدنية‭ ‬لسلطة‭ ‬الإحتلال،‭ ‬دون‭ ‬المرور‭ ‬بوزارة‭ ‬الشئون‭ ‬المدنية‭ ‬للحكومة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬وتجريد‭ ‬بعض‭ ‬الوزارات‭ ‬الأخرى‭ ‬من‭ ‬صلاحياتها،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬إخضاع‭ ‬المنطقة‭ ‬‮«‬أ‮»‬،‭ ‬حيث‭ ‬مركز‭ ‬ثقل‭ ‬السلطة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬لمزيد‭ ‬من‭ ‬الإجراءات‭ ‬الإسرائيلية‭.‬

وفي‭ ‬عالم‭ ‬الأرقام،‭ ‬للدلالة‭ ‬على‭ ‬إجراءات‭ ‬الضم‭ ‬المتسارع،‭ ‬نحو‭ ‬زرع‭ ‬المستوطنات‭ ‬في‭ ‬أنحاء‭ ‬الضفة،‭ ‬وخنق‭ ‬المدن‭ ‬والبلدات‭ ‬الفلسطينية‭ ‬بأطواق‭ ‬من‭ ‬المستوطنات‭ ‬والطرق‭ ‬الإلتفافية،‭ ‬والحواجز،‭ ‬و‭ ‬‮«‬المحميات‭ ‬الطبيعية‮»‬‭ ‬على‭ ‬أنواعها،‭ ‬والمواقع‭ ‬العسكرية،‭ ‬كشفت‭ ‬‮«‬حركة‭ ‬السلام‭ ‬الآن‮»‬‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬في‭ ‬آخر‭ ‬إصداراتها،‭ ‬ما‭ ‬أطلقت‭ ‬عليه‭ ‬‮«‬ثورة‭ ‬الضم‭ ‬الإسرائيلية‮»‬‭ ‬لابتلاع‭ ‬الضفة،‭ ‬حيث‭ ‬أوردت‭ ‬الوقائع‭ ‬التالية‭:‬

•‭ ‬أنشأت‭ ‬حكومة‭ ‬نتنياهو،‭ ‬منذ‭ ‬7‭ ‬أكتوبر،‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬25‭ ‬بؤرة‭ ‬إستيطانية،‭ ‬معظمها‭ ‬بؤر‭ ‬زراعية،‭ ‬وجرى‭ ‬تعبيد‭ ‬عشرات‭ ‬الطرق‭ ‬تمهيداً‭ ‬لإقامة‭ ‬بؤر‭ ‬إستيطانية‭ ‬أخرى،‭ ‬والاستيلاء‭ ‬على‭ ‬أراضٍ‭ ‬جديدة،‭ ‬كما‭ ‬تم‭ ‬تحويل‭ ‬2‭.‬413‭ ‬دونماً‭ ‬إلى‭ ‬أراضي‭ ‬دولة،‭ ‬أي‭ ‬ما‭ ‬يساوي‭ ‬نصف‭ ‬الأراضي‭ ‬المعلن‭ ‬عنها‭ ‬بهذه‭ ‬الصفة،‭ ‬منذ‭ ‬‮«‬إتفاق‭ ‬أوسلو‮»‬‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭. ‬وأشارت‭ ‬‮«‬الحركة‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬خطط‭ ‬لإقامة‭ ‬8‭.‬721‭ ‬وحدة‭ ‬سكنية‭ ‬في‭ ‬المستوطنات،‭ ‬كما‭ ‬وافق‭ ‬مجلس‭ ‬الوزراء‭ ‬على‭ ‬إنشاء‭ ‬5‭ ‬مستوطنات‭ ‬جديدة،‭ ‬جميعها‭ ‬بؤر‭ ‬إستيطانية‭ ‬غير‭ ‬رسمية،‭ ‬بهدف‭ ‬تحويلها‭ ‬إلى‭ ‬مستوطنات‭ ‬رسمية،‭ ‬كما‭ ‬تم‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬التخطيط‭ ‬الأعلى،‭ ‬قوننة‭ ‬وضع‭ ‬3‭ ‬بؤر‭ ‬إستيطانية‭ ‬كأحياء‭ ‬للمستوطنات‭ ‬القائمة،‭ ‬وتم‭ ‬الإعتراف‭ ‬بـ‭ ‬70‭ ‬بؤرة‭ ‬إستيطانية‭ ‬‮«‬غير‭ ‬قانونية‮»‬،‭ ‬أنها‭ ‬باتت‭ ‬مؤهلة‭ ‬للتمويل‭ ‬الحكومي،‭ ‬والبنية‭ ‬التحتية،‭ ‬وربط‭ ‬هذه‭ ‬البؤر‭ ‬بشبكة‭ ‬المياه‭ ‬والبنى‭ ‬التحتية‭ ‬الأخرى‭.‬

•‭ ‬كذلك‭ ‬نشرت‭ ‬‮«‬الحركة‮»‬‭ ‬خطة‭ ‬لبناء‭ ‬مستوطنة‭ ‬في‭ ‬الخليل‭ ‬شمال‭ ‬كريات‭ ‬أربع،‭ ‬تضم‭ ‬234‭ ‬وحدة‭ ‬سكنية،‭ ‬ونبهت‭ ‬‮«‬حركة‭ ‬السلام‭ ‬الآن‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬توثيق‭ ‬1‭.‬100‭ ‬حادثة‭ ‬إعتداء‭ ‬من‭ ‬المستوطنين‭ ‬ضد‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬وطرد‭ ‬حوالي‭ ‬1‭.‬392‭ ‬فلسطينياً‭ ‬من‭ ‬23‭ ‬تجمعاً‭ ‬من‭ ‬منازلهم،‭ ‬بسبب‭ ‬عنف‭ ‬المستوطنين،‭ ‬الذين‭ ‬تعمدوا‭ ‬إتلاف‭ ‬4‭.‬650‭ ‬شجرة‭ ‬وشتلة،‭ ‬كما‭ ‬إستشهد‭ ‬11‭ ‬فلسطينياً‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬المستوطنين‭.‬

•‭ ‬وبشأن‭ ‬توسيع‭ ‬الاستيطان‭ ‬ذكرت‭ ‬‮«‬الحركة‮»‬،‭ ‬أن‭ ‬الحكومة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬ضاعفت‭ ‬موازنة‭ ‬وزارة‭ ‬المستوطنات،‭ ‬والأموال‭ ‬المخصصة‭ ‬لدائرة‭ ‬المستوطنات،‭ ‬وللمستوطنات‭. ‬وعن‭ ‬نقل‭ ‬السلطات‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالمستوطنات‭ ‬من‭ ‬الجيش‭ ‬إلى‭ ‬مسؤول‭ ‬تحت‭ ‬رئاسة‭ ‬سموتريتش،‭ ‬وزير‭ ‬المال‭ ‬والوزير‭ ‬المقيم‭ ‬في‭ ‬وزارة‭ ‬الدفاع،‭ ‬الذي‭ ‬عَيَّنَ‭ ‬مستوطناً‭ ‬في‭ ‬منصب‭ ‬سماه‭ ‬النائب‭ ‬المدني،‭ ‬ليصبح‭ ‬فعلياً‭ ‬حاكم‭ ‬المستوطنات،‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تَعُدْ‭ ‬تتبع‭ ‬للإدارة‭ ‬المدنية‭ ‬لجيش‭ ‬الاحتلال،‭ ‬بل‭ ‬مباشرة‭ ‬لوزارة‭ ‬سموتريتش‭ ‬المعنية‭ ‬بشئون‭ ‬الإستيطان‭ ‬وعموم‭ ‬القضايا‭ ‬المدنية‭.‬

•‭ ‬كما‭ ‬ذكرت‭ ‬‮«‬الحركة‮»‬‭ ‬أنه‭ ‬تم‭ ‬إغلاق‭ ‬مئات‭ ‬الطرق‭ ‬المؤدية‭ ‬إلى‭ ‬القرى‭ ‬الفلسطينية‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬جيش‭ ‬الإحتلال،‭ ‬وأحياناً‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬المستوطنين‭. ‬وتم‭ ‬منع‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬من‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬عشرات‭ ‬آلاف‭ ‬من‭ ‬الدونمات‭ ‬من‭ ‬الأراضي‭ ‬الزراعية،‭ ‬كما‭ ‬يمنع‭ ‬المستوطنون‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬من‭ ‬زراعة‭ ‬مساحات‭ ‬واسعة،‭ ‬تقع‭ ‬بالقرب‭ ‬من‭ ‬المستوطنات،‭ ‬ويتم‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬حواجز‭ ‬ترابية‭ ‬يقيمها‭ ‬المستوطنون‭ ‬أو‭ ‬حواجز‭ ‬لجيش‭ ‬الإحتلال‭.‬

•‭ ‬كذلك‭ ‬هدمت‭ ‬إسرائيل‭ ‬1‭.‬205‭ ‬مباني‭ ‬فلسطينية،‭ ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬فقدان‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬2‭.‬500‭ ‬فلسطيني‭ ‬لمنازلهم،‭ ‬وأوضحت‭ ‬أنه‭ ‬تم‭ ‬هدم‭ ‬874‭ ‬منزلاً‭ ‬بذريعة‭ ‬عدم‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬تراخيص‭ ‬من‭ ‬إسرائيل،‭ ‬كما‭ ‬تم‭ ‬هدم‭ ‬293‭ ‬مبنى‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬الجيش‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬خلال‭ ‬عملياته‭ ‬في‭ ‬الضفة،‭ ‬و‭ ‬38‭ ‬مبنى‭ ‬كـ«إجراء‭ ‬عقابي‮»‬،‭ ‬و‭ ‬1.027‭ ‬مبنى‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية،‭ ‬وهدم‭ ‬178‭ ‬مبنى‭ ‬في‭ ‬القدس‭ ‬الشرقية‭ ‬المحتلة‭.‬

بالمقابل،‭ ‬تصاعدت‭ ‬أعمال‭ ‬المقاومة‭ ‬بمختلف‭ ‬أشكالها،‭ ‬والمسلحة‭ ‬منها‭ ‬بشكل‭ ‬خاص،‭ ‬في‭ ‬أنحاء‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية،‭ ‬وباتت‭ ‬تشكل‭ ‬ظاهرة‭ ‬ثابتة‭ ‬من‭ ‬ظواهر‭ ‬مقاومة‭ ‬الشعب‭ ‬الشاملة،‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬تغول‭ ‬سلطات‭ ‬الإحتلال‭ ‬وتسريعها‭ ‬في‭ ‬تطبيق‭ ‬إجراءات‭ ‬الضم‭.‬

تحتضن‭ ‬هذه‭ ‬المقاومة،‭ ‬حالة‭ ‬شعبية‭ ‬متحفزة،‭ ‬تواقة‭ ‬إلى‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الصدام‭ ‬مع‭ ‬الإحتلال،‭ ‬ولعل‭ ‬آخر‭ ‬ما‭ ‬شاهدناه‭ ‬في‭ ‬طولكرم‭ ‬من‭ ‬موقف‭ ‬جماهيري‭ ‬شجاع‭ ‬في‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬المقاومين،‭ ‬ضد‭ ‬تدخل‭ ‬أجهزة‭ ‬أمن‭ ‬السلطة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬وتورطها‭ ‬في‭ ‬الصدام‭ ‬مع‭ ‬المقاومة،‭ ‬يشكل‭ ‬نموذجاً،‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬بتقديرنا‭ ‬أن‭ ‬يتكرر‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مكان‭.‬

غير‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬يتوجب‭ ‬قوله،‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬أن‭ ‬الحركة‭ ‬الجماهيرية‭ ‬المندفعة‭ ‬إلى‭ ‬المواجهة،‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬تفتقر‭ ‬إلى‭ ‬مركز‭ ‬توجيه‭ ‬واحد‭ ‬تمثله‭ ‬القيادة‭ ‬الوطنية‭ ‬الموحدة،‭ ‬وإلى‭ ‬أشكال‭ ‬التأطير‭ ‬الميداني،‭ ‬والبنى‭ ‬الإجتماعية‭ ‬التي‭ ‬عبرها‭ ‬يمكن‭ ‬إحداث‭ ‬نقلات‭ ‬متتالية‭ ‬بزخم‭ ‬الحركة‭ ‬الجماهيرية،‭ ‬وأشكال‭ ‬تصديها‭ ‬للإحتلال،‭ ‬والوقوف‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬محاولات‭ ‬السلطة‭ ‬الإنزلاق‭ ‬إلى‭ ‬الفتنة‭.‬

في‭ ‬مواجهة‭ ‬هذه‭ ‬التطورات‭ ‬بات‭ ‬الشعار‭ ‬الرئيس‭ ‬للمرحلة،‭ ‬هو‭ ‬استنهاض‭ ‬وتأطير‭ ‬كل‭ ‬أشكال‭ ‬المقاومة‭ ‬ضد‭ ‬الإحتلال،‭ ‬وقد‭ ‬بات‭ ‬واضحاً‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬مدى‭ ‬تذهب‭ ‬حكومة‭ ‬نتنياهو‭ ‬في‭ ‬تطرفها‭ ‬وتغولها‭ ‬ضد‭ ‬شعبنا،‭ ‬ويمكن‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬خطابه‭ ‬المشين‭ ‬أمام‭ ‬الكونغرس‭ ‬الأميركي‭ -‬21‭/‬7‭/‬2024،‭ ‬وكيف‭ ‬إستقبل‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬غالبية‭ ‬أعضاء‭ ‬الجسم‭ ‬التشريعي‭ ‬الأميركي‭ ‬بغرفتيه‭: ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬ومجلس‭ ‬الشيوخ،‭ ‬لندرك‭ ‬حقيقة‭ ‬أهداف‭ ‬الإحتلال،‭ ‬التي‭ ‬باتت‭ ‬مطروحة‭ ‬بقوة‭ ‬على‭ ‬طاولة‭ ‬العمل‭ ‬الحثيث‭ ‬لتطبيقها،‭ ‬فلا‭ ‬مكان‭ ‬لدولة‭ ‬فلسطينية‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية،‭ ‬ولا‭ ‬إنسحاب‭ ‬من‭ ‬القدس‭ ‬الشرقية‭ ‬المحتلة،‭ ‬ولا‭ ‬تفكيك‭ ‬للإستيطان،‭ ‬ولا‭ ‬مكان‭ ‬لحق‭ ‬العودة‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬حل،‭ ‬وكل‭ ‬الأرض‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬النهر‭ ‬والبحر،‭ ‬هي‭ ‬ملك‭ ‬لليهود،‭ ‬وحدهم‭ ‬يملكون‭ ‬حق‭ ‬تقرير‭ ‬المصير‭ ‬عليها‭.‬

إذن،‭ ‬هو‭ ‬إعلان‭ ‬حرب‭ ‬توازي‭ ‬في‭ ‬مخاطرها،‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬وصولاً‭ ‬إلى‭ ‬تصفية‭ ‬المشروع‭ ‬الوطني‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬ولأهدافه‭ ‬المشروعة،‭ ‬وإعدام‭ ‬للكيانية‭ ‬الوطنية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬شهدنا‭ ‬وقائعه‭ ‬في‭ ‬الأسبوع‭ ‬الأخير‭ ‬من‭ ‬الشهر‭ ‬العاشر‭ ‬عبر‭ ‬الحملة‭ ‬العسكرية‭ ‬التي‭ ‬شَنَّها‭ ‬العدو‭ ‬على‭ ‬مخيمات‭ ‬شمال‭ ‬الضفة‭ ‬ومدنها‭ ‬بإسمها‭ ‬الكودي‭: ‬‮«‬مخيمات‭ ‬صيفية‮»‬‭.‬

‭(‬2‭)‬

التصعيد‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭:‬

حملة‭ ‬‮«‬مخيمات‭ ‬صيفية‮»‬

في‭ ‬الأسبوع‭ ‬الأخير‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬آب‭/‬أغسطس،‭ ‬إنتقلت‭ ‬الهجمة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية،‭ ‬في‭ ‬معركة‭ ‬الحسم،‭ ‬إلى‭ ‬مرحلة‭ ‬جديدة،‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬عسكرية،‭ ‬طالت‭ ‬مدن‭ ‬شمال‭ ‬الضفة‭ ‬ومخيماتها،‭ ‬تحت‭ ‬اسم‭ ‬‮«‬مخيمات‭ ‬صيفية‮»‬،‭ ‬دل‭ ‬في‭ ‬مضمونه‭ ‬أن‭ ‬المستهدف‭ ‬الرئيس‭ ‬هو‭ ‬مخيمات‭ ‬اللاجئين‭ (‬طولكرم‭ + ‬جنين‭ + ‬نور‭ ‬شمس‭ + ‬الفارعة‭ + ‬بلاطة‭)‬،‭ ‬حيث‭ ‬تتمركز‭ ‬مجموعات‭ ‬المقاومين‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬على‭ ‬مختلف‭ ‬إنتماءاتهم‭.‬

في‭ ‬هذه‭ ‬العملية‭ ‬التي‭ ‬حشدت‭ ‬لها‭ ‬إسرائيل‭ ‬آلاف‭ ‬الجنود‭ ‬والضباط‭ (‬فرقة‭ ‬بتعداد‭ ‬15‭ ‬ألف‭ ‬جندي‭) ‬والعديد‭ ‬من‭ ‬الآليات‭ ‬والجرافات‭ ‬والطائرات‭ ‬الحربية‭ ‬والمسيَّرات،‭ ‬تهدف‭ ‬إسرائيل‭ ‬إلى‭ ‬تصعيد‭ ‬مواجهتها‭ ‬للحركة‭ ‬الشعبية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬وتعزيز‭ ‬هيمنتها‭ ‬على‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية،‭ ‬وتهيئة‭ ‬المسرح‭ ‬للتوغل،‭ ‬في‭ ‬إزالة‭ ‬العراقيل‭ ‬أمام‭ ‬مشروعها‭ ‬في‭ ‬حملة‭ ‬الحسم‭.‬

■‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه،‭ ‬تدرك‭ ‬إسرائيل،‭ ‬بخبرة‭ ‬إجتياحها‭ ‬للضفة‭ ‬الغربية‭  ‬إبّان‭ ‬حملة‭ ‬‮«‬السور‭ ‬الواقي‮»‬‭ – ‬2002،‭ ‬أن‭ ‬مخيمات‭ ‬اللاجئين،‭ ‬هي‭ ‬‮«‬بوابات‭ ‬المدن‮»‬‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬وأن‭ ‬‮«‬تكنيس‮»‬‭ ‬المدن،‭ ‬وتجريدها‭ ‬من‭ ‬عناصر‭ ‬الحالة‭ ‬الوطنية‭ ‬الناهضة،‭ ‬ومفاصل‭ ‬الحركة‭ ‬الشعبية،‭ ‬يتطلب‭ ‬أولاً،‭ ‬وبالضرورة،‭ ‬الإمساك‭ ‬بالمخيمات‭ ‬والقضاء‭ ‬على‭ ‬المقاومات‭ ‬الناهضة‭ ‬في‭ ‬أزقتها‭ ‬وعلى‭ ‬مداخلها،‭ ‬وبذلك‭ ‬تحقق‭ ‬إسرائيل‭ ‬هدفين‭ ‬أولهما‭: ‬عسكري،‭ ‬يفتح‭ ‬الطريق‭ ‬أمام‭ ‬إجتياح‭ ‬المدن‭ ‬والسيطرة‭ ‬عليها؛‭ ‬وثانيهما‭: ‬تبديد‭ ‬الأوضاع‭ ‬المؤطرة‭ ‬للاجئين،‭ ‬وتشريدهم‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مكان،‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬إصرارها‭ ‬على‭ ‬تصفية‭ ‬حق‭ ‬العودة،‭ ‬إلخ‭ …‬

لا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬عملية‭ ‬‮«‬مخيمات‭ ‬صيفية‮»‬‭ ‬مرحلة‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬الصراع‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل،‭ ‬تؤكد‭ ‬أن‭ ‬الحرب‭ ‬الهمجية‭ ‬التي‭ ‬يشهدها‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬إنتقلت‭ ‬إلى‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية،‭ ‬حيث‭ ‬المحور‭ ‬الرئيس‭ ‬الذي‭ ‬يقوم‭ ‬عليه‭ ‬مشروع‭ ‬الضم‭ ‬بأسلوب‭ ‬‮«‬الحسم‮»‬،‭ ‬وإقامة‭ ‬دولة‭ ‬إسرائيل‭ ‬الكبرى،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يضع‭ ‬عموم‭ ‬الحركة‭ ‬الوطنية،‭ ‬كما‭ ‬يضع‭ ‬السلطة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬أمام‭ ‬إستحقاقات‭ ‬سياسية‭ ‬كبرى‭ ‬ومصيرية‭.‬

‭(‬3‭)‬

قطاع‭ ‬غزة‭: ‬الفشل‭ ‬العسكري‭ ‬والتعنت‭ ‬السياسي

تدخل‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬شهرها‭ ‬الـ12،‭ ‬وتتأهب‭ ‬لإتمام‭ ‬عامها‭ ‬الأول،‭ ‬حيث‭ ‬تبدو،‭   ‬طبيعة‭ ‬المأزق‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬بين‭ ‬جيش‭ ‬يقاتل‭ ‬ضد‭ ‬أهداف‭ ‬غامضة،‭ ‬غير‭ ‬مرئية،‭ ‬وبين‭ ‬قيادة‭ ‬سياسية‭ ‬تمعن‭ ‬في‭ ‬التعنت‭ ‬والتهرب‭ ‬من‭ ‬الضغوط‭ ‬الخارجية،‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬وقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار،‭ ‬وتبادل‭ ‬الأسرى‭ ‬بين‭ ‬الجانبين‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬والمقاومة‭ ‬الفلسطينية‭.‬

لقد‭ ‬بدا‭ ‬التناقض‭ ‬واضحاً‭ ‬بين‭ ‬شعار‭ ‬رئيس‭ ‬حكومة‭ ‬الفاشية،‭ ‬تحقيق‭ ‬ما‭ ‬يسميه‭ ‬‮«‬النصر‭ ‬المطلق‮»‬‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬المقاومة،‭ ‬واعتقال‭ ‬قادتها،‭ ‬واستعادة‭ ‬الأسرى‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬بالقوة‭. ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬تؤكد‭ ‬فيه‭ ‬القيادة‭ ‬العسكرية‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬لديها‭ ‬في‭ ‬القطاع،‭ ‬أهداف‭ ‬ذات‭ ‬قيمة‭ ‬عسكرية‭ ‬ذات‭ ‬شأن،‭ ‬وأن‭ ‬على‭ ‬القيادة‭ ‬السياسية‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬إتفاق،‭ ‬ينهي‭ ‬الحرب‭ ‬ويعيد‭ ‬الجيش‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬إلى‭ ‬ثكناته،‭ ‬ويعود‭ ‬جنود‭ ‬الإحتياط‭ ‬وضباطهم‭ ‬إلى‭ ‬الحياة‭ ‬المدنية‭.‬

تكبد‭ ‬جيش‭ ‬الغزو‭ ‬البربري‭ ‬لقطاع‭ ‬غزة‭ ‬خسائر‭ ‬فادحة،‭ ‬وباعتراف‭ ‬قيادته،‭ ‬خسر‭ ‬الجيش‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬650‭ ‬قتيلاً،‭ ‬وتدمير‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬550‭ ‬آلية،‭ ‬وإحالة‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬9‭ ‬آلاف‭ ‬ضابط‭ ‬وجندي‭ ‬إلى‭ ‬العلاج‭ ‬النفسي،‭ ‬وإصابة‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬3‭ ‬آلاف‭ ‬جندي‭ ‬وضابط‭ ‬بإعاقات‭ ‬دائمة،‭ ‬حسب‭ ‬الإعلانات‭ ‬الرسمية‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬تمرد‭ ‬جنود‭ ‬الإحتياط‭ ‬على‭ ‬الأوامر،‭ ‬ورفضهم‭ ‬الإستدعاء‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬إلى‭ ‬ساحة‭ ‬القتال‭.‬

لقد‭ ‬أثبتت‭ ‬الوقائع،‭ ‬أن‭ ‬جيش‭ ‬الإحتلال،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يقاتل‭ ‬المقاومين‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬بل‭ ‬كرر‭ ‬في‭ ‬حربه‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬ما‭ ‬سبق‭ ‬أن‭ ‬إقترفته‭ ‬العصابات‭ ‬الصهيونية‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1948،‭ ‬حين‭ ‬استهدفت‭ ‬المدنيين،‭ ‬فارتفعت‭ ‬أعداد‭ ‬الشهداء‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬إلى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬50‭ ‬ألف‭ ‬شهيد‭ (‬بمن‭ ‬فيهم‭ ‬المفقودين‭ ‬تحت‭ ‬الركام‭)‬،‭ ‬وحوالي‭ ‬100‭ ‬ألف‭ ‬جريح،‭ ‬منهم‭ ‬حوالي‭ ‬11‭ ‬ألفاً‭ ‬فقدوا‭ ‬أطرافهم‭ ‬السفلية،‭ ‬وباتوا‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬إعاقة‭ ‬دائمة،‭ ‬وأكثر‭ ‬من‭ ‬11‭ ‬ألفاً‭ ‬آخرين،‭ ‬مهددين‭ ‬بالموت‭ ‬للإفتقار‭ ‬إلى‭ ‬العلاج،‭ ‬بعدما‭ ‬دمر‭ ‬جيش‭ ‬الإحتلال‭ ‬المستشفيات،‭ ‬والمنظومة‭ ‬الصحية‭ ‬في‭ ‬القطاع‭.‬

تعتبر‭ ‬الحرب‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬في‭ ‬القطاع،‭ ‬أطول‭ ‬حرب‭ ‬تخوضها‭ ‬إسرائيل‭ ‬منذ‭ ‬نشأتها،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تنجح‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬ما‭ ‬أعلنته‭ ‬من‭ ‬أهداف،‭ ‬كالقضاء‭ ‬على‭ ‬المقاومة،‭ ‬واستعادة‭ ‬الأسرى‭ ‬بالقوة،‭ ‬وتهجير‭ ‬السكان‭ ‬إلى‭ ‬الجوار‭ ‬المصري،‭ ‬والاستيلاء‭ ‬على‭ ‬القطاع،‭ ‬حزاماً‭ ‬أمنياً‭ ‬لما‭ ‬بات‭ ‬يسمى‭ ‬‮«‬دولة‭ ‬إسرائيل‭ ‬الكبرى‮»‬،‭ ‬أي‭ ‬ما‭ ‬تسميه‭ ‬قيادة‭ ‬نتنياهو‭ ‬تحقيق‭ ‬النصر‭ ‬المؤزر‭ ‬على‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬ومقاومته‭.‬

ولا‭ ‬تتبدى‭ ‬في‭ ‬الأفق‭ ‬المباشر،‭ ‬أية‭ ‬نوايا‭ ‬لدى‭ ‬حكومة‭ ‬نتنياهو‭ ‬لوقف‭ ‬الحرب،‭ ‬وهي‭ ‬تراهن‭ ‬على‭ ‬وصول‭ ‬المرشح‭ ‬الجمهوري‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬إلى‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض،‭ ‬باعتباره‭ ‬أكثر‭ ‬إنحيازاً‭ ‬لـ«إسرائيل‮»‬،‭ ‬وأكثر‭ ‬‮«‬حسماً‮»‬‭ ‬ضد‭ ‬التطلعات‭ ‬الوطنية‭ ‬المشروعة‭ ‬للشعب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬مصالح‭ ‬حزبية‭ ‬وشخصية‭ ‬لدى‭ ‬الليكود‭ ‬وحلفائه،‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬أن‭ ‬تديم‭ ‬الحرب‭.‬

لقد‭ ‬أدمنت‭ ‬حكومة‭ ‬نتنياهو‭ ‬خلال‭ ‬فترة‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬إتباع‭ ‬مناورات‭ ‬مكشوفة‭ ‬لإجهاض‭ ‬كل‭ ‬مشاريع‭ ‬التهدئة،‭ ‬والدعوة‭ ‬لوقف‭ ‬الحرب،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬مشروع‭ ‬التهدئة‭ ‬الذي‭ ‬قدمه‭ ‬للرأي‭ ‬العام‭ ‬الرئيس‭ ‬الأميركي‭ ‬بايدن‭- ‬31‭/‬5‭/‬2024‭ (‬راجع‭ ‬الملحق‭)‬،‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬إقتراحات‭ ‬إسرائيلية،‭ ‬وتبناه‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬لاحقاً‭ ‬في‭ ‬قراره‭ ‬الرقم‭ ‬2735‭-‬10‭/‬6‭/‬2024،‭ ‬ووافقت‭ ‬عليه‭ ‬حركة‭ ‬حماس‭ ‬–‭ ‬2/7/2024؛‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬العكس‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬هذا،‭ ‬وبالتضاد‭ ‬مع‭ ‬آلية‭ ‬‮«‬الوقف‭ ‬الفوري‭ ‬والتام‭ ‬لإطلاق‭ ‬النار‮»‬‭ ‬في‭ ‬المرحلة‭ ‬الأولى‭ ‬لقرار‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن،‭ ‬و«الوقف‭ ‬الدائم‭ ‬للإعمال‭ ‬العدائية‮»‬‭ ‬في‭ ‬مرحلته‭ ‬الثانية،‭ ‬واصلت‭ ‬حكومة‭ ‬نتنياهو‭ ‬التصعيد‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬لتوسيع‭ ‬دائرة‭ ‬الحرب،‭ ‬ونقلها‭ ‬إلى‭ ‬مرحلة‭ ‬جديدة،‭ ‬لتطال‭ ‬الإقليم‭ ‬كله،‭ ‬حين‭ ‬أقدمت‭ ‬على‭ ‬اغتيال‭ ‬فؤاد‭ ‬شكر‭ ‬–‭ ‬30/7،‭ ‬القائد‭ ‬العسكري‭ ‬الأبرز‭ ‬في‭ ‬حزب‭ ‬الله،‭ ‬وأقدمت‭ ‬بعدها‭ ‬بساعات،‭ ‬وفي‭ ‬الليلة‭ ‬ذاتها‭ ‬–‭ ‬31/7‭ ‬على‭ ‬اغتيال‭ ‬إسماعيل‭ ‬هنية،‭ ‬رئيس‭ ‬المكتب‭ ‬السياسي‭ ‬لحركة‭ ‬المقاومة‭ ‬الإسلامية‭/ ‬حماس،‭ ‬في‭ ‬مقر‭ ‬إقامته‭ ‬الرسمي‭ ‬في‭ ‬طهران،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬يقوم‭ ‬بزيارة‭ ‬لها‭ ‬للتهنئة‭ ‬بانتخاب‭ ‬رئيس‭ ‬جديد‭ ‬للجمهورية‭ ‬الإسلامية‭.‬

ولا‭ ‬يمكن‭ ‬قراءة‭ ‬هذا‭ ‬التعنت‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬أشكال‭ ‬الدعم‭ ‬وأساليبه‭ ‬التي‭ ‬تقدمها‭ ‬لإسرائيل‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬منذ‭ ‬اللحظة‭ ‬الأولى‭ ‬لاندلاع‭ ‬حرب‭ ‬7‭ ‬أكتوبر،‭ ‬من‭ ‬حشد‭ ‬للأساطيل‭ ‬البحرية‭ ‬والجوية،‭ ‬وبناء‭ ‬جسر‭ ‬جوي،‭ ‬لنقل‭ ‬المعدات‭ ‬والأسلحة‭ ‬والذخائر‭ ‬والعتاد،‭ ‬وتوفير‭ ‬المعلومات‭ ‬الإستخبارية‭ ‬عن‭ ‬الأوضاع‭ ‬في‭ ‬الأراضي‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المحتلة،‭ ‬والإقليم،‭ ‬خاصة‭ ‬على‭ ‬جبهات‭ ‬الإسناد‭ ‬والمشاغلة‭ ‬الجدية‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬والجولان،‭ ‬واليمن،‭ ‬وكذلك‭ ‬في‭ ‬إيران،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬الدعم‭ ‬السياسي‭ ‬غير‭ ‬المحدود‭ ‬في‭ ‬المحافل‭ ‬الدولية،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن،‭ ‬والجمعية‭ ‬العامة‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬ومحكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية،‭ ‬والضغط‭ ‬المتزايد‭ ‬على‭ ‬الجنائية‭ ‬الدولية،‭ ‬للتراجع‭ ‬عن‭ ‬قرار‭ ‬إستدعاء‭ ‬نتنياهو‭ ‬وغالانت‭ ‬بتهمة‭ ‬إرتكاب‭ ‬جرائم‭ ‬حرب‭.‬

‭(‬4‭)‬

المقاومة‭ ‬والقدرة‭ ‬على‭ ‬التجديد‭ ‬والصمود

واجه‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬ومقاومته‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬بصبر‭ ‬فريد‭ ‬من‭ ‬نوعه،‭ ‬وثبات‭ ‬أسطوري،‭ ‬أذهل‭ ‬العالم،‭ ‬وكشف‭ ‬–‭ ‬بالمقابل‭ – ‬عن‭ ‬طبيعة‭ ‬المشروع‭ ‬الصهيوني،‭ ‬باعتباره‭ ‬مشروعاً‭ ‬فاشياً،‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬العداء‭ ‬المستحكم‭ ‬للشعب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬وعلى‭ ‬أطماع‭ ‬وشراهة‭ ‬توسعية‭ ‬لا‭ ‬تقف‭ ‬عند‭ ‬حدود،‭ ‬وتستهدف‭ ‬إبادة‭ ‬الشعب‭ ‬نفسه،‭ ‬أو‭ ‬إرغامه‭ ‬على‭ ‬الهجرة‭ ‬وتشريده‭ ‬في‭ ‬أنحاء‭ ‬الكون،‭ ‬وتحويله‭ ‬إلى‭ ‬شعب‭ ‬لاجيء،‭ ‬فاقد‭ ‬الجنسية‭ ‬على‭ ‬طريق‭ ‬إفقاده‭ ‬هويته‭ ‬الوطنية،‭ ‬بعد‭ ‬خسارته‭ ‬الأرض‭ ‬التي‭ ‬يمارس‭ ‬عليها‭ ‬حقه‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬المصير‭ ‬بحرية‭.‬

نجحت‭ ‬المقاومة،‭ ‬بدعم‭ ‬وإسناد‭ ‬شعبي‭ ‬غير‭ ‬محدود،‭ ‬لا‭ ‬بل‭ ‬غير‭ ‬مسبوق،‭ ‬في‭ ‬التصدي‭ ‬للحرب‭ ‬الهمجية‭ ‬للعدو‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬وألحقت‭ ‬به‭ ‬خسائر‭ ‬فادحة،‭ ‬لم‭ ‬يستطع‭ ‬أن‭ ‬يخفيها‭ ‬عن‭ ‬أعين‭ ‬الشارع‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬أو‭ ‬أنظار‭ ‬العالم،‭ ‬كما‭ ‬نجحت‭ ‬في‭ ‬إحباط‭ ‬أهدافه‭ ‬المعلنة،‭ ‬ففشل‭ ‬في‭ ‬إستعادة‭ ‬أسراه‭ ‬لدى‭ ‬المقاومة‭ ‬بالقوة،‭ ‬كما‭ ‬فشل‭ ‬في‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬للمقاومة،‭ ‬التي‭ ‬راكمت‭ ‬خلال‭ ‬11‭ ‬شهراً‭ ‬من‭ ‬القتال،‭ ‬خبرات‭ ‬واسعة،‭ ‬مكنتها‭ ‬من‭ ‬إبتداع‭ ‬أساليب‭ ‬قتالية‭ ‬جديدة،‭ ‬زرعت‭ ‬الرعب‭ ‬في‭ ‬قلوب‭ ‬جنود‭ ‬العدو‭ ‬وضباطه،‭ ‬كذلك‭ ‬أفشلت‭ ‬القوة‭ ‬التدميرية‭ ‬لآلياته،‭ ‬وأفشلت‭ ‬دعواها‭ ‬باعتبارها‭ ‬من‭ ‬أفضل‭ ‬ما‭ ‬أنتج‭ ‬عالم‭ ‬السلاح‭ ‬من‭ ‬دبابات‭ ‬وناقلات‭ ‬جند‭ ‬وغيرها‭ …‬

وأكدت‭ ‬المقاومة،‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬مواصلة‭ ‬تصنيع‭ ‬الأسلحة‭ ‬والذخائر،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬حصار‭ ‬خانق‭ ‬أغلق‭ ‬عليها‭ ‬طرق‭ ‬الإمداد،‭ ‬فاستعاضت‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬بإبداعات‭ ‬إنتاجية،‭ ‬نجحت‭ ‬خلالها‭ ‬في‭ ‬إعادة‭ ‬إنتاج‭ ‬ذخائر‭ ‬العدو‭ ‬نفسه،‭ ‬إلى‭ ‬أسلحة‭ ‬تدميرية،‭ ‬تحولت‭ ‬إلى‭ ‬عبوات‭ ‬متفجرة،‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬تدمير‭ ‬عشرات‭ ‬الأبنية‭ ‬على‭ ‬رؤوس‭ ‬جنوده‭ ‬وضباطه،‭ ‬وحولت‭ ‬آلياته‭ ‬إلى‭ ‬خردة‭ ‬وحديد‭ ‬صديء‭.‬

ما‭ ‬كان‭ ‬لهذا‭ ‬الصمود‭ ‬البطولي‭ ‬للمقاومة،‭ ‬خلال‭ ‬11‭ ‬شهراً،‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬أقوى‭ ‬الجيوش‭ ‬تسليحاً‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬أن‭ ‬يتحقق‭ ‬لولا‭ ‬الوحدة‭ ‬الميدانية،‭ ‬التي‭ ‬أبدعتها‭ ‬المقاومة،‭ ‬بين‭ ‬أجنحتها‭ ‬العسكرية‭ ‬المختلفة،‭ ‬ولولا‭ ‬روح‭ ‬الوحدة‭ ‬الوطنية‭ ‬والتساند،‭ ‬والتشارك‭ ‬في‭ ‬توفير‭ ‬الذخائر‭ ‬والمعدات‭ ‬والتخطيط‭ ‬والتنفيذ‭.‬

كذلك‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬لهذا‭ ‬الصمود‭ ‬الأسطوري‭ ‬للمقاومة‭ ‬أن‭ ‬يتحقق،‭ ‬لولا‭ ‬الإلتحام‭ ‬الجماهيري‭ ‬غير‭ ‬المحدود‭ ‬معها،‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬سراً‭ ‬القول‭ ‬أن‭ ‬المقاومة‭ ‬نجحت‭ ‬بفصائلها‭ ‬المختلفة،‭ ‬في‭ ‬تعويض‭ ‬خسائرها‭ ‬البشرية،‭ ‬من‭ ‬قادة‭ ‬ومقاتلين،‭ ‬إما‭ ‬بترقية‭ ‬فورية‭ ‬للقادة‭ ‬في‭ ‬الميدان،‭ ‬أو‭ ‬بتجنيد‭ ‬مئات‭ ‬الشباب‭ ‬الذين‭ ‬إلتحقوا‭ ‬بصفوف‭ ‬المقاومة،‭ ‬وقد‭ ‬أدركوا‭ ‬بعمق‭ ‬شديد،‭ ‬أن‭ ‬السبيل‭ ‬الوحيد‭ ‬لصون‭ ‬حياة‭ ‬عائلاتهم،‭ ‬وكرامتهم‭ ‬الوطنية،‭ ‬هو‭ ‬الإنخراط‭ ‬في‭ ‬مقاومة‭ ‬الإحتلال،‭ ‬في‭ ‬الميدان،‭ ‬وإفشال‭ ‬أهدافه‭ ‬المكشوفة‭. ‬

على‭ ‬الصعيد‭ ‬الشعبي،‭ ‬وفي‭ ‬السياق‭ ‬نفسه،‭ ‬قدم‭ ‬أبناء‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬مشهداً‭ ‬غير‭ ‬مألوف،‭ ‬حين‭ ‬قاوموا،‭ ‬ليس‭ ‬جيش‭ ‬الاحتلال‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬وكذلك‭ ‬الحصار،‭ ‬والتهجير،‭ ‬والجوع،‭ ‬والعطش،‭ ‬وحين‭ ‬تحملوا‭ ‬بصبر‭ ‬مدهش‭ ‬كتم‭ ‬آلام‭ ‬وداع‭ ‬الشهداء،‭ ‬وكتم‭ ‬آلام‭ ‬الجراح،‭ ‬ورفض‭ ‬الإستسلام‭ ‬أو‭ ‬الركوع،‭ ‬أو‭ ‬فقدان‭ ‬الثقة‭ ‬بالنفس،‭ ‬أو‭ ‬التشكيك‭ ‬بحتمية‭ ‬النصر،‭ ‬وإفشال‭ ‬أهداف‭ ‬العدو،‭ ‬وبأن‭ ‬المعركة‭ ‬التي‭ ‬يخوضها‭ ‬شعب‭ ‬فلسطين‭ ‬لن‭ ‬تختتم‭ ‬إلا‭ ‬بالظفر‭ ‬بالحقوق‭ ‬الوطنية‭ ‬المشروعة،‭ ‬والتمتع‭ ‬بالحرية،‭ ‬وقيام‭ ‬الدولة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المستقلة‭ ‬كاملة‭ ‬السيادة‭ ‬وعاصمتها‭ ‬القدس،‭ ‬على‭ ‬حدود‭ ‬4‭ ‬حزيران‭/‬يونيو‭ ‬67،‭ ‬وضمان‭ ‬حق‭ ‬اللاجئين‭ ‬بالعودة‭ ‬إلى‭ ‬ديارهم‭ ‬وممتلكاتهم‭ ‬التي‭ ‬هجروا‭ ‬منها‭ ‬منذ‭ ‬العام‭ ‬1948‭.‬

إن‭ ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬يستدعي‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬سياسات‭ ‬تصليب‭ ‬عناصر‭ ‬الصمود‭ ‬والثبات،‭ ‬ولكي‭ ‬يكتمل،‭ ‬إمتلاك‭ ‬إستراتيجية‭ ‬سياسية‭ ‬كفاحية،‭ ‬ترتقي‭ ‬بتوجهاتها‭ ‬إلى‭ ‬مستوى‭ ‬البطولة‭ ‬التي‭ ‬أبداها‭ ‬الشعب،‭ ‬ومستوى‭ ‬التضحيات‭ ‬التي‭ ‬قدمها‭ ‬في‭ ‬صموده،‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬حرب‭ ‬أكتوبر‭ ‬وما‭ ‬بعدها‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬خاص‭.‬

‭(‬5‭)‬

إسرائيل‭ ‬الأكثر‭ ‬عزلة‭ ‬دولياً

أدت‭ ‬حرب‭ ‬7‭ ‬أكتوبر،‭ ‬فيما‭ ‬ما‭ ‬أدت‭ ‬إليه،‭ ‬إلى‭ ‬إدخال‭ ‬دولة‭ ‬الإحتلال‭ ‬بعزلة‭ ‬دولية‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة،‭ ‬ما‭ ‬جعلها‭ ‬في‭ ‬مصاف‭ ‬الدول‭ ‬المارقة،‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬مقعد‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬المحافل‭ ‬الدولية،‭ ‬إلا‭ ‬حيث‭ ‬توفر‭ ‬لها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬ومن‭ ‬يساوقها‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬الإمبريالي،‭ ‬الغطاء‭ ‬السياسي‭ ‬الكثيف‭ ‬عبر‭ ‬سياسة‭ ‬الضغط‭ ‬والبلطجة‭.‬

في‭ ‬الأيام‭ ‬الأولى‭ ‬لحرب‭ ‬7‭ ‬أكتوبر،‭ ‬نجحت‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬تجديد‭ ‬تحيّز‭ ‬من‭ ‬يناصرها‭ ‬عادة،‭ ‬بدعوى‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬قامت‭ ‬به‭ ‬المقاومة،‭ ‬يندرج‭ ‬في‭ ‬باب‭ ‬الإرهاب،‭ ‬وأثبتت‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬تشويه‭ ‬الحدث،‭ ‬والتغطية،‭ ‬عبره،‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬قامت‭ ‬به‭ ‬قوات‭ ‬الاحتلال،‭ ‬من‭ ‬مجازر‭ ‬شهدتها‭ ‬الأراضي‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المحتلة،‭ ‬وكأن‭ ‬7‭ ‬أكتوبر‭ ‬هو‭ ‬البداية،‭ ‬وليس‭ ‬حلقة‭ ‬في‭ ‬سلسلة‭ ‬صراع‭ ‬مديد،‭ ‬بين‭ ‬المشروع‭ ‬الصهيوني‭ ‬الإحتلالي‭ ‬الإستعماري،‭ ‬وبين‭ ‬المشروع‭ ‬الوطني‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬وحق‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬في‭ ‬الحرية‭ ‬والإستقلال‭ ‬وتقرير‭ ‬المصير‭.‬

غير‭ ‬أن‭ ‬الحقيقة،‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬بدأت‭ ‬تتبدى‭ ‬بوضوح‭ ‬أمام‭ ‬أنظار‭ ‬العالم،‭ ‬أسهم‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬التحول،‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬التطورات‭ ‬أبرزها‭:‬

1-‭ ‬الوحشية‭ ‬المفرطة‭ ‬التي‭ ‬لجأت‭ ‬إليها‭ ‬قوات‭ ‬الاحتلال،‭ ‬وتحويل‭ ‬حربها‭ ‬من‭ ‬مواجهة‭ ‬المقاومة‭ ‬والمقاتلين،‭ ‬إلى‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬للشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬وتقويض‭ ‬مرتكزات‭ ‬الحياة‭ ‬الآدمية‭ ‬فيه‭.‬

2-‭ ‬إنكشاف‭ ‬حقيقة‭ ‬الأكاذيب‭ ‬التي‭ ‬روجت‭ ‬لها‭ ‬إسرائيل‭ ‬عن‭ ‬أعمال‭ ‬وحشية،‭ ‬نسبت‭ ‬زوراً‭ ‬إلى‭ ‬المقاتلين‭ ‬في‭ ‬إقتحامهم‭ ‬‮«‬غلاف‭ ‬غزة‮»‬‭.‬

3-‭ ‬إنكشاف‭ ‬حقيقة‭ ‬أن‭ ‬عدداً‭ ‬كبيراً‭ ‬من‭ ‬الذين‭ ‬قتلوا‭ ‬في‭ ‬الإقتحام‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬من‭ ‬الإسرائيليين،‭ ‬إنما‭ ‬سقطوا‭ ‬برصاص‭ ‬جيش‭ ‬إسرائيل‭ ‬نفسه،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬حالة‭ ‬الفوضى‭ ‬والإرباك‭ ‬التي‭ ‬سادت‭ ‬صفوفه‭ ‬في‭ ‬الـ12‭ ‬ساعة‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬الحرب،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬ما‭ ‬تتيحه‭ ‬عقيدة‭ ‬‮«‬هنيبعل‮»‬‭ ‬للجيش‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬في‭ ‬إستباحة‭ ‬لحياة‭ ‬الجنود‭ ‬والمواطنين،‭ ‬سواء‭ ‬بسواء،‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬تعرضهم‭ ‬لاحتمال‭ ‬الأسر‭.‬

4-‭ ‬سقوط‭ ‬هيبة‭ ‬إسرائيل‭ ‬أمام‭ ‬عظمة‭ ‬الصمود‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬والإستنجاد‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬بالأساطيل‭ ‬الأطلسية‭ ‬البحرية‭ ‬والجوية‭ ‬والإستخباراتية‭ ‬وغيرها،‭ ‬التي‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬هبّت‭ ‬لنجدتها‭.‬

5-‭ ‬رفض‭ ‬إسرائيل‭ ‬الإستجابة‭ ‬لمحاولات‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬وقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار،‭ ‬وإنجاز‭ ‬صفقة‭ ‬متوازنة،‭ ‬وإنكشاف‭ ‬نواياها‭ ‬في‭ ‬إحتلال‭ ‬القطاع،‭ ‬وطرد‭ ‬سكانه‭ ‬وتهجيرهم،‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬مشروع‭ ‬إقامة‭ ‬دولة‭ ‬إسرائيل‭ ‬الكبرى‭.‬

6-‭ ‬إنحياز‭ ‬العدالة‭ ‬الدولية،‭ ‬ممثلة‭ ‬بمحكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية،‭ ‬في‭ ‬قرارها‭ ‬الاستشاري‭ ‬الأول‭ ‬بالدعوة‭ ‬إلى‭ ‬وقف‭ ‬الأعمال‭ ‬العدائية،‭ ‬والثاني‭ ‬بالتأكيد‭ ‬على‭ ‬عدم‭ ‬مشروعية‭ ‬الإحتلال‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬لقطاع‭ ‬غزة،‭ ‬والضفة‭ ‬والقدس،‭ ‬والثالث‭ ‬التأكيد‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬تقوم‭ ‬به‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬هو‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭.‬

7-‭ ‬عدالة‭ ‬قرار‭ ‬محكمة‭ ‬الجنايات‭ ‬الدولية،‭ ‬في‭ ‬الجانب‭ ‬المتعلق‭ ‬باتهامها‭ ‬القيادتين‭ ‬السياسية‭ ‬والعسكرية‭ ‬لإسرائيل،‭ ‬بالاسم،‭ ‬بإرتكاب‭ ‬جرائم‭ ‬حرب‭.‬

8-‭ ‬التأييد‭ ‬الشعبي‭ ‬الواسع،‭ ‬الذي‭ ‬عبرت‭ ‬عنه‭ ‬شعوب‭ ‬الأرض‭ ‬في‭ ‬العواصم‭ ‬الكبرى،‭ ‬في‭ ‬تأييد‭ ‬حق‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬في‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬نفسه،‭ ‬وضرورة‭ ‬وقف‭ ‬العدوان‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬وإدانة‭ ‬‮«‬جرائم‭ ‬الحرب‮»‬‭ ‬التي‭ ‬يرتكبها‭.‬

صحيح‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬الإنحياز‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬وأن‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬العزلة‭ ‬التي‭ ‬أصابت‭ ‬إسرائيل،‭ ‬لم‭ ‬تلجم‭ ‬حربها‭ ‬ضد‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬ولهذا‭ ‬أسبابه‭ ‬ومنها‭:‬

•‭ ‬الطبيعة‭ ‬العنصرية‭ ‬الوحشية‭ ‬والفاشية‭ ‬للمشروع‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬على‭ ‬خلفية‭ ‬تجمع‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬إفتقاد‭ ‬نخبه‭ ‬السياسية‭ ‬–‭ ‬بكل‭ ‬عام‭ ‬–‭ ‬إلى‭ ‬الكوابح‭ ‬الأخلاقية‭ ‬الرادعة‭ ‬لنزعة‭ ‬الإجرام،‭ ‬وبين‭ ‬القلق‭ ‬الوجودي‭ ‬المتأصل‭ ‬في‭ ‬وعي‭ ‬الجماعة‭ ‬المغتصبة‭ ‬لحقوق‭ ‬الأصلانيين‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬البلد،‭ ‬وإحساسها‭ ‬العمييق‭ ‬بأنها‭ ‬دخيلة‭ ‬على‭ ‬المكان‭.‬

•‭ ‬الدعم‭ ‬غير‭ ‬المحدود‭ ‬من‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬المحافل‭ ‬الدولية،‭ ‬ومحكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬الدعم‭ ‬أبرز،‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه،‭ ‬عزلة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬نفسها‭ ‬دولياً،‭ ‬حين‭ ‬كانت‭ ‬تقف‭ ‬معزولة‭ ‬في‭ ‬الجمعية‭ ‬العامة‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬إلى‭ ‬جانبها‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬المجهرية‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬ميكرونيزيا‭.‬

إن‭ ‬الدعم‭ ‬الدولي‭ ‬للقضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬تقابله‭ ‬العزلة‭ ‬الدولية‭ ‬لدولة‭ ‬إسرائيل،‭ ‬هو‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬المكاسب‭ ‬الكبرى‭ ‬لشعب‭ ‬فلسطين‭ ‬ومقاومته،‭ ‬يفترض‭ ‬أن‭ ‬يشكل‭ ‬إحدى‭ ‬أهم‭ ‬القواعد‭ ‬التي‭ ‬توفر‭ ‬له‭ ‬الشروط‭ ‬لإطلاق‭ ‬إستراتيجية‭ ‬سياسية‭ ‬كفاحية‭ ‬جماعية‭ ‬موحدة،‭ ‬نالت‭ ‬الشرعية‭ ‬الدولية،‭ ‬حتى‭ ‬قبل‭ ‬إطلاقها،‭ ‬شقت‭ ‬لها‭ ‬الطريق‭ ‬دماء‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬150‭ ‬ألف‭ ‬شهيد‭ ‬وجريح،‭ ‬ودمار‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬80‭% ‬من‭ ‬القطاع،‭ ‬وتضحيات‭ ‬أخرى‭ ‬غير‭ ‬منظورة‭ ‬منها‭ ‬الجوع‭ ‬والعطش‭ ‬وعذابات‭ ‬الأسرى،‭ ‬وآلام‭ ‬المرضى،‭ ‬وآلام‭ ‬فراق‭ ‬الأحبة‭ ‬والأشقاء‭ ‬والأبناء‭ ‬والآباء‭ ‬والأمهات‭ ‬والأصدقاء‭…‬

‭(‬6‭)‬

القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬من‭ ‬الهامش‭ ‬إلى‭ ‬محور‭ ‬الإهتمام

باعتراف‭ ‬الوقائع‭ ‬الدامغة،‭ ‬إنتقلت‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬بعدما‭ ‬يقارب‭ ‬العام،‭ ‬من‭ ‬المواجهة‭ ‬الشاملة‭ ‬ضد‭ ‬الغزو‭ ‬البربري‭ ‬لقطاع‭ ‬غزة‭ ‬إلى‭ ‬محور‭ ‬الإهتمام‭.‬

قبل‭ ‬‮«‬طوفان‭ ‬الأقصى‮»‬،‭ ‬كان‭ ‬محور‭ ‬الإهتمام‭ ‬الأميركي‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬ينصب‭ ‬على‭ ‬تعميم‭ ‬التطبيع‭ ‬العربي‭ ‬–‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬من‭ ‬بوابة‭ ‬الرياض،‭ ‬بما‭ ‬يعزز‭ ‬مشروع‭ ‬دمج‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬سياسياً،‭ ‬إقتصادياً،‭ ‬ثقافياً‭ ‬وأمنياً،‭ ‬وصولاً‭ ‬إلى‭ ‬إقامة‭ ‬حلف‭ ‬‮«‬ناتو‮»‬‭ ‬عربي‭ ‬بالمرجعية‭ ‬العليا‭ ‬لواشنطن‭ ‬وتل‭ ‬أبيب،‭ ‬ما‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يعزز‭ ‬الهيمنة‭ ‬الأميركية‭ ‬على‭ ‬الإقليم،‭ ‬ويضعف،‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير‭ ‬النفوذين‭ ‬الروسي‭ ‬والصيني،‭ ‬ويحاصر‭ ‬الجمهورية‭ ‬الإسلامية‭ ‬في‭ ‬إيران،‭ ‬وقوى‭ ‬المقاومة‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬وسوريا،‭ ‬واليمن‭ ‬والعراق،‭ ‬وتهميش‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬ويهبط‭ ‬بالمصالح‭ ‬الفلسطينية‭ ‬من‭ ‬كونها‭ ‬حقوقاً‭ ‬وطنية‭ ‬مشروعة،‭ ‬إلى‭ ‬مجرد‭ ‬ترقيعات‭ ‬إقتصادية‭ ‬ومالية‭ ‬تُقدم‭ ‬للسلطة‭ ‬في‭ ‬رام‭ ‬الله،‭ ‬بانتظار‭ ‬الإفراج‭ ‬الأميركي‭ ‬عن‭ ‬مشروع‭ ‬‮«‬حل‭ ‬الدولتين‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬بدأت‭ ‬ملامحه‭ ‬تزداد‭ ‬غموضاً،‭ ‬وعناصره‭ ‬تنحدر،‭ ‬بحيث‭ ‬الإشتراط‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬لتعريف‭ ‬‮«‬الدولة‮»‬‭ – ‬أو‭ ‬بقاياه‭ ‬يضحى‭ ‬هو‭ ‬المعيار‭ ‬الرئيس،‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬الوحيد،‭ ‬لقيام‭ ‬‮«‬الدولة‮»‬‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬التي‭ ‬لن‭ ‬تكون‭ ‬بمواصفات‭ ‬‮«‬الدولة‮»‬‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الأحوال،‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬حل‭ ‬إسرائيلي،‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬مبدأ‭ ‬‮«‬إسرائيل‭ ‬الكبرى‮»‬‭ ‬على‭ ‬كامل‭ ‬الأراضي‭ ‬الفلسطينية‭.‬

بعد‭ ‬7‭ ‬أكتوبر،‭ ‬بدأت‭ ‬المعادلات‭ ‬والتوازنات‭ ‬السياسية‭ ‬تأخذ‭ ‬منحى‭ ‬مختلفاً،‭ ‬فقد‭ ‬تعرضت‭ ‬إسرائيل،‭ ‬بزعم‭ ‬قادتها‭ ‬إلى‭ ‬خطر‭ ‬وجودي،‭ ‬حين‭ ‬وجدت‭ ‬نفسها‭ ‬في‭ ‬معمعة‭ ‬غير‭ ‬منتظرة،‭ ‬إشتعلت‭ ‬نيرانها‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬وفي‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية،‭ ‬وعلى‭ ‬الحدود‭ ‬الشمالية‭ ‬مع‭ ‬جنوب‭ ‬لبنان،‭ ‬وفي‭ ‬الجولان،‭ ‬واليمن،‭ ‬وبحدود‭ ‬معيّنة‭ ‬في‭ ‬العراق،‭ ‬وصارت‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬هي‭ ‬محور‭ ‬الحدث‭ ‬اليومي،‭ ‬في‭ ‬الحسابات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬والإقليمية،‭ ‬والدولية،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬واشنطن،‭ ‬وعواصم‭ ‬أوروبا‭ ‬الغربية‭.‬

إحتلت‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المحافل‭ ‬الدولية‭ ‬والمؤتمرات‭ ‬الإقليمية،‭ ‬كما‭ ‬إنتقلت‭ ‬إلى‭ ‬الشارع‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬أوروبا،‭ ‬وعدد‭ ‬محدود‭ ‬من‭ ‬العواصم‭ ‬العربية،‭ ‬واستعادت‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬موقعها،‭ ‬كقضية‭ ‬شعب‭ ‬تحت‭ ‬الاحتلال،‭ ‬تهدد‭ ‬نيرانها‭ ‬إستقرار‭ ‬الأوضاع‭ ‬الإقليمية،‭ ‬ما‭ ‬يضعها‭ ‬على‭ ‬حافة‭ ‬حرب‭ ‬شاملة،‭ ‬وباتت‭ ‬المعادلة‭ ‬الدولية‭ ‬شديدة‭ ‬الإرتباط‭ ‬بالقضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬بما‭ ‬يستجيب‭ ‬للحقوق‭ ‬الوطنية‭ ‬المشروعة‭ ‬لشعب‭ ‬فلسطين،‭ ‬وفقاً‭ ‬لقرارات‭ ‬الشرعية‭ ‬الدولية،‭ ‬لأنها‭ ‬هي‭ ‬السبيل‭ ‬الوحيد‭ ‬لضمان‭ ‬الإستقرار‭ ‬والهدوء‭ ‬في‭ ‬الإقليم‭.‬

ما‭ ‬كان‭ ‬لهذا‭ ‬التطور،‭ ‬فائق‭ ‬الأهمية‭ ‬أن‭ ‬تشهده‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬لولا‭ ‬الصمود‭ ‬الأسطوري‭ ‬للشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬والضفة‭ ‬الغربية،‭ ‬ولولا‭ ‬إعتماده‭ ‬خيار‭ ‬المقاومة‭ ‬الشاملة،‭ ‬وطيّ‭ ‬ملف‭ ‬خيارات‭ ‬الإستجداء‭ ‬والتذلل‭ ‬والرهانات‭ ‬الفاسدة،‭ ‬ولولا‭ ‬وحدة‭ ‬الشعب‭ ‬والمقاومة‭ ‬في‭ ‬الميدان،‭ ‬وما‭ ‬ألحقه‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬خسائر‭ ‬فادحة‭ ‬في‭ ‬الجانب‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬عكس‭ ‬نفسه،‭ ‬تداعيات‭ ‬سلبية‭ ‬مَسَّت‭ ‬الأوضاع‭ ‬الإقتصادية‭ ‬في‭ ‬إسرائيل،‭ ‬وصولاً‭ ‬إلى‭ ‬خفض‭ ‬إئتمانيته،‭ ‬مَسَّت‭ ‬تماسك‭ ‬المجتمع‭ ‬وثباته،‭ ‬وعَمَّتْ‭ ‬الإحساس‭ ‬بعدم‭ ‬الاستقرار،‭ ‬وسقوط‭ ‬المعادلة‭ ‬القائلة‭ ‬بأن‭ ‬إسرائيل‭ ‬هي‭ ‬الملاذ‭ ‬الآمن‭ ‬لليهود‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬لصالح‭ ‬معادلة‭ ‬معاكسة،‭ ‬تعتبر‭ ‬أن‭ ‬إسرائيل‭ ‬هي‭ ‬المكان‭ ‬الأكثر‭ ‬خطراً‭ ‬على‭ ‬اليهود‭.‬

إلى‭ ‬جانب‭ ‬ذلك‭ ‬تكشفت‭ ‬الطبيعة‭ ‬الفاشية‭ ‬للحكومة‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬وارتكابها‭ ‬العمد‭ ‬لـ‭ ‬‮«‬جرائم‭ ‬الحرب‮»‬،‭ ‬وأن‭ ‬الجيش‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يقاتل‭ ‬المقاتلين‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬بل‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الأعزل،‭ ‬كما‭ ‬وفي‭ ‬الإمعان‭ ‬بتدمير‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬للقطاع،‭ ‬والأحياء‭ ‬السكنية،‭ ‬والمؤسسات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والمصرفية،‭ ‬والثقافية‭ ‬والإجتماعية‭ ‬والتربوية‭ ‬وغيرها‭ …‬

إن‭ ‬هذه‭ ‬النقلة‭ ‬الإستراتيجية‭ ‬لموقع‭ ‬القضية‭ ‬الوطنية‭ ‬في‭ ‬المعادلات‭ ‬والإهتمامات‭ ‬الإقليمية‭ ‬والدولية،‭ ‬دفع‭ ‬مقابلها‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬ومقاومته‭ ‬ثمناً‭ ‬باهظاً،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬بات‭ ‬يستوجب‭ ‬إعادة‭ ‬التأكيد‭ ‬علي‭ ‬أن‭ ‬صون‭ ‬هذه‭ ‬التضحيات،‭ ‬والمكتسبات،‭ ‬ويستدعي‭ ‬–‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬إعتماد‭ ‬إستراتيجية‭ ‬سياسية‭ ‬وطنية‭ ‬مكافحة،‭ ‬موحدة‭ ‬وجامعة،‭ ‬وردت‭ ‬عناوينها‭ ‬في‭ ‬قرارات‭ ‬المجلسين‭ ‬الوطني‭ ‬–‭ ‬2018،‭ ‬والمركزي‭ ‬–‭ ‬2021،‭ ‬وفي‭ ‬إعلان‭ ‬بكين‭ ‬2024‭.‬

‭(‬7‭)‬

‮«‬اليوم‭ ‬التالي‮»‬‭ – ‬إنهاء‭ ‬الإنقسام‭ ‬–‭ ‬إعلان‭ ‬بكين‭ ‬–‭ ‬الإعلان‭ ‬الدستوري

إن‭ ‬الحديث‭ ‬عما‭ ‬يسمى‭ ‬‮«‬اليوم‭ ‬التالي‮»‬‭ ‬لا‭ ‬يقتصر‭ ‬على‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬ومستقبله،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬يطال‭ ‬مستقبل‭ ‬المشروع‭ ‬الوطني‭ ‬برمته،‭ ‬فالجانبان‭ ‬الأميركي‭ ‬والإسرائيلي،‭ ‬وإلى‭ ‬جانبهما‭ ‬دول‭ ‬عربية‭ ‬معروفة،‭ ‬يعتبرون‭ ‬هذا‭ ‬‮«‬اليوم‮»‬‭ ‬هو‭ ‬المحطة،‭ ‬التي‭ ‬ستشهد‭ ‬جني‭ ‬الإحتلال‭ ‬لثمار‭ ‬عدوانه‭ ‬في‭ ‬السياسة،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬فشل‭ ‬في‭ ‬الحرب،‭ ‬وأن‭ ‬يرسم‭ ‬للقطاع‭ ‬مستقبلاً‭ ‬سياسياً،‭ ‬منفصلاً‭ ‬بكل‭ ‬ملامحه‭ ‬عن‭ ‬المشروع‭ ‬الوطني،‭ ‬ويشكل‭ ‬أساساً‭ ‬لحل‭ ‬لا‭ ‬يتجاوز‭ ‬حدود‭ ‬الحكم‭ ‬الإداري‭ ‬الذاتي،‭ ‬بالسيطرة‭ ‬الأمنية‭ ‬الكاملة‭ ‬لإسرائيل،‭ ‬وذلك‭ ‬بالتوازي‭ ‬مع‭ ‬الصيغة‭ ‬القائمة‭ ‬في‭ ‬الضفة،‭ ‬إنما‭ ‬بسقف‭ ‬هابط‭ ‬تحت‭ ‬شعار‭ ‬‮«‬السلطة‭ ‬المتجددة‮»‬،‭ ‬أي‭ ‬السلطة‭ ‬المستتبعة،‭ ‬وكل‭ ‬هذا‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬مخطط‭ ‬‮«‬الحسم‮»‬‭ ‬آنف‭ ‬الذكر‭.‬

وبالتالي،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬مواجهة‭ ‬مشاريع‭ ‬‮«‬اليوم‭ ‬التالي‮»‬،‭ ‬كما‭ ‬تطرحها‭ ‬الإدارة‭ ‬الأميركية،‭ ‬أو‭ ‬الحكومة‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬أو‭ ‬بعض‭ ‬الدوائر‭ ‬الخليجية،‭ ‬إلا‭ ‬باستراتيجية‭ ‬وطنية‭ ‬فلسطينية‭ ‬جامعة،‭ ‬تقطع‭ ‬الطريق‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬هذا،‭ ‬وتقدم‭ ‬رؤية‭ ‬وطنية‭ ‬عملية،‭ ‬تربط‭ ‬بين‭ ‬مستقبل‭ ‬القطاع‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬ومستقبل‭ ‬الضفة‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬باعتبارهما‭ ‬يشكلان‭ ‬معاً‭ ‬إقليماً‭ ‬موحداً‭ ‬للدولة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬وبما‭ ‬يصون‭ ‬مستقبل‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬والمشروع‭ ‬الوطني،‭ ‬وحسم‭ ‬الصراع‭ ‬مع‭ ‬العدو،‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬مقاومة‭ ‬شاملة،‭ ‬تؤسس‭ ‬لعملية‭ ‬سياسية‭ ‬ذات‭ ‬مغزى،‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬مؤتمر‭ ‬دولي،‭ ‬ترعاه‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬وبموجب‭ ‬قراراتها‭ ‬ذات‭ ‬الصلة،‭ ‬التي‭ ‬تكفل‭ ‬لشعبنا‭ ‬حقه‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬المصير،‭ ‬والدولة‭ ‬المستقلة،‭ ‬وحق‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬الديار‭ ‬والممتلكات‭.‬

هذا‭ ‬كله‭ ‬كان‭ ‬ماثلاً‭ ‬أمام‭ ‬ما‭ ‬يتوجب‭ ‬أن‭ ‬ينجزه‭ ‬حوار‭ ‬بكين‭ ‬في‭ ‬حلقاته‭ ‬المتكاملة‭: ‬إنهاء‭ ‬الإنقسام،‭ ‬إطار‭ ‬قيادي‭ ‬وطني‭ ‬موحد‭ ‬ومؤقت،‭ ‬حكومة‭ ‬توافق‭ ‬وطني‭ ‬من‭ ‬الفعاليات‭ ‬لإدارة‭ ‬الأوضاع‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬والقطاع،‭ ‬بمرجعية‭ ‬م‭.‬ت‭.‬ف،‭ ‬وفد‭ ‬فلسطيني‭ ‬موحد‭ ‬لإدارة‭ ‬المفاوضات‭ ‬مع‭ ‬الإحتلال،‭ ‬بالأسس‭ ‬الآنف‭ ‬ذكرها،‭ ‬وإصلاح‭ ‬النظام‭ ‬السياسي‭ ‬الفلسطيني‭ ‬وإعادة‭ ‬بنائه‭.‬

لقد‭ ‬تغلبت‭ ‬الإرادة‭ ‬الوطنية‭ ‬في‭ ‬حوار‭ ‬بكين‭ ‬من‭ ‬21‭ ‬إلى‭ ‬23‭/‬7‭/‬2024‭ ‬على‭ ‬إرادة‭ ‬الإنقسام،‭ ‬ونجح‭ ‬الحوار‭ ‬في‭ ‬إستعادة‭ ‬الإطار‭ ‬القيادي‭ ‬الوطني‭ ‬الموحد‭ ‬والمؤقت،‭ ‬وإقرار‭ ‬تشكيل‭ ‬حكومة‭ ‬الوفاق‭ ‬الوطني،‭ ‬لانتخابات‭ ‬عامة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إعادة‭ ‬بناء‭ ‬النظام‭ ‬السياسي‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬ما‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يقطع‭ ‬الطريق‭ ‬على‭ ‬دعوات‭ ‬تشكيل‭ ‬قيادات‭ ‬طواريء،‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يشبه‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬خارج‭ ‬المؤسسة‭ ‬الوطنية‭ ‬الجامعة‭.‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬التأكيد‭ ‬على‭ ‬إيجابية‭ ‬ما‭ ‬توصل‭ ‬إليه‭ ‬الحوار‭ ‬الوطني‭ ‬في‭ ‬بكين‭ ‬لجهة‭ ‬إبراز‭ ‬أهمية‭ ‬إعادة‭ ‬بناء‭ ‬الإجماع‭ ‬الوطني‭ ‬على‭ ‬خيار‭ ‬المقاومة‭ ‬الشاملة‭ ‬بأشكالها‭ ‬كافة،‭ ‬وقطع‭ ‬الطريق‭ ‬على‭ ‬محاولات‭ ‬كشف‭ ‬ظهر‭ ‬المقاومة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬‮«‬المقاومة‭ ‬السلمية‮»‬‭.‬

إن‭ ‬المهمة‭ ‬الملحة،‭ ‬التي‭ ‬تستدعي‭ ‬التعاون‭ ‬والمشاركة‭ ‬من‭ ‬أوسع‭ ‬القوى‭ ‬السياسية،‭ ‬المؤطرة‭ ‬والمستقلة،‭ ‬هي‭ ‬مواصلة‭ ‬الضغط‭ ‬لدعوة‭ ‬الإطار‭ ‬القيادي‭ ‬المؤقت،‭ ‬للإنعقاد‭ ‬برئاسة‭ ‬رئيس‭ ‬اللجنة‭ ‬التنفيذية‭ ‬وبعضوية‭ ‬أعضاء‭ ‬اللجنة‭ ‬التنفيذية‭ + ‬الأمناء‭ ‬العامون‭ + ‬رئيس‭ ‬المجلس‭ ‬الوطني‭ + ‬شخصيات‭ ‬مستقلة،‭ ‬للشروع‭ ‬في‭ ‬تشكيل‭ ‬حكومة‭ ‬الوفاق‭ ‬الوطني‭ ‬من‭ ‬الفعاليات،‭ ‬لتمارس‭ ‬دورها‭ ‬في‭ ‬تولي‭ ‬شؤون‭ ‬الأراضي‭ ‬المحتلة،‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭.‬

وبتقديرنا،‭ ‬إن‭ ‬تولي‭ ‬حكومة‭ ‬الوفاق‭ ‬الوطني‭ ‬مسؤولياتها‭ ‬عن‭ ‬أوضاع‭ ‬القطاع،‭ ‬سيملي‭ ‬على‭ ‬الحالة‭ ‬الوطنية،‭ ‬بالضرورة،‭ ‬تشكيل‭ ‬الوفد‭ ‬التفاوضي‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الموحد،‭ ‬بمرجعية‭ ‬م‭.‬ت‭.‬ف،‭ ‬في‭ ‬خطوة‭ ‬لإغلاق‭ ‬الدائرة‭ ‬حول‭ ‬المسؤولية‭ ‬الوطنية‭ ‬الجامعة،‭ ‬لكل‭ ‬ملفات‭ ‬المشروع‭ ‬الوطني‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬تلكؤ‭ ‬القيادة‭ ‬السياسية‭ ‬للسلطة‭ ‬في‭ ‬تحمل‭ ‬مسؤولياتها‭ ‬لترجمة‭ ‬مخرجات‭ ‬‮«‬حوار‭ ‬بكين‮»‬،‭ ‬أرخى‭ ‬بظلال‭ ‬الشك‭ ‬حول‭ ‬جدية‭ ‬بعض‭ ‬الأطراف‭ ‬في‭ ‬الإلتزام‭ ‬بما‭ ‬تم‭ ‬التوصل‭ ‬إليه‭ ‬في‭ ‬بكين،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬أثبتته‭ ‬الوقائع‭ ‬اللاحقة،‭ ‬حين‭ ‬أعادت‭ ‬القيادة‭ ‬السياسية‭ ‬ترتيب‭ ‬الأولويات‭ ‬الوطنية‭ ‬الملحة،‭ ‬بالدعوة‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬تجسيد‭ ‬دولة‭ ‬فلسطين‮»‬،‭ ‬عبر‭ ‬إعلان‭ ‬دستوري،‭  ‬وتحويل‭ ‬المجلس‭ ‬المركزي‭ ‬إلى‭ ‬البرلمان‭ ‬المؤقت‭ ‬للدولة،‭ ‬في‭ ‬خطوة‭ ‬يلفها‭ ‬الغموض‭ ‬الشديد،‭ ‬حيث‭ ‬أن‭ ‬الدعوة‭ ‬تجاهلت‭ ‬أية‭ ‬إشارة‭ ‬إلى‭ ‬الموقف‭ ‬من‭ ‬‮«‬إتفاق‭ ‬أوسلو‮»‬‭ ‬وإلتزاماته‭ ‬وإستحقاقاته،‭ ‬وإلى‭ ‬الصلة‭ ‬المؤسساتية‭ ‬التي‭ ‬تربط‭ ‬بين‭ ‬تحويل‭ ‬المجلس‭ ‬المركزي‭ ‬إلى‭ ‬برلمان‭ ‬مؤقت،‭ ‬وبين‭ ‬الموقع‭ ‬القانوني‭ ‬والتمثيلي‭ ‬لمنظمة‭ ‬التحرير‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬ما‭ ‬يوجب،‭ ‬مرة‭ ‬أخرى،‭ ‬التأكيد‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الخطوة‭ ‬لا‭ ‬تندرج‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬الضرورات‭ ‬الوطنية‭ ‬الملحة‭ ‬في‭ ‬اللحظة‭ ‬الراهنة،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬إعلاء‭ ‬مخرجات‭ ‬بكين،‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬ترجمتها،‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬هي‭ ‬الأولوية‭ ‬الوطنية‭ ‬التي‭ ‬أجمع‭ ‬عليها‭ ‬الكل‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬ممثلاً‭ ‬بـ14‭ ‬فصيلاً‭ ‬من‭ ‬داخل‭ ‬المنظمة‭ ‬وخارجها‭.‬

‭(‬8‭)‬

السلطة‭ ‬الفلسطينية‭: ‬الأداء‭ ‬العاجز

على‭ ‬خلفية‭ ‬الإفتقار‭ ‬للإرادة‭ ‬السياسية،‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬الأداء‭ ‬السياسي‭ ‬للسلطة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬يزداد‭ ‬تردياً،‭ ‬يتبدى‭ ‬عجزها‭ ‬وفشلها،‭ ‬تراهن‭ ‬على‭ ‬الوعود‭ ‬الأميركية،‭ ‬بدور‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬‮«‬اليوم‭ ‬التالي‮»‬‭ ‬لغزة،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬شروط‭ ‬تُملى‭ ‬عليها،‭ ‬تجعلها‭ ‬سلطة‭ ‬أكثر‭ ‬طواعية‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬يهدد‭ ‬بإحداث‭ ‬فتنة‭ ‬سياسية‭ ‬في‭ ‬الصف‭ ‬الوطني‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬استجابت‭ ‬لكل‭ ‬هذه‭ ‬الشروط،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬جانبها‭ ‬الأمني‭ ‬المعروف،‭ ‬والذي‭ ‬يستوجب‭ ‬–‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬أمور‭ ‬أخرى‭ ‬–‭ ‬نزع‭ ‬سلاح‭ ‬المقاومة‭ ‬في‭ ‬القطاع،‭ ‬والتقدم‭ ‬أكثر‭ ‬فأكثر‭ ‬نحو‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬‮«‬التعاون‭ ‬الأمني‮»‬‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭. ‬

وقد‭ ‬تمثلت‭ ‬هذه‭ ‬الشروط،‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬قدمه‭ ‬لها،‭ ‬مستشار‭ ‬الأمن‭ ‬القومي‭ ‬الأميركي‭ ‬جيك‭ ‬سوليڤان،‭ ‬من‭ ‬شروط‭ ‬تدعو‭ ‬إلى‭ ‬إعادة‭ ‬بناء‭ ‬الأجهزة‭ ‬الأمنية‭ ‬المؤهلة‭ ‬للإنجرار‭ ‬إلى‭ ‬مهام،‭ ‬تضعها‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬المقاومة‭ ‬والحركة‭ ‬الشعبية،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬تغيير‭ ‬برامج‭ ‬التربية‭ ‬والتعليم‭ ‬التي‭ ‬تعيد‭ ‬الأمور‭ ‬إلى‭ ‬تبني‭ ‬‮«‬الرواية‭ ‬الإسرائيلية‮»‬،‭ ‬وخطابها‭ ‬الإعلامي،‭ ‬وقطع‭ ‬دعمها‭ ‬لعوائل‭ ‬الأسرى‭ ‬والشهداء،‭ ‬وغير‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬النقاط،‭ ‬بمسمى‭ ‬‮«‬السلطة‭ ‬المتجددة‮»‬،‭ ‬ولا‭ ‬زالت‭ ‬هذه‭ ‬الشروط‭ ‬قائمة؛‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬ذلك،‭ ‬فرض‭ ‬الإتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬شروطه‭ ‬على‭ ‬السلطة‭ ‬بنفس‭ ‬الوجهة‭ ‬تقريباً،‭ ‬مقابل‭ ‬الدعم‭ ‬المالي‭ ‬الذي‭ ‬وعد‭ ‬بتقديمه،‭ ‬ما‭ ‬يضع‭ ‬السلطة‭ ‬أمام‭ ‬ضغط‭ ‬دائم‭ ‬مثلث‭ ‬الأطراف‭ ‬أميركي‭ ‬–‭ ‬إسرائيلي‭ ‬–‭ ‬أوروبي،‭ ‬يعمق‭ ‬مأزقها‭ ‬ويضعها‭ ‬أمام‭ ‬إستحقاقات‭ ‬من‭ ‬الصعوبة‭ ‬بمكان‭ ‬الإستجابة‭ ‬لها‭. ‬

إن‭ ‬الرهان‭ ‬على‭ ‬السلطة،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬تكوينها‭ ‬القائم‭ ‬وإستراتيجيتها‭ ‬الحالية،‭ ‬هو‭ ‬رهان‭ ‬لا‭ ‬يجدي‭ ‬نفعاً،‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬إستجابت‭ ‬لما‭ ‬تم‭ ‬الإتفاق‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬مخرجات‭ ‬حوارات‭ ‬موسكو‭- ‬2‭/‬2024‭ ‬ولاحقاً‭ ‬بكين–‭ ‬7/2024،‭ ‬في‭ ‬تشكيل‭ ‬حكومة‭ ‬وفاق‭ ‬وطني‭ ‬من‭ ‬الكفاءات،‭ ‬بمرجعية‭ ‬منظمة‭ ‬التحرير،‭ ‬وتشكل‭ ‬مدخلاً‭ ‬لإعادة‭ ‬بناء‭ ‬النظام‭ ‬السياسي‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬وهو‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يضع‭ ‬مجموع‭ ‬الحالة‭ ‬الوطنية‭ ‬أمام‭ ‬إستحقاق،‭ ‬عنوانه‭ ‬‮«‬حكومة‭ ‬الوفاق‭ ‬الوطني‮»‬‭ ‬وجوهره‭ ‬في‭ ‬الأساس،‭ ‬سياسي،‭ ‬من‭ ‬متطلباته‭ ‬الأهم،‭ ‬أن‭ ‬تحرر‭ ‬السلطة‭ ‬نفسها‭ ‬من‭ ‬إستحقاقات‭ ‬إتفاق‭ ‬أوسلو‭ ‬وإلتزاماته،‭ ‬ومما‭ ‬لا‭ ‬شك‭ ‬فيه‭ ‬أن‭ ‬تصعيد‭ ‬الإحتلال‭ ‬لأشكال‭ ‬المواجهة‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية،‭ ‬على‭ ‬غرار‭ ‬‮«‬مخيمات‭ ‬صيفية‮»‬،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬أشكال‭ ‬العدوان،‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يضع‭ ‬السلطة‭ ‬أمام‭ ‬إستحقاقات‭ ‬شديدة‭ ‬التعقيد،‭ ‬هامش‭ ‬المناورة‭ ‬فيها‭ ‬ضيق‭ ‬جداً،‭ ‬ما‭ ‬يرغمها‭ ‬على‭ ‬حسم‭ ‬موقفها‭ ‬مما‭ ‬يجري،‭ ‬فإما‭ ‬الإنجرار‭ ‬أكثر‭ ‬فأكثر‭ ‬نحو‭ ‬إستحقاقات‭ ‬أوسلو‭ ‬وتقاعسها‭ ‬عن‭  ‬تحمل‭ ‬مسؤولياتها‭ ‬إزاء‭ ‬شعبها،‭ ‬وإما‭ ‬قرارات‭ ‬الشرعية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬والمجلس‭ ‬الوطني‭ – ‬2018،‭ ‬والمجلس‭ ‬المركزي‭ – ‬2021،‭ ‬ومخرجات‭ ‬‮«‬حوار‭ ‬بكين‮»‬‭.‬

‭(‬9‭)‬

منظمة‭ ‬التحرير‭.. ‬الموقع‭ ‬التمثيلي‭ ‬المتآكل

لا‭ ‬يقل‭ ‬وضع‭ ‬م‭. ‬ت‭. ‬ف‭ ‬عن‭ ‬أوضاع‭ ‬السلطة‭ ‬هشاشة،‭ ‬فالعطالة،‭ ‬أي‭ ‬البطالة‭ ‬شبه‭ ‬المستدامة،‭ ‬صارت‭ ‬عنواناً‭ ‬لنظام‭ ‬عمل‭ ‬مجلسها‭ ‬المركزي،‭ ‬ومكتب‭ ‬رئاسة‭ ‬المجلس‭ ‬الوطني‭ ‬واللجنة‭ ‬التنفيذية،‭ ‬وباقي‭ ‬لجان‭ ‬المجلس،‭ ‬وهي‭ ‬كلها‭ ‬إن‭ ‬إجتمعت،‭ ‬إما‭ ‬أن‭ ‬تفشل‭ ‬في‭ ‬اتخاذ‭ ‬قرارات‭ ‬ذات‭ ‬مغزى،‭ ‬أو‭ ‬تعطل‭ ‬الرسمية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬تنفيذ‭ ‬هذه‭ ‬القرارات،‭ ‬مما‭ ‬يبقي‭ ‬الموقع‭ ‬التمثيلي‭ ‬للمنظمة،‭ ‬المتآكل‭ ‬أصلاً،‭ ‬معرضاً‭ ‬لمزيد‭ ‬من‭ ‬الإنكشاف‭ ‬على‭ ‬الصعد‭ ‬كافة،‭ ‬بما‭ ‬فيه‭ ‬الجماهيري،‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬تستجب‭ ‬الرسمية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬لنداءات‭ ‬الحراكات‭ ‬الشعبية،‭ ‬ولمبادرات‭ ‬القوى‭ ‬والشخصيات‭ ‬الوطنية‭ ‬والديمقراطية،‭ ‬لإعادة‭ ‬بناء‭ ‬النظام‭ ‬السياسي‭ ‬على‭ ‬قاعدة‭ ‬ديمقراطية،‭ ‬لاستعادة‭ ‬الوحدة‭ ‬الداخلية‭ ‬المؤسساتية،‭ ‬وضخ‭ ‬الدماء‭ ‬الجديدة‭ ‬في‭ ‬شرايين‭ ‬مؤسسات‭ ‬المنظمة،‭ ‬بعد‭ ‬إعادة‭ ‬تشكيلها‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬ديمقراطية‭ ‬وجامعة،‭ ‬ويتعزز‭ ‬بذلك‭ ‬موقعها‭ ‬السياسي‭ ‬والتمثيلي‭ ‬والقانوني،‭ ‬وبما‭ ‬يضع‭ ‬حداً‭ ‬لسياسة‭ ‬التفرد‭ ‬والاستفراد،‭ ‬وسياسة‭ ‬فبركة‭ ‬هيئات‭ ‬متفردة‭ ‬بديلاً‭ ‬عن‭ ‬اللجنة‭ ‬التنفيذية‭ ‬والمجلس‭ ‬المركزي،‭ ‬وبما‭ ‬يقطع‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬الطريق‭ ‬على‭ ‬الدعوات‭ ‬لفبركة‭ ‬أطر‭ ‬وقيادات‭ ‬وهيئات‭ ‬بديلة‭ ‬لمنظمة‭ ‬التحرير‭ ‬الفلسطينية‭. ‬

إن‭ ‬قرار‭ ‬‮«‬حوار‭ ‬بكين‮»‬‭ ‬إستعادة‭ ‬الإطار‭ ‬القيادي‭ ‬الوطني‭ ‬الموحد،‭ ‬والمؤقت،‭ ‬يشكل‭ ‬مدخلاً،‭ ‬لإعادة‭ ‬الحياة‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬نضالية‭ ‬شاملة‭ ‬إلى‭ ‬مؤسسات‭ ‬م‭.‬ت‭.‬ف،‭ ‬وبشكل‭ ‬خاص‭ ‬لجنتها‭ ‬التنفيذية،‭ ‬إلى‭ ‬حين‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬إستحقاق‭ ‬إصلاح‭ ‬النظام‭ ‬السياسي‭ ‬الفلسطيني‭ ‬وإعادة‭ ‬بنائه‭.‬

‭(‬10‭)‬

إعادة‭ ‬بناء‭ ‬النظام‭ ‬السياسي‭ ‬الفلسطيني

تبقى‭ ‬مهمة‭ ‬إعادة‭ ‬بناء‭ ‬النظام‭ ‬السياسي‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬المهام‭ ‬الرئيسية‭ ‬على‭ ‬جدول‭ ‬أعمال‭ ‬الحركة‭ ‬الوطنية‭ ‬والحركة‭ ‬الجماهيرية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬فقد‭ ‬بات‭ ‬النظام‭ ‬السياسي‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬نظاماً‭ ‬هجيناً‭ ‬مشوهاً،‭ ‬يفتقر‭ ‬إلى‭ ‬المؤسسات‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬أن‭ ‬تتولى‭ ‬المهام‭ ‬المستجيبة‭ ‬لاستحقاقات‭ ‬المسيرة‭ ‬الوطنية‭ ‬وتحدياتها،‭ ‬إنه‭ ‬نظام‭ ‬سياسي‭ ‬أسير‭ ‬الجمود،‭ ‬معطل،‭ ‬عاجز‭ ‬عن‭ ‬الإستجابة‭ ‬لمتطلبات‭ ‬النضال‭ ‬الوطني‭ ‬التي‭ ‬تفرضها‭ ‬يوميات‭ ‬المواجهة‭ ‬مع‭ ‬الإحتلال،‭ ‬فهذا‭ ‬النظام،‭ ‬لا‭ ‬يملك‭ ‬استراتيجية‭ ‬نضالية،‭ ‬توحد‭ ‬الشعب‭ ‬وقواه‭ ‬السياسية‭.‬

قدمت‭ ‬الجبهة‭ ‬الديمقراطية‭ ‬مبادرة‭ ‬في‭ ‬16‭/‬1‭/‬2022،‭ ‬لإعادة‭ ‬بناء‭ ‬النظام‭ ‬السياسي‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬من‭ ‬مدخل‭ ‬توسيع‭ ‬المجلس‭ ‬المركزي،‭ ‬ليضم‭ ‬الكل‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬تنبثق‭ ‬عنه‭ ‬لجنة‭ ‬تنفيذية‭ ‬بتمثيل‭ ‬سياسي‭ ‬شامل،‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬المبادرة‭ ‬لا‭ ‬زالت‭ ‬صالحة‭ ‬حتى‭ ‬الآن،‭ ‬لتشكل‭ ‬مدخلاً‭ ‬للحل،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬تعنت‭ ‬الرسمية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬وتعطيلها‭ ‬أية‭ ‬مبادرة‭ ‬لإنهاء‭ ‬الانقسام،‭ ‬وإعادة‭ ‬بناء‭ ‬النظام‭ ‬السياسي،‭ ‬أبقاها‭ ‬مجرد‭ ‬فكرة،‭ ‬ورأي،‭ ‬خاصة‭ ‬وأن‭ ‬المنابر‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬أن‭ ‬تشكل‭ ‬محطة‭ ‬لحوار‭ ‬داخل‭ ‬م‭.‬ت‭.‬ف،‭ ‬لتناول‭ ‬أوضاعها‭ ‬وإعادة‭ ‬بنائها،‭ ‬معطلة،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يطرح‭ ‬علينا‭ ‬السؤال‭ ‬الأصل‭: ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نحدث‭ ‬الإختراق‭ ‬المطلوب‭ ‬لإصلاح‭ ‬النظام‭ ‬السياسي‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬وما‭ ‬هي‭ ‬الشروط‭ ‬الواجب‭ ‬توفرها‭ ‬لإحداث‭ ‬هذا‭ ‬الاختراق؟‭.‬

جاء‭ ‬‮«‬إعلان‭ ‬بكين‮»‬‭ ‬ليقدم‭ ‬آلية‭ ‬واضحة‭ ‬لإصلاح‭ ‬نظامنا‭ ‬السياسي،‭ ‬حيث‭ ‬رسم‭ ‬خارطة‭ ‬طريق‭ ‬تبدأ‭ ‬بعقد‭ ‬الإطار‭ ‬القيادي‭ ‬الموحد‭ ‬والمؤقت،‭ ‬ثم‭ ‬تشكيل‭ ‬حكومة‭ ‬وفاق‭ ‬وطني،‭ ‬ينبثق‭ ‬عنها‭ ‬الوفد‭ ‬التفاوضي‭ ‬الموحد،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬التمهيد‭ ‬لإجراء‭ ‬إنتخابات،‭ ‬الخ‭..‬

إن‭ ‬الحِراك‭ ‬السياسي،‭ ‬الذي‭ ‬يفترض‭ ‬أن‭ ‬يحدثه‭ ‬‮«‬إعلان‭ ‬بكين‮»‬‭ ‬بمخرجاته‭ ‬المختلفة،‭ ‬إنما‭ ‬يشكل‭ ‬فرصة‭ ‬ثمينة،‭ ‬يخوض‭ ‬فيها‭ ‬الكل‭ ‬الوطني،‭ ‬نضالاته‭ ‬على‭ ‬المستويات‭ ‬المختلفة،‭ ‬لإحداث‭ ‬الخطوات‭ ‬التراكمية‭ ‬التي‭ ‬يمكنها‭ ‬أن‭ ‬توصلنا‭ ‬إلى‭ ‬مرحلة‭ ‬الظفر‭ ‬بنظام‭ ‬سياسي‭ ‬فلسطيني،‭ ‬ترتقي‭ ‬مؤسساته‭ ‬إلى‭ ‬مستوى‭ ‬المسؤوليات‭ ‬التاريخية‭ ‬الملقاة‭ ‬على‭ ‬عاتقها‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬إستراتيجية‭ ‬كفاحية‭ ‬موحدة،‭ ‬متحررة‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬الإستحقاقات‭ ‬والإلتزامات،‭ ‬وبما‭ ‬يشق‭ ‬الطريق‭ ‬نحو‭ ‬الحقوق‭ ‬الوطنية‭ ‬المشروعة‭ ‬لشعبنا‭.‬

ملحق

قرار‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬الرقم‭ ‬2735

10/6/2024

إن‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن،

إذ‭ ‬يؤكد‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬مقاصد‭ ‬ميثاق‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬ومبادئه،

وإذ‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬جميع‭ ‬ما‭ ‬اتخذه‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الشأن‭ ‬من‭ ‬قرارات‭ ‬تتصل‭ ‬بالحالة‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬قضية‭ ‬فلسطين؛

وإذ‭ ‬يشدد‭ ‬على‭ ‬أهمية‭ ‬الجهود‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬الجارية‭ ‬التي‭ ‬تبذلها‭ ‬قطر‭ ‬ومصر‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬بهدف‭ ‬التوصل‭ ‬إلى‭ ‬إتفاق‭ ‬للوقف‭ ‬الشامل‭ ‬لإطلاق‭ ‬النار‭ ‬يتألف‭ ‬من‭ ‬ثلاث‭ ‬مراحل؛

1-‭ ‬يرحب‭ ‬بالإقتراح‭ ‬الجديد‭ ‬لوقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار‭ ‬الذي‭ ‬أعلن‭ ‬في‭ ‬31‭ ‬أيار‭/ ‬مايو،‭ ‬والذي‭ ‬قبلت‭ ‬به‭ ‬إسرائيل،‭ ‬ويدعو‭ ‬حماس‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تقبل‭ ‬به‭ ‬أيضاً،‭ ‬ويحث‭ ‬الطرفين‭ ‬على‭ ‬تنفيذ‭ ‬بنوده‭ ‬تنفيذاً‭ ‬كاملاً‭ ‬دون‭ ‬تأخير‭ ‬ودون‭ ‬شروط؛

2-‭ ‬يلاحظ‭ ‬أن‭ ‬تنفيذ‭ ‬هذا‭ ‬الإقتراح‭ ‬سيمكن‭ ‬من‭ ‬تحقيق‭ ‬النتائج‭ ‬التالية‭ ‬موزعة‭ ‬على‭ ‬ثلاث‭ ‬مراحل‭:‬

‭(‬أ‭) ‬المرحلة‭ ‬1‭: ‬وقف‭ ‬فوري‭ ‬تام‭ ‬وكامل‭ ‬لإطلاق‭ ‬النار‭ ‬مع‭ ‬إطلاق‭ ‬سراح‭ ‬الرهائن،‭ ‬بمن‭ ‬فيهم‭ ‬النساء‭ ‬والمسنون‭ ‬والجرحى،‭ ‬وإعادة‭ ‬رفات‭ ‬بعض‭ ‬الرهائن‭ ‬الذين‭ ‬قُتلوا،‭ ‬وتبادل‭ ‬الأسرى‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬وانسحاب‭ ‬القوات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬من‭ ‬المناطق‭ ‬المأهولة‭ ‬بالسكان‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬وعودة‭ ‬المدنيين‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬إلى‭ ‬ديارهم‭ ‬وأحيائهم‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬مناطق‭ ‬غزة،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬الشمال،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬التوزيع‭ ‬الآمن‭ ‬والفعال‭ ‬للمساعدات‭ ‬الإنسانية‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬واسع‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬من‭ ‬يحتاجها‭ ‬من‭ ‬المدنيين‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬وحدات‭ ‬الإسكان‭ ‬المقدمة‭ ‬من‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي؛

‭(‬ب‭) ‬المرحلة‭ ‬2‭: ‬باتفاق‭ ‬من‭ ‬الطرفين،‭ ‬وقف‭ ‬دائم‭ ‬للأعمال‭ ‬العدائية،‭ ‬في‭ ‬مقابل‭ ‬إطلاق‭ ‬سراح‭ ‬جميع‭ ‬الرهائن‭ ‬الآخرين‭ ‬الذين‭ ‬يظلون‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬وانسحاب‭ ‬كامل‭ ‬للقوات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬من‭ ‬غزة؛

‭(‬ج‭) ‬المرحلة‭ ‬3‭: ‬الشروع‭ ‬في‭ ‬خطة‭ ‬كبرى‭ ‬متعددة‭ ‬السنوات‭ ‬لإعادة‭ ‬إعمار‭ ‬غزة،‭ ‬وإعادة‭ ‬ما‭ ‬يبقى‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬من‭ ‬رفات‭ ‬أي‭ ‬رهائن‭ ‬متوفين‭ ‬إلى‭ ‬أسر‭ ‬الرهائن؛

3-‭ ‬يشدد‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الإقتراح‭ ‬ينص‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬المفاوضات‭ ‬إذا‭ ‬استغرقت‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ستة‭ ‬أسابيع‭ ‬للمرحلة‭ ‬الأولى،‭ ‬فإن‭ ‬وقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار‭ ‬سيظل‭ ‬مستمراً‭ ‬طالما‭ ‬استمرت‭ ‬المفاوضات،‭ ‬ويرحب‭ ‬باستعداد‭ ‬قطر‭ ‬ومصر‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬للعمل‭ ‬على‭ ‬ضمان‭ ‬استمرار‭ ‬المفاوضات‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬التوصل‭ ‬إلى‭ ‬جميع‭ ‬الإتفاقات،‭ ‬ويكون‭ ‬ممكناً‭ ‬أن‭ ‬تبدأ‭ ‬المرحلة‭ ‬الثانية؛

4-‭ ‬يشدد‭ ‬على‭ ‬أهمية‭ ‬تقيد‭ ‬الطرفين‭ ‬ببنود‭ ‬هذا‭ ‬الإقتراح‭ ‬فور‭ ‬الاتفاق‭ ‬عليه،‭ ‬ويدعو‭ ‬جميع‭ ‬الدول‭ ‬الأعضاء‭ ‬والأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬إلى‭ ‬تقديم‭ ‬الدعم‭ ‬في‭ ‬تنفيذه؛

5-‭ ‬يرفض‭ ‬أي‭ ‬محاولة‭ ‬لإحداث‭ ‬تغيير‭ ‬ديمغرافي‭ ‬أو‭ ‬إقليمي‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬أي‭ ‬إجراءات‭ ‬تقلص‭ ‬من‭ ‬مساحة‭ ‬أراضي‭ ‬غزة؛

6-‭ ‬يكرر‭ ‬تأكيد‭ ‬إلتزامه‭ ‬الثابت‭ ‬برؤية‭ ‬حل‭ ‬الدولتين،‭ ‬الذي‭ ‬تعيش‭ ‬بموجبه‭ ‬دولتان‭ ‬ديمقراطيتان،‭ ‬إسرائيل‭ ‬وفلسطين،‭ ‬جنباً‭ ‬إلى‭ ‬جنب،‭ ‬في‭ ‬سلام،‭ ‬وضمن‭ ‬حدود‭ ‬آمنة‭ ‬ومعترف‭ ‬بها،‭ ‬بما‭ ‬يتفق‭ ‬مع‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬وقرارات‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬ذات‭ ‬الصلة،‭ ‬ويشدد‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصدد‭ ‬على‭ ‬أهمية‭ ‬توحيد‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬مع‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬تحت‭ ‬السلطة‭ ‬الفلسطينية؛

7-‭ ‬يقرر‭ ‬أن‭ ‬يبقي‭ ‬المسألة‭ ‬قيد‭ ‬نظره