قضايا فلسطينية أمام محكمة العدل الدولية، الجزء الأول: جدار الفصل العنصري

سبتمبر 3, 2024

مقدمة‭:‬

سنوات‭ ‬طوال‭ ‬مرت‭ ‬على‭ ‬مظلومية‭ ‬شعب‭ ‬فلسطين،‭ ‬تجاهل‭ ‬خلالها‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬تطبيق‭ ‬قرارات‭ ‬الشرعية‭ ‬الدولية،‭ ‬وأفلت‭ ‬المعتدون‭ ‬الصهاينة‭ ‬من‭ ‬العقاب‭ ‬على‭ ‬جرائمهم،‭ ‬بفضل‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬ـــــــ‭ ‬حليف‭ ‬إسرائيل‭ ‬ـــــــــ‭ ‬التي‭ ‬استخدمت‭ ‬نفوذها‭ ‬العالمي،‭ ‬وحق‭ ‬النقض‭ ‬لإبطال‭ ‬أو‭ ‬إهمال‭ ‬أو‭ ‬منع‭ ‬تنفيذ‭ ‬القانون‭ ‬الدولي،‭ ‬سواء‭ ‬منه‭ ‬الأممي،‭ ‬أو‭ ‬الصادر‭ ‬عن‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية،‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬مشاريع‭ ‬قرارات‭ ‬مقدمة‭ ‬إلى‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬تحت‭ ‬البند‭ ‬السابع‭.‬

وجود‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الهيئات‭ ‬والمؤسسات‭ ‬التي‭ ‬تمثل‭ ‬القانون‭ ‬الدوليّ،‭ ‬وتتبع‭ ‬للأمم‭ ‬المتّحدة،‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬قدرتها‭ ‬على‭ ‬تطبيق‭ ‬القانون‭ ‬الدولي،‭ ‬وفض‭ ‬النزاعات،‭ ‬والبت‭ ‬فيها‭ ‬حول‭ ‬العالم‭. ‬وقضية‭ ‬فلسطين‭ ‬أبرز‭ ‬القضايا‭ ‬المطروحة‭ ‬أمام‭ ‬العدالة‭ ‬الدولية‭ ‬بمختلف‭ ‬مؤسساتها‭ ‬وهيئاتها،‭ ‬والتي‭ ‬استمرت‭ ‬منذ‭ ‬النكبة،‭ ‬وعلى‭ ‬مدى‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬عن‭ ‬ثلاثة‭ ‬أرباع‭ ‬القرن‭ ‬دون‭ ‬حل،‭ ‬وتعجز‭ ‬العدالة‭ ‬الدولية‭ ‬ــــــــ‭ ‬رغم‭ ‬صدور‭ ‬قرارات‭ ‬مهمة‭ ‬عنها‭ ‬والتي‭ ‬تؤكد‭ ‬حقوق‭ ‬شعب‭ ‬فلسطين‭ ‬الثابتة‭ ‬ـــــــــ‭ ‬عن‭ ‬وضع‭ ‬القرارات‭ ‬موضع‭ ‬التنفيذ‭. ‬هذه‭ ‬القضية‭ ‬التي‭ ‬أودت‭ ‬بالعدالة‭ ‬الدولية،‭ ‬والضمير‭ ‬الإنساني،‭ ‬إلى‭ ‬مآزق‭ ‬ومزالق‭ ‬محرجة‭ ‬للقانون‭ ‬الدولي،‭ ‬أظهرت‭ ‬مدى‭ ‬هشاشة‭ ‬مؤسسات‭ ‬العدالة،‭ ‬في‭ ‬ازدواجية‭ ‬المعايير،‭ ‬وفي‭ ‬إفلات‭ ‬مجرمي‭ ‬الحرب‭ ‬من‭ ‬العقاب،‭ ‬وجور‭ ‬بعض‭ ‬قوانينها،‭ ‬وأولها‭: ‬وأهمها‭ ‬بالنسبة‭ ‬للقضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬المادة‭ ‬الثانية‭ ‬من‭ ‬إعلان‭ ‬عصبة‭ ‬الأمم،‭ ‬المتعلقة‭ ‬بصك‭ ‬الانتداب‭ ‬البريطاني‭ ‬على‭ ‬فلسطين،‭ ‬والتي‭ ‬تنص‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬الدولة‭ ‬المنتدبة‭ ‬مسؤولة‭ ‬عن‭ ‬وضع‭ ‬البلاد‭ ‬في‭ ‬أحوال‭ ‬سياسية‭ ‬وإدارية‭ ‬واقتصادية،‭ ‬تضمن‭ ‬إنشاء‭ ‬الوطن‭ ‬القومي‭ ‬اليهودي،‭ ‬تنفيذاً‭ ‬لوعد‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬البريطاني‭ ‬‮«‬بلفور‮»‬‭ ‬الغير‭ ‬شرعي‭ ‬يمثل‭ ‬مأـزقاً‭ ‬قانونياً‭ ‬عن‭ ‬لصوصية‭ ‬في‭ ‬وضح‭ ‬النهار‭ ‬تعطي‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬يملك‭ ‬لمن‭ ‬لا‭ ‬يستحق،‭ ‬وآخرها‭ ‬القضية‭ ‬الحالية‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة‭ ‬والتهجير‭ ‬الجماعي‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬والضفة‭ ‬والمستمرة‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬11‭ ‬شهراً،‭ ‬مروراً‭ ‬بقضية‭ ‬اللاجئين،‭ ‬وحق‭ ‬العودة،‭ ‬وقرار‭ ‬التقسيم‭. ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬يخص‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬كقضية‭ ‬عدالة،‭ ‬بدأت‭ ‬تتداول‭ ‬ملفاتها‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية‭ ‬ومحكمة‭ ‬الجنايات‭ ‬الدولية،‭ ‬منذ‭ ‬فترة‭ ‬قريبة،‭ ‬كانت‭ ‬قضية‭ ‬جدار‭ ‬الفصل‭ ‬العنصري‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬أول‭ ‬قضية‭ ‬تعرض‭ ‬على‭ ‬المحكمة‭ ‬في‭ ‬8‭/‬12‭/‬2003،‭ ‬وآخرها‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬التي‭ ‬تنفذها‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬الأراضي‭ ‬المحتلة،‭ ‬وقد‭ ‬وصف‭ ‬مسؤول‭ ‬الإغاثة‭ ‬في‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬مارتن‭ ‬غريفيث‭ ‬الحرب‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬بأنها‭ ‬‮«‬خيانة‭ ‬للإنسانية‮»‬،‭ ‬ودعا‭ ‬إلى‭ ‬المحاسبة‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الخيانة‭ ‬للإنسانية‭. ‬كما‭ ‬أشار‭ ‬مارتن‭ ‬غريفيث‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬شهور‭ ‬الحرب‭ .. ‬لم‭ ‬تحمل‭ ‬لسكان‭ ‬غزة‭ ‬سوى‭ ‬الموت‭ ‬والدمار‭ ‬وإمكان‭ ‬تفشي‭ ‬مجاعة‭ ‬وشيكة‭. ‬

أــــــــ‭ ‬عن‭ ‬الجدار‭:‬

عرف‭ ‬‮«‬الجدار‮»‬‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬أنه‭ ‬جدار‭ ‬الفصل‭ ‬العنصري‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬يبلغ‭ ‬طوله‭ ‬حوالي‭ ‬713‭ ‬كيلومتراً،‭ ‬حسب‭ ‬مكتب‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬لتنسيق‭ ‬الشؤون‭ ‬الإنسانية‭ ‬عام‭ ‬2022،‭ ‬تسميه‭ ‬إسرائيل‭ ‬‮«‬سياج‭ ‬أمني‭ ‬مانع‭ ‬للإرهاب‮»‬،‭ ‬شرعت‭ ‬حكومة‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬الأسبق‭ ‬أرييل‭ ‬شارون‭ ‬ببنائه‭ ‬في‭ ‬23‭ ‬يونيو‭/‬حزيران‭ ‬2002،‭ ‬خلال‭ ‬الانتفاضة‭ ‬الثانية،‭ ‬بين‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬وأراضي‭ ‬العام‭ ‬1948‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬خط‭ ‬الهدنة‭ ‬لسنة‭ ‬1949،‭ ‬وأزيح‭ ‬بعمق‭ ‬6‭ ‬كيلومترات‭ ‬شرق‭ ‬الخط‭ ‬الأخضر‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬الأراضي‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المحتلة‭ ‬عام‭ ‬1967‭. ‬وأجريت‭ ‬تعرجات‭ ‬أخرى‭ ‬زادت‭ ‬من‭ ‬طول‭ ‬السور،‭ ‬ولا‭ ‬زالت‭ ‬إسرائيل‭ ‬تتحدث‭ ‬عن‭ ‬تغييرات‭ ‬في‭ ‬مسار‭ ‬الجدار،‭ ‬حتى‭ ‬بات‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬تحديد‭ ‬الجهة‭ ‬النهائية‭ ‬لهذا‭ ‬الجدار‭. ‬وبات‭ ‬واضحاً‭ ‬أن‭ ‬الجدار‭ ‬هو‭ ‬عمل‭ ‬سياسي‭ ‬من‭ ‬الطراز‭ ‬الأول،‭ ‬يشكل‭ ‬جزءاً‭ ‬لا‭ ‬يتجزأ‭ ‬من‭ ‬خطة‭ ‬‮«‬‭ ‬فك‭ ‬الارتباط‮»‬،‭ ‬وأن‭ ‬وظيفته‭ ‬قطع‭ ‬الطريق‭ ‬على‭ ‬حق‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬في‭ ‬إقامة‭ ‬دولة‭ ‬فلسطينية‭ ‬كاملة‭ ‬السيادة‭. ‬

ب‭ ‬ـــــــ‭ ‬ذرائع‭ ‬بناء‭ ‬الجدار

يستند‭ ‬مشروع‭ ‬الجدار‭ ‬إلى‭ ‬جذور‭ ‬عميقة‭ ‬في‭ ‬الوعي‭ ‬السياسي‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬حيث‭ ‬وجدت‭ ‬مبرراتها‭ ‬وذرائعها‭ ‬في‭ ‬أساس‭ ‬المشروع‭ ‬الصهيوني‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬اغتصاب‭ ‬أرض‭ ‬الآخرين،‭ ‬وفي‭ ‬ادعاءات‭ ‬توراتية‭ ‬ترى‭ ‬أن‭ ‬الضفة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬هي‭ ‬‮«‬أرض‭ ‬إسرائيلية‮»‬‭ ‬كما‭ ‬وجدت‭ ‬ذرائعها‭ ‬في‭ ‬الاتفاقيات‭ ‬ـــــــ‭ ‬أوسلو‭ ‬وأخواتهاــــــ‭ ‬التي‭ ‬وقعت‭ ‬مع‭ ‬الجانب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬المفاوض،‭ ‬حين‭ ‬وافق‭ ‬على‭ ‬اعتبار‭ ‬أراضي‭ ‬الضفة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬وقطاع‭ ‬غزة‭ ‬‮«‬‭ ‬أرض‭ ‬متنازع‭ ‬عليها‮»‬‭ ‬وليست‭ ‬أرضاً‭ ‬تحتلها‭ ‬إسرائيل‭ ‬منذ‭ ‬عدوان‭ ‬حزيران‭/ ‬يونو‭ ‬67،‭ ‬وأن‭ ‬المصير‭ ‬النهائي‭ ‬لهذه‭ ‬الأرض‭ ‬يتم‭ ‬الاتفاق‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬مفاوضات‭ ‬‮«‬الحل‭ ‬الدائم‮»‬‭.‬

كما‭ ‬يجد‭ ‬‮«‬الجدار‮»‬‭ ‬جذوره‭ ‬في‭ ‬ادعاء‭ ‬إسرائيل‭ ‬بحقها‭ ‬في‭ ‬حدود‭ ‬‮«‬آمنة‮»‬،‭ ‬وقد‭ ‬وجدت‭ ‬هذه‭ ‬الذريعة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬صداها‭ ‬في‭ ‬قرار‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬الرقم‭ ‬242‭ ‬الذي‭ ‬اعترف‭ ‬هو‭ ‬الآخر‭ ‬بحقها‭ ‬في‭ ‬‮«‬الحدود‭ ‬الآمنة‮»‬،‭ ‬كذلك‭ ‬يجد‭ ‬هذا‭ ‬الجدار‭ ‬جذوره‭ ‬في‭ ‬الإسناد‭ ‬الأميركي‭ ‬لسياسة‭ ‬العدوان‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬ضد‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬المجاورة،‭ ‬والاعتراف‭ ‬غير‭ ‬المشروط‭ ‬لحق‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬‮«‬حدود‭ ‬آمنة‮»‬‭ ‬أو‭ ‬‮«‬يمكن‭ ‬الدفاع‭ ‬عنها‮»‬‭.‬

وبذريعة‭ ‬ضمان‭ ‬الأمن‭ ‬تقوم‭ ‬إسرائيل‭ ‬ببناء‭ ‬‮«‬الجدار‮»‬‭ ‬لتقضي‭ ‬سلطات‭ ‬الاحتلال‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬مظاهر‭ ‬الأمن‭ ‬والاستقرار‭ ‬السياسي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬والاقتصادي‭ ‬والثقافي‭ ‬للشعب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬تبين‭ ‬الوقائع‭ ‬اليومية‭ ‬والممارسة‭ ‬الميدانية‭ ‬لسلطات‭ ‬الاحتلال‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬أهداف‭ ‬الجدار‭ ‬تحويل‭ ‬حياة‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬إلى‭ ‬جحيم‭ ‬لا‭ ‬يطاق،‭ ‬مما‭ ‬يدفعهم‭ ‬إلى‭ ‬أحضان‭ ‬اليأس‭ ‬والإحباط‭ ‬والاستسلام‭ ‬للإرادة‭ ‬الاسرائيلية،‭ ‬أو‭ ‬إلى‭ ‬مغادرة‭ ‬أراضيهم،‭ ‬بحثاً‭ ‬عن‭ ‬وضع‭ ‬معيشي‭ ‬أفضل‭ ‬نسبياً‭.‬

ج‭ ‬ـــــــــ‭ ‬آثار‭ ‬الجدار‭ ‬على‭ ‬حياة‭ ‬الفلسطينيين

‭ ‬يؤثر‭ ‬الجدار‭ ‬سلباً‭ ‬على‭ ‬حياة‭ ‬المواطنين‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬الذين‭ ‬يقيمون‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الجدار‭ ‬وسواها‭ ‬من‭ ‬المدن‭ ‬والقرى،‭ ‬والتي‭ ‬تحولت‭ ‬إلى‭ ‬معازل‭ ‬تمنع‭ ‬المواطنين‭ ‬عن‭ ‬الاتصال‭ ‬بذويهم‭ ‬على‭ ‬الطرف‭ ‬الآخر‭ ‬من‭ ‬الجدار،‭ ‬أو‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬أراضيهم‭ ‬الزراعية،‭ ‬أو‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬المستشفيات‭ ‬والجامعات‭ ‬والمدارس،‭ ‬ومن‭ ‬صور‭ ‬تأثير‭ ‬الجدار‭ ‬على‭ ‬حياة‭ ‬الفلسطينيين‭: ‬الاستيلاء‭ ‬على‭ ‬مياه‭ ‬الضفة،‭ ‬الاستيلاء‭ ‬على‭ ‬الأرض،‭ ‬تدمير‭ ‬اقتصاد‭ ‬الضفة‭ ‬وقراها،‭ ‬توسيع‭ ‬المستوطنات،‭ ‬الاستيلاء‭ ‬على‭ ‬الغابات‭ ‬وتدمير‭ ‬البيئة،‭ ‬سرقة‭ ‬الآثار‭ ‬الفلسطينية‭.‬

د‭ ‬ــــــــ‭ ‬الجدار‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬القدس‭:‬

يبلغ‭ ‬طول‭ ‬الجدار‭ ‬في‭ ‬محافظة‭ ‬القدس‭ ‬حوالي‭ ‬168‭ ‬كم،‭ ‬منها‭ ‬5‭ ‬كم‭ ‬تسير‭ ‬على‭ ‬الخط‭ ‬الأخضر،‭ ‬والبقية‭ ‬مبنية‭ ‬داخل‭ ‬عمق‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية،‭ ‬وقد‭ ‬تسارعت‭ ‬أعمال‭ ‬بناء‭ ‬الجدار‭ ‬في‭ ‬القدس‭ ‬عامي‭ ‬2006‭ ‬و2007‭ ‬بشكل‭ ‬كبير،‭ ‬وتم‭ ‬فصل‭ ‬تجمعات‭ ‬سكانية‭ ‬فلسطينية‭ ‬عن‭ ‬القدس،‭ ‬وهذه‭ ‬التجمعات‭ ‬مكتظة‭ ‬بالسكان‭ ‬مثل‭ ‬مخيم‭ ‬شعفاط‭ ‬وسميراميس‭ ‬وكفرعقب،‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬30‭ ‬ألف‭ ‬نسمة‭ ‬من‭ ‬حملة‭ ‬الهوية‭ ‬المقدسية‭.‬‭(‬1‭)‬‭ ‬

يستهدف‭ ‬الجدار‭ ‬العنصري‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬القدس،‭ ‬عزل‭ ‬القدس‭ ‬عن‭ ‬محيطها‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬بحيث‭ ‬اختلطت‭ ‬الرؤية‭ ‬العنصرية‭ ‬بالسياسية‭ ‬والأمنية،‭ ‬إذ‭ ‬تهدف‭ ‬إسرائيل‭ ‬إلى‭ ‬إقامة‭ ‬منطقة‭ ‬القدس‭ ‬الكبرى،‭ ‬وعزل‭ ‬أبو‭ ‬ديس‭ ‬والعيزرية،‭ ‬وتحويلها‭ ‬إلى‭ ‬كانتونات‭ ‬فلسطينية‭ ‬مشلولة‭ ‬الحركة‭. ‬كما‭ ‬تسعى‭ ‬إسرائيل‭ ‬إلى‭ ‬ضم‭ ‬المستوطنات،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬فك‭ ‬الارتباط‭ ‬بين‭ ‬القدس‭ ‬وبقية‭ ‬المنطقة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المحيطة،‭ ‬وربط‭ ‬القدس‭ ‬الشرقية‭ ‬بالغربية،‭ ‬بعد‭ ‬تحييد‭ ‬ما‭ ‬أمكن‭ ‬من‭ ‬سكانها،‭ ‬وتعزيز‭ ‬ذلك‭ ‬بالاستيطان‭ ‬ومصادرة‭ ‬الأراضي‭ ‬وهدم‭ ‬البيوت‭.‬

ه‭ ‬ـــــــ‭ ‬الجدار‭ ‬في‭ ‬الأغوار‭:‬

يمتد‭ ‬بناء‭ ‬الجدار‭ ‬على‭ ‬طول‭ ‬الحدود‭ ‬الأردنية‭ ‬لعزل‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬عن‭ ‬الأردن،‭ ‬كما‭ ‬يهدف‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬غور‭ ‬الأردن‭: ‬

ـــــــ‭ ‬إلى‭ ‬تحويل‭ ‬الأغوار‭ ‬إلى‭ ‬منطقة‭ ‬أمنية‭ ‬عسكرية‭ ‬إسرائيلية‭.‬

ــــــ‭ ‬وإلى‭ ‬حرمان‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬أصحاب‭ ‬الأرض‭ ‬من‭ ‬منطقة‭ ‬زراعية‭ ‬هامة‭ ‬تشكل‭ ‬سلة‭ ‬غذاء‭ ‬لهم‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬وفلسطين‭. ‬

ـــــــ‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬ثالث‭ ‬أكبر‭ ‬خزان‭ ‬للمياه‭ ‬الجوفية‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭.‬

و‭ ‬ــــــ‭ ‬الجدار‭ ‬في‭ ‬رحاب‭ ‬القانون‭ ‬الدولي

تقدمت‭ ‬السلطة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬عبر‭ ‬المجموعة‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬بمشروع‭ ‬قرار‭ ‬إلى‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬الدولي،‭ ‬تبنته‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬الباكستان‭ ‬وسوريا‭ ‬وغينيا‭ ‬وماليزيا،‭ ‬يدين‭ ‬تشييد‭ ‬‮«‬جدار‮»‬‭ ‬الفصل‭ ‬العنصري‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية،‭ ‬وعند‭ ‬التصويت‭ ‬على‭ ‬المشروع‭ ‬في‭ ‬14‭/‬10‭/‬2003‭ ‬استخدمت‭ ‬الولايات‭ ‬حق‭ ‬النقض‭ (‬الفيتو‭) ‬ليفشل‭ ‬بذلك‭ ‬مشروع‭ ‬القرار،‭ ‬وكان‭ ‬قد‭ ‬حظي‭ ‬بتأييد‭ ‬عشر‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الـ‮«‬15‮»‬‭ ‬الأعضاء‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن،‭ ‬منها‭ ‬فرنسا‭ ‬وإسبانيا‭ ‬والصين‭ ‬وروسيا،‭ ‬بينما‭ ‬امتنعت‭ ‬أربع‭ ‬دول‭ ‬عن‭ ‬التصويت‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬ألمانيا‭ ‬وبريطانيا،‭ ‬استأنفت‭ ‬المجموعة‭ ‬العربية‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬مشروع‭ ‬القرار‭ ‬في‭ ‬الجمعية‭ ‬العمومية،‭ ‬وفي‭ ‬دورتها‭ ‬17‭/‬10‭/ ‬2003‭ ‬صوتت‭ ‬90‭ ‬دولة‭ ‬لصالح‭ ‬القرار‭ ‬مقابل‭ ‬معارضة‭ ‬8‭ ‬وامتناع‭ ‬74‭ ‬عن‭ ‬التصويت‭. ‬يطلب‭ ‬القرار‭ ‬الأممي‭ ‬من‭ ‬إسرائيل‭ ‬وقف‭ ‬وإلغاء‭ ‬تشييد‭ ‬الجدار‭ ‬في‭ ‬الأرض‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬القدس‭ ‬الشرقية‭ ‬وما‭ ‬حولها،‭ ‬والذي‭ ‬يعد‭ ‬إخلالاً‭ ‬بخط‭ ‬الهدنة‭ ‬عام‭ ‬1949‭. ‬وفي‭ ‬8‭/‬12‭/‬2003،‭ ‬اتخذت‭ ‬الجمعية‭ ‬العامة‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬قراراً‭ ‬بإحالة‭ ‬ملف‭ ‬الجدار‭ ‬إلى‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية،‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬رأي‭ ‬استشاري‭ ‬بشأن‭ ‬‮«‬العواقب‭ ‬القانونية‭ ‬الناشئة‭ ‬عن‭ ‬بناء‭ ‬الجدار‭ ‬الذي‭ ‬تبنيه‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬الأراضي‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المحتلة‮»‬،‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬هي‭ ‬المرة‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬تعرض‭ ‬فيها‭ ‬إحدى‭ ‬القضايا‭ ‬الفلسطينية‭ ‬على‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية‭ ‬رغم‭ ‬مرور‭ ‬55‭ ‬عاماً‭ ‬منذ‭ ‬النكبة‭. ‬

عارضت‭ ‬واشنطن‭ ‬إحالة‭ ‬القضية‭ ‬إلى‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية،‭ ‬معتبرة‭ ‬أنها‭ ‬قضية‭ ‬سياسية‭ ‬وليست‭ ‬قانونية‭. ‬وسارعت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬إلى‭ ‬تقديم‭ ‬مذكرة‭ ‬للمحكمة‭ ‬تعارض‭ ‬إصدار‭ ‬أي‭ ‬رأي‭ ‬قد‭ ‬يعقّد‭ ‬عملية‭ ‬السلام‭. ‬

وقادت‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬إسرائيل‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬حملة‭ ‬سياسية‭ ‬وإعلامية‭ ‬واسعة‭ ‬ضد‭ ‬تبني‭ ‬الجمعية‭ ‬للقرار،‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬للادعاء‭ ‬بعدم‭ ‬صلاحية‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية‭ ‬للنظر‭ ‬في‭ ‬موضوع‭ ‬الجدار،‭ ‬وفي‭ ‬9‭/‬7‭/‬2004‭ ‬حسمت‭ ‬المحكمة‭ ‬مداولاتها‭ ‬في‭ ‬الأمر،‭ ‬وقررت‭ ‬اختصاصها‭ ‬في‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬الموضوع‭ ‬المحال‭ ‬إليها‭.‬

وقدمت‭ ‬عدة‭ ‬دول‭ ‬مرافعات‭ ‬في‭ ‬المحكمة‭ ‬الدولية‭ ‬منتقدة‭ ‬الجدار،‭ ‬منها‭ ‬كوبا‭ ‬وماليزيا‭ ‬وإندونيسيا،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬منظمة‭ ‬المؤتمر‭ ‬الإسلامي‭ (‬منظمة‭ ‬التعاون‭ ‬الإسلامي‭ ‬حالياً‭) ‬وجامعة‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭. ‬وألقى‭ ‬الأردن‭ ‬مرافعة‭ ‬أثارت‭ ‬حفيظة‭ ‬إسرائيل،‭ ‬وبرر‭ ‬موقفه‭ ‬بأن‭ ‬الأردن‭ ‬المتضرر‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬الجدار‭. ‬وأبدى‭ ‬رئيس‭ ‬وزرائه‭ ‬آنذاك‭ ‬فيصل‭ ‬الفايز‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مرة‭ ‬مخاوف‭ ‬بلاده‭ ‬من‭ ‬حدوث‭ ‬موجات‭ ‬نزوح‭ ‬فلسطينية‭ ‬إلى‭ ‬المملكة‭ ‬الأردنية‭ ‬بسبب‭ ‬الجدار‭.‬

وقال‭ ‬الفلسطينيون‭: ‬إن‭ ‬الجدار‭ ‬محاولة‭ ‬لإعاقة‭ ‬حياتهم،‭ ‬وضم‭ ‬أراض‭ ‬من‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬إلى‭ ‬إسرائيل‭. ‬إذ‭ ‬تطلق‭ ‬عليه‭ ‬الحكومة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬‮«‬جدار‭ ‬الضم‭ ‬والتوسع‮»‬،‭ ‬توسع‭ ‬الجدار‭ ‬امتداداً‭ ‬إلى‭ ‬مستوطنات‭ ‬بيت‭ ‬لحم،‭ ‬مع‭ ‬بناء‭ ‬جدار‭ ‬عازل‭ ‬يمتد‭ ‬من‭ ‬جنوب‭ ‬القدس،‭ ‬ويمر‭ ‬ببيت‭ ‬لحم،‭ ‬ويفصل‭ ‬جزءاً‭ ‬منها‭ ‬عن‭ ‬تجمعاتها‭ ‬السكنية‭ ‬المجاورة‭ ‬ويعزلها،‭ ‬حتى‭ ‬يصل‭ ‬جنوب‭ ‬محافظة‭ ‬الخليل‭.‬

كشفت‭ ‬الوقائع‭ ‬أن‭ ‬مشروع‭ ‬الجدار‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬سيشكل‭ ‬حال‭ ‬استكملت‭ ‬إسرائيل‭ ‬تشييده‭ ‬عاملاً‭ ‬حاسماً‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬مصير‭ ‬مفاوضات‭ ‬الحل‭ ‬النهائي،‭ ‬وسيقطع‭ ‬الطريق‭ ‬على‭ ‬قيام‭ ‬الدولة‭ ‬فلسطينية‭ ‬مستقلة‭ ‬ذات‭ ‬سيادة‭ ‬ومتصلة‭ ‬إقليمياً‭ ‬وقابلة‭ ‬للحياة،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬كونه‭ ‬سيعزل‭ ‬القدس‭ ‬عن‭ ‬الضفة‭ ‬الفلسطينية‭. ‬

وفي‭ ‬2004‭ ‬خلص‭ ‬رأي‭ ‬استشاري‭ ‬للمحكمة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تشييد‭ ‬هذا‭ ‬الجدار‭ ‬سيُعطل‭ ‬ممارسة‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬حقه‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬مصيره،‭ ‬وعلى‭ ‬إسرائيل‭ ‬الالتزام‭ ‬بالاعتراف‭ ‬بهذا‭ ‬الحق،‭ ‬وعليها‭ ‬أن‭ ‬توقف‭ ‬فوراً‭ ‬أعمال‭ ‬تشييد‭ ‬الجدار‭ ‬في‭ ‬الأرض‭ ‬الفلسطينية‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬القدس‭ ‬الشرقية،‭ ‬والقيام‭ ‬فوراً‭ ‬بإزالة‭ ‬كل‭ ‬أجزاء‭ ‬البناء‭ ‬الواقعة‭ ‬داخل‭ ‬الأرض‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬وعليها‭ ‬جبر‭ ‬الضرر‭ ‬الذي‭ ‬لحق‭ ‬بالفلسطينيين‭ ‬من‭ ‬جراء‭ ‬الجدار،‭ ‬وإعادة‭ ‬الممتلكات‭ ‬المنهوبة‭ ‬من‭ ‬أرض‭ ‬وبساتين‭ ‬وغيرها‭ ‬إلى‭ ‬أصحابها‭. ‬

وأشارت‭ ‬المحكمة‭ ‬في‭ ‬رأيها‭ ‬الاستشاري‭ ‬الخاص‭ ‬بالجدار‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬شأن‭ ‬اتجاه‭ ‬سير‭ ‬الجدار‭ ‬أن‭ ‬يمس‭ ‬الأوضاع‭ ‬المعيشية‭ ‬للفلسطينيين‭ ‬الذين‭ ‬يعيشون‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬المتأثرة‭ ‬به،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬أنه‭ ‬يهدد‭ ‬وجودهم‭. ‬وحقهم‭ ‬في‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬الخدمات‭ ‬الصحية‭ ‬والتعليمية،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬ينطوي‭ ‬على‭ ‬خطر‭ ‬إحداث‭ ‬تغييرات‭ ‬في‭ ‬الوضع‭ ‬السكاني‭ ‬للأراضي‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المحتلة،‭ ‬من‭ ‬ترحيل‭ ‬وتهجير‭ ‬للفلسطينيين‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬مناطق‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭. ‬

وأعلنت‭ ‬المحكمة‭ ‬بوضوح‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬شأن‭ ‬الإجراءات‭ ‬والتدابير‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬أن‭ ‬تعرقل‭ ‬ممارسة‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬لحقهم‭ ‬في‭ ‬حرية‭ ‬التنقل‭ ‬المنصوص‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬المادة‭ ‬12‭ ‬الفقرة‭ ‬1‭ ‬من‭ ‬العهد‭ ‬الدولي‭ ‬الخاص‭ ‬بالحقوق‭ ‬المدنية‭ ‬والسياسية‭ ‬لسنة‭ ‬1966،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬كونها‭ ‬تحول‭ ‬دون‭ ‬ممارستهم‭ ‬حقهم‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬العمل‭ ‬والصحة‭ ‬والتعليم‭ ‬والمستوى‭ ‬اللائق‭ ‬من‭ ‬العيش‭ ‬الواردة‭ ‬كلها‭ ‬في‭ ‬العهد‭ ‬الدولي‭ ‬الخاص‭ ‬بالحقوق‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والثقافية‭ ‬لسنة‭ ‬1966،‭ ‬وفي‭ ‬اتفاقية‭ ‬حقوق‭ ‬الطفل‭ ‬لسنة‭ ‬1989‭. ‬وكما‭ ‬هو‭ ‬معلوم‭ ‬فإن‭ ‬الاتفاقيات‭ ‬الثلاث‭ ‬المذكورة‭ ‬لا‭ ‬ترتب‭ ‬على‭ ‬الدول‭ ‬الأطراف‭ ‬التزامات‭ ‬مطلقة‭ ‬بصورة‭ ‬عامة‭. ‬وقد‭ ‬حرصت‭ ‬المحكمة‭ ‬على‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬حالات‭ ‬الاستثناء‭ ‬أو‭ ‬التعطيل‭ ‬الجائزة‭ ‬قانوناً‭ ‬بصدد‭ ‬الحقوق‭ ‬التي‭ ‬خرقتها‭ ‬إسرائيل‭ ‬ليست‭ ‬متحققة‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬الجدار‭. ‬‭(‬2‭) ‬

فالوضع‭ ‬الناجم‭ ‬عن‭ ‬بناء‭ ‬الجدار‭ ‬ينطوي‭ ‬على‭ ‬خرق‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬لالتزاماته‭ ‬الناشئة‭ ‬عن‭ ‬الاتفاقيات‭ ‬الدولية‭ ‬للقانون‭ ‬الإنساني‭ ‬الدولي،‭ ‬ولاتفاقيات‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭. ‬فقد‭ ‬لاحظت‭ ‬المحكمة‭ ‬أن‭ ‬الجدار‭ ‬سيؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تدمير‭ ‬أملاك‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬والاستيلاء‭ ‬عليها،‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬لا‭ ‬يتفق‭ ‬مع‭ ‬الأحكام‭ ‬المنصوص‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬المادتين‭ ‬46‭ ‬و‭ ‬52‭ ‬من‭ ‬لائحة‭ ‬لاهاي‭ ‬المتعلقة‭ ‬بقوانين‭ ‬وأعراف‭ ‬الحرب‭ ‬البرية‭ ‬لسنة‭ ‬1907،‭ ‬ومع‭ ‬أحكام‭ ‬المادة‭ ‬53‭ ‬من‭ ‬اتفاقية‭ ‬جنيف‭ ‬الرابعة‭. ‬وأكدت‭ ‬أن‭ ‬الاستثناء‭ ‬الوارد‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المادة‭ ‬الأخيرة،‭ ‬الذي‭ ‬يجيز‭ ‬الاستيلاء‭ ‬على‭ ‬الأملاك‭ ‬والأموال‭ ‬لضرورة‭ ‬عسكرية،‭ ‬لا‭ ‬ينطبق‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الحالة،‭ ‬والانتهاكات‭ ‬الناشئة‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬المسار‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تبريرها‭ ‬بالضرورات‭ ‬العسكرية‭ ‬أو‭ ‬بدواعي‭ ‬الأمن‭ ‬القومي‭ ‬أو‭ ‬النظام‭ ‬العام،‭ ‬فإن‭ ‬تشييد‭ ‬جدار‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬القبيل‭ ‬يشكل‭ ‬إخلالاً‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬إسرائيل‭ ‬بالتزامات‭ ‬شتى‭ ‬واجبة‭ ‬عليها‭ ‬بمقتضى‭ ‬القانون‭ ‬الإنساني‭ ‬الدولي‭. ‬‭(‬3‭) ‬

أكدت‭ ‬المحكمة‭ ‬أن‭ ‬الأراضي‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المحتلة،‭ ‬تخضع‭ ‬بحكم‭ ‬القانون‭ ‬لأحكام‭ ‬اتفاقية‭ ‬جنيف‭ ‬الرابعة‭ ‬لسنة‭ ‬1949‭. ‬ومجرد‭ ‬انطباق‭ ‬هذه‭ ‬الاتفاقية،‭ ‬يصبح‭ ‬التمسك‭ ‬بالدفاع‭ ‬عن‭ ‬النفس‭ ‬غير‭ ‬وارد‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬القانون‭ ‬الإنساني‭ ‬الدولي،‭ ‬الذي‭ ‬يلزم‭ ‬سلطة‭ ‬الاحتلال‭ ‬بأن‭ ‬تكفل‭ ‬قدر‭ ‬الإمكان‭ ‬النظام‭ ‬والحياة‭ ‬العامة‭. ‬فالقوة‭ ‬المحتلة‭ ‬تفقد‭ ‬حقها‭ ‬في‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬النفس‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬أي‭ ‬هجوم‭ ‬مسلح‭ ‬يرتكب‭ ‬ضدها‭ ‬داخل‭ ‬الأراضي‭ ‬التي‭ ‬تحتلها،‭ ‬والأراضي‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المحتلة‭ ‬بصريح‭ ‬عبارة‭ ‬المحكمة‭ ‬ليست‭ ‬ملحقة‭ ‬أو‭ ‬مضمومة‭ ‬إلى‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭. ‬‭(‬4‭) ‬

التطهير‭ ‬العرقي‭ ‬أيضاً،‭ ‬نجم‭ ‬عن‭ ‬بناء‭ ‬الجدار،‭ ‬حيث‭ ‬أجبر‭ ‬الاستيلاء‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬عدداً‭ ‬كبيراً‭ ‬من‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬على‭ ‬ترك‭ ‬مناطقهم،‭ ‬واقترن‭ ‬بناء‭ ‬الجدار‭ ‬وملحقاته‭ ‬بإنشاء‭ ‬مستعمرات،‭ ‬بهدف‭ ‬تعديل‭ ‬التكوين‭ ‬السكاني‭ ‬للأراضي‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المحتلة،‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬يخالف‭ ‬أحكام‭ ‬المادة‭ ‬49‭ ‬الفقرة‭ ‬6‭ ‬من‭ ‬اتفاقية‭ ‬جنيف‭ ‬الرابعة‭ ‬لسنة‭ ‬1949‭ ‬وقرارات‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬ذات‭ ‬الصلة‭.‬

لاحظت‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية‭ ‬في‭ ‬رأيها‭ ‬الاستشاري‭ ‬الخاص‭ ‬بالجدار‭ ‬أن‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬هو‭ ‬المسيطر‭ ‬على‭ ‬الأراضي‭ ‬المحتلة،‭ ‬ولهذا‭ ‬السبب‭ ‬فإن‭ ‬الوضع‭ ‬المطروح‭ ‬أمامها‭ ‬مختلف‭ ‬تماماً‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬الذي‭ ‬تعامل‭ ‬معه‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬في‭ ‬قراري‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬1368‭ ‬و‭ ‬1373‭ ‬اللذين‭ ‬صدرا‭ ‬في‭ ‬أعقاب‭ ‬أحداث‭ ‬11‭ ‬أيلول‭/‬سبتمبر‭ ‬2001‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأميركية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬محاربة‭ ‬‮«‬الإرهاب‮»‬‭. ‬وقد‭ ‬شددت‭ ‬المحكمة،‭ ‬في‭ ‬رأيها‭ ‬المذكور،‭ ‬على‭ ‬حقيقة‭ ‬أن‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬استطاعة‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬في‭ ‬أية‭ ‬لحظة‭ ‬التذرع‭ ‬بهذين‭ ‬القرارين‭ ‬بغية‭ ‬تبرير‭ ‬بناء‭ ‬الجدار‭ ‬وملحقاته،‭ ‬ولدعم‭ ‬حجته‭ ‬المستندة‭ ‬إلى‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬النفس‭. ‬‭(‬5‭)‬

فندت‭ ‬المحكمة‭ ‬ادعاءات‭ ‬إسرائيل‭ ‬حول‭ ‬الجدار‭ ‬أن‭ ‬بناءه‭ ‬ضروري‭ ‬لحماية‭ ‬الأمن‭ ‬القومي‭ ‬أو‭ ‬النظام‭ ‬العام‭ ‬أو‭ ‬الصحة‭ ‬العامة‭ ‬أو‭ ‬الآداب‭ ‬العامة‭ ‬أو‭ ‬حقوق‭ ‬الآخرين‭ ‬وحريتهم‭ ‬وتكون‭ ‬متماشية‭ ‬مع‭ ‬الحقوق‭ ‬الأُخرى‭ ‬المعترف‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العهد‭. ‬فالشروط‭ ‬المشار‭ ‬إليها‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬النص‭ ‬ليست‭ ‬متحققة‭ ‬–‭ ‬في‭ ‬رأي‭ ‬المحكمة‭ ‬–‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬الجدار‭ ‬والنظام‭ ‬الملحق‭ ‬به‭. ‬كذلك‭ ‬أضافت‭ ‬المحكمة‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يكفي‭ ‬توجيه‭ ‬القيود‭ ‬الجائز‭ ‬فرضها‭ ‬لتحقيق‭ ‬الغايات‭ ‬المحددة‭ ‬في‭ ‬النص،‭ ‬وإنما‭ ‬يتعين‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬هذه‭ ‬القيود‭ ‬ضرورية‭ ‬لتحقيق‭ ‬تلك‭ ‬الغايات‭. ‬وأشارت‭ ‬المحكمة،‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصدد،‭ ‬إلى‭ ‬تعليق‭ ‬اللجنة‭ ‬المعنية‭ ‬بحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬رقم‭ ‬27‭ ‬الخاص‭ ‬بالمادة‭ ‬12‭ (‬حرية‭ ‬التنقل‭)‬،‭ ‬وهو‭ ‬التعليق‭ ‬العام‭ ‬الذي‭ ‬أصدرته‭ ‬اللجنة‭ ‬المذكورة‭ ‬في‭ ‬سنة‭ ‬1999،‭ ‬وأكدت‭ ‬فيه‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يكفي‭ ‬توجيه‭ ‬تلك‭ ‬القيود‭ ‬إلى‭ ‬الأغراض‭ ‬المسموح‭ ‬بها؛‭ ‬بل‭ ‬ينبغي‭ ‬أيضاً‭ ‬أن‭ ‬يستلزمها‭ ‬تحقيق‭ ‬تلك‭ ‬الأغراض‭. ‬والأهم‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬كله‭ ‬ما‭ ‬شددت‭ ‬عليه‭ ‬المحكمة‭ ‬من‭ ‬أقوال‭ ‬اللجنة‭ ‬المذكورة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال،‭ ‬وهو‭ ‬أنه‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬القيود‭ ‬المسموح‭ ‬بها‭ ‬أقل‭ ‬الوسائل‭ ‬تدخلاً‭ ‬مقارنة‭ ‬بغيرها‭ ‬من‭ ‬الوسائل‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تحقق‭ ‬الغاية‭ ‬المنشودة‭.‬‭ (‬6‭)‬‭ ‬

زـــــــ‭ ‬فرض‭ ‬الأمر‭ ‬الواقع‭:‬

لا‭ ‬يخفى‭ ‬على‭ ‬أحد‭ ‬أن‭ ‬إسرائيل‭ ‬تريد‭ ‬فرض‭ ‬الأمر‭ ‬الواقع‭ ‬على‭ ‬الوضع‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية،‭ ‬وتمارس‭ ‬الكذب‭ ‬والخداع‭ ‬في‭ ‬تأكيداتها‭ ‬إلى‭ ‬المحكمة‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الجدار‭ ‬وملحقاته‭ ‬لا‭ ‬يرتقيان‭ ‬إلى‭ ‬الضم‭ ‬والإلحاق،‭ ‬وأنهما‭ ‬ينطويان‭ ‬على‭ ‬حالة‭ ‬موقتة‭ ‬لا‭ ‬دائمة،‭ ‬وقد‭ ‬عبرت‭ ‬المحكمة‭ ‬عن‭ ‬مخاوفها‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬إنشاء‭ ‬الجدار‭ ‬والنظام‭ ‬المرتبط‭ ‬به‭ ‬يخلقان‭ ‬أمراً‭ ‬واقعاً‭ ‬على‭ ‬الأرض،‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يصبح‭ ‬دائماً‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يعد‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬الضم‭.‬

طالبت‭ ‬المحكمة‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬بعدم‭ ‬الاعتراف‭ ‬بالوضع‭ ‬غير‭ ‬القانوني‭ ‬الناجم‭ ‬عن‭ ‬بناء‭ ‬الجدار،‭ ‬ودعت‭ ‬الجمعية‭ ‬العامة‭ ‬ومجلس‭ ‬الأمن‭ ‬إلى‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬أية‭ ‬إجراءات‭ ‬أخرى‭ ‬لإنهاء‭ ‬الوضع‭ ‬غير‭ ‬القانوني‭ ‬للجدار‭.‬

ورغم‭ ‬أن‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية‭ ‬اعتبرت‭ ‬أن‭ ‬الجدار‭ ‬يتم‭ ‬بناؤه‭ ‬بشكل‭ ‬غير‭ ‬قانوني‭. ‬لكن‭ ‬الرأي‭ ‬كان‭ ‬غير‭ ‬ملزم،‭ ‬وبالتالي‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬له‭ ‬تأثير‭ ‬يُذكر‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الواقع،‭ ‬فاستمر‭ ‬البناء‭.‬

ح‭ ‬ــــــــ‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬صدور‭ ‬الفتوى

بعد‭ ‬يومين‭ ‬من‭ ‬صدور‭ ‬قرار‭ ‬محكمة‭ ‬لاهاي‭ ‬وتحديداً‭ ‬في‭ ‬11‭/‬7‭/ ‬2004‭ ‬شهدت‭ ‬رام‭ ‬الله‭ ‬اجتماعاً‭ ‬موسعاً‭ ‬لهيئات‭ ‬السلطة‭ ‬برئاسة‭ ‬ياسر‭ ‬عرفات،‭ ‬ضم‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬القومي،‭ ‬ومجلس‭ ‬الوزراء،‭ ‬وعدداً‭ ‬من‭ ‬أعضاء‭ ‬اللجنة‭ ‬المركزية‭ ‬لحركة‭ ‬فتح،‭ ‬خرج‭ ‬بقرار‭ ‬بعدم‭ ‬التوجه‭ ‬إلى‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬لتنفيذ‭ ‬قرار‭ ‬المحكمة،‭ ‬وقد‭ ‬فسر‭ ‬أصحاب‭ ‬القرار‭ ‬موقفهم‭ ‬هذا،‭ ‬بالضبط‭ ‬الأميركي‭ ‬المكلف،‭ ‬على‭ ‬الجانب‭ ‬الفلسطيني‭. ‬وبالمقابل‭ ‬فقد‭ ‬دعا‭ ‬الأمين‭ ‬العام‭ ‬للجبهة‭ ‬الديمقراطية‭ ‬لتحرير‭ ‬فلسطين،‭ ‬الجانب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬المفاوض‭ ‬جنباً‭ ‬إلى‭ ‬جنب‭ ‬مع‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬والأصدقاء‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬إلى‭ ‬التوجه‭ ‬إلى‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬الدولي‭ ‬فوراً،‭ ‬ودون‭ ‬تأخير،‭ ‬وطرح‭ ‬مشروع‭ ‬قرار‭ ‬جديد‭ ‬لتنفيذ‭ ‬قرار‭ ‬المحكمة‭ ‬بتفكيك‭ ‬‮«‬الجدار‮»‬،‭ ‬تحت‭ ‬طائلة‭ ‬العقوبة‭ ‬بموجب‭ ‬الفصل‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬ميثاق‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬مؤكداً‭ ‬في‭ ‬السياق‭ ‬ضرورة‭ ‬اغتنام‭ ‬‮«‬هذه‭ ‬الفرصة‭ ‬الاستثنائية‮»‬‭. ‬‭(‬7‭)‬

في‭ ‬11‭/‬7‭/‬2004‭ ‬عقدت‭ ‬اللجنة‭ ‬التنفيذية‭ ‬اجتماعاً‭ ‬لها‭ ‬بحضور‭ ‬ممثلي‭ ‬الفصائل،‭ ‬لبحث‭ ‬الموقف‭ ‬من‭ ‬قرار‭ ‬محكمة‭ ‬لاهاي،‭ ‬وزّعت‭ ‬فيه‭ ‬ورقة‭ ‬بعنوان‭ ‬‮«‬عناصر‭ ‬الخطة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬لتفعيل‭ ‬قرار‭ ‬لاهاي‮»‬‭ .. ‬قام‭ ‬بصياغتها‭ ‬ممثل‭ ‬الجبهة‭ ‬الديمقراطية‭ ‬لتحرير‭ ‬فلسطين،‭ ‬دعت‭ ‬الورقة‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬‭ ‬توفير‭ ‬الإمكانية‭ ‬أن‭ ‬يشكل‭ ‬قرار‭ ‬المحكمة‭ ‬الدولية‭ ‬منطلقاً‭ ‬لاستعادة‭ ‬المبادرة‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬الدولي‮»‬،‭ ‬ورأت‭ ‬ضرورة‭ ‬التحرك‭ ‬بسرعة،‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬الزخم‭ ‬الذي‭ ‬ولده‭ ‬قرار‭ ‬لاهاي،‭ ‬والبناء‭ ‬عليه‭ ‬بخطوات‭ ‬متتابعة‭ ‬وبلا‭ ‬تردد‭… ‬غير‭ ‬أن‭ ‬سلسلة‭ ‬من‭ ‬التطورات‭ ‬اللاحقة‭ ‬أغرقت‭ ‬الهيئات‭ ‬القيادية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬بانشغالات‭ ‬شكلت‭ ‬مبرراً،‭ ‬ثم‭ ‬عاملاً‭ ‬ضاغطا‭ ‬ًلتأجيل‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬المسألة‭ ‬برمتها‭. ‬منها‭: ‬الأحداث‭ ‬الأمنية‭ ‬الصاخبة‭ ‬التي‭ ‬شهدها‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬في‭ ‬النصف‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬تموز‭ ‬يوليو‭ ‬2004،‭ ‬وامتدت‭ ‬إلى‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية،‭ ‬واتخذت‭ ‬طابع‭ ‬التظاهرات‭ ‬المسلحة،‭ ‬وإحراق‭ ‬مراكز‭ ‬السلطة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬واحتلال‭ ‬بعضها‭ ‬الآخر‭.. ‬على‭ ‬خلفية‭ ‬قرار‭ ‬رئيس‭ ‬السلطة،‭ ‬بإجراء‭ ‬تعيينات‭ ‬جديدة‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬بعض‭ ‬الأجهزة‭ ‬الأمنية‭. ‬‭(‬8‭)‬

ومنها‭ ‬أيضاً،‭ ‬أزمة‭ ‬حكومة‭ ‬أحمد‭ ‬قريع،‭ ‬وصراعه‭ ‬مع‭ ‬عرفات‭ ‬على‭ ‬الصلاحيات‭ ‬والنفوذ،‭ ‬خطة‭ ‬فك‭ ‬الارتباط‭ ‬مع‭ ‬غزة،‭ ‬العدوان‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬على‭ ‬غزة،‭ ‬وما‭ ‬ألحقه‭ ‬من‭ ‬كوارث‭ ‬بالسكان‭ ‬المدنيين،‭ ‬تدهور‭ ‬صحة‭ ‬الرئيس‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬وانتقاله‭ ‬إلى‭ ‬باريس‭ ‬للعلاج‭.   ‬

اكتفت‭ ‬السلطة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬بقرار‭ ‬الجمعية‭ ‬العامة‭ ‬في‭ ‬20‭/‬7‭/‬2004‭ ‬الذي‭ ‬طالب‭ ‬إسرائيل‭ ‬بهدم‭ ‬الجدار‭. ‬ولم‭ ‬تواصل‭ ‬السلطة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬خطواتها،‭ ‬بحيث‭ ‬تعيد‭ ‬القرار‭ ‬إلى‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن،‭ ‬ليصادق‭ ‬عليه‭ ‬ويصبح‭ ‬ملزماً‭ ‬لإسرائيل‭.‬

يكتسب‭ ‬قرار‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬أهمية‭ ‬استثنائية‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬سبب،‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬تأييد‭ ‬150‭ ‬دولة‭ ‬له،‭ ‬واعتراض‭ ‬6‭ ‬فقط،‭ ‬عن‭ ‬دول‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬قد‭ ‬ساهمت‭ ‬في‭ ‬صياغته‭ ‬ووافقت‭ ‬عليه‭ ‬بالإجماع‭ ‬،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬القرار‭ ‬نفسه‭ ‬أقر‭ ‬أن‭ ‬إسرائيل‭ ‬ملزمة‭ ‬قانونياً‭ ‬بهدم‭ ‬الجدار،‭ ‬ودفع‭ ‬تعويضات‭ ‬عن‭ ‬الأضرار‭ ‬التي‭ ‬نشأت‭ ‬خلال‭ ‬بنائه‭…. ‬ويبقى‭ ‬قرار‭ ‬محكمة‭ ‬لاهاي‭ ‬انتصاراً‭ ‬للقضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬وسلاحاً‭ ‬بيد‭ ‬الحركة‭ ‬الوطنية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬يفترض‭ ‬اللجوء‭ ‬إليه‭ ‬سريعاً‭ ‬لتفعيله‭. ‬‭(‬9‭)‬

الهوامش‭:‬

1-‭ ‬د‭. ‬جبالي،‭ ‬صقر،‭ ‬‮«‬جدار‭ ‬الفصل‭ ‬العنصري‭: ‬حقائق‭ ‬وأرقام‭ ‬إعداد‮»‬،‭ ‬مركز‭ ‬المعلومات‭ ‬الوطني‭ ‬الفلسطيني‭ ‬ـــــــ‭ ‬وفا‭.‬

2-‭ ‬الموسى،‭ ‬محمد‭ ‬خليل،‭ ‬‮«‬رأي‭ ‬محكمة‭ ‬العدل‭ ‬الدولية‭ ‬في‭ ‬الجدار‭ ‬الفاصل‭: ‬الأبعاد‭ ‬القانونية‮»‬،‭ ‬ص5‭/ ‬مجلة‭ ‬الدراسات‭ ‬

‭        ‬الفلسطينية،‭ ‬المجلد‭ ‬18‭ ‬،‭ ‬العدد‭ ‬69‭ .   ‬

3-المصدر‭ ‬السابق‭  ‬ص6

4-‭ ‬المصدر‭ ‬السابق‭  ‬ص8

5-‭ ‬المصدر‭ ‬السابق‭  ‬ص9

6ـــــــ‭ ‬المصدر‭ ‬السابق‭  ‬ص11

7-‭ ‬المركز‭ ‬الفلسطيني‭ ‬للتوثيق‭ ‬والمعلومات‭ ‬‮«‬ملف‮»‬‭ ‬‮«‬خطة‭ ‬فك‭ ‬الارتباط‮»‬‭ ‬الكتاب‭ ‬الـ‮«‬13‮»‬‭ ‬من‭ ‬سلسلة‭ ‬الطريق‭ ‬إلى‭  ‬

‭       ‬الاستقلال‭ ‬ص‭ ‬203

8-‭ ‬المصدر‭ ‬السابق،‭  ‬ص‭ ‬204‭.‬

9-‭ ‬المصدر‭ ‬السابق‭  ‬،‭ ‬ص‭ ‬206‭.‬