الاقتصاد الاسرائيلي… بين حركات المقاطعة واضراب الهستدروت

سبتمبر 3, 2024

بعد‭ ‬أن‭ ‬شهدت‭ ‬حركات‭ ‬المقاطعة‭ ‬تصاعدا‭ ‬هاما‭ ‬في‭ ‬الاشهر‭ ‬الاخيرة،‭ ‬وسرعان‭ ‬ما‭ ‬بدأت‭ ‬تظهر‭ ‬نتائج‭ ‬أولية‭ ‬عن‭ ‬أهميتها‭ ‬ومدى‭ ‬تأثيرها‭ ‬على‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الاسرائيلي،‭ ‬والتي‭ ‬تصاعدت‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬بعد‭ ‬معركة‭ ‬السابع‭ ‬من‭ ‬اكتوبر‭ ‬عام‭ ‬2023،‭ ‬إضافة‭ ‬الى‭ ‬حرب‭ ‬الاستنزاف‭ ‬التي‭ ‬أطلقتها‭ ‬حركات‭ ‬وقوى‭ ‬المقاومة‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬واليمن‭ ‬والعراق،‭ ‬اسنادا‭ ‬للشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬أعلن‭ ‬الاتحاد‭ ‬العمالي‭ ‬العام‭ ‬الاسرائيلي‭ (‬الهستدروت‭) ‬في‭ ‬الاول‭ ‬من‭ ‬سبتمبر‭ ‬2024،‭ ‬الاضراب‭ ‬الشامل‭ ‬في‭ ‬كافة‭ ‬مناحي‭ ‬الحياة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬لدولة‭ ‬الاحتلال‭ ‬الاسرائيلية‭ ‬والتي‭ ‬منها‭ ‬مطار‭ ‬بن‭ ‬غوريون،‭ ‬المرافق‭ ‬التجارية،‭ ‬التعليمية،‭ ‬المواصلات،‭ ‬البلديات‭ ‬في‭ ‬حيفا‭ ‬وتل‭ ‬أبيب‭ ‬والقدس،‭ ‬بدعم‭ ‬من‭ ‬عائلات‭ ‬الاسرى‭ ‬الاسرائيليين‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬وزعيم‭ ‬المعارضة‭ ‬الاسرائيلية‭ ‬يائير‭ ‬لابيد،‭ ‬ما‭ ‬دفع‭ ‬بالمستشارة‭ ‬القانونية‭ ‬لحكومة‭ ‬الاحتلال‭ ‬ان‭ ‬تلجأ‭ ‬الى‭ ‬محكمة‭ ‬العمل‭ ‬الاسرائيلية‭ ‬لاصدار‭ ‬أمر‭ ‬لمنع‭ ‬الاضراب‭ ‬الشامل،‭ ‬بطلب‭ ‬من‭ ‬وزير‭ ‬المالية‭ ‬الاسرائيلي‭ ‬سموتريتش‭ ‬الذي‭ ‬هدد‭ ‬بمنع‭ ‬دفع‭ ‬الرواتب‭ ‬والاجور‭ ‬لكل‭ ‬المشاركين‭ ‬في‭ ‬الاضراب،‭ ‬وقد‭ ‬رضخت‭ ‬المحكمة‭ ‬الى‭ ‬قرار‭ ‬حكومة‭ ‬الاحتلال‭ ‬واصدرت‭ ‬امرا‭ ‬بإنهاء‭ ‬الاضراب‭ ‬معتبرة‭ ‬انه‭ ‬اضراب‭ ‬سياسي‭ ‬وليس‭ ‬له‭ ‬علاقة‭ ‬بحقوق‭ ‬العمال‭. ‬

وبحسب‭ ‬مكتب‭ ‬الاحصاء‭ ‬المركزي‭ ‬الاسرائيلي،‭ ‬فإن‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الاسرائيلي‭ ‬في‭ ‬الربع‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬2024‭ ‬كان‭ ‬اقرب‭ ‬إلى‭ ‬الصفر،‭ ‬اضافة‭ ‬الى‭ ‬تراجع‭ ‬مستوى‭ ‬المعيشة‭ ‬في‭ ‬الداخل‭ ‬الاسرائيلي،‭ ‬وتراجع‭ ‬نسبة‭ ‬الصادرات‭ ‬7‭% ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يشكل‭ ‬ثلث‭ ‬النشاط‭ ‬الاقتصادي‭ ‬الاسرائيلي،‭ ‬وتعتبر‭ ‬نسبة‭ ‬كبيرة‭ ‬مقارنة‭ ‬في‭ ‬حسابات‭ ‬النمو‭ ‬الاقتصادي‭ ‬السنوي‭ ‬لدولة‭ ‬الاحتلال‭ ‬الاسرائيلية،‭ ‬ويؤكد‭ ‬خبراء‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الاسرائيلي‭ ‬ان‭ ‬هذه‭ ‬التبعات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬لا‭ ‬يكترث‭ ‬لها‭ ‬المجتمع‭ ‬الاسرائيلي‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الحالي،‭ ‬لكن‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬ستترك‭ ‬اثرا‭ ‬سلبيا‭ ‬وبشكل‭ ‬كبير‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬في‭ ‬القريب‭ ‬العاجل،‭ ‬وخصوصا‭ ‬بعد‭ ‬ارتفاع‭ ‬نسبة‭ ‬البطالة‭ ‬في‭ ‬الداخل‭ ‬الاسرائيلي‭. ‬

كما‭ ‬سجل‭ ‬التضخم‭ ‬المالي‭ ‬ارتفاعا‭ ‬كبيرا‭ ‬مقارنة‭ ‬بالسنة‭ ‬الماضية،‭ ‬لاسيما‭ ‬بعد‭ ‬قرار‭ ‬البنك‭ /‬المركزي‭ ‬الاسرائيلي‭ ‬إبقاء‭ ‬الفائدة‭ ‬البنكية‭ ‬عالية‭ ‬بنسبة‭ ‬4‭.‬5‭% ‬والتي‭ ‬تضاف‭ ‬لها‭ ‬نسبة‭ ‬الفائدة‭ ‬الثابتة‭ ‬بمعدل‭ ‬1‭.‬5‭%‬،‭ ‬وذلك‭ ‬نتيجة‭ ‬عدم‭ ‬الاستقرار‭ ‬السياسي‭ ‬والامني‭ ‬الذي‭ ‬تعيشه‭ ‬دولة‭ ‬الاحتلال‭ ‬الاسرائيلية‭ ‬حاليا،‭ ‬وفي‭ ‬ظل‭ ‬تراجع‭ ‬البنك‭ ‬المركزي‭ ‬الاسرائيلي‭ ‬عن‭ ‬قراره‭ ‬بتخفيض‭ ‬الفائدة‭  ‬بنسبة‭ (‬0.25%‭). ‬

إن‭ ‬ارتفاع‭ ‬التضخم‭ ‬في‭ ‬دولة‭ ‬الاحتلال‭ ‬الاسرائيلي‭ ‬بنسبة‭ ‬3‭.‬2‭% ‬والذي‭ ‬يعد‭ ‬أعلى‭ ‬من‭ ‬توقعات‭ ‬حكومة‭ ‬الاحتلال‭ ‬الاسرائيلي‭ ‬التي‭ ‬قدرته‭ ‬بنسبة‭ ‬2‭%‬،‭ ‬وخفض‭ ‬وكالة‭ ‬التصنيفات‭ ‬الائتمانية‭ ‬‮«‬فيتش‮»‬‭ ‬التصنيف‭ ‬الائتماني‭ ‬لاسرائيل‭ ‬وفشل‭ ‬الحكومة‭ ‬في‭ ‬صياغة‭ ‬موازنة‭ ‬الدولة‭ ‬لعام‭ ‬2025،‭ ‬يثير‭ ‬عدم‭ ‬حصول‭ ‬اسرائيل‭ ‬على‭ ‬ميزانية‭ ‬معتمدة‭ ‬في‭ ‬الشهر‭ ‬الاول‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬2025،‭ ‬ما‭ ‬يولد‭ ‬تخوفات‭ ‬لدى‭ ‬البنك‭ ‬المركزي‭ ‬الاسرائيلي‭ ‬لعدم‭ ‬تخفيض‭ ‬الفائدة‭ ‬البنكية‭. ‬

ويشير‭ ‬محللون‭ ‬اقتصاديون‭ ‬ان‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬مع‭ ‬عدم‭ ‬وجود‭ ‬خطة‭ ‬طوارئ‭ ‬اقتصادية‭ ‬وتجميد‭ ‬مناقشة‭ ‬الموازنة‭ ‬لعام‭ ‬2025‭ ‬لا‭ ‬يبشر‭ ‬بالخير،‭ ‬وسيؤدي‭ ‬الى‭ ‬اغلاق‭ ‬المصانع‭ ‬والمرافق‭ ‬التجارية‭ ‬وطرد‭ ‬العمال‭ ‬من‭ ‬عملهم،‭ ‬ما‭ ‬ينعكس‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬المعيشة‭ ‬في‭ ‬الداخل‭ ‬الاسرائيلي،‭ ‬اضافة‭ ‬الى‭ ‬انخفاض‭ ‬كمية‭ ‬الانتاج‭ ‬ما‭ ‬يؤدي‭ ‬الى‭ ‬الانكماش‭ ‬الاقتصادي‭. ‬

بينما‭ ‬في‭ ‬الجانب‭ ‬الاخر،‭ ‬يرى‭ ‬محللون‭ ‬اقتصاديون‭ ‬اسرائيليون‭ ‬ان‭ ‬نسبة‭ ‬النمو‭ ‬الصفرية‭ ‬التي‭ ‬اشار‭ ‬لها‭ ‬البنك‭ ‬المركزي‭ ‬الاسرائيلي‭ ‬بأنها‭ ‬مضللة،‭ ‬وانها‭ ‬انخفضت‭ ‬بنسبة‭ ‬1‭.‬4‭% ‬تحت‭ ‬الصفر،‭ ‬واذا‭ ‬تم‭  ‬حسبان‭ ‬كمية‭ ‬الانتاج‭ ‬ودعم‭ ‬الحكومة‭ ‬الاسرائيلية‭ ‬التي‭ ‬ضخت‭ ‬مبالغ‭ ‬ضخمة‭ ‬للمساعدات‭ ‬الامنية‭ ‬والمدنية،‭ ‬فإن‭ ‬نسبة‭ ‬الانخفاض‭ ‬ستتضاعف‭ ‬بشكل‭ ‬أكبر‭ ‬بكثير،‭ ‬وسيكون‭ ‬الانحدار‭ ‬بشكل‭ ‬اكثر‭ ‬حدة‭. ‬

وأمام‭ ‬هذا‭ ‬الواقع‭ ‬الاقتصادي‭ ‬المزري‭ ‬لدولة‭ ‬الاحتلال‭ ‬الاسرائيلي،‭ ‬يتطلب‭ ‬منا‭ ‬التصعيد‭ ‬أكثر‭ ‬في‭ ‬تنشيط‭ ‬حملات‭ ‬المقاطعة‭ ‬التي‭ ‬باتت‭ ‬تأخذ‭ ‬مداها‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬الشعبي،‭ ‬وممارسة‭ ‬الضغوط‭ ‬الشعبية‭ ‬لتكرس‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬الرسمي،‭ ‬خصوصا‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬تدعم‭ ‬دولة‭ ‬الاحتلال‭ ‬الاسرائيلية،‭ ‬وتورد‭ ‬له‭ ‬البضائع‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الممرات‭ ‬البرية،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬لعب‭ ‬اليمن‭ ‬دورا‭ ‬هاما‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بممر‭ ‬البحر‭ ‬الاحمر‭ ‬والذي‭ ‬يعد‭ ‬سلاحا‭ ‬وجوديا‭ ‬وشريانا‭ ‬حيويا‭ ‬لدولة‭ ‬الاحتلال‭ ‬الاسرائيلية،‭ ‬دون‭ ‬الاتكال‭ ‬كثيرا‭ ‬على‭ ‬اضراب‭ ‬الهستدروت‭ ‬الذي‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬يتم‭ ‬قمعه‭ ‬من‭ ‬سلطات‭ ‬الاحتلال‭ ‬الاسرائيلية،‭ ‬والذي‭ ‬إن‭ ‬تحرك‭ ‬لا‭ ‬يتحرك‭ ‬من‭ ‬اجل‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬انما‭ ‬لقضايا‭ ‬داخلية‭ ‬تتعلق‭ ‬بالشأن‭ ‬الاسرائيلي‭ ‬الداخلي،‭ ‬ولما‭ ‬يرى‭ ‬ان‭ ‬مصلحة‭ ‬اسرائيل‭ ‬أولا،‭ ‬سيتخلى‭ ‬عن‭ ‬اضرابه‭ ‬فورا‭. ‬

‭ ‬ويبقى‭ ‬السؤال،‭ ‬ماذا‭ ‬لو‭ ‬استكمل‭ ‬الهستدروت‭ ‬إضرابه‭ ‬الشامل؟‭ ‬فهل‭ ‬ستنهار‭ ‬اسرائيل‭ ‬أم‭ ‬ستعطيها‭ ‬الادارة‭ ‬الاميركية‭ ‬أوكسجين‭ ‬لانعاشها‭ ‬مجددا؟‭ ‬وهل‭ ‬سيقبل‭ ‬الشعب‭ ‬الاميركي‭ ‬ان‭ ‬تهدر‭ ‬ضرائبه‭ ‬ثانية،‭ ‬بعد‭ ‬ان‭ ‬أصبح‭ ‬يتملل‭ ‬من‭ ‬الدعم‭ ‬اللامحدود؟‭ ‬انها‭ ‬ثورة‭ ‬اقتصادية،‭ ‬تدل‭ ‬على‭ ‬عمق‭ ‬أزمة‭ ‬الرأسمالية‭ ‬التي‭ ‬بدأت‭ ‬تتضح‭ ‬معالمها،‭ ‬وتتسرع‭ ‬في‭ ‬الانهيار‭. ‬