الاقتصاد الاسرائيلي… بين حركات المقاطعة واضراب الهستدروت
خيارات المشاركة
المقالات
فؤاد بكر | مسؤول دائرة المقاطعة في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
بعد أن شهدت حركات المقاطعة تصاعدا هاما في الاشهر الاخيرة، وسرعان ما بدأت تظهر نتائج أولية عن أهميتها ومدى تأثيرها على الاقتصاد الاسرائيلي، والتي تصاعدت بشكل كبير بعد معركة السابع من اكتوبر عام 2023، إضافة الى حرب الاستنزاف التي أطلقتها حركات وقوى المقاومة في لبنان واليمن والعراق، اسنادا للشعب الفلسطيني في قطاع غزة، أعلن الاتحاد العمالي العام الاسرائيلي (الهستدروت) في الاول من سبتمبر 2024، الاضراب الشامل في كافة مناحي الحياة الاقتصادية لدولة الاحتلال الاسرائيلية والتي منها مطار بن غوريون، المرافق التجارية، التعليمية، المواصلات، البلديات في حيفا وتل أبيب والقدس، بدعم من عائلات الاسرى الاسرائيليين في قطاع غزة وزعيم المعارضة الاسرائيلية يائير لابيد، ما دفع بالمستشارة القانونية لحكومة الاحتلال ان تلجأ الى محكمة العمل الاسرائيلية لاصدار أمر لمنع الاضراب الشامل، بطلب من وزير المالية الاسرائيلي سموتريتش الذي هدد بمنع دفع الرواتب والاجور لكل المشاركين في الاضراب، وقد رضخت المحكمة الى قرار حكومة الاحتلال واصدرت امرا بإنهاء الاضراب معتبرة انه اضراب سياسي وليس له علاقة بحقوق العمال.
وبحسب مكتب الاحصاء المركزي الاسرائيلي، فإن الاقتصاد الاسرائيلي في الربع الثاني من العام 2024 كان اقرب إلى الصفر، اضافة الى تراجع مستوى المعيشة في الداخل الاسرائيلي، وتراجع نسبة الصادرات 7% وهو ما يشكل ثلث النشاط الاقتصادي الاسرائيلي، وتعتبر نسبة كبيرة مقارنة في حسابات النمو الاقتصادي السنوي لدولة الاحتلال الاسرائيلية، ويؤكد خبراء في الاقتصاد الاسرائيلي ان هذه التبعات الاقتصادية لا يكترث لها المجتمع الاسرائيلي في الوقت الحالي، لكن سرعان ما ستترك اثرا سلبيا وبشكل كبير على المستوى الاقتصادي والاجتماعي في القريب العاجل، وخصوصا بعد ارتفاع نسبة البطالة في الداخل الاسرائيلي.
كما سجل التضخم المالي ارتفاعا كبيرا مقارنة بالسنة الماضية، لاسيما بعد قرار البنك /المركزي الاسرائيلي إبقاء الفائدة البنكية عالية بنسبة 4.5% والتي تضاف لها نسبة الفائدة الثابتة بمعدل 1.5%، وذلك نتيجة عدم الاستقرار السياسي والامني الذي تعيشه دولة الاحتلال الاسرائيلية حاليا، وفي ظل تراجع البنك المركزي الاسرائيلي عن قراره بتخفيض الفائدة بنسبة (0.25%).
إن ارتفاع التضخم في دولة الاحتلال الاسرائيلي بنسبة 3.2% والذي يعد أعلى من توقعات حكومة الاحتلال الاسرائيلي التي قدرته بنسبة 2%، وخفض وكالة التصنيفات الائتمانية «فيتش» التصنيف الائتماني لاسرائيل وفشل الحكومة في صياغة موازنة الدولة لعام 2025، يثير عدم حصول اسرائيل على ميزانية معتمدة في الشهر الاول من العام 2025، ما يولد تخوفات لدى البنك المركزي الاسرائيلي لعدم تخفيض الفائدة البنكية.
ويشير محللون اقتصاديون ان الاستمرار في الحرب مع عدم وجود خطة طوارئ اقتصادية وتجميد مناقشة الموازنة لعام 2025 لا يبشر بالخير، وسيؤدي الى اغلاق المصانع والمرافق التجارية وطرد العمال من عملهم، ما ينعكس بشكل مباشر على مستوى المعيشة في الداخل الاسرائيلي، اضافة الى انخفاض كمية الانتاج ما يؤدي الى الانكماش الاقتصادي.
بينما في الجانب الاخر، يرى محللون اقتصاديون اسرائيليون ان نسبة النمو الصفرية التي اشار لها البنك المركزي الاسرائيلي بأنها مضللة، وانها انخفضت بنسبة 1.4% تحت الصفر، واذا تم حسبان كمية الانتاج ودعم الحكومة الاسرائيلية التي ضخت مبالغ ضخمة للمساعدات الامنية والمدنية، فإن نسبة الانخفاض ستتضاعف بشكل أكبر بكثير، وسيكون الانحدار بشكل اكثر حدة.
وأمام هذا الواقع الاقتصادي المزري لدولة الاحتلال الاسرائيلي، يتطلب منا التصعيد أكثر في تنشيط حملات المقاطعة التي باتت تأخذ مداها على الصعيد الشعبي، وممارسة الضغوط الشعبية لتكرس على الصعيد الرسمي، خصوصا في الدول التي لا تزال تدعم دولة الاحتلال الاسرائيلية، وتورد له البضائع من خلال الممرات البرية، بعد أن لعب اليمن دورا هاما فيما يتعلق بممر البحر الاحمر والذي يعد سلاحا وجوديا وشريانا حيويا لدولة الاحتلال الاسرائيلية، دون الاتكال كثيرا على اضراب الهستدروت الذي سرعان ما يتم قمعه من سلطات الاحتلال الاسرائيلية، والذي إن تحرك لا يتحرك من اجل القضية الفلسطينية انما لقضايا داخلية تتعلق بالشأن الاسرائيلي الداخلي، ولما يرى ان مصلحة اسرائيل أولا، سيتخلى عن اضرابه فورا.
ويبقى السؤال، ماذا لو استكمل الهستدروت إضرابه الشامل؟ فهل ستنهار اسرائيل أم ستعطيها الادارة الاميركية أوكسجين لانعاشها مجددا؟ وهل سيقبل الشعب الاميركي ان تهدر ضرائبه ثانية، بعد ان أصبح يتملل من الدعم اللامحدود؟ انها ثورة اقتصادية، تدل على عمق أزمة الرأسمالية التي بدأت تتضح معالمها، وتتسرع في الانهيار.