الضفة كما غزة هدفاً استراتيجياً في مخطط «الحسم» وافشاله يتطلب سياسة فلسطينية فاعلة

سبتمبر 1, 2024

تشير‭ ‬التقارير‭ ‬الرسمية‭ ‬وغير‭ ‬الرسمية‭ ‬الواردة‭ ‬من‭ ‬شمال‭ ‬الضفة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬وآخرها‭ ‬بيان‭ ‬بلدية‭ ‬جنين‭ ‬الذي‭ ‬أوضح‭ ‬أن‭ ‬جيش‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬جرف‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬70‭% ‬من‭ ‬شوارع‭ ‬مدينة‭ ‬جنين‭ ‬و20‭ ‬كم‭ ‬من‭ ‬شبكات‭ ‬المياه‭ ‬والصرف‭ ‬الصحي‭ ‬وكوابل‭ ‬الاتصالات‭ ‬والكهرباء‭ ‬ما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬انقطاع‭ ‬المياه‭ ‬عن‭ ‬كامل‭ ‬مخيم‭ ‬جنين‭ ‬و80‭% ‬من‭ ‬المدينة،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬ذلك‭ ‬حرق‭ ‬سوق‭ ‬الخضروات‭ ‬الشعبي‭ ‬في‭ ‬المدينة‭.‬

ولم‭ ‬يكتف‭ ‬جيش‭ ‬الاحتلال‭ ‬بارتكاب‭ ‬جرائم‭ ‬إبادة‭ ‬بحق‭ ‬المواطنين‭ ‬بل‭ ‬طالت‭ ‬تدمير‭ ‬الشوارع‭ ‬والبنى‭ ‬التحتية‭ ‬واستهدف‭ ‬المشافي‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬جنين،‭ ‬حيث‭ ‬أفاد‭ ‬مدير‭ ‬مستشفى‭ ‬جنين‭ ‬أن‭ ‬قوات‭ ‬الاحتلال‭ ‬تفرض‭ ‬حصاراً‭ ‬حول‭ ‬المستشفى‭ ‬وتعرقل‭ ‬عمل‭ ‬سيارات‭ ‬الإسعاف‭ ‬والطواقم‭ ‬الطبية‭ ‬وتمنع‭ ‬المواطنين‭ ‬من‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬المشفى‭ ‬وانقطاع‭ ‬الكهرباء‭ ‬والمياه‭ ‬ما‭ ‬ينذر‭ ‬بتوقف‭ ‬عمل‭ ‬المشفى‭ ‬بالكامل‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬توقفت‭ ‬المولدات،‭ ‬فيما‭ ‬عبرت‭ ‬منظمة‭ ‬أطباء‭ ‬بلا‭ ‬حدود‭ ‬عن‭ ‬مخاوفها‭ ‬من‭ ‬محاصرة‭ ‬قوات‭ ‬الاحتلال‭ ‬المشافي‭ ‬وقطع‭ ‬إمدادات‭ ‬الكهرباء‭ ‬والمياه‭ ‬عن‭ ‬مستشفى‭ ‬جنين‭ ‬والذي‭ ‬أدى‭ ‬بدوره‭ ‬إلى‭ ‬وقف‭ ‬عمليات‭ ‬غسيل‭ ‬الكلى‭.‬

هذه‭ ‬الصورة‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬بمدينة‭ ‬جنين‭ ‬لوحدها‭ ‬بل‭ ‬طالت‭ ‬مخيم‭ ‬نور‭ ‬شمس‭ ‬بطولكرم‭ ‬ومخيم‭ ‬الفارعة‭ ‬بنابلس‭ ‬ومناطق‭ ‬في‭ ‬الأغوار،‭ ‬وهي‭ ‬استكمال‭ ‬لما‭ ‬يجري‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬من‭ ‬جرائم‭ ‬إبادة‭ ‬جماعية‭ ‬من‭ ‬قتل‭ ‬وتدمير‭ ‬وتهجير‭ ‬وتجويع‭ ‬وتعطيش،‭ ‬حيث‭ ‬أن‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬اسرائيل‭ ‬كاتس‭ ‬نشر‭ ‬بيانًا‭ ‬بنفس‭ ‬اللغة‭ ‬التي‭ ‬نشرها‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬مع‭ ‬بدء‭ ‬الحرب‭ ‬قال‭ ‬فيه،‭ ‬‮«‬سنعمل‭ ‬على‭ ‬إخلاء‭ ‬مؤقت‭ ‬للسكان‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية،‭ ‬هذه‭ ‬حرب‭ ‬بكل‭ ‬معنى‭ ‬الكلمة‭ ‬ونحن‭ ‬ملتزمون‭ ‬بالانتصار‭ ‬فيها‮»‬،‭ ‬والتي‭ ‬ترافقت‭ ‬مع‭ ‬تصريحات‭ ‬تحريضية‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬المسؤولين‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬ومنهم‭ ‬سموتريتش‭ ‬وبن‭ ‬غفير‭ ‬والتي‭ ‬وصفها‭ ‬البعض‭ ‬بأنها‭ ‬تشكل‭ ‬خطراً‭ ‬وهي‭ ‬قنبلة‭ ‬موقوتة‭ ‬بعد‭ ‬غزة‭.‬

إن‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬الضفة‭ ‬من‭ ‬تحويله‭ ‬لمسرح‭ ‬للقتل‭ ‬المجاني‭ ‬ليس‭ ‬كما‭ ‬يدعي‭ ‬قادة‭ ‬الاحتلال‭ ‬رداً‭ ‬على‭ ‬مجموعات‭ ‬للمقاومة‭ ‬في‭ ‬شمالها‭ ‬بل‭ ‬أنها‭ ‬تشكل‭ ‬مرحلة‭ ‬خطيرة‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬التهجير‭ ‬والضم‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬مخطط‭ ‬‮«‬الحسم‮»‬‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬مشروع‭ ‬متكامل،‭ ‬تلجأ‭ ‬فيها‭ ‬دولة‭ ‬الاحتلال‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬أنواع‭ ‬الأسلحة،‭ ‬من‭ ‬الطائرات‭ ‬الحربية‭ ‬إلى‭ ‬الدبابات‭ ‬والجرافات،‭ ‬والقصف‭ ‬المدفعي‭ ‬في‭ ‬إمتداد‭ ‬صارخ‭ ‬لما‭ ‬يجري‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬بهدف‭ ‬إعادة‭ ‬رسم‭ ‬خرائط‭ ‬الانتشار‭ ‬السكاني‭ ‬الفلسطيني‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية،‭ ‬لجهة‭ ‬إفراغها‭ ‬المتدرج‭ ‬من‭ ‬السكان،‭ ‬لتوسيع‭ ‬مساحات‭ ‬الاستيطان‭ ‬الاستعماري،‭ ‬وفصل‭ ‬الضفة‭ ‬عن‭ ‬غزة‭ ‬واستكمال‭ ‬تهويد‭ ‬مدينة‭ ‬القدس،‭ ‬وإلغاء‭ ‬الواقع‭ ‬القانوني‭ ‬والتاريخي‭ ‬للمقدسات‭ ‬الإسلامية‭ ‬والمسيحية،‭ ‬وفي‭ ‬القلب‭ ‬منها‭ ‬المسجد‭ ‬الأقصى‭ ‬المبارك‭.‬

ومن‭ ‬الواضح‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬في‭ ‬الضفة،‭ ‬يتم‭ ‬بعلم‭ ‬الإدارة‭ ‬الأميركية،‭ ‬كما‭ ‬صرح‭ ‬ناطق‭ ‬باسم‭ ‬البنتاغون،‭ ‬فهي‭ ‬تقف‭ ‬بكل‭ ‬قوة‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬إسرائيل‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬المبدأ،‭ ‬وإلى‭ ‬جانب‭ ‬حكومة‭ ‬نتنياهو،‭ ‬باعتبارها‭ ‬أداتها‭ ‬الإقليمية‭ ‬لإعادة‭ ‬رسم‭ ‬خرائط‭ ‬المنطقة،‭ ‬تنفيذاً‭ ‬لمخططاتها‭ ‬الإستراتيجية،‭ ‬ويتم‭ ‬أيضاً‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬صمت‭ ‬وتواطؤ‭ ‬عربي‭ ‬ودعم‭ ‬وإسناد‭ ‬بعض‭ ‬العواصم‭ ‬الغربية‭.‬

إن‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬من‭ ‬وقائع‭ ‬ميدانية‭ ‬ودموية‭ ‬لا‭ ‬تستهدف‭ ‬جهة‭ ‬فلسطينية‭ ‬أو‭ ‬تيار‭ ‬فلسطيني‭ ‬دون‭ ‬غيره‭ ‬كما‭ ‬يدعي‭ ‬قادة‭ ‬الاحتلال‭ ‬وجيشه،‭ ‬بل‭ ‬تستهدف‭ ‬الكل‭ ‬الفلسطيني‭ ‬وفي‭ ‬مقدمته‭ ‬السلطة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬وصلاحياتها‭ ‬ودورها‭ ‬وخاصة‭ ‬الحصار‭ ‬المالي‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬المفروض‭ ‬عليها‭ ‬والإجراءات‭ ‬الميدانية‭ ‬التي‭ ‬تحد‭ ‬من‭ ‬صلاحياتها‭ ‬وتفرغ‭ ‬دورها‭ ‬من‭ ‬مضمونه‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬خطة‭ ‬الضم‭ ‬والتهجير‭ ‬والحسم‭ ‬الإسرائيلي‭.‬

وبالاشارة‭ ‬إلى‭ ‬مخطط‭ ‬الحسم‭ ‬وفق‭ ‬أركان‭ ‬حكومة‭ ‬نتنياهو‭ ‬ومجلس‭ ‬حربه‭ ‬تنص‭ ‬أنه‭ ‬على‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الاختيار‭ ‬بين‭ ‬ثلاثة،‭ ‬إما‭ ‬التهجير‭ ‬أو‭ ‬العيش‭ ‬مثل‭ ‬حياة‭ ‬العبيد‭ ‬ذليلاً‭ ‬أو‭ ‬الموت‭.‬

أمام‭ ‬تلك‭ ‬المعطيات‭ ‬والصور‭ ‬الواضحة‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬والميدان‭ ‬مع‭ ‬دخول‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬ومسارها‭ ‬النضالي‭ ‬مرحلة‭ ‬حاسمة‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬ممكناً‭ ‬الانتظار‭ ‬أو‭ ‬التلكؤ‭ ‬أو‭ ‬الرهان‭ ‬على‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬أو‭ ‬غيرها‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬الناتو‭ ‬أو‭ ‬إصدار‭ ‬بيانات‭ ‬وتصريحات‭ ‬الشجب‭ ‬والاستنكار‭ ‬والإدانة،‭ ‬بل‭ ‬بات‭ ‬الأمر‭ ‬يتطلب‭ ‬سياسة‭ ‬عملية‭ ‬فاعلة‭ ‬ومؤثرة،‭ ‬في‭ ‬الميدان،‭ ‬أولاً‭ ‬وقبل‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬وفي‭ ‬المحافل‭ ‬الدولية،‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬الشروع‭ ‬في‭ ‬إعادة‭ ‬النظر‭ ‬بالعلاقة‭ ‬مع‭ ‬دولة‭ ‬الاحتلال،‭ ‬عبر‭ ‬3‭ ‬خطوات،‭ ‬رسمها‭ ‬المجلس‭ ‬المركزي،‭ ‬سياسياً‭ ‬وأمنياً‭ ‬واقتصادياً،‭ ‬وبخاصة‭ ‬تحرير‭ ‬الأجهزة‭ ‬الأمنية‭ ‬للسلطة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬من‭ ‬إلتزامات‭ ‬‮«‬إتفاق‭ ‬أوسلو‮»‬،‭ ‬والبدء‭ ‬بترجمة‭ ‬مخرجات‭ ‬‮«‬إعلان‭ ‬بكين‮»‬،‭ ‬بما‭ ‬يستدعي‭ ‬الدعوة‭ ‬الفورية‭ ‬للإطار‭ ‬القيادي‭ ‬الموحد‭ ‬والمؤقت،‭ ‬ليتحمل‭ ‬مسؤولياته‭ ‬الوطنية،‭ ‬وتشكيل‭ ‬حكومة‭ ‬الوفاق‭ ‬الوطني،‭ ‬بمسؤولياتها‭ ‬الشاملة‭ ‬عن‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬وقطاع‭ ‬غزة،‭ ‬والإنتقال‭ ‬إلى‭ ‬إستراتيجية‭ ‬سياسية‭ ‬كفاحية‭ ‬وطنية‭ ‬جامعة،‭ ‬تستنهض‭ ‬كل‭ ‬عناصر‭ ‬القوة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬في‭ ‬المواجهة‭ ‬الشاملة‭ ‬التي‭ ‬يحاول‭ ‬الاحتلال‭ ‬أن‭ ‬ينفذ‭ ‬منها‭ ‬إلى‭ ‬تحقيق‭ ‬مآربه‭ ‬وأهدافه‭ ‬التصفوية‭.‬