ماذا بعد تفويت السلطة الفلسطينية؟!

أغسطس 8, 2024

وصل‭ ‬‮«‬إتفاق‭ ‬أوسلو‮»‬‭ ‬لمراحله‭ ‬الأخيرة،‭ ‬وحققت‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬إسرائيل‭ ‬القسم‭ ‬الأكبر‭ ‬من‭ ‬مشروعها‭ ‬التصفوي‭ ‬للقضية‭ ‬الفلسطينية‭. ‬فقد‭ ‬نجحت‭ ‬في‭ ‬جر‭ ‬القيادة‭ ‬الرسمية‭ ‬لمنظمة‭ ‬التحرير‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬من‭ ‬مربع‭ ‬كونها‭ ‬قيادة‭ ‬لحركة‭ ‬التحرر‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬مشروع‭ ‬وطني‭ ‬أقره‭ ‬المجلس‭ ‬الوطني‭ ‬في‭ ‬10‭/‬11/1988،‭ ‬إلى‭ ‬مربع‭ ‬سلطة‭ ‬فلسطينية،‭ ‬محاصرة‭ ‬بسلسلة‭ ‬من‭ ‬القيود‭ ‬والإستحقاقات‭ ‬والإلتزامات،‭ ‬فرضت‭ ‬عليها،‭ ‬مسؤولياتها،‭ ‬ومصالحها‭ ‬السلطوية‭ ‬أن‭ ‬تبتعد‭ ‬شيئاً‭ ‬فشيئاً‭ ‬عن‭ ‬إلتزامات‭ ‬المشروع‭ ‬الوطني،‭ ‬لمراعاة‭ ‬مصالحها‭ ‬السلطوية،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الإنخراط‭ ‬في‭ ‬رحلة‭ ‬تيه‭ ‬سياسي‭ ‬في‭ ‬مفاوضات‭ ‬عبثية،‭ ‬وفرت‭ ‬الوقت‭ ‬والغطاء‭ ‬الضروريين‭ ‬لدولة‭ ‬الاحتلال،‭ ‬لبناء‭ ‬تراكمات‭ ‬شبه‭ ‬يومية،‭ ‬سياسية‭ ‬وقانونية‭ ‬وميدانية،‭ ‬وصولاً‭ ‬إلى‭ ‬تولي‭ ‬وزير‭ ‬المال،‭ ‬الوزير‭ ‬المقيم‭ ‬في‭ ‬وزارة‭ ‬الدفاع،‭ ‬ورئيس‭ ‬كتلة‭ ‬الصهيونية‭ ‬الدينية،‭ ‬ملف‭ ‬الاستيطان،‭ ‬في‭ ‬حكومة‭ ‬فاشية‭ ‬أعلنت‭ ‬منذ‭ ‬الأيام‭ ‬الأولى‭ ‬لتوليها‭ ‬السلطة،‭ ‬نهاية‭ ‬العام‭ ‬2022،‭ ‬أن‭ ‬برنامجها‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬ضم‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية،‭ ‬استكمال‭ ‬تهويد‭ ‬القدس،‭ ‬وفرض‭ ‬التقاسم‭ ‬الزماني‭ ‬والمكاني‭ ‬على‭ ‬الأقصى‭ ‬المبارك‭ (‬بانتظار‭ ‬تطورات‭ ‬قد‭ ‬تطال،‭ ‬جذرياً،‭ ‬واقعه‭ ‬الحالي‭ ‬ووضعه‭ ‬القانوني‭)‬،‭ ‬رفعت‭ ‬في‭ ‬السياق،‭ ‬شعاراً‭ ‬لحكومتها‭: ‬أرض‭ (‬فلسطين‭) ‬هي‭ ‬ملك‭ ‬للشعب‭ ‬اليهودي‭ ‬حصراً‭.‬

وترجم‭ ‬سموتريتش،‭ ‬وزير‭ ‬المال،‭ ‬وزير‭ ‬الاستيطان،‭ ‬هذا‭ ‬الشعار،‭ ‬بخطوات‭ ‬ثلاثية‭ ‬الأضلاع‭: ‬سلطة‭ ‬فلسطينية‭ ‬للحكم‭ ‬الإداري‭ ‬الذاتي،‭ ‬تابعة‭ ‬لدولة‭ ‬الاحتلال،‭ ‬وملحقة‭ ‬بها‭ ‬سياسياً‭ ‬وأمنياً‭ ‬واقتصادياً؛‭ ‬خطة‭ ‬تهجير‭ ‬كبرى‭ ‬لسكان‭ ‬الضفة،‭ ‬عبر‭ ‬إجراءات‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬أن‭ ‬تشجع‭ ‬الفلسطيني‭ ‬على‭ ‬الرحيل‭ ‬عن‭ ‬أرضه؛‭ ‬خطة‭ ‬أمنية‭ ‬لمعارضي‭ ‬هذه‭ ‬الخطة،‭ ‬تخيرهم‭ ‬بين‭ ‬السجن‭ ‬والموت‭.‬

وعلى‭ ‬هدى‭ ‬هذه‭ ‬الخطة‭ ‬بأضلعها‭ ‬الثلاثة،‭ ‬باشر‭ ‬سموتريتش‭ ‬تنفيذ‭ ‬مشروعه،‭ ‬فأعلن‭ ‬ضم‭ ‬المنطقة‭ ‬‮«‬ب‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬المنطقة‭ ‬‮«‬ج‮»‬‭ (‬82%‭ ‬من‭ ‬مساحة‭ ‬الضفة‭)‬،‭ ‬باعتبارها‭ ‬منطقة‭ ‬واحدة،‭ ‬تخضع‭ ‬للقانون‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬نزع‭ ‬ولاية‭ ‬السلطة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬عن‭ ‬المنطقة‭ ‬‮«‬ب‮»‬،‭ ‬تطبيق‭ ‬القانون‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬على‭ ‬المستوطنات،‭ ‬بحيث‭ ‬يكون‭ ‬حكمها‭ ‬أمام‭ ‬القانون‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬كحكم‭ ‬مدينة‭ ‬تل‭ ‬أبيب‭ (‬أي‭ ‬الضم‭)‬،‭ ‬ونزع‭ ‬سلطات‭ ‬الجيش‭ ‬عنها‭ ‬لصالح‭ ‬سلطات‭ ‬الشرطة،‭ ‬كباقي‭ ‬مدن‭ ‬إسرائيل؛‭ ‬فرض‭ ‬الحكم‭ ‬العسكري‭ ‬على‭ ‬المنطقة‭ ‬‮«‬أ‮»‬،‭ ‬المنطقة‭ ‬التي‭ ‬تدير‭ ‬شؤونها‭ ‬السلطة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬ونزع‭ ‬صلاحيات‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الوزارات،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬حقها‭ ‬في‭ ‬منح‭ ‬رخص‭ ‬البناء،‭ ‬وحصرها‭ ‬بالإدارة‭ ‬المدنية‭ ‬لدولة‭ ‬الاحتلال،‭ ‬وإزاحة‭ ‬وزارة‭ ‬الشؤون‭ ‬المدنية‭ ‬جانباً،‭ ‬لصالح‭ ‬العلاقة‭ ‬المباشرة‭ ‬بين‭ ‬أصحاب‭ ‬المصالح‭ ‬من‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬مع‭ ‬الإدارة‭ ‬المدنية‭ (‬السجلات‭ ‬المدنية‭ + ‬رخص‭ ‬البناء‭ + ‬رخص‭ ‬الاستيراد‭ ‬والتصدير،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬المعاملات‭ ‬التجارية‭ ‬والمالية‭ ‬‮…‬‭)‬،‭ ‬فرض‭ ‬الحصار‭ ‬المالي‭ ‬على‭ ‬السلطة‭ ‬ومصادرة‭ ‬مبالغ‭ ‬ضخمة‭ ‬من‭ ‬أموال‭ ‬المقاصة‭ ‬التابعة‭ ‬للسلطة،‭ ‬تحت‭ ‬ذرائع‭ ‬مختلفة،‭ ‬تعويضات‭ ‬مالية‭ ‬للعائلات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬المتضررة‭ ‬من‭ ‬الأعمال‭ ‬العسكرية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬أو‭ ‬حجز‭ ‬ما‭ ‬قيمته‭ ‬حصة‭ ‬القطاع‭ ‬من‭ ‬موازنة‭ ‬السلطة،‭ ‬وكذلك‭ ‬الأمر‭ ‬مع‭ ‬المبلغ‭ ‬المخصص‭ ‬لعوائل‭ ‬الشهداء‭ ‬والأسرى،‭ ‬وفرض‭ ‬حجوزات‭ ‬ضخمة‭ ‬على‭ ‬أموال‭ ‬السلطة‭ ‬بدواعي‭ ‬عدة،‭ ‬وهي‭ ‬كلها‭ ‬مبالغ‭ ‬تصل‭ ‬في‭ ‬مجموعها‭ ‬إلى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مليار‭ ‬دولار،‭ ‬تستقطع‭ ‬من‭ ‬موازنة‭ ‬لا‭ ‬تتجاوز‭ ‬في‭ ‬مجملها‭ ‬4‭,‬5‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يساوي‭ ‬ربع‭ ‬الموازنة،‭ ‬دون‭ ‬احتساب‭ ‬نسبة‭ ‬العجز‭ ‬المالي‭ ‬المتراكم‭ ‬سنوياً،‭ ‬وهو‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬حال‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تسدد‭ ‬السلطة‭ ‬رواتب‭ ‬الموظفين‭ (‬إلا‭ ‬بنسب‭ ‬قليلة‭)‬،‭ ‬وكذلك‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تسدد‭ ‬ديونها‭ ‬المحلية‭ ‬إلى‭ ‬المصارف‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أدى‭ ‬فيما‭ ‬أدى‭ ‬إليه،‭ ‬إلى‭ ‬إغراق‭ ‬الضفة‭ ‬في‭ ‬أزمة‭ ‬اقتصادية،‭ ‬ومعيشية،‭ ‬مع‭ ‬ركود‭ ‬اقتصادي‭ ‬خطير،‭ ‬خاصة‭ ‬وأن‭ ‬رواتب‭ ‬الموظفين،‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬معروف،‭ ‬هي‭ ‬المحرك‭ ‬الرئيس‭ ‬للسوق‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية،‭ ‬ومن‭ ‬نتائج‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬أرصدة‭ ‬المصارف‭ ‬المحلية،‭ ‬تراكمت،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬حالة‭ ‬الركود،‭ ‬ما‭ ‬ألحق‭ ‬بالقطاع‭ ‬المصرفي‭ ‬المحلي،‭ ‬خسائر‭ ‬فادحة،‭ ‬ستفرض‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يعيد‭ ‬النظر‭ ‬بعدد‭ ‬الموظفين‭ ‬والمحاسبين،‭ ‬ما‭ ‬يضيف‭ ‬إلى‭ ‬اليد‭ ‬العاطلة‭ ‬عن‭ ‬العمل،‭ ‬آلافاً‭ ‬تضاف‭ ‬إلى‭ ‬حوالي‭ ‬250‭ ‬ألف‭ ‬عامل‭ ‬فقدوا‭ ‬أعمالهم‭ ‬في‭ ‬إسرائيل‭ ‬منذ‭ ‬7‭ ‬أكتوبر‭ ‬الماضي‭.‬

أما‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬الأمني،‭ ‬فلم‭ ‬تتوقف‭ ‬الأعمال‭ ‬الكارثية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬على‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية،‭ ‬ضد‭ ‬المدن‭ ‬والمخيمات،‭ ‬فتصاعدت‭ ‬بشكل‭ ‬يومي‭ ‬أرقام‭ ‬الشهداء،‭ ‬والمعتقلين،‭ ‬وأعمال‭ ‬تدمير‭ ‬عشرات‭ ‬المنازل‭ ‬في‭ ‬أنحاء‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية،‭ ‬وتهجير‭ ‬سكانها،‭ ‬وتدمير‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬مدينة‭ ‬ومخيم،‭ ‬وإفقار‭ ‬الحياة‭ ‬اليومية،‭ ‬وحرمانها‭ ‬من‭ ‬المستلزمات‭ ‬اليومية‭ ‬للعيش‭ ‬الآمن،‭ ‬اجتماعياً‭ ‬وصحياً،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬إغراق‭ ‬الضفة‭ ‬بمئات‭ ‬الحواجز‭ ‬العسكرية،‭ ‬والسواتر‭ ‬الترابية،‭ ‬ومصادرة‭ ‬الأراضي‭ ‬الواسعة‭ ‬وضمها‭ ‬للمستوطنات،‭ ‬والتخطيط‭ ‬لبناء‭ ‬حوالي‭ ‬70‭ ‬بؤرة‭ ‬استيطانية،‭ ‬ومنح‭ ‬‮«‬الشرعية‭ ‬الفاشية‮»‬‭ ‬القانونية‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬25‭ ‬بؤرة‭ ‬استيطانية،‭ ‬وإعلان‭ ‬المساحات‭ ‬الواسعة‭ ‬من‭ ‬الأراضي،‭ ‬أراضي‭ ‬دولة،‭ ‬وسلبها‭ ‬من‭ ‬أصحابها‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬بلدياتها،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬تدمير‭ ‬الثروة‭ ‬المائية،‭ ‬ومصادرتها‭ ‬لصالح‭ ‬المستوطنات‭ ‬الزراعية‭ ‬والصناعية،‭ ‬والرعوية،‭ ‬والسطو‭ ‬على‭ ‬الآلات‭ ‬الزراعية،‭ ‬كالشاحنات‭ ‬والجرارات،‭ ‬وعلى‭ ‬الثروة‭ ‬الحيوانية،‭ ‬وبشكل‭ ‬خاص‭ ‬الأغنام،‭ ‬وتدمير‭ ‬مزارع‭ ‬الدواجن،‭ ‬لإخراجها‭ ‬من‭ ‬سوق‭ ‬المنافسة‭ ‬للدواجن‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬ووفر‭ ‬الكنيست‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬لكل‭ ‬هذه‭ ‬الإجراءات‭ ‬الغطاء‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬قرار‭ ‬واضح،‭ ‬أعلن‭ ‬فيه‭ ‬رفضه‭ ‬الاعتراف‭ ‬بالدولة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬ورفض‭ ‬قيام‭ ‬أية‭ ‬دولة‭ ‬ثانية‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬إسرائيل،‭ ‬بين‭ ‬البحر‭ ‬والنهر،‭ ‬وهكذا‭ ‬نكون‭ ‬قد‭ ‬بتنا‭ ‬أمام‭ ‬سلطة‭ ‬محاصرة‭ ‬سياسياً‭ ‬وجغرافياً‭ ‬واقتصادياً،‭ ‬عاجزة‭ ‬عن‭ ‬تقديم‭ ‬الخدمات‭ ‬اللازمة‭ ‬لشعبها،‭ ‬تقف‭ ‬متفرجة‭ ‬أمام‭ ‬الأعمال‭ ‬العدائية‭ ‬ضد‭ ‬المدن‭ ‬والمخيمات،‭ ‬أقصى‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬ترد‭ ‬به‭ ‬على‭ ‬الخطط‭ ‬والسياسات‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬مجرد‭ ‬بيانات‭ ‬خاوية‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬مضمون‭ ‬سياسي‭ ‬عملي‭ ‬سوى‭ ‬الاستنجاد‭ ‬بالمجتمع‭ ‬الدولي،‭ ‬الذي‭ ‬يقف‭ ‬عاجزاً‭ ‬هو‭ ‬الآخر،‭ ‬أمام‭ ‬حواجز‭ ‬الفيتو‭ ‬الأميركي‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭.‬

أما‭ ‬في‭ ‬السياسة،‭ ‬فما‭ ‬زالت‭ ‬السلطة‭ ‬تراهن‭ ‬على‭ ‬دور‭ ‬الوزارية‭ ‬السداسية‭ ‬العربية،‭ ‬في‭ ‬إنقاذها‭ ‬من‭ ‬ورطتها‭ (‬وقد‭ ‬تحولت‭ ‬في‭ ‬عمان،‭ ‬في‭ ‬اللقاء‭ ‬مع‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬الأميركي‭ ‬بلينكن،‭ ‬إلى‭ ‬وزارية‭ ‬خماسية،‭ ‬بعدما‭ ‬فصل‭ ‬ممثل‭ ‬السلطة‭ ‬فيها،‭ ‬ومنع‭ ‬من‭ ‬حضور‭ ‬اجتماعها‭ ‬مع‭ ‬بلينكن‭).‬

جاءت‭ ‬خطوة‭ ‬الاستبعاد‭ ‬هذه،‭ ‬من‭ ‬عضوية‭ ‬الوزارية‭ ‬السداسية‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬الضغط‭ ‬الأميركي‭ ‬على‭ ‬السلطة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬ما‭ ‬تسميه‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬‮«‬تجديد‭ ‬نفسها‮»‬،‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬تأهيلها‭ ‬لتكون‭ ‬جاهزة‭ ‬للاندماج‭ ‬في‭ ‬المشروع‭ ‬الأميركي‭ ‬–‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬لمستقبل‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬والضفة‭ ‬الغربية،‭ ‬والانسياق‭ ‬مع‭ ‬التحضيرات‭ ‬الأميركية‭ ‬لإعادة‭ ‬رسم‭ ‬خارطة‭ ‬المنطقة،‭ ‬بتوسيع‭ ‬التحالف‭ ‬السياسي،‭ ‬والأمني،‭ ‬والعسكري،‭ ‬العربي‭ ‬–‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬من‭ ‬بوابة‭ ‬تعميم‭ ‬‮«‬التطبيع‮»‬‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬–‭ ‬السعودي،‭ ‬وبحيث‭ ‬تكون‭ ‬الأحوال‭ ‬العربية،‭ ‬الإقليمية،‭ ‬وفي‭ ‬القلب‭ ‬منها‭ ‬الحالة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬مؤهلة‭ ‬لإقامة‭ ‬‮«‬دولة‮»‬‭ ‬فلسطينية،‭ ‬ترسم‭ ‬سقفها‭ ‬وحدود‭ ‬سيادتها،‭ ‬وصلاحيات‭ ‬إدارتها‭ ‬دولة‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬وبحيث‭ ‬لا‭ ‬يتجاوز‭ ‬سقف‭ ‬‮«‬الدولة‮»‬‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المزعومة،‭ ‬الحكم‭ ‬الإداري‭ ‬الذاتي‭ ‬للعمل‭ ‬على‭ ‬بقعة‭ ‬من‭ ‬أرض‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية،‭ ‬لا‭ ‬تتجاوز‭ ‬18‭% ‬من‭ ‬مساحة‭ ‬الضفة‭ (‬هي‭ ‬المدن‭ ‬والبلدات‭ ‬ومراكز‭ ‬الكثافة‭ ‬السكانية‭ ‬بشكل‭ ‬خاص‭)‬،‭ ‬وفي‭ ‬ظل‭ ‬إدارة‭ ‬مدنية،‭ ‬أكثر‭ ‬طواعية،‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬تكفل‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وإسرائيل،‭ ‬محو‭ ‬التاريخ‭ ‬النضالي‭ ‬للشعب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬من‭ ‬أذهان‭ ‬الناشئة،‭ ‬ومؤسسات‭ ‬الإعلام‭ ‬والثقافة،‭ ‬عموماً،‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭.‬

ولا‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬الشروط‭ ‬العشرة،‭ ‬التي‭ ‬سلمها‭ ‬مستشار‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬القومي‭ ‬الأميركي‭ ‬جيك‭ ‬سوليفان،‭ ‬للوفد‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الذي‭ ‬التقاه‭ ‬في‭ ‬رام‭ ‬الله،‭ ‬تفضح‭ ‬حقيقة‭ ‬الرؤية‭ ‬الأميركية،‭ ‬ليس‭ ‬لمستقبل‭ ‬السلطة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬وكذلك‭ ‬لمستقبل‭ ‬‮«‬حل‭ ‬الدولتين‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬يتم‭ ‬إفراغه‭ ‬من‭ ‬مضمونه،‭ ‬عبر‭ ‬خطوات‭ ‬الضم‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬وتوسيعه،‭ ‬وعبر‭ ‬الانزياح‭ ‬الأميركي‭ ‬أكثر‭ ‬فأكثر‭ ‬نحو‭ ‬شروط‭ ‬دولة‭ ‬الاحتلال،‭ ‬لقيام‭ ‬‮«‬حل‭ ‬دائم‭ ‬يكفل‭ ‬أمن‭ ‬إسرائيل‭ ‬ومصالحها‮»‬‭.‬

كذلك‭ ‬ورد‭ ‬ما‭ ‬يشبه‭ ‬هذه‭ ‬الشروط‭ ‬في‭ ‬رؤية‭ ‬نتنياهو‭ ‬لمستقبل‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬بحيث‭ ‬لا‭ ‬تحكم‭ ‬لا‭ ‬حركة‭ ‬فتح،‭ ‬ولا‭ ‬حركة‭ ‬حماس،‭ ‬بل‭ ‬إدارة‭ ‬مدنية،‭ ‬يختار‭ ‬عناصرها‭ ‬الرئيسية‭ ‬الاحتلال‭ ‬بنفسه،‭ ‬ويرسم‭ ‬لها‭ ‬خطط‭ ‬إدارتها‭ ‬المدنية‭ ‬للقطاع،‭ ‬بحيث‭ ‬تبقى‭ ‬المرجعية‭ ‬الأمنية،‭ ‬بيد‭ ‬الاحتلال‭ ‬نفسه‭.‬

وهكذا،‭ ‬نجد‭ ‬أنفسنا‭ ‬أمام‭ ‬سلطة‭ ‬تتقلص‭ ‬صلاحياتها،‭ ‬بلا‭ ‬موارد‭ ‬مالية‭ ‬منتظمة،‭ ‬ذات‭ ‬اقتصاد‭ ‬مهترئ،‭ ‬وموازنة‭ ‬مالية‭ ‬يزيد‭ ‬العجز‭ ‬المالي‭ ‬فيها‭ ‬عن‭ ‬25%،‭ ‬ترفع‭ ‬شعار‭ ‬‮«‬سلطة‭ ‬واحدة،‭ ‬قانون‭ ‬واحد،‭ ‬سلاح‭ ‬واحد‮»‬،‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬الحركة‭ ‬الشعبية،‭ ‬والمقاومات‭ ‬المسلحة‭ ‬في‭ ‬أنحاء‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية،‭ ‬تواصل‭ ‬أشكال‭ ‬التنسيق‭ ‬الأمني‭ ‬مع‭ ‬قوات‭ ‬الاحتلال،‭ ‬باعتراف‭ ‬القيادة‭ ‬السياسية‭ ‬للسلطة،‭ ‬التي‭ ‬أعلنت‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مرة‭ ‬إلتزامها‭ ‬أمن‭ ‬إسرائيل‭ ‬وإدانتها‭ ‬لأعمال‭ ‬المقاومة‭ ‬المسلحة‭ ‬ضد‭ ‬الاحتلال‭ ‬والمستوطنين،‭ ‬لا‭ ‬ترى‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬سوى‭ ‬عملاً‭ ‬مشبوهاً،‭ ‬ورطت‭ ‬فيه‭ ‬المقاومة‭ (‬وبشكل‭ ‬خاص‭ ‬حركة‭ ‬حماس‭) ‬الحالة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬تدميرية،‭ ‬وشجعت‭ ‬لهذا‭ ‬الغرض‭ ‬جوقة‭ ‬من‭ ‬المريدين‭ ‬لشيطنة‭ ‬المقاومة‭ ‬في‭ ‬القطاع،‭ ‬واتهام‭ ‬المقاومة‭ ‬في‭ ‬الضفة،‭ ‬بأنها‭ ‬تجر‭ ‬الضفة‭ ‬إلى‭ ‬وضع‭ ‬تدميري‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الحال‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬مبرئة‭ ‬العدو‭ ‬والاحتلال‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬من‭ ‬مسؤولياته‭ ‬السياسية‭ ‬والقانونية‭ ‬والأمنية،‭ ‬عن‭ ‬الخراب‭ ‬الذي‭ ‬أصاب‭ ‬مصالح‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬30‭ ‬سنة،‭ ‬تحت‭ ‬سقف‭ ‬أوسلو،‭ ‬مصرة‭ ‬على‭ ‬الانحناء‭ ‬أمام‭ ‬ما‭ ‬يجري،‭ ‬متعامية‭ ‬بل‭ ‬عاجزة‭ ‬عن‭ ‬التعامل‭ ‬الإيجابي‭ ‬مع‭ ‬الحدث،‭ ‬خاصة‭ ‬ما‭ ‬يعيشه‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬من‭ ‬حالة‭ ‬استنزاف‭ ‬أمني‭ ‬واقتصادي‭ ‬وسياسي‭ ‬واجتماعي،‭ ‬بحيث‭ ‬بات‭ ‬يشكل‭ ‬حالة‭ ‬غير‭ ‬مستقرة،‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬العيش‭ ‬لحظة‭ ‬واحدة‭ ‬دون‭ ‬ضمانات،‭ ‬أميركية‭ ‬عميقة،‭ ‬في‭ ‬الميدان‭ ‬السياسي‭ ‬والأمني‭ ‬والعسكري‭ ‬والاقتصادي،‭ ‬وبحيث‭ ‬بات‭ ‬اعتراف‭ ‬إسرائيل‭ ‬جلياً‭ ‬بأنها‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬تستطيع،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬نفسها،‭ ‬بل‭ ‬وكذلك‭ ‬العيش‭ ‬بدون‭ ‬الدعم‭ ‬المالي‭ ‬الدائم‭ ‬من‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بعشرات‭ ‬مليارات‭ ‬الدولارات‭ ‬نقداً‭.‬

عربة‭ ‬السلطة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬عالقة‭ ‬في‭ ‬رمال‭ ‬الاحتلال‭ ‬ومشاريعه‭ ‬وإجراءاته،‭ ‬عجلاتها‭ ‬لا‭ ‬تدور،‭ ‬ومحركها‭ ‬أغرقته‭ ‬الرمال،‭ ‬وخزان‭ ‬وقودها‭ ‬شبه‭ ‬فارغ،‭ ‬وبدأ‭ ‬هيكلها‭ ‬يصدأ‭ ‬تحت‭ ‬وطأة‭ ‬الحصار‭ ‬المالي‭ ‬والاقتصادي‭ ‬والسياسي‭ ‬والأمني‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬لا‭ ‬أمل‭ ‬في‭ ‬وصول‭ ‬عربة‭ ‬الإنقاذ‭ ‬الأميركية،‭ ‬وهي‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬وجهتها‭ ‬عواصم‭ ‬التطبيع‭ ‬العربي‭ ‬–‭ ‬الإسرائيلي‭.‬

ماذا‭ ‬يمكن‭ ‬لهذه‭ ‬السلطة‭ ‬أن‭ ‬تقدم‭ ‬سوى‭ ‬الاستجداء‭ ‬و«مطالبة‮»‬‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بالضغط‭ ‬على‭ ‬إسرائيل‭ ‬لتكف‭ ‬عن‭ ‬سياستها‭ (‬؟‭) ‬وماذا‭ ‬بإمكانها‭ ‬أن‭ ‬تقدم‭ ‬سوى‭ ‬الرهانات‭ ‬الفاشلة‭ ‬وسوى‭ ‬التهرب‭ ‬من‭ ‬المواجهات،‭ ‬والتلطي‭ ‬خلف‭ ‬شعارات‭ ‬ثبت‭ ‬فشلها،‭ ‬كالحديث‭ ‬المبتذل‭ ‬عن‭ ‬‮«‬المقاومة‭ ‬السلمية‮»‬‭ (‬؟‭).‬

لكن‭ ‬الأكثر‭ ‬أهمية‭ ‬من‭ ‬هذا،‭ ‬هو‭ ‬التالي‭:‬

إذا‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬المصير‭ ‬الذي‭ ‬آلت‭ ‬إليه‭ ‬أحوال‭ ‬السلطة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬فما‭ ‬هو‭ ‬حال‭ ‬م‭. ‬ت‭. ‬ف،‭ ‬وما‭ ‬هو‭ ‬مستقبلها‭ ‬السياسي‭ ‬؟‭! ‬‮…‬

يتبع