تجارب مذكرات التوقيف في المحكمة الجنائية الدولية… فما هو مصير نتنياهو وغالانت؟
خيارات المشاركة
المقالات
فؤاد بكر | مسؤول الدائرة القانونية في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرات توقيف عدة تتعلق بعدد من القضايا معظمها في القارة الافريقية، ولذلك أطلق على المحكمة الجنائية الدولية في بادئ عهدها انها محكمة الافارقة حيث وقعت غالبية الدول الافارقة على نظام روما الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية، ورغم معارضة الادارات الاميركية انشاء محكمة دولية تعنى بجرائم الحرب، جرائم ضد الانسانية، جريمة الابادة الجماعية وجريمة العدوان، الا انها كانت مرحبة وداعمة لأغلب القضايا المرفوعة ضد القيادات الافريقية التي صدرت بحقها مذكرات توقيف أو اعتقال.
من بين مذكرات الاعتقال التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية هي ضد رئيس دولة كوت ديفوار «لوران غباغبو، بإعتباره مشاركا بشكل غير مباشر في جرائم ضد الانسانية التي ارتكبت عام 2010-2011 نتيجة الانتخابات، وكذلك بحق رئيس هيئة الاركان العامة لشؤون العمليات العسكرية للقوات الوطنية لتحرير كونغو الجنرال «بوسكو نتاغاندا، اضافة الى الرئيس السوداني عمر البشير بإعتباره مشاركا في جرائم الابادة الجماعية التي حصلت في دارفور، وايضا بحق سيف الاسلام القذافي وعبد الله السنوسي بإتهامهما ارتكاب جرائم ضد الانسانية في ليبيا.
ومن أبرز عوامل اصدار مذكرات التوقيف لها علاقة في الخلل الموجود بالقضاء الوطني، حيث ان المحكمة الجنائية الدولية تمارس عملها في حال تخلف القضاء الوطني او عدم قدرته وعدم رغبته بإجراء التحقيق واصدار الاحكام اللازمة، حيث ان القانون الدولي الانساني لاسيما اتفاقيات جنيف الاربعة عام 1949 وبروتوكولاتها الاضافية منحت الولاية القضائية العالمية للمحاكم الوطنية فيما يتعلق بالانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي الانساني، وهذا ما نص عليه ايضا في ديباجة نظام روما الاساسي، بإعتبار ان المحكمة الجنائية الدولية هي مكملة للمحاكم الوطنية.
في أوغندا، عندما أحالت الحكومة عام 2004 دعوى ضد جيش الرب للمقاومة، فتح المدعي العام تحقيقا واصدر مذكرات توقيف ضد خمس قيادات هم: جوزيف كوني، فنسن اوتي، اوكوت اوديامبو، دومنيك اوغوين، لوكويا راسكا، وقد تم ايقاف مذكرة التوقيف ضد لوكويا راسكا بسبب وفاته، أما اونغوين فسلم نفسه الى ميليشيات سيلكا الذين يسيطرون على شمال وشرق افريقيا الوسطى، ونقلته المليشيات الى قوات العمليات الخاصة الاميركية وتم نقله الى المحكمة الجنائية الدولية عام 2015، ولا يزال جوزيف كوني طليقا ولايزال في شمال اوغندا ويتنقل بين الدول المجاورة.
اما في جمهورية كونغو الديمقراطية، فقد احالت الحكومة دعوى الى المحكمة الجنائية الدولية عام 2004، ضد مسؤولين بحركة التمرد التي نشط فيها توماس لوبانغا، جيرمان كاتانغا، ماثيو نغوجولو شوي، وكاليكست مباروشيمانا، وقد جرى اعتقالهم من قبل المحكمة، وقد سلموا انفسهم طواعية الى المحكمة عقب صدور مذكرات توقيف ضدهم.
وفيما يتعلق بالرئيس السوداني عمر البشير، أصدر مجلس الامن عام 2005 قرارا رقم 1593 احال بموجبه قضية دارفور الى المحكمة الجنائية الدولية، وقد اصدرت الدائرة التمهيدية مذكرة احضار لـ «ابو قردة» الذي ذهب طواعية الى المحكمة عام 2009، وتم اطلاق سراحه لاحقا، واصدرت المحكمة مذكرات توقيف ضد احمد هارون، علي كوشيب، وعمر البشير ولم يتم القبض عليهم لغاية اليوم بإستثناء علي كوشيب الذي سلم نفسه طواعية الى المحكمة.
وأيضا في عام 2004، احالت حكومة جمهورية افريقيا الوسطى طلبا الى المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية الذي فتح تحقيقا عام 2007 ضد جان بيير غومبو بيما، قائد حركة تحرير الكونغو، بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية، وانتهت محاكته عام 2016، وهو من الشخص الاول الذي تم القاء القبض عليه في بروكسل عام 2008، حيث حكم عليه بالسجن 18 عاما، لكن سرعان ما الغيت ادانته عام 2018.
اما في كينيا، فقد تلقى المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية عام 2010، بفتح تحقيق حول اعمال العنف التي جرت جراء الانتخابات عام 2008، وتم اصدرا ستة استدعاءات وكانت المرة الاولى التي يطلب فيها المدعي العام اجراء تحقيق من تلقاء نفسه، دون احالة الوضع من قبل دول الاطراف او من قبل مجلس الامن، وكانت مذكرات التوقيف ضد : وليام ساموري، جوشوا سنج، كيريمي موتورا، اوروهو كينياتا، كوسوجي وعلي، ورغم تأكيد المحكمة تورط بعضهم في جرائم ضد الانسانية، لكن سرعان ما تنازل المدعي العام عن التهم التي وجهها ضدهم في المحكمة بمبادرة شخصية منه.
وفي ساحل العاجل (كوت ديفوار)، اصدرت الدائرة التمهيدية عام 2011 مذكرة اعتقال ضد لوران غوباغبو، وقد جرى تسليمه من قبل سلطات الايفوارية، كما سلمت حكومة كوت ديفوار ايضا وزير الشباب شارل بلي غودي بعد اصدار بحقه مذكرة توقيف من قبل المحكمة الجنائية الدولية، وفي عام 2012 صدرت مذكرة توقيف دولية ضد سيمون غباغبو زوجة لوران غباغبو الا ان السلطات الايفوارية رفضت تسليمها، وجرى محاكمتها في ابيدجان عام 2014.
أما خارج أفريقيا، فقد اجرى مكتب المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية تحقيقات اولية في عدد من الدول، افغانستان، كولومبيا، جورجيا، هندوراس، كوريا وفلسطين، وروسيا مؤخرا، الا ان المحكمة لم تصدر اي مذكرات توقيف في هذه الدول بإستثناء مذكرة توقيف ضد بوتين الرئيس الروسي، وفي فلسطين مؤخرا حيث اصدرت مذكرة توقيف ضد نتنياهو وغالانات، واسماعيل هنية والسنوار ومحمد الضيف.
وانطلاقا مما تقدم، تطرح عدد من السيناريوهات حول مستقبل توقيف او اعتقال نتنياهو وغالانت المتهمين بإرتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية في قطاع غزة، والتي منها، قيام المحاكم الاسرائيلية بتولي هذه المهمة واسقاط مذكرة التوقيف بحقهم امام المحكمة الجنائية الدولية، او عدم تسليمهم الى المحكمة بحجة ان اسرائيل ليست طرفا في نظام روما الاساسي وابقاء اسماءهم على قائمة مذكرات التوقيف، او قيام احدى الدول الاوروبية بتسليمهم كما اعلنت بعض الدول الاوروبية انه بحال دخول نتنياهو او غالانت الى اراضيها سيتم تسليمهم الى المحكمة، واما السيناريو الاخير هو اسقاط المدعي العام في المحكمة وبمبادرة منه التهم الموجهة ضدهما، وذلك نتيجة الضغوط الاميركية وما قام به الكونغرس الاميركي من ملاحقته وفرض عقوبات ضده في حال اقدم على ذلك.