طوفان الأقصى، والمؤتمر القومي العربي الـ 33

يونيو 15, 2024

حملت‭ ‬الدورة‭ ‬الأخيرة‭ ‬من‭ ‬المؤتمر‭ ‬القومي‭ ‬العربي‭ ‬الـ‮«‬33‮»‬‭ ‬عنوان‭ ‬‮«‬طوفان‭ ‬الأقصى‮»‬،‭ ‬تأكيداً‭ ‬أنّ‭ ‬بوصلة‭ ‬هذا‭ ‬المؤتمر،‭ ‬كما‭ ‬بوصلة‭ ‬كلّ‭ ‬عربي‭ ‬حرّ،‭ ‬هي‭ ‬فلسطين،‭ ‬وتحرير‭ ‬فلسطين‭ ‬هو‭ ‬الهدف‭ ‬الأسمى‭ ‬لكل‭ ‬عربي‭ ‬ولكل‭ ‬قومي‭ ‬عربي،‭ ‬ومن‭ ‬أجله‭ ‬يسعى‭ ‬جميع‭ ‬العرب‭ ‬كما‭ ‬أكد‭ ‬حمدين‭ ‬صباحي‭ ‬الأمين‭ ‬العام‭ ‬للمؤتمر‭ ‬القومي‭ ‬العربي‭ ‬داعياً‭ ‬إلى‭ ‬أوسع‭ ‬جبهة‭ ‬عربية‭ ‬ما‭ ‬دام‭ ‬تحرير‭ ‬فلسطين‭ ‬بنهج‭ ‬المقاومة‭ ‬هو‭ ‬الصراط‭ ‬المستقيم‭.‬

لقد‭ ‬أعادت‭ ‬ملحمة‭ ‬‮«‬دورة‭ ‬طوفان‭ ‬الأقصى‮»‬،‭ ‬للقضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬أولويتها‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الدولي،‭ ‬كأهم‭ ‬القضايا‭ ‬التي‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬حل‭ ‬سريع‭ ‬ومباشر،‭ ‬بعد‭ ‬تجاهل‭ ‬متعمد،‭ ‬وتغييب‭ ‬الجهود‭ ‬السياسية‭ ‬لحل‭ ‬عادل،‭ ‬وفرض‭ ‬سياسة‭ ‬الأمر‭ ‬الواقع،‭ ‬وعلى‭ ‬الصعيد‭ ‬القومي‭ ‬العربي‭ ‬كانت‭ ‬فلسطين‭ ‬ومازالت‭ ‬أولوية‭ ‬لكل‭ ‬العرب‭ ‬تتجسد‭ ‬في‭ ‬الشعار‭ ‬القومي‭ ‬أن‭ ‬فلسطين‭ ‬القضية‭ ‬المركزية‭ ‬للعرب‭. ‬لقد‭ ‬أدى‭ ‬‮«‬‭ ‬طوفان‭ ‬الأقصى‮»‬،‭ ‬إلى‭ ‬تحول‭ ‬بالرأي‭ ‬العام‭ ‬العالمي‭ ‬في‭ ‬صالح‭ ‬شعب‭ ‬فلسطين‭ ‬وقضيته،‭ ‬فقد‭ ‬توالت‭ ‬اعترافات‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬بالدولة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬كاملة‭ ‬السيادة‭ ‬على‭ ‬التراب‭ ‬الوطني،‭ ‬وتصاعد‭ ‬الحراك‭ ‬الطلابي‭ ‬والجماهيري‭ ‬الداعم‭ ‬للقضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وأوروبا،‭ ‬فأين‭ ‬الحراك‭ ‬الشعبي‭ ‬والرسمي‭ ‬العربي‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الحراك؟‭. ‬نشاهد‭ ‬تظاهرات‭ ‬واحتجاجات‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬دون‭ ‬الأخرى،‭ ‬مع‭ ‬تفاوت‭ ‬نسب‭ ‬مشاركة‭ ‬الجماهير‭ ‬العربية‭ ‬ومدى‭ ‬فعاليتها‭ ‬وتأثيرها،‭ ‬ولاسيما‭ ‬الحركة‭ ‬الطلابية‭ ‬والشبابية‭ ‬التي‭ ‬قيمت‭ ‬بأنها‭ ‬ليست‭ ‬في‭ ‬المستوى‭ ‬المطلوب‭ ‬ولا‭ ‬تواكب‭ ‬الحركة‭ ‬الطلابية‭ ‬في‭ ‬الجامعات‭ ‬الغربية،‭ ‬فقد‭ ‬اهتم‭ ‬المؤتمر‭ ‬القومي‭ ‬العربي‭ ‬بفئة‭ ‬الشباب،‭ ‬حين‭ ‬ساهم‭ ‬في‭ ‬إطلاق‭ ‬مخيمات‭ ‬الشباب‭ ‬القومي‭ ‬العربي‭ ‬ومنتديات‭ ‬تواصلهم،‭ ‬وصولاً‭ ‬إلى‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المبادرات‭ ‬والملتقيات‭ ‬والمنتديات‭. ‬ألا‭ ‬يدل‭ ‬ضعف‭ ‬الحركة‭ ‬الطلابية‭ ‬العربية‭ ‬بالمقارنة‭ ‬بالحراك‭ ‬في‭ ‬الجامعات‭ ‬الأمريكية‭ ‬والأوروبية‭ ‬المطالبة‭ ‬بوقف‭ ‬المجازر‭ ‬والإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬على‭ ‬ضعف‭ ‬الأحزاب‭ ‬والمنظمات‭ ‬العربية‭ ‬وفشل‭ ‬النخبة‭ ‬القومية‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬الدعم‭ ‬الحقيقي‭ ‬لشعب‭ ‬فلسطين؟‭. ‬صحيح‭ ‬أن‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬ليس‭ ‬وحيداً‭ ‬في‭ ‬المعركة،‭ ‬لكن‭ ‬هذه‭ ‬معركة‭ ‬الأمة،‭ ‬يتحمل‭ ‬معظم‭ ‬عبئها‭ ‬غزة‭ ‬المكافحة‭ ‬وسكانها،‭ ‬وينبغي‭ ‬على‭ ‬القوى‭ ‬العربية‭ ‬أن‭ ‬تفعّل‭ ‬جبهات‭ ‬جديدة‭ ‬مشاركة‭ ‬وعدم‭ ‬الاكتفاء‭ ‬بما‭ ‬تقدمه‭ ‬المقاومة‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬واليمن‭ ‬والعراق‭. ‬والغريب‭ ‬أن‭ ‬دول‭ ‬عربية‭ ‬ما‭ ‬تزال‭ ‬تتبادل‭ ‬السفارة‭ ‬مع‭ ‬الاحتلال،‭ ‬ولا‭ ‬تزال‭ ‬تحتفظ‭ ‬بالعلاقات‭ ‬السياسة‭ ‬والاقتصادية‭ ‬دون‭ ‬استدعاء‭ ‬سفيرها‭ ‬أو‭ ‬الإعلان‭ ‬عن‭ ‬طرد‭ ‬سفير‭ ‬إسرائيل،‭ ‬وإغلاق‭ ‬السفارة‭ ‬بشكل‭ ‬نهائي،‭ ‬رداً‭ ‬على‭ ‬المجازر‭ ‬المرتكبة‭ ‬في‭ ‬فلسطين،‭ ‬فكيف‭ ‬يكون‭ ‬الأمر‭ ‬بالنسبة‭ ‬للمهام‭ ‬الأصعب‭ ‬مثل‭ ‬إدانة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬لدعمها‭ ‬إسرائيل‭ ‬بالسلاح‭ ‬لقتل‭ ‬النساء‭ ‬والأطفال‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬والمطالبة‭ ‬بإجراءات‭ ‬عقابية‭ ‬عربية‭ ‬ضد‭ ‬مصالحها‭ ‬في‭ ‬منطقتنا‭.‬

بعد‭ ‬3‭ ‬أيام‭ ‬من‭ ‬النقاشات‭ ‬المكثفة‭ ‬أيام‭ ‬الجمعة‭ ‬والسبت‭ ‬والأحد‭ ‬31‭ ‬أيار‭ ‬إلى‭ ‬2‭ ‬حزيران‭ ‬اختتم‭ ‬المؤتمر‭ ‬القومي‭ ‬العربي‭ ‬دورته‭ ‬الـ‮«‬33‮»‬‭: ‬بحضور‭ ‬مئتين‭ ‬وخمسين‭ ‬عضواً‭ ‬وضيفاً‭ ‬من‭ ‬الشخصيات‭ ‬السياسية‭ ‬والحقوقية‭ ‬والثقافية‭ ‬والنقابية‭ ‬من‭ ‬الأقطار‭ ‬العربية‭ ‬والمهجر،‭ ‬لم‭ ‬ترتقِ‭ ‬مخرجات‭ ‬المؤتمر‭ ‬إلى‭ ‬مستوى‭ ‬تضحيات‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬مما‭ ‬يطرح‭ ‬التساؤل‭: ‬هل‭ ‬دور‭ ‬النخبة‭ ‬العربية‭ ‬من‭ ‬أعضاء‭ ‬المؤتمر‭ ‬مقتصر‭ ‬على‭ ‬الدور‭ ‬الثقافي‭ ‬الفكري؟‭. ‬أما‭ ‬من‭ ‬دور‭ ‬في‭ ‬الضغط‭ ‬على‭ ‬الحكومات‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬اتخاذ‭ ‬مواقف‭ ‬مهمة‭ ‬مساندة‭ ‬للشعب‭ ‬الفلسطيني؟‭. ‬أليس‭ ‬المطلوب‭ ‬تفاعلها‭ ‬مع‭ ‬الجماهير‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان‭ ‬لحشدها‭ ‬وتجييشها‭ ‬وتفعيل‭ ‬دورها‭ ‬بأنشطة‭ ‬مؤثرة‭ ‬ومثمرة؟‭.‬

ولولا‭ ‬ما‭ ‬تضمن‭ ‬البيان‭ ‬الختامي‭ ‬من‭ ‬مهام‭ ‬‮«‬تدعيم‭ ‬الوحدة‭ ‬العربية،‭ ‬وتعزيز‭ ‬دور‭ ‬المقاومة‮»‬،‭ ‬لما‭ ‬اختلف‭ ‬عن‭ ‬البيان‭ ‬الختامي‭ ‬للقمة‭ ‬العربية‭ ‬الرسمية‭ ‬لجهة‭ ‬اللغة‭ ‬والألفاظ‭ ‬‮«‬تؤكد،‭ ‬وتدعو،‭ ‬وتثمن،‭ ‬وتتحدث‭..‬‮»‬،‭ ‬حيث‭ ‬أوضح‭ ‬البيان‭ ‬الأبعاد‭ ‬والدلالات‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬لعملية‭ ‬‮«‬طوفان‭ ‬الأقصى‮»‬،‭ ‬وأكد‭ ‬على‭ ‬الدور‭ ‬البارز‭ ‬لجبهات‭ ‬الإسناد‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬واليمن‭ ‬والعراق،‭ ‬ثمّن‭ ‬دور‭ ‬سوريا‭ ‬وإيران،‭ ‬أشاد‭ ‬بموقف‭ ‬الجزائر‭ ‬وجنوب‭ ‬أفريقيا‭ ‬المتقدم‭ ‬تجاه‭ ‬فلسطين‭ ‬المحتلة،‭ ‬وأثنى‭ ‬على‭ ‬موقف‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬قطعت‭ ‬علاقتها‭ ‬بـ«إسرائيل‮»‬،‭ ‬واعترفت‭ ‬بفلسطين‭. ‬ودعا‭ ‬الدول‭ ‬إلى‭ ‬وقف‭ ‬التطبيع‭ ‬ومقاطعة‭ ‬كيان‭ ‬الاحتلال‭ ‬وداعميه‭.‬

وبدورنا‭ ‬نثمن‭ ‬تأكيد‭ ‬المؤتمر‭ ‬القومي‭ ‬العربي،‭ ‬التزامه‭ ‬بالمقاومة‭ ‬نهجاً‭ ‬لمواجهة‭ ‬كل‭ ‬احتلال‭ ‬أو‭ ‬عدوان‭ ‬أو‭ ‬حصار‭. ‬فمنذ‭ ‬بداياته‭ ‬عمل‭ ‬على‭ ‬دعوة‭ ‬أعضائه‭ ‬إلى‭ ‬القيام‭ ‬بمبادرات‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الصعيد،‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬المقاومة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬وانتفاضات‭ ‬شعبه،‭ ‬لكن‭ ‬التنفيذ‭ ‬في‭ ‬طوفان‭ ‬الأقصى‭ ‬اقتصر‭ ‬على‭ ‬محور‭ ‬المقاومة،‭ ‬وكان‭ ‬ممثلوها‭ ‬الحالة‭ ‬البارزة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الدورة،‭ ‬وما‭ ‬ميّز‭ ‬المؤتمر‭ ‬حقيقة،‭ ‬كلمات‭ ‬قادة‭ ‬من‭ ‬قوى‭ ‬محور‭ ‬المقاومة،‭ ‬كلمات‭ ‬كان‭ ‬لها‭ ‬طابعها‭ ‬السياسي‭ ‬النضالي،‭ ‬وليس‭ ‬البحثي‭ ‬الفكري‭ ‬المتعمق‭ ‬الذي‭ ‬يرجحه‭ ‬مؤسسو‭ ‬المؤتمر‭ ‬ورؤساؤه‭ ‬السابقون‭ ‬ومفكروه‭ ‬على‭ ‬السياسي‭ ‬الآني‭.‬

تستمد‭ ‬هذه‭ ‬الدورة‭ ‬أهمية‭ ‬من‭ ‬كونها‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬تنعقد‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬تداعيات‭ ‬معركة‭ ‬‮«‬طوفان‭ ‬الأقصى‮»‬،‭ ‬باعتبارها‭ ‬معركة‭ ‬مصير‭ ‬ستحدد‭ ‬مصير‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬ومصير‭ ‬الاحتلال‭ ‬والمنطقة‭ ‬كلها،‭ ‬بل‭ ‬وله‭ ‬آثاره‭ ‬الكبيرة‭ ‬على‭ ‬مصير‭ ‬الفكر‭ ‬القومي‭.‬

يشكل‭ ‬طوفان‭ ‬الأقصى‭ ‬فرصة‭ ‬مناسبة‭ ‬لتحقيق‭ ‬القضية‭ ‬التي‭ ‬تبناه‭ ‬المؤتمر‭ ‬القومي‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬دورته‭ ‬الـ‮«‬32‮»‬‭ ‬المنعقدة‭ ‬يومَي‭ ‬الأحد‭ ‬والاثنين‭ ‬30‭ ‬–‭ ‬31‭ ‬تموز‭/‬يوليو‭ ‬2023،‭ ‬وهي‭ ‬قضية‭ ‬‮«‬نحو‭ ‬جبهة‭ ‬عربية‭ ‬عالمية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬حق‭ ‬الشعوب‭ ‬بالاستقلال‭ ‬والنهوض‭ ‬والتنمية‮»‬،‭ ‬وما‭ ‬يجري‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬تضامن‭ ‬مع‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬يشكل‭ ‬فرصة‭ ‬ينبغي‭ ‬استغلالها‭. ‬واستغلال‭ ‬ما‭ ‬مثله‭ ‬الموضوع‭ ‬الفلسطيني‭ ‬وطوفان‭ ‬الأقصى‭ ‬كونه‭ ‬مجمّعاً‭ ‬موحّداً‭ ‬للاتجاهات‭ ‬الفكرية‭ ‬المختلفة‭ ‬للأحزاب‭ ‬والقوى‭ ‬والشخصيات‭ ‬البارزة‭ ‬المنضوية‭ ‬في‭ ‬عضوية‭ ‬المؤتمر،‭ ‬من‭ ‬اتجاهات‭ ‬إسلامية‭ ‬ويسارية‭ ‬وعروبية‭ ‬قومية،‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬تكرار‭ ‬النقاشات‭ ‬والخطب‭ ‬والجدل‭ ‬الذي‭ ‬تنعكس‭ ‬أصداءه‭ ‬في‭ ‬الشارع‭ ‬تعصّباً‭ ‬وتناحراً‭.‬

انتقد‭ ‬البعض‭ ‬هذه‭ ‬التجربة‭ ‬بأن‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الخطاب‭ ‬والممارسة‭ ‬السائدين‭ ‬المرتبطين‭ ‬بهذا‭ ‬الفكر‭ ‬أو‭ ‬الرافعين‭ ‬لشعاراته‭ ‬لم‭ ‬يكونا‭ ‬دائماً‭ ‬بمستوى‭ ‬رقيّ‭ ‬هذا‭ ‬الفكر‭ ‬وعمقه‭ ‬واستشرافيته،‭ ‬وأن‭ ‬المناقشات‭ ‬في‭ ‬أغلبها‭ ‬كانت‭ ‬مناقشات‭ ‬سياسية‭ ‬وحزبية،‭ ‬وكأنّ‭ ‬المؤتمر‭ ‬هو‭ ‬مجرد‭ ‬منبر‭ ‬يقول‭ ‬فيه‭ ‬عضو‭ ‬المؤتمر‭ ‬كلمته‭ ‬ويمشي،‭ ‬ويوجه‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬رسالة‭ ‬ويمضي،‭ ‬فيما‭ ‬كان‭ ‬المطلوب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬المؤتمر‭ ‬أيضاً‭ ‬سبيلاً‭ ‬لكي‭ ‬يقدّم‭ ‬أعضاؤه‭ ‬خلفيات‭ ‬فكرية‭ ‬وثقافية‭ ‬واستراتيجية‭ ‬لمواقفهم،‭ ‬ورؤى‭ ‬فكرية‭ ‬وثقافية‭ ‬لتحليل‭ ‬ظواهر‭ ‬خطيرة‭ ‬تعيشها‭ ‬الأمّة‭.‬

إن‭ ‬مراجعة‭ ‬بسيطة‭ ‬لتاريخ‭ ‬الصراع‭ ‬العربي‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬يبين‭ ‬أن‭ ‬حال‭ ‬العرب‭ ‬والعروبة،‭ ‬تُقرأ‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬حال‭ ‬القدس،‭ ‬فإذا‭ ‬كانت‭ ‬القدس‭ ‬بخير،‭ ‬فالأمة‭ ‬بخير،‭ ‬والعكس‭ ‬صحيح،‭ ‬وهذا‭ ‬يؤكده‭ ‬الرابط‭ ‬بين‭ ‬تراجع‭ ‬الفكر‭ ‬والتيار‭ ‬القومي‭ ‬وبين‭ ‬هزيمة‭ ‬حزيران‭ ‬67،‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬يؤكد‭ ‬المؤتمر‭ ‬أن‭ ‬الويلات‭ ‬التي‭ ‬تحل‭ ‬بالأمة‭ ‬ترتبط‭ ‬بشكل‭ ‬رئيس‭ ‬بالعدوان‭ ‬الذي‭ ‬يتمثل‭ ‬بوجود‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬المحتل‭ ‬لفلسطين‭ ‬الذي‭ ‬يقتطع‭ ‬أرضاً‭ ‬عربية‭ ‬ويشتت‭ ‬شعبها،‭ ‬وبالتالي‭ ‬فلا‭ ‬خلاص‭ ‬ولا‭ ‬سلام‭ ‬للأمة‭ ‬ولا‭ ‬لمشروعها‭ ‬النهضوي‭ ‬إلا‭ ‬بمواجهة‭ ‬هذا‭ ‬العدوان‭ ‬لوقفه‭ ‬واقتلاعه‭.‬

كانت‭ ‬هزيمة‭ ‬حزيران‭ ‬السبب‭ ‬المباشر‭ ‬لتراجع‭ ‬الفكر‭ ‬والتيار‭ ‬القومي،‭ ‬ولن‭ ‬يحتمل‭ ‬هذا‭ ‬الفكر‭ ‬هزيمة‭ ‬جديدة،‭ ‬فتداعيات‭ ‬العدوان‭ ‬على‭ ‬قطاع‭ ‬غزّة،‭ ‬ومآلات‭ ‬التطورات‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬ولبنان‭ ‬واليمن‭ ‬والعراق‭ ‬والمنطقة‭ ‬ستكون‭ ‬خطيرة‭ ‬جداً،‭ ‬وصمود‭ ‬المقاومة‭ ‬ومحور‭ ‬المقاومة‭ ‬يتطلب‭ ‬دعماً‭ ‬عربياً‭ ‬واسعاً‭ ‬مؤثراً‭ ‬في‭ ‬مجرى‭ ‬الصراع‭.‬

حين‭ ‬تأسّس‭ ‬المؤتمر‭ ‬عام‭ ‬1990،‭ ‬ورد‭ ‬في‭ ‬المادة‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬نظامه‭ ‬الأساسي‭ ‬‮«‬تعريف‭ ‬المؤتمر‮»‬‭ ‬بأنه‭ ‬‮«‬تجمّع‭ ‬من‭ ‬المثقفين‭ ‬والممارسين‭ ‬العرب‮»‬،‭ ‬أي‭ ‬أنه‭ ‬تجمع‭ ‬فكري‭ ‬سياسي‭ ‬مهمته،‭ ‬كما‭ ‬تقول‭ ‬المادة‭ ‬الثانية‭ ‬أيضاً،‭ ‬‮«‬الإسهام‭ ‬في‭ ‬شحذ‭ ‬الوعي‭ ‬العربي‭ ‬بأهداف‭ ‬الأمّة‭ ‬المتمثلة‭ ‬في‭ ‬مشروعها‭ ‬الحضاري‮»‬،‭ ‬يشمل‭ ‬المؤتمر‭ ‬القومي‭ ‬العربي،‭ ‬مؤسسات‭ ‬ساهم‭ ‬في‭ ‬إطلاقها‭ ‬بدءاً‭ ‬من‭ ‬مخيمات‭ ‬الشباب‭ ‬القومي‭ ‬العربي‭ ‬ومنتديات‭ ‬تواصلهم،‭ ‬وصولاً‭ ‬إلى‭ ‬المؤتمر‭ ‬القومي‭ ‬الإسلامي،‭ ‬مروراً‭ ‬بالعديد‭ ‬من‭ ‬المبادرات‭ ‬والملتقيات‭ ‬والمنتديات‭ ‬والجمعيات‭ ‬المتخصصة‭. ‬ولعل‭ ‬أهمها‭ ‬والذي‭ ‬يؤكد‭ ‬تغليب‭ ‬أعضاء‭ ‬المؤتمر‭ ‬الجانب‭ ‬‮«‬الثقافي‭ ‬ــــــــــ‭ ‬الفكري‮»‬‭ ‬على‭ ‬‮«‬السياسي‭ ‬ـــــــــ‭ ‬النضالي‮»‬‭ ‬مركز‭ ‬دراسات‭ ‬الوحدة‭ ‬العربية،‭ ‬فمهمة‭ ‬استعادة‭ ‬الدور‭ ‬الفكري‭ ‬والثقافي‭ ‬للمؤتمر‭ ‬القومي‭ ‬العربي‭ ‬هي‭ ‬مهمة‭ ‬مركزية‭ ‬له‭ ‬كمؤسسة،‭ ‬ولأعضائه‭ ‬كأفراد،‭ ‬لأنه‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬يعيد‭ ‬توجيه‭ ‬البوصلة‭ ‬بالاتجاه‭ ‬الصحيح‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬ضّل‭ ‬الكثيرون‭ ‬الطريق‭ ‬وغّلبوا‭ ‬الاعتبارات‭ ‬التكتيكية‭ ‬على‭ ‬الرؤى‭ ‬الاستراتيجية،‭ ‬والمصالح‭ ‬الفئوية‭ ‬الضيقة‭ ‬على‭ ‬المصالح‭ ‬الوطنية‭ ‬والقومية‭ ‬العليا‭.‬

خرجت‭ ‬فكرة‭ ‬مركز‭ ‬دراسات‭ ‬الوحدة‭ ‬العربية‭ ‬من‭ ‬رحم‭ ‬المؤتمر‭ ‬عبر‭ ‬ندواته‭ ‬وحلقاته‭ ‬النقاشية،‭ ‬وتميز‭ ‬دوره‭ ‬في‭ ‬إعداد‭ ‬تقرير‭ ‬سنوي‭ ‬عن‭ ‬حال‭ ‬الأمّة‭ ‬ليشكّل‭ ‬خلفية‭ ‬نقاش‭ ‬للمؤتمر‭ ‬في‭ ‬دوراته‭ ‬المتعاقبة‭ ‬في‭ ‬قضايا‭ ‬المشروع‭ ‬النهضوي‭ ‬العربي‭ ‬الست‭ ‬لتناقش‭ ‬مدى‭ ‬اقتراب‭ ‬الأمّة‭ ‬منها‭ ‬أو‭ ‬ابتعادها‭ ‬عنها،‭ ‬وأقر‭ ‬المؤتمرون‭ ‬بأن‭ ‬الأمة‭ ‬قد‭ ‬ابتعدت‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬اقتربت،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يعني‭ ‬هذا‭ ‬الإقرار‭ ‬سيادة‭ ‬التشاؤم‭ ‬بمصير‭ ‬الأمة‭ ‬العربية‭. ‬فما‭ ‬زال‭ ‬المؤتمرون‭ ‬يجتمعون‭ ‬بدأب‭ ‬وإخلاص‭ ‬كلّ‭ ‬عام‭ ‬لمناقشة‭ ‬التطورات‭ ‬المتصلة‭ ‬بكلّ‭ ‬هدف‭ ‬من‭ ‬أهداف‭ ‬المشروع‭ ‬النهضوي‭ ‬العربي‭ ‬التي‭ ‬تتحدد‭ ‬في‭ ‬التالي‭: ‬الوحدة‭ ‬العربية،‭ ‬الديمقراطية،‭ ‬الاستقلال‭ ‬الوطني‭ ‬والقومي،‭ ‬التنمية‭ ‬المستقلة،‭ ‬العدالة‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬والتجدّد‭ ‬الحضاري،‭ ‬بهذا‭ ‬الشكل‭ ‬يبدو‭ ‬المؤتمر‭ ‬القومي‭ ‬العربي‭ ‬إطاراً‭ ‬للتحاور‭ ‬والتشاور‭ ‬بين‭ ‬أعضاء‭ ‬يمثّلون‭ ‬معظم‭ ‬ألوان‭ ‬الطيف‭ ‬الفكري‭ ‬والسياسي‭ ‬المؤمن‭ ‬بأهداف‭ ‬المشروع‭ ‬النهضوي‭ ‬العربي‭. ‬يحاولون‭ ‬إعلاء‭ ‬صوت‭ ‬المبادئ‭ ‬العليا‭ ‬للأمة‭ ‬على‭ ‬الحسابات‭ ‬الفئوية‭ ‬الضيقة،‭ ‬وإعلاء‭ ‬صوت‭ ‬الحوار‭ ‬والتشاور‭ ‬والتحاور‭ ‬وإعلاء‭ ‬الممارسة‭ ‬الديموقراطية‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬نزعة‭ ‬ذات‭ ‬طبيعة‭ ‬إقصائية،‭ ‬بما‭ ‬يعتبر‭ ‬أمر‭ ‬مهم‭ ‬إذا‭ ‬قارناه‭ ‬بما‭ ‬ساد‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬الأمة‭ ‬من‭ ‬لغة‭ ‬التناحر‭ ‬والتصادم‭ ‬والانقسام‭.‬

ولعل‭ ‬ما‭ ‬يميّز‭ ‬هذه‭ ‬التجربة‭ ‬أيضاً‭ ‬هو‭ ‬أنها‭ ‬تعطي‭ ‬الفكر‭ ‬والتحليلات‭ ‬ذات‭ ‬الطبيعة‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬أولوية‭ ‬في‭ ‬مناقشاتها،‭ ‬مدركة‭ ‬أن‭ ‬العمل‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬توجّهه‭ ‬رؤية‭ ‬أو‭ ‬فكر‭ ‬سليم‭ ‬مآله‭ ‬الفشل‭ ‬والضياع،‭ ‬وأن‭ ‬الفكر‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يصاحبه‭ ‬فعل‭ ‬مصيره‭ ‬الفراغ‭ ‬والفشل‭ ‬والتلاشي،‭ ‬ومن‭ ‬يتابع‭ ‬التقارير‭ ‬السياسية‭ ‬التي‭ ‬يناقشها‭ ‬المؤتمر‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬دورة‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭ ‬عدّة،‭ ‬يلاحظ‭ ‬أنها‭ ‬تتضمن‭ ‬رؤى‭ ‬استشرافية‭ ‬للتطورات‭ ‬على‭ ‬المستويات‭ ‬العربية‭ ‬والإقليمية‭ ‬والدولية‭ ‬بما‭ ‬كان‭ ‬يعاكس‭ ‬الرؤى‭ ‬السائدة‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الأيام‭.‬

لقد‭ ‬برز‭ ‬في‭ ‬المؤتمر‭ ‬من‭ ‬يدعو‭ ‬إلى‭ ‬الانعقاد‭ ‬الدائم‭ ‬للمؤتمر‭ ‬القومي‭ ‬العربي‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬مواكبة‭ ‬ما‭ ‬يحصل‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬ودعم‭ ‬وإسناد‭ ‬شعب‭ ‬غزة‭ ‬ومقاومتها‭ ‬خطوة‭ ‬بخطوة،‭ ‬وبرز‭ ‬أيضاً‭ ‬من‭ ‬يمجّد‭ ‬انعقاد‭ ‬المؤتمر‭ ‬القومي‭ ‬العربي‭ ‬بشكل‭ ‬دوري‭ ‬إنما‭ ‬دائم‭ ‬ومستمر،‭ ‬دون‭ ‬الأخذ‭ ‬بعين‭ ‬الاعتبار‭ ‬التطورات،‭ ‬وضرورة‭ ‬الانعقاد‭ ‬بشكل‭ ‬طارئ‭ ‬لمواجهة‭ ‬مهام‭ ‬مرحلة‭ ‬أو‭ ‬أزمة‭ ‬تتطلب‭ ‬تنسيق‭ ‬الجهود‭ ‬وتوحيدها،‭ ‬ألم‭ ‬يكن‭ ‬بالإمكان‭ ‬عقد‭ ‬اجتماع‭ ‬طارئ‭ ‬بدل‭ ‬الانتظار‭ ‬250‭ ‬يوماً‭ ‬على‭ ‬العدوان‭ ‬على‭ ‬شعب‭ ‬فلسطين،‭ ‬ولماذا‭ ‬هذا‭ ‬التأخير؟‭.‬

على‭ ‬رأي‭ ‬بعضهم،‭ ‬هذا‭ ‬التأخير‭ ‬للإحاطة‭ ‬الشاملة‭ ‬لعناصر‭ ‬الموقف،‭ ‬وهذا‭ ‬لا‭ ‬يتم‭ ‬دون‭ ‬عمق‭ ‬فكري‭ ‬وتحليلي‭ ‬للموقف،‭ ‬فالمؤتمر‭ ‬ليس‭ ‬حزباً‭ ‬سياسياً‭ ‬أو‭ ‬جمعية‭ ‬حركية‭ ‬ليصدر‭ ‬بيانات‭ ‬كلّ‭ ‬يوم،‭ ‬يؤيد‭ ‬هنا‭ ‬ويندّد‭ ‬هناك،‭ ‬بل‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تخرج‭ ‬عنه‭ ‬مواقف‭ ‬مدروسة‭ ‬وشاملة‭ ‬ويتم‭ ‬تبادل‭ ‬الرأي‭ ‬فيها‭ ‬بين‭ ‬عدة‭ ‬شخصيات‭ ‬رافقت‭ ‬المؤتمر‭ ‬منذ‭ ‬تأسيسه‭ ‬أو‭ ‬متخصصة‭ ‬بالحدث‭ ‬موضوع‭ ‬البيان‭.‬

المراجع‭:‬

‭- ‬صحيفة‭ ‬البناء،‭ ‬ورقة‭ ‬قدمت‭ ‬في‭ ‬المؤتمر‭ ‬القومي‭ ‬العربي‭ ‬الدورة‭ ‬26‭ ‬التي‭ ‬انعقدت‭ ‬في‭ ‬بيروت‭ ‬بتاريخ‭ ‬2‭-‬3‭-‬6‭-‬2015‭ ‬معن‭ ‬بشور‭ ‬الأمين‭ ‬العام‭ ‬السابق‭ ‬للمؤتمر‭ ‬القومي‭ ‬العربي‭.‬

‭- ‬صحيفة‭ ‬رأي‭ ‬اليوم‭: ‬‮«‬بيان‭ ‬إلى‭ ‬الأمّة‮»‬‭ ‬صادر‭ ‬عن‭ ‬المؤتمر‭ ‬القومي‭ ‬العربي‭ ‬الحادي‭ ‬والثلاثين‭.‬

‭- ‬قناة‭ ‬الأخبار‭ ‬الفضائية‭: ‬الدورة‭ ‬32‭ ‬للمؤتمر‭ ‬القومي‭ ‬العربي‭: ‬تجربة‭ ‬تستحق‭ ‬الدراسة‭.‬