حاضنة‭ ‬المقاومة‭ ‬بين‭ ‬الفيتو‭ ‬والمخيم

يونيو 9, 2024

بينما‭ ‬تدور‭ ‬أشرس‭ ‬معارك‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية،‭ ‬وفي‭ ‬صيف‭ ‬عام‭ ‬1942،‭ ‬بدأت‭ ‬منظمات‭ ‬شبه‭ ‬عسكرية‭ ‬يهودية‭ ‬بناء‭ ‬خنادق‭ ‬في‭ ‬الحي‭ ‬اليهودي‭ ‬في‭ ‬وارسو‭ ‬في‭ ‬بولونيا‭ ‬المحتلة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الألمان،‭ ‬وشرع‭ ‬أعضاؤها‭ ‬بتهريب‭ ‬الأسلحة‭ ‬والمتفجرات‭ ‬إلى‭ ‬داخل‭ ‬الحي،‭ ‬استعداداً‭ ‬لمعارك‭ ‬مقبلة‭ ‬مع‭ ‬الألمان‭ ‬وسط‭ ‬منطقة‭ ‬محدودة‭ ‬المساحة‭ ‬تبلغ‭ ‬مساحتها‭ ‬3‭.‬3‭ ‬كيلومتراً‭ ‬مربعاً،‭ ‬كثيفة‭ ‬السكان‭ ‬تعج‭ ‬بالمدنيين‭ ‬لنحو‭ ‬نصف‭ ‬مليون‭ ‬إنسان‭ ‬معظمهم‭ ‬من‭ ‬اليهود،‭ ‬سيطرت‭ ‬منظمتا‭ ‬المقاومة،‭ ‬‮«‬‭ ‬زي‭ ‬زي‭ ‬دبليو‮»‬‭ ‬و‮«‬‭ ‬زي‭ ‬أو‭ ‬بي‮»‬،‭ ‬على‭ ‬الغيتو،‭ ‬وقامتا‭ ‬بتشييد‭ ‬مواقع‭ ‬القتال‭ ‬وسط‭ ‬الحي‭ ‬اليهودي،‭ ‬هذا‭ ‬في‭ ‬المفهوم‭ ‬الأمريكي‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬الآن‭ ‬هو‭ ‬استخدام‭ ‬المدنيين‭ ‬دروعاً‭ ‬بشرية‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬ما‭ ‬تطبقه‭ ‬على‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬ودور‭ ‬الفصائل‭ ‬الفلسطينية‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬شبكة‭ ‬أنفاق‭ ‬لحماية‭ ‬المقاومين‭ ‬من‭ ‬نيران‭ ‬الهجمات‭ ‬العدوانية‭ ‬في‭ ‬حروب‭ ‬ضد‭ ‬شعبنا‭ ‬لم‭ ‬تتوقف‭ ‬حتى‭ ‬تعود‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬أكثر‭ ‬شراسة‭ ‬وفتكاً‭. ‬

قضت‭ ‬القوات‭ ‬الألمانية‭ ‬على‭ ‬المقاومة‭ ‬العسكرية‭ ‬المنظمة‭ ‬في‭ ‬غضون‭ ‬أيام‭ ‬من‭ ‬بداية‭ ‬انتفاضة‭ ‬غيتو‭ ‬وارسو،‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الانتصار‭ ‬السريع‭ ‬على‭ ‬انتفاضة‭ ‬الغيتو‭ ‬صار‭ ‬الحي‭ ‬اليهودي‭ ‬حطاماً‭ ‬سوّته‭ ‬النازية‭ ‬بالأرض،‭ ‬وأمر‭ ‬قائد‭ ‬الهجوم‭ ‬الألماني‭ ‬تدمير‭ ‬الكنيس‭ ‬الموجود‭ ‬بشارع‭ ‬تلوماتسكي‭ ‬في‭ ‬16‭ ‬مايو‭ ‬1943،‭ ‬وترحيل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ربع‭ ‬مليون‭ ‬يهودي‭ ‬كعقاب‭ ‬للحاضنة‭ ‬الشعبية،‭ ‬استطاع‭ ‬أفراد‭ ‬معدودين‭ ‬من‭ ‬المقاومين‭ ‬الإفلات‭ ‬والاختباء،‭ ‬وقاتلوا‭ ‬الألمان‭ ‬لمدة‭ ‬شهر‭ ‬تقريباً‭ ‬كذئاب‭ ‬منفردة،‭ ‬وحسب‭ ‬المفهوم‭ ‬الغربي‭ ‬الآن،‭ ‬الذئب‭ ‬المنفرد‭ ‬هو‭ ‬شخص‭ ‬يرتكب‭ ‬أعمال‭ ‬عنف‭ ‬وحده‭ ‬مدفوعاً‭ ‬بتوجهات‭ ‬عقائدية‭ ‬أو‭ ‬أيديولوجية‭ ‬أو‭ ‬قومية،‭ ‬وهي‭ ‬تسمية‭ ‬يراد‭ ‬بها‭ ‬اتهام‭ ‬المقاوم‭ ‬بالإرهاب،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬الغرب‭ ‬ينكر‭ ‬على‭ ‬الحاضنة‭ ‬الشعبية‭ ‬أن‭ ‬تعطي‭ ‬الشرعية‭ ‬للمقاومة،‭ ‬لأن‭ ‬ذلك‭ ‬يمكّن‭ ‬قوات‭ ‬الاحتلال‭ ‬من‭ ‬الاستفراد‭ ‬بالمقاومين‭ ‬إذا‭ ‬كانوا‭ ‬جماعة‭ ‬منعزلة‭ ‬أو‭ ‬غريبة‭ ‬عن‭ ‬بيئتهم‭ ‬الحاضنة،‭ ‬أو‭ ‬أنهم‭ ‬حالة‭ ‬يسهل‭ ‬التخلي‭ ‬عنها،‭ ‬وإذا‭ ‬لم‭ ‬يقتنع‭ ‬الشعب‭ ‬بقضيتهم‭ ‬يصبحون‭ ‬كما‭ ‬يسميهم‭ ‬العدو‭ ‬الذئاب‭ ‬المنفردة‭. ‬

في‭ ‬غيتو‭ ‬وارسو‭ ‬تم‭ ‬نزع‭ ‬الحاضنة‭ ‬بترحيلها‭ ‬عن‭ ‬مناطق‭ ‬تواجدها،‭ ‬مما‭ ‬سهل‭ ‬تفكيك‭ ‬خلايا‭ ‬المقاومة‭ ‬وأصبح‭ ‬الفعل‭ ‬المقاوم‭ ‬يجري‭ ‬بشكل‭ ‬مستقل‭ ‬تماماً‭ ‬وخارج‭ ‬عن‭ ‬خطط‭ ‬القيادة‭ ‬التي‭ ‬فقدت‭ ‬السيطرة‭ ‬والفاعلية،‭ ‬وأصبحت‭ ‬أعمال‭ ‬المقاومة‭ ‬يائسة‭ ‬لدرجة‭ ‬اللجوء‭ ‬لتنفيذ‭ ‬عمل‭ ‬انتحاري‭. ‬العمل‭ ‬القتالي‭ ‬العسكري‭ ‬أساساً‭ ‬عمل‭ ‬جماعي‭ ‬وليس‭ ‬عملاً‭ ‬منفرداً،‭ ‬حتى‭ ‬المهام‭ ‬الخاصة‭ ‬كالإغارات‭ ‬والكمائن‭ ‬وغيرها‭ ‬تعتمد‭ ‬بشدة‭ ‬على‭ ‬العمل‭ ‬الجماعي‭ ‬المنظم‭ ‬في‭ ‬والمخطط‭ ‬في‭ ‬خطواته‭ ‬والمحكم‭ ‬في‭ ‬التنفيذ‭.‬

كثير‭ ‬من‭ ‬التساؤلات‭ ‬تطرح‭ ‬الآن‭ ‬على‭ ‬حالة‭ ‬الغيتو‭ ‬هذه،‭ ‬هل‭ ‬كانت‭ ‬تلك‭ ‬المنظمات‭ ‬المقاتلة‭ ‬في‭ ‬وارسو‭ ‬تتطلع‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬المدنيون‭ ‬في‭ ‬الحي‭ ‬سوراً‭ ‬واقياً‭ ‬للمقاتلين‭ ‬تحصنوا‭ ‬وراءهم‭ ‬؟‭. ‬لماذا‭ ‬لم‭ ‬تلجأ‭ ‬الفصائل‭ ‬المقاتلة‭ ‬إلى‭ ‬الغابات‭ ‬أو‭ ‬إلى‭ ‬الجبال‭ ‬وتتحصن‭ ‬هناك؟‭. ‬وبما‭ ‬لا‭ ‬يورط‭ ‬المدنيين؟‭. ‬أو‭ ‬يوقعهم‭ ‬وسط‭ ‬تبادل‭ ‬إطلاق‭ ‬النار؟‭. ‬كي‭ ‬لا‭ ‬يتخذ‭ ‬الجيش‭ ‬النازي‭ -‬الذي‭ ‬يمتلك‭ ‬من‭ ‬آلات‭ ‬القتل‭ ‬والتدمير‭ ‬أحدثها‭ ‬وأكثرها‭ ‬فتكاً‭- ‬وجود‭ ‬المقاتلين‭ ‬ذريعة‭ ‬لاستهداف‭ ‬المدنيين؟‭. ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬نزع‭ ‬ورقة‭ ‬استهداف‭ ‬البيئة‭ ‬الحاضنة‭ ‬من‭ ‬يد‭ ‬العدو‭ ‬لفرض‭ ‬شروطه‭ ‬؟‭. ‬

عندما‭ ‬يفشل‭ ‬العدو‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬المقاومة‭ ‬ليس‭ ‬أمامه‭ ‬سوى‭ ‬ضرب‭ ‬الحاضنة‭ ‬الشعبية‭ ‬للمقاومة،‭ ‬يستهدف‭ ‬البنية‭ ‬التحتية،‭ ‬ويزرع‭ ‬الدمار‭ ‬الواسع‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬عدوان‭ ‬يشنه‭ ‬على‭ ‬مواقع‭ ‬مدنية‭ ‬يتذرع‭ ‬أنها‭ ‬ملجأ‭ ‬للمقاومين،‭ ‬وهذا‭ ‬حال‭ ‬جيوش‭ ‬الاحتلال‭ ‬على‭ ‬مر‭ ‬التاريخ‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬استهداف‭ ‬الحاضنة‭ ‬الشعبية‭ ‬والتغول‭ ‬في‭ ‬القتل‭ ‬ليشكل‭ ‬إيقاع‭ ‬خسائر‭ ‬جسيمة‭ ‬بها‭ ‬عامل‭ ‬ضغط‭ ‬على‭ ‬المقاومين‭ ‬لانتزاع‭ ‬تنازلات‭ ‬ميدانية‭ ‬وسياسية،‭ ‬والأمثلة‭ ‬كثيرة،‭ ‬ومنها‭ ‬قصف‭ ‬قوات‭ ‬الاحتلال‭ ‬الفرنسي‭ ‬بالمدفعية‭ ‬والطيران‭ ‬الأحياء‭ ‬السكنية‭ ‬في‭ ‬دمشق‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1925‭ ‬لمدة‭ ‬ثلاثة‭ ‬أيام‭ ‬متواصلة،‭ ‬أحرقت‭ ‬خلالها‭ ‬قذائف‭ ‬مدفعية‭ ‬وطيران‭ ‬المستعمرين‭ ‬عشرات‭ ‬الأحياء‭ ‬والأسواق‭ ‬الدمشقية‭ ‬ذات‭ ‬التاريخ‭ ‬العريق،‭ ‬ومنها‭ ‬حي‭ ‬سيدي‭ ‬عامود‭ ‬الذي‭ ‬أصبح‭ ‬بعد‭ ‬حرق‭ ‬وتدمير‭ ‬بيوته‭ ‬الدمشقية‭ ‬العتيقة‭ ‬ومنشأته‭ ‬الأثرية‭ ‬يسمى‭ ‬حي‭ ‬الحريقة‭. ‬

مخيمات‭ ‬اللاجئين‭ ‬عنوان‭ ‬القضية‭ ‬الوطنية‭ ‬وحق‭ ‬العودة،‭ ‬أبناؤها‭ ‬هم‭ ‬طليعة‭ ‬المقاومة‭ ‬ولدوا‭ ‬في‭ ‬ظروف‭ ‬المعاناة‭ ‬التي‭ ‬سببتها‭ ‬النكبة‭ ‬والتي‭ ‬بقيت‭ ‬آثارها‭ ‬ماثلة‭ ‬عبر‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬عن‭ ‬75‭ ‬عاماً،‭ ‬ظروفها‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والجغرافية‭ ‬والديمغرافية‭  ‬شكَّلت‭ ‬بيئة‭ ‬حاضنة‭ ‬للمقاومة،‭ ‬تعتبر‭ ‬مخيمات‭ ‬غزة‭ ‬أكثر‭ ‬مناطق‭ ‬العالم‭ ‬كثافة‭ ‬سكانية،‭ ‬تعاني‭ ‬الفقر‭ ‬وحياة‭ ‬البؤس‭ ‬والتشرد‭ ‬والاكتظاظ‭ ‬السكاني‭ ‬والحيّز‭ ‬الجغرافي‭ ‬الضيق،‭ ‬كان‭ ‬لهذه‭ ‬المخيمات‭ ‬دور‭ ‬بارز‭ ‬في‭ ‬أحداث‭ ‬الانتفاضة‭ ‬الأولى‭ ‬1987،‭ ‬التي‭ ‬اندلعت‭ ‬شرارتها‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬مخيم‭ ‬جباليا،‭ ‬فقد‭ ‬مثلت‭ ‬الحاضنة‭ ‬الفعلية‭ ‬لفعل‭ ‬المقاومة،‭ ‬وذلك‭ ‬عبر‭ ‬أشكال‭ ‬متعددة‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬المواجهة‭ ‬مع‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬ثنائية‭ ‬مقاومة‭ ‬وشعب‭ ‬أقلقت‭ ‬قادة‭ ‬العدو‭ ‬الصهيوني،‭ ‬فانتهزوا‭ ‬أحداث‭ ‬طوفان‭ ‬الأقصى‭ ‬7‭ ‬أكتوبر‭ ‬2023،‭ ‬معتبراً‭ ‬إياها‭ ‬فرصة‭ ‬مواتية‭ ‬للاحتلال‭ ‬كي‭ ‬يفصل‭ ‬الحاضنة‭ ‬عن‭ ‬المقاومة‭ ‬بالتهجير‭ ‬والتطهير‭ ‬العرقي،‭ ‬في‭ ‬ممارسة‭ ‬لجيش‭ ‬الاحتلال‭ ‬الصهيوني‭ ‬تفوق‭ ‬ممارسات‭ ‬النازيين‭ ‬في‭ ‬غيتو‭ ‬وارسو،‭ ‬تعرضت‭ ‬الحاضنة‭ ‬الشعبية‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬للحصار‭ ‬لسنوات‭ ‬طويلة،‭ ‬وتعرضت‭ ‬لحملة‭ ‬إبادة‭ ‬وتجويع‭ ‬وتدمير‭ ‬المنازل‭ ‬والترحيل‭ ‬والتنكيل‭ ‬وتدمير‭ ‬البنى‭ ‬التحتية،‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬تتعرض‭ ‬له‭ ‬أي‭ ‬حاضنة‭ ‬شعبية‭ ‬عبر‭ ‬تاريخ‭ ‬البشرية،‭ ‬ووقف‭ ‬العالم‭ ‬مندهشاً‭ ‬من‭ ‬صمودها‭ ‬والتفافها‭ ‬حول‭ ‬المقاومة،‭ ‬وما‭ ‬زال‭ ‬العدوان‭ ‬متواصلاً‭ ‬على‭ ‬القطاع‭ ‬ينذر‭ ‬بكارثة‭ ‬إنسانية،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬أهل‭ ‬غزة‭ ‬لم‭ ‬يتخلوا‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬الفصائل،‭ ‬ولم‭ ‬يتمردوا‭ ‬على‭ ‬المقاومة،‭ ‬مدركين‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬إضعاف‭ ‬المقاومة،‭ ‬وإحراجها‭ ‬عربياً‭ ‬ودولياً،‭  ‬تمسكت‭ ‬الحاضنة‭ ‬الشعبية‭ ‬بالمقاومة،‭ ‬و‭ ‬تحدت‭ ‬الاحتلال،‭ ‬ولم‭ ‬يحمّل‭ ‬سكان‭ ‬القطاع‭ ‬المقاومة‭ ‬مسؤولية‭ ‬ما‭ ‬حل‭ ‬بهم،‭ ‬رغم‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬التي‭ ‬حاولت‭ ‬أن‭ ‬تربط‭ ‬سبب‭ ‬ما‭ ‬حل‭ ‬بسكان‭ ‬غزة‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬قامت‭ ‬به‭ ‬حركة‭ ‬حماس‭ ‬يوم‭ ‬7‭ ‬أكتوبر‭. ‬وعلى‭ ‬العكس‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬ازداد‭ ‬تمسك‭ ‬الحاضنة‭ ‬الشعبية‭ ‬بالمقاومة،‭ ‬بارتباط‭ ‬الخيار‭ ‬الوطني،‭ ‬بدافع‭ ‬الرغبة‭ ‬بالثأر،‭ ‬للشهداء‭ ‬والجرحى،‭ ‬أصبحت‭ ‬المقاومة‭ ‬خياراً‭ ‬للثأر‭ ‬من‭ ‬الاحتلال‭ ‬الذي‭ ‬أدخل‭ ‬الموت‭ ‬والخراب‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬بيت‭ ‬في‭ ‬غزة‭.‬

أما‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬فقد‭ ‬أرادت‭ ‬سلطات‭ ‬الاحتلال‭ ‬أن‭ ‬تفرض‭ ‬عقوبات‭ ‬على‭ ‬البيئة‭ ‬الحاضنة‭ ‬للمقاومة‭ ‬بأن‭ ‬تجعل‭ ‬من‭ ‬المخيم‭ ‬غيتو‭ ‬محاصر‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬الجهات،‭ ‬فأقدمت‭ ‬على‭ ‬إحاطة‭ ‬حدوده‭ ‬بجدران‭ ‬إسمنتية‭ ‬عالية‭ ‬وأسلاك‭ ‬شائكة،‭ ‬وإغلاق‭ ‬مداخله،‭ ‬ضمن‭ ‬خطة‭ ‬تشمل‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬الضفة‭ ‬لجعل‭ ‬التجمعات‭ ‬السكانية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬من‭ ‬المدن‭ ‬والقرى‭ ‬والمخيمات‭ ‬معازل‭ ‬محاطة‭ ‬بالمستوطنات‭ ‬والأسوار‭ ‬والمعابر‭ ‬والشوارع‭ ‬الالتفافية‭.‬

المخيمات‭ ‬‮«‬بؤرة‭ ‬المقاومة‮»‬،‭ ‬تؤوي‭ ‬مقاومين‭ ‬من‭ ‬داخلها‭ ‬وخارجها‭ ‬ذلك‭ ‬جعلها‭ ‬هدفاً‭ ‬للاحتلال،‭ ‬وباتت‭ ‬في‭ ‬نظر‭ ‬الاحتلال‭ ‬بؤراً‭ ‬للإرهاب،‭ ‬يسميها‭ ‬‮«‬عش‭ ‬الدبابير‮»‬،‭ ‬تتعرض‭ ‬لاقتحامات‭ ‬الجيش‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬وعمليات‭ ‬تخريب‭ ‬وتدمير‭ ‬للبنية‭ ‬التحتية،‭ ‬وترهيب‭ ‬السكان‭ ‬الآمنين،‭ ‬والهدف‭ ‬ردع‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬يحتضنوا‭ ‬المقاومة‭.‬

طالما‭ ‬كانت‭ ‬المخيمات‭ ‬الفلسطينية‭ ‬خزان‭ ‬الثورة‭ ‬تمد‭ ‬الفصائل‭ ‬بالمقاتلين‭ ‬والحزبيين‭ ‬والإطار‭ ‬الصديق،‭ ‬وبقيت‭ ‬العلاقة‭ ‬المتينة‭ ‬دون‭ ‬انقطاع‭ ‬بين‭ ‬المقاومين‭ ‬وبين‭ ‬حاضنتهم‭ ‬الشعبية‭ ‬رغم‭ ‬كل‭ ‬محاولات‭ ‬ضرب‭ ‬هذه‭ ‬العلاقة‭ ‬عبر‭ ‬القتل‭ ‬والتدمير‭ ‬والاغتيال‭ ‬والحصار‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬وعبر‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬وبرامجها‭ ‬الموجهة‭ ‬لجمهور‭ ‬المقاومة‭ ‬والتي‭ ‬تتبع‭ ‬أدق‭ ‬النظريات‭ ‬والدراسات‭ ‬النفسية‭ ‬والاجتماعية‭. ‬

في‭ ‬مخيمات‭ ‬لبنان‭ ‬وجدت‭ ‬المقاومة‭ ‬الملجأ،‭ ‬وضربت‭ ‬الحاضنة‭ ‬الشعبية‭ ‬أروع‭ ‬الأمثلة‭ ‬في‭ ‬الصمود‭ ‬أمام‭ ‬العدو‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬والمليشيات‭ ‬الانعزالية،‭ ‬المتعاونة‭ ‬معه،‭ ‬وتواصلت‭ ‬الغارات‭ ‬والقصف‭ ‬العنيف‭ ‬على‭ ‬المخيمات‭ ‬دون‭ ‬توقف‭ ‬خلال‭ ‬مرحلة‭ ‬تموضع‭ ‬قوات‭ ‬الثورة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬في‭ ‬لبنان،‭ ‬وكان‭ ‬أشده‭ ‬عدوانية‭ ‬ووحشية‭ ‬في‭ ‬اجتياح‭ ‬العام‭ ‬1982،‭ ‬أعقبه‭ ‬مجزرة‭ ‬صبرا‭ ‬وشاتيلا،‭ ‬رغم‭ ‬ذلك‭ ‬بقيت‭ ‬مخيمات‭ ‬لبنان‭ ‬حصون‭ ‬منيعة‭ ‬وفية‭ ‬للمقاومة‭.‬

باتت‭ ‬المخيمات‭ ‬في‭ ‬الضفة‭ ‬تشكل‭ ‬معاقل‭ ‬للخلايا‭ ‬العسكرية‭ ‬المنظمة‭ ‬التي‭ ‬تطورت‭ ‬من‭ ‬العمليات‭ ‬الفردية،‭ ‬وتوسعت‭ ‬إلى‭ ‬كتائب‭ ‬مقاتلة‭ ( ‬كتيبة‭ ‬جنين،‭ ‬مجموعة‭ ‬عرين‭ ‬الأسود،‭ ‬كتيبة‭ ‬طولكرم،‭ ‬كتيبة‭ ‬مخيم‭ ‬عقبة‭ ‬جبر‭….) ‬رغم‭ ‬ممارسات‭ ‬الاحتلال‭ ‬من‭ ‬اجتياح‭ ‬دائم‭ ‬واعتقالات‭ ‬واغتيالات‭ ‬وإعدام‭ ‬ميداني‭ ‬للمقاومين‭ ‬وترهيب‭ ‬وتخريب‭ ‬وتسلل‭ ‬المستعربين‭. ‬

وإذا‭ ‬كان‭ ‬العدو‭ ‬يسعى‭ ‬لإضعاف‭ ‬الرابطة‭ ‬بين‭ ‬المقاومين‭ ‬وبيئتهم‭ ‬الحاضنة،‭ ‬فالمؤكد‭ ‬أن‭ ‬يسعى‭ ‬قادة‭ ‬المقاومة‭ ‬إلى‭ ‬تفعيل‭ ‬دور‭ ‬الحاضنة‭ ‬الشعبية‭ ‬وضمان‭ ‬الحفاظ‭ ‬عليها‭ ‬وعدم‭ ‬تراجعها،‭ ‬فلا‭ ‬تنسلخ‭ ‬القيادة‭ ‬عن‭ ‬الجماهير،‭ ‬وينغمس‭ ‬الكادر‭ ‬في‭ ‬الحركة‭ ‬الجماهيرية‭ ‬ولا‭ ‬يتعالى‭ ‬عليها،‭ ‬ويدعم‭ ‬الحوار‭ ‬والتفاعل‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬الحاضنة،‭ ‬ليبين‭ ‬لها‭ ‬برنامج‭ ‬وسياسات‭ ‬المقاومة‭ ‬وما‭ ‬تريد‭ ‬القيادة‭ ‬أن‭ ‬تقوم‭ ‬به‭ ‬تحقيقاً‭ ‬للأهداف‭ ‬الوطنية‭.‬

عبر‭ ‬تاريخ‭ ‬اندلاع‭ ‬الثورات‭ ‬والانتفاضات‭ ‬الفلسطينية‭ ‬في‭ ‬الماضي‭ ‬وصولاً‭ ‬إلى‭ ‬الحاضر،‭ ‬تساند‭ ‬الحاضنة‭ ‬الشعبية‭ ‬المقاومة‭ ‬وتحميها‭ ‬وترعاها‭ ‬ببذل‭ ‬التضحيات‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬استمرارها‭ ‬والمضي‭ ‬نحو‭ ‬تحقيق‭ ‬أهدافها‭ ‬الوطنية‭. ‬تمثل‭ ‬انتفاضة‭ ‬الحجارة‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1987‭ ‬مرحلة‭ ‬مهمة‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬عكست‭ ‬مدى‭ ‬التلاحم‭ ‬بين‭ ‬المقاومة‭ ‬والحاضنة‭ ‬الشعبية،‭ ‬ولم‭ ‬تنجح‭ ‬السياسات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬منذ‭ ‬بدء‭ ‬الصراع‭ ‬في‭ ‬تحييد‭ ‬دور‭ ‬الحاضنة‭ ‬الشعبية‭ ‬عن‭ ‬دعم‭ ‬المقاومة‭ ‬عبر‭ ‬إشغال‭ ‬هذه‭ ‬الحاضنة‭ ‬بأمورها‭ ‬الحياتية‭ ‬اليومية‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬استخدام‭ ‬وسائل‭ ‬التضييق‭ ‬والضغط‭ ‬المستمرة‭ ‬عليها،‭ ‬وإلهائها‭ ‬بتحصيل‭ ‬لقمة‭ ‬العيش‭ ‬لضمان‭ ‬تغييب‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬عن‭ ‬قضيته‭ ‬الوطنية‭.‬

الحاضنة‭ ‬الشعبية‭ ‬هو‭ ‬المصطلح‭ ‬الذي‭ ‬يُطلق‭ ‬على‭ ‬التأييد‭ ‬والدعم‭ ‬الشعبي‭ ‬للثائرين‭ ‬أو‭ ‬للمسلحين‭ ‬أمام‭ ‬قوات‭ ‬الاحتلال،‭ ‬

في‭ ‬ورقة‭ ‬عمل‭ ‬صادرة‭ ‬عن‭ ‬مركز‭ ‬الزيتونة‭ ‬للدراسات‭ ‬والاستشارات،‭ ‬يعرّف‭ ‬الباحث‭ ‬الفلسطيني‭ ‬ماجد‭ ‬إبراهيم‭ ‬أبو‭ ‬دياك‭ ‬الحاضنة‭ ‬الشعبية‭ ‬بقوله‭: ‬‮«‬‭ ‬هي‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الفعاليات‭ ‬والمواقف‭ ‬الشعبية‭ ‬المساندة‭ ‬لقضية‭ ‬ما،‭ ‬وتأتي‭ ‬انعكاساً‭ ‬لموقف‭ ‬أيديولوجي‭ ‬أو‭ ‬سياسي،‭ ‬كما‭ ‬تتأثر‭ ‬بالانتماء‭ ‬إلى‭ ‬ثقافة‭ ‬مشتركة،‭ ‬وتتسع‭ ‬أو‭ ‬تضيق‭ ‬حسب‭ ‬الظروف‭ ‬السياسية‮»‬‭.‬

بينما‭ ‬اعتبرها‭ ‬آخرون‭ ‬بأنها‭ ‬تلك‭ ‬البيئة‭ ‬التي‭ ‬تحتضن‭ ‬المقاومة‭ ‬الشعبية،‭ ‬وتكون‭ ‬مستعدة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬هذا‭ ‬الاحتضان‭ ‬أن‭ ‬توجد‭ ‬لها‭ ‬بيئة‭ ‬عمل‭ ‬مناسبة‭ ‬وصحية،‭ ‬وأن‭ ‬تدعمها‭ ‬سياسيا‭ ‬واقتصاديا‭ ‬وتوفر‭ ‬لها‭ ‬ما‭ ‬تتطلبه‭ ‬من‭ ‬احتياجات،‭ ‬وأن‭ ‬تتحمل‭ ‬التكاليف‭ ‬والاستحقاقات‭ ‬والأثمان‭ ‬الناتج‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬التحمل‭.‬

الحاضنة‭ ‬الشعبية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬هي‭ ‬الجمهور‭ ‬المقتنع‭ ‬ببرنامج‭ ‬المقاومة،‭ ‬والمستعد‭ ‬لتقديم‭ ‬التضحيات‭ ‬وتحمل‭ ‬النتائج‭ ‬التي‭ ‬تأتي‭ ‬بها‭ ‬أي‭ ‬مواجهة‭ ‬مع‭ ‬الاحتلال،‭ ‬ولها‭ ‬دور‭ ‬مهم‭ ‬في‭ ‬الحماية‭ ‬الشعبية‭ ‬للمقاومة‭ ‬وفي‭ ‬الإسناد‭. ‬

تكمن‭ ‬قيمة‭ ‬الحاضنة‭ ‬الشعبية‭ ‬في‭ ‬إنجازها‭ ‬عدة‭ ‬أمور‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬الوطني،‭ ‬تساهم‭ ‬في‭ ‬رسم‭ ‬صورة‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬كقضية‭ ‬شعب‭ ‬بأكمله‭ ‬يرفض‭ ‬الاحتلال‭. ‬وتساهم‭ ‬في‭ ‬إسقاط‭ ‬الرهان‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬فجوة‭ ‬بين‭ ‬المقاومة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬وجماهير‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭. ‬وتعكس‭ ‬الوعي‭ ‬الوطني‭ ‬وإدراكه‭ ‬لأهمية‭ ‬خيار‭ ‬المقاومة‭ ‬بعد‭ ‬فشل‭ ‬مسارات‭ ‬التسوية‭ ‬السياسية،‭ ‬وتصاعد‭ ‬حملات‭ ‬الاستيطان‭ ‬والتهويد‭ ‬ولاسيما‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬القدس،‭ ‬وهي‭ ‬خزان‭ ‬الثورة‭ ‬البشري‭ ‬والمادي،‭ ‬تخفف‭ ‬الحاضنة‭ ‬الشعبية‭ ‬الضغط‭ ‬على‭ ‬المقاومة‭ ‬وترفع‭ ‬معنوياتها،‭ ‬وتعوض‭ ‬التفوق‭ ‬المادي‭ ‬في‭ ‬موازين‭ ‬القوة‭ ‬بين‭ ‬قوة‭ ‬احتلال‭ ‬وشعب‭ ‬واقع‭ ‬تحت‭ ‬الاحتلال،‭ ‬باستعدادها‭ ‬للتضحية،‭ ‬وبإصرارها‭ ‬على‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬المقاومة‭ ‬حتى‭ ‬نيل‭ ‬الحرية‭ ‬والاستقلال‭. ‬

أبرز‭ ‬أشكال‭ ‬التفاف‭ ‬الحاضنة‭ ‬الشعبية‭ ‬مع‭ ‬المقاومة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬تشييع‭ ‬شهداء‭ ‬المقاومة‭ ‬والهتافات‭ ‬المؤيدة‭ ‬والداعية‭ ‬إلى‭ ‬استمرار‭ ‬المقاومة‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬موقف‭ ‬ذوي‭ ‬الشهيد‭ ‬وما‭ ‬يدلون‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬تصريحات‭ ‬تؤكد‭ ‬تقبلهم‭ ‬لتضحية‭ ‬الشهيد‭.‬

وتبرز‭ ‬أيضاً‭ ‬في‭ ‬تصدي‭ ‬الحشود‭ ‬الشعبية‭ ‬للجيش‭ ‬وآلياته‭ ‬لمنعه‭ ‬من‭ ‬هدم‭ ‬بيت‭ ‬منفذ‭ ‬عملية‭ ‬ضد‭ ‬جيش‭ ‬الاحتلال‭ ‬أو‭ ‬مستوطنيه،‭ ‬ليتحول‭ ‬المكان‭ ‬إلى‭ ‬ساحة‭ ‬مواجهة‭ ‬بين‭ ‬الشبان‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬وقوات‭ ‬الاحتلال‭ ‬الصهيونية،‭ ‬الحاضنة‭ ‬الشعبية‭ ‬للمقاومة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬بيت‭ ‬المقدس

ولأنها‭ ‬حاضنة‭ ‬المقاومة‭ ‬فهي‭ ‬ترى‭ ‬أن‭ ‬نهج‭ ‬التسوية‭ ‬ومسار‭ ‬أوسلو‭ ‬ليس‭ ‬المسار‭ ‬الصحيح‭ ‬الموصل‭ ‬إلى‭ ‬بلوغ‭ ‬الأهداف‭ ‬الوطنية،‭ ‬فبعد‭ ‬تعثر‭ ‬هذا‭ ‬المسار‭ ‬وانغلاق‭ ‬أفقه،‭ ‬نطورت‭ ‬الحاضنة‭ ‬الشعبية‭ ‬لتحمي‭ ‬المجموعات‭ ‬المسلحة،‭ ‬إذ‭ ‬أشار‭ ‬استطلاع‭ ‬نشره‭ ‬المركز‭ ‬الفلسطيني‭ ‬للبحوث‭ ‬السياسية‭ ‬والمسحية،‭ ‬في‭ ‬حزيران‭/ ‬يونيو‭ ‬2023،‭ ‬أن‭ ‬71‭% ‬من‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬يؤيدون‭ ‬تشكيل‭ ‬المجموعات‭ ‬كعرين‭ ‬الأسود‭ ‬وكتيبة‭ ‬جنين‭ ‬وغيرهما‭. ‬وقد‭ ‬تؤثر‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬النسبة‭ ‬حالة‭ ‬الانقسام‭ ‬السياسي‭ ‬والانتماءات‭ ‬الحزبية‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تحدث‭ ‬شرخاً‭ ‬واضحاً‭ ‬في‭ ‬الحاضنة‭ ‬الشعبية،‭ ‬والتنسيق‭ ‬الأمني‭ ‬مع‭ ‬حكومة‭ ‬الاحتلال،‭ ‬أحد‭ ‬العوامل‭ ‬المهمة‭ ‬المؤثرة‭ ‬سلباً‭ ‬في‭ ‬الحاضنة‭ ‬الشعبية‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الدعم‭ ‬السياسي‭ ‬والاستراتيجي،‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬المجالات‭ ‬التي‭ ‬تخدم‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬والثقافية،‭ ‬والرياضية،‭ ‬والشبابية،‭ ‬والصحية‭. ‬لذلك‭ ‬وجود‭ ‬حاضنة‭ ‬واعية‭ ‬سياسياً‭ ‬تحول‭ ‬دون‭ ‬التفريط‭ ‬بالتضحيات‭ ‬الجسام‭ ‬التي‭ ‬يبذلها‭ ‬المقاومون‭ ‬ويبذلها‭ ‬الشعب‭ ‬المساند‭ ‬خلال‭ ‬الصراع‭ ‬مع‭ ‬الاحتلال‭.  ‬

ولدت‭ ‬المقاومة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬من‭ ‬رحم‭ ‬الشعب‭ ‬وتطورت‭ ‬في‭ ‬أحضانه‭ ‬معتمدة‭ ‬على‭ ‬قناعة‭ ‬الحاضنة‭ ‬أن‭ ‬استخدام‭ ‬المجموعات‭ ‬المسلحة‭ ‬للعنف‭ ‬مبرر‭ ‬شرعياً‭ ‬ووطنياً‭ ‬وإنسانياً‭ ‬وأن‭ ‬اللجوء‭ ‬للعنف‭ ‬سببه‭ ‬الاحتلال‭ ‬وممارساته‭ ‬القمعية‭ ‬ورفضه‭ ‬المطلق‭ ‬الاعتراف‭ ‬بحقوق‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭. ‬لذلك‭ ‬فالعنف‭ ‬الثوري‭ ‬هو‭ ‬ضرورة‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬منها‭ ‬للانعتاق‭ ‬من‭ ‬الاحتلال‭ ‬وطغيانه،‭ ‬ويمكن‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬حركات‭ ‬التحرر‭ ‬الوطني‭ ‬كلها‭ ‬كان‭ ‬شعبها‭ ‬حاضناً‭ ‬لها،‭ ‬السبب‭ ‬الأول‭ ‬في‭ ‬التفاف‭ ‬الحاضنة‭ ‬الشعبية‭ ‬حول‭ ‬المقاومة،‭ ‬هو‭ ‬وعي‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬بأن‭ ‬للمقاومة‭ ‬دور‭ ‬في‭ ‬إحراز‭ ‬مكاسب‭ ‬سياسية‭ ‬عبر‭ ‬البطولة‭ ‬والتضحية‭ ‬في‭ ‬معركة‭ ‬التحرير‭ ‬واسترداد‭ ‬الحقوق‭.‬