قمة عادية في ظروف استثنائية

مايو 20, 2024

في‭ ‬مجرى‭ ‬‮«‬طوفان‭ ‬الأقصى‮»‬‭ ‬انعقدت‭ ‬قمتان‭ ‬عربيتان‭ ‬القمة‭ ‬الـ‮«‬32‮»‬‭ ‬والقمة‭ ‬الـ‮«‬33‮»‬،‭ ‬انعقدتا‭ ‬في‭ ‬ظروف‭ ‬استثنائية،‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬امتدت‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬‮«‬223‮»‬‭ ‬يوماً‭ ‬من‭ ‬العدوان‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬الهمجي‭ ‬على‭ ‬الضفة‭ ‬والقطاع،‭ ‬قمتان‭ ‬عربيتان‭ ‬عاديتان‭ ‬أو‭ ‬أقل‭ ‬بقليل،‭ ‬لا‭ ‬تتناسبان‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬وصلت‭ ‬إليه‭ ‬الحالة‭ ‬الكارثية‭ ‬في‭ ‬فلسطين،‭ ‬وقد‭ ‬عقد‭ ‬الزعماء‭ ‬العرب‭ ‬قمة‭ ‬طارئة‭ ‬في‭ ‬العاصمة‭ ‬السعودية‭ ‬في‭ ‬نوفمبر‭ ‬2023،‭ ‬كانت‭ ‬مشتركة‭ ‬مع‭ ‬منظمة‭ ‬التعاون‭ ‬الإسلامي،‭ ‬إضافة‭ ‬عددية‭ ‬شكلية‭ ‬لم‭ ‬تضف‭ ‬شيئاً‭ ‬يذكر‭ ‬إلى‭ ‬الحدث‭ ‬الأساسي،‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬زيادة‭ ‬الأصوات‭ ‬المنددة،‭ ‬وتكرار‭ ‬ما‭ ‬تأتي‭ ‬به‭ ‬القمم‭ ‬العربية‭ ‬عادة،‭ ‬وقد‭ ‬كنا‭ ‬نأمل‭ ‬الخير‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الجمع‭ ‬العريض،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الأعمال‭ ‬كانت‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬خيبة‭ ‬الآمال‭.‬

يأتي‭ ‬الوضع‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬جدول‭ ‬أعمال‭ ‬القمة،‭ ‬وسط‭ ‬توقعات‭ ‬بأن‭ ‬تصدر‭ ‬عن‭ ‬القمة‭ ‬بيان‭ ‬مشابه‭ ‬لبيان‭ ‬القمة‭ ‬السابقة،‭ ‬فلا‭ ‬جديد‭ ‬في‭ ‬سياسة‭ ‬النظام‭ ‬العربي‭ ‬الرسمي،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الملف‭ ‬والصراع‭ ‬الدائر‭ ‬سيخلف‭ ‬تداعيات‭ ‬على‭ ‬البلدان‭ ‬العربية‭ ‬وعلى‭ ‬الأمن‭ ‬القومي‭ ‬العربي‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬المصري‭.‬

كانت‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬على‭ ‬الدوام‭ ‬قضية‭ ‬ساخنة‭ ‬مطروحة‭ ‬كبند‭ ‬رئيسي‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬القمم‭ ‬العربية،‭ ‬وتستدعي‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الأوقات،‭ ‬ولاسيما‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الظروف،‭ ‬اتخاذ‭ ‬قرارات‭ ‬عربية‭ ‬حاسمة‭ ‬وحازمة،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬استمرار‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬ما‭ ‬يتطلب‭ ‬موقفاً‭ ‬قوياً‭ ‬من‭ ‬القادة‭ ‬العرب‭ ‬لا‭ ‬يتوقف‭ ‬عند‭ ‬المطالبة‭ ‬والمناشدة‭ ‬والدعوة‭ ‬والاستجداء،‭ ‬ظرف‭ ‬يتطلب‭ ‬وضع‭ ‬آليات‭ ‬تنفيذ‭ ‬لاقتراحات‭ ‬أوردتها‭ ‬القمة‭ ‬في‭ ‬بيانها‭ ‬الختامي‭.‬

مغادرة‭ ‬النمطية‭ ‬القممية‭ ‬هذه،‭ ‬يكون‭ ‬بطرح‭ ‬سؤال‭ ‬بسيط،‭ ‬يضاف‭ ‬إلى‭ ‬جدول‭ ‬أعمال‭ ‬القمة‭: ‬ما‭ ‬العمل‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬يُستجب‭ ‬لمطالب‭ ‬القمة؟‭. ‬كيف‭ ‬نسعى‭ ‬لاستجابة‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬عموماً؟‭. ‬وكيف‭ ‬نضعه‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬واجباته؟‭. ‬وكيف‭ ‬نستدعي‭ ‬استجابة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬وإسرائيل‭ ‬خصوصاً‭ ‬للحقوق‭ ‬المشروعة‭ ‬لشعب‭ ‬فلسطين؟‭. ‬التراخي‭ ‬العربي‭ ‬صار‭ ‬سمة‭ ‬ملازمة‭ ‬للقمم‭ ‬لا‭ ‬ينحصر‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬الوهن‭ ‬الذي‭ ‬أصاب‭ ‬الرابطة‭ ‬بين‭ ‬القول‭ ‬والفعل‭ ‬بما‭ ‬يجدي‭ ‬نفعاً‭ ‬وتقدماً‭ ‬على‭ ‬مسار‭ ‬الحل‭ ‬السياسي،‭ ‬بل‭ ‬أيضاً‭ ‬في‭ ‬ضرورة‭ ‬عقد‭ ‬الاجتماعات‭ ‬الطارئة‭ ‬في‭ ‬الزمن‭ ‬والتوقيت‭ ‬المناسبين‭ ‬فلا‭ ‬تأجيل‭ ‬أو‭ ‬تأخير‭ ‬في‭ ‬الظروف‭ ‬الاستثنائية،‭ ‬إذ‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬المناسب‭ ‬ألا‭ ‬تشير‭ ‬القمة‭ ‬العربية‭ ‬إلى‭ ‬استعداد‭ ‬القادة‭ ‬العرب‭ ‬لعقد‭ ‬قمة‭ ‬طارئة‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬لم‭ ‬تستجب‭ ‬مطالبهم‭ ‬لاتخاذ‭ ‬ما‭ ‬يلزم‭.‬

عُقدت‭ ‬القمة‭ ‬العربية‭ ‬الـ‮«‬33‮»‬‭ ‬في‭ ‬العاصمة‭ ‬البحرينية‭ ‬المنامة،‭ ‬الخميس‭ (‬16‭ ‬مايو‭/‬أيار‭)‬،‭ ‬أي‭ ‬بعد‭ ‬مضي‭ ‬سبعة‭ ‬شهور‭ ‬وتسعة‭ ‬أيام‭ ‬على‭ ‬العدوان‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬على‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬تحديداً‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬‮«‬223‮»‬‭ ‬للعدوان،‭ ‬بينما‭ ‬انعقدت‭ ‬القمة‭ ‬العربية‭ ‬الـ‮«‬32‮»‬‭ ‬بعد‭ ‬مضي‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬على‭ ‬بدء‭ ‬العدوان،‭ ‬بين‭ ‬قمة‭ ‬وقمة‭ ‬نصف‭ ‬سنة‭ ‬من‭ ‬الزمن،‭ ‬وثلاثة‭ ‬أرباع‭ ‬أبنية‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭ ‬مدمرة،‭ ‬وخمسة‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬ألف‭ ‬فلسطيني‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬شهيد‭ ‬أو‭ ‬جريح،‭ ‬فيما‭ ‬يُطرح‭ ‬التساؤل‭: ‬لماذا‭ ‬التأخير؟‭. ‬ولماذا‭ ‬لا‭ ‬تنعقد‭ ‬قمة‭ ‬عربية‭ ‬طارئة‭ ‬لبحث‭ ‬التطورات‭ ‬الخطيرة‭ ‬في‭ ‬حينها؟‭. ‬والكل‭ ‬يجمع‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬القمة‭ ‬العربية‭ ‬الثالثة‭ ‬والثلاثين،‭ ‬عقدت‭ ‬في‭ ‬ظروف‭ ‬استثنائية‭ ‬من‭ ‬التوتر‭ ‬والتصعيد‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬يدفع‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬حرب‭ ‬إقليمية‭ ‬سببها‭ ‬العدوان‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬المتواصل‭ ‬على‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬وإصرار‭ ‬قادة‭ ‬العدو‭ ‬على‭ ‬اجتياح‭ ‬جيشهم‭ ‬مدينة‭ ‬رفح،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬توغل‭ ‬الجيش‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬في‭ ‬شرق‭ ‬رفح،‭ ‬وسيطرته‭ ‬على‭ ‬معبر‭ ‬رفح‭ ‬الحدودي‭ ‬بين‭ ‬مصر‭ ‬وغزة‭. ‬يزيد‭ ‬التصعيد‭ ‬العسكري‭ ‬الأخير‭ ‬في‭ ‬رفح‭ ‬والمنطقة،‭ ‬من‭ ‬حدة‭ ‬التوتر،‭ ‬ومخاطر‭ ‬الحرب‭ ‬الموسعة،‭ ‬ومخاطر‭ ‬انعكاساته‭ ‬على‭ ‬الأمن‭ ‬والاستقرار‭ ‬الاقليميين‭.  ‬

من‭ ‬أسباب‭ ‬التأخير‭ ‬في‭ ‬رد‭ ‬الفعل‭ ‬تجاه‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بأسباب‭ ‬غير‭ ‬عربية،‭ ‬ومنها‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالجانب‭ ‬العربي،‭ ‬مثل‭: ‬ضعف‭ ‬الضغط‭ ‬الشعبي‭ ‬على‭ ‬الحكومات‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬اتخاذ‭ ‬إجراءات‭ ‬حاسمة‭ ‬لمساعدة‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬وتباين‭ ‬مواقف‭ ‬الحكومات‭ ‬العربية‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الحرب،‭ ‬ومن‭ ‬حركة‭ ‬حماس،‭ ‬بما‭ ‬تدعيه‭ ‬أنظمة‭ ‬عربية‭ ‬رسمية‭ ‬حول‭ ‬تخوفها‭ ‬من‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي،‭ ‬وتساوق‭ ‬هذا‭ ‬الموقف‭ ‬مع‭ ‬الهدف‭ ‬الأمريكي‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬المعلن‭ ‬من‭ ‬الحرب‭ ‬المتمثل‭ ‬في‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬حركة‭ ‬حماس‭. ‬تبرز‭ ‬في‭ ‬الجانب‭ ‬غير‭ ‬العربي،‭ ‬حالة‭ ‬الدعم‭ ‬غير‭ ‬المسبوقة‭ ‬من‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وبعض‭ ‬دول‭ ‬الغرب‭ ‬لإسرائيل‭. ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬تسعى‭ ‬فيه‭ ‬اللجنة‭ ‬السداسية‭ -‬المنبثقة‭ ‬عن‭ ‬اجتماع‭ ‬القمة‭ ‬العربية‭ ‬الـ‮«‬32‮»‬‭- ‬للتعامل‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬تواجه‭ ‬تعنتاً‭ ‬اسرائيلياً،‭ ‬وموقفاً‭ ‬أمريكياً‭ ‬مسانداً‭ ‬لإسرائيل،‭ ‬ومهدداً‭ ‬للفلسطينيين،‭ ‬وضاغطاً‭ ‬على‭ ‬الأنظمة‭ ‬الحليفة‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬مستفيدة‭ ‬من‭ ‬تعدد‭ ‬الاصطفافات‭ ‬والتباينات‭ ‬والتحالفات‭ ‬والسياسات‭ ‬العربية‭.‬

الموقف‭ ‬الأمريكي‭ ‬واضح‭ ‬بإعلانه‭ ‬حماية‭ ‬إسرائيل،‭ ‬ومساندتها‭ ‬سياسياً‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬عبر‭ ‬الفيتو‭ ‬الأمريكي‭ ‬لمنع‭ ‬اتخاذ‭ ‬قرار‭ ‬لوقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬وفيتو‭ ‬لمنع‭ ‬الاعتراف‭ ‬بدولة‭ ‬فلسطينية‭ ‬كاملة‭ ‬العضوية،‭ ‬عسكرياً‭ ‬عبر‭ ‬توفير‭ ‬المعدات‭ ‬وصفقات‭ ‬السلاح،‭ ‬وتقديم‭ ‬المعلومات‭ ‬الاستخبارية،‭ ‬واقتصادياً‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬المساعدات‭ ‬المالية‭ ‬والمشاريع‭ ‬المشتركة،‭ ‬وبذلك‭ ‬تعلن‭ ‬واشنطن‭ ‬نفسها‭ ‬ليس‭ ‬وسيطاً‭ ‬نزيهاً‭ ‬في‭ ‬المفاوضات‭ ‬إنما‭ ‬تتبنى‭ ‬الموقف‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬وتسوّق‭ ‬له،‭ ‬وتفرض‭ ‬الأمر‭ ‬الواقع،‭ ‬وتصنّف‭ ‬العرب‭ ‬إما‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬الموقف‭ ‬الأمريكي‭ ( ‬الإسرائيلي‭) ‬أو‭ ‬ضده،‭ ‬وما‭ ‬يترتب‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬رد‭ ‬فعل‭ ‬أمريكي‭ ‬سياسي‭ ‬اقتصادي‭ ‬بفرض‭ ‬عقوبات‭.‬

لا‭ ‬حاجة‭ ‬لكثير‭ ‬شرح‭ ‬في‭ ‬الموقف‭ ‬الأمريكي،‭ ‬أصبح‭ ‬واضحاً‭ ‬وضوح‭ ‬الشمس،‭ ‬مع‭ ‬ذلك‭ ‬تأتي‭ ‬مطالب‭ ‬القمة‭ ‬لتتجاهل‭ ‬أو‭ ‬تتناسى‭ ‬الفيتو‭ ‬الأمريكي‭ ‬المعرقل‭ ‬لكل‭ ‬مسعى‭ ‬عربي‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬ومجلس‭ ‬الأمن،‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬العضوية‭ ‬الكاملة‭ ‬لدولة‭ ‬فلسطين‭ ‬في‭ ‬‮«‬الأمم‭ ‬المتحدة‮»‬‭ ‬كدولة‭ ‬مستقلة‭ ‬وذات‭ ‬سيادة‭ ‬كاملة،‭ ‬اصطدمت‭ ‬هذه‭ ‬المساعي‭ ‬باستخدام‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬حق‭ ‬النقض‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن،‭ ‬وفق‭ ‬ذلك،‭ ‬الوحيد‭ ‬القادر‭ ‬على‭ ‬وقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار‭ ‬هو‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬التي‭ ‬ترى‭ ‬في‭ ‬تقييمها‭ ‬للبيان‭ ‬الختامي‭ ‬للقمة‭ ‬العربية‭: ‬أن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬طالبت‭ ‬به‭ ‬القمة‭ ‬العربية‭ ‬الـ‮«‬33‮»‬‭ ‬لا‭ ‬يصب‭ ‬في‭ ‬هدف‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬حركة‭ ‬حماس‭.‬

وإذ‭ ‬تدين‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬العدوان‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬على‭ ‬غزة‭ ‬فإن‭ ‬الموقف‭ ‬الأمريكي‭ ‬الشريك‭ ‬في‭ ‬العدوان‭ ‬يستحق‭ ‬الإدانة‭ ‬والاستنكار،‭ ‬أهم‭ ‬مطلب‭ ‬عربي‭ ‬في‭ ‬البيان‭ ‬الختامي،‭ ‬وقف‭ ‬إطلاق‭ ‬النار،‭ ‬الذي‭ ‬يعني‭ ‬وقف‭ ‬الأجرام‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬بحق‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬لمن‭ ‬نتوجه‭ ‬بهذا‭ ‬المطلب؟‭. ‬إلى‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬الدولي،‭ ‬سيحتاج‭ ‬إصدار‭ ‬قرار‭ ‬إلى‭ ‬موافقة‭ ‬تخضع‭ ‬للفيتو‭ ‬الأمريكي،‭ ‬وإذا‭ ‬صدر‭ ‬عن‭ ‬غير‭ ‬الفصل‭ ‬السابع‭ ‬فهو‭ ‬لا‭ ‬يلزم‭ ‬إسرائيل،‭ ‬وسيصطدم‭ ‬بالموقف‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬الرافض،‭ ‬والموقف‭ ‬الأمريكي‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬داعم‭ ‬ومساند‭ ‬للموقف‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬فهو‭ ‬مشارك‭ ‬بالعدوان‭.‬

وبدلاً‭ ‬من‭ ‬تعرية‭ ‬السياسة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬تدين‭ ‬القمة‭ ‬دور‭ ‬المقاومة‭ ‬في‭ ‬إسناد‭ ‬غزة،‭ ‬وتستنكر‭ ‬ربط‭ ‬وقف‭ ‬الحرب‭ ‬وإنهاء‭ ‬حصار‭ ‬غزة‭ ‬مقابل‭ ‬حرية‭ ‬الملاحة‭ ‬والتجارة‭ ‬في‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر‭ ‬وبحر‭ ‬العرب،‭ ‬كان‭ ‬الأجدر‭ ‬تعميم‭ ‬التجربة‭ ‬اليمنية‭ ‬المشرفة‭ ‬بحصار‭ ‬عربي‭ ‬شامل‭ ‬يصل‭ ‬من‭ ‬بحر‭ ‬العرب‭ ‬إلى‭ ‬البحر‭ ‬الأبيض‭ ‬المتوسط،‭ ‬عبر‭ ‬البحر‭ ‬الأحمر‭ ‬مقابل‭ ‬الحصار‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬لقطاع‭ ‬غزة‭.‬

يدعو‭ ‬البيان‭ ‬الختامي‭ ‬لقمة‭ ‬البحرين‭ ‬إلى‭ ‬نشر‭ ‬قوات‭ ‬حماية‭ ‬وحفظ‭ ‬سلام‭ ‬دولية‭ ‬تابعة‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬الأرض‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المحتلة‭ ‬إلى‭ ‬حين‭ ‬تنفيذ‭ ‬حل‭ ‬الدولتين‭ ‬وجاء‭ ‬رد‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬نائب‭ ‬المتحدث‭ ‬باسم‭ ‬المنظمة‭ ‬الدولية‭ ‬فرحان‭ ‬حق‭ ‬الذي‭ ‬ربط‭ ‬الأمر‭ ‬بـموافقة‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬الدولي‭.‬

يحتاج‭ ‬تشكيل‭ ‬قوات‭ ‬حفظ‭ ‬السلام‭ ‬إلى‭ ‬تفويض‭ ‬من‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن،‭ ‬وموافقة‭ ‬المجلس‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬وضمان‭ ‬عدم‭ ‬استخدام‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬حق‭ ‬النقض‭ ‬الفيتو‭.‬‭ ‬كما‭ ‬يشترط‭ ‬قبول‭ ‬الأطراف‭ ‬المعنية‭ ‬وجود‭ ‬قوات‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬وإسرائيل‭ ‬ترفض‭ ‬ذلك،‭ ‬فهل‭ ‬سيناريو‭ ‬الفشل‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬التساؤل‭: ‬وما‭ ‬العمل؟‭. ‬ودون‭ ‬هذا‭ ‬السؤال،‭ ‬فلماذا‭ ‬كانت‭ ‬المطالبة‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬بلا‭ ‬جدوى؟‭. ‬وعدم‭ ‬الجدوى‭ ‬أو‭ ‬افتقار‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬للحماية‭ ‬يعني‭ ‬استمرار‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬ارتكاب‭ ‬المجازر،‭ ‬والتغول‭ ‬بالدم‭ ‬الفلسطيني‭.‬

دعا‭ ‬البيان‭ ‬الختامي‭ ‬للقمة‭ ‬العربية‭ ‬إلى‭ ‬إطلاق‭ ‬سراح‭ ‬الرهائن‭ ‬والمحتجزين‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬لدى‭ ‬المقاومة‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬وما‭ ‬أشارت‭ ‬القمة‭ ‬العربية‭ ‬إلى‭ ‬إطلاق‭ ‬سراح‭ ‬أسرى‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬وهذا‭ ‬غير‭ ‬منصف‭ ‬بحق‭ ‬الانسان‭ ‬العربي‭ ‬عموماً،‭ ‬وكأن‭ ‬إنساننا‭ ‬أقل‭ ‬قيمة‭ ‬أو‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬حقه‭ ‬أن‭ ‬يقاوم‭ ‬الاحتلال‭ ‬ويسعى‭ ‬لحرية‭ ‬شعبه‭.‬

ألقت‭ ‬القمة‭ ‬العربية‭ ‬المسؤولية‭ ‬على‭ ‬عاتق‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن،‭ ‬لاتخاذ‭ ‬إجراءات‭ ‬واضحة‭ ‬لتنفيذ‭ ‬حل‭ ‬الدولتين،‭ ‬فهل‭ ‬هو‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬إصدار‭ ‬قرار‭ ‬تحت‭ ‬الفصل‭ ‬السابع؟‭.  ‬بإقامة‭ ‬الدولة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬القابلة‭ ‬للحياة‭ ‬والمتواصلة‭ ‬الأراضي،‭ ‬على‭ ‬خطوط‭ ‬ما‭ ‬قبل‭ ‬الرابع‭ ‬من‭ ‬يونيو‭ ‬لعام‭ ‬1967‭ ‬وعاصمتها‭ ‬القدس‭ ‬الشرقية،‭ ‬وإنهاء‭ ‬أي‭ ‬تواجد‭ ‬للاحتلال‭ ‬على‭ ‬أرضها؟‭. ‬وما‭ ‬ردة‭ ‬فعل‭ ‬العرب‭ ‬إذا‭ ‬فشل‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬في‭ ‬إصدار‭ ‬هكذا‭ ‬قرار؟‭.‬

حمّلت‭ ‬القمة‭ ‬العربية‭ ‬إسرائيل‭ ‬مسؤولية‭ ‬تدمير‭ ‬المدن‭ ‬والمنشآت‭ ‬المدنية‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬فهل‭ ‬يعني‭ ‬ذلك‭ ‬إلزام‭ ‬إسرائيل‭ ‬بإعادة‭ ‬الإعمار؟‭. ‬واسرائيل‭ ‬ما‭ ‬قامت‭ ‬بذلك‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تدمير‭ ‬كل‭ ‬مقومات‭ ‬الحياة‭ ‬وجعل‭ ‬غزة‭ ‬مكاناً‭ ‬غير‭ ‬قابل‭ ‬للعيش،‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬سياسة‭ ‬الإبادة‭ ‬والترحيل،‭ ‬الأمر‭ ‬يتطلب‭ ‬أيضاً‭ ‬محاسبة‭ ‬مرتكبي‭ ‬جرائم‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬اقترفت‭ ‬أيديهم‭.   ‬

‮«‬البيان‭ ‬الختامي‮»‬‭ ‬يندد‭ ‬ويؤكد‭ ‬ويطالب‭: ‬يندد‭ ‬بـ«العدوان‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬على‭ ‬غزة‮»‬،‭ ‬ويؤكد‭ ‬على‭ ‬‮«‬‭ ‬ضرورة‭ ‬وقف‭ ‬العدوان‮»‬،‭ ‬ويطالب‭ ‬بـ«خروج‭ ‬قوات‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬مناطق‭ ‬القطاع،‭ ‬ورفع‭ ‬الحصار‭ ‬المفروض‭ ‬عليه،‭ ‬وإزالة‭ ‬جميع‭ ‬المعوقات‭ ‬وفتح‭ ‬جميع‭ ‬المعابر‭ ‬أمام‭ ‬إدخال‭ ‬مساعدات‭ ‬إنسانية‭ ‬كافية‭ ‬لجميع‭ ‬أنحائه،‭ ‬وتمكين‭ ‬منظمات‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬وخصوصاً‭ ‬وكالة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬لإغاثة‭ ‬وتشغيل‭ ‬اللاجئين‭ (‬الأونروا‭) ‬من‭ ‬العمل‭ ‬والقيام‭ ‬بمسؤولياتها‭ ‬بحرية‭ ‬وبأمان‮»‬‭.‬

لم‭ ‬تصدر‭ ‬القمة‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬بيانها‭ ‬الختامي‭ ‬قرارات،‭ ‬مما‭ ‬يجعلها‭ ‬تضع‭ ‬نفسها‭ ‬خارج‭ ‬دائرة‭ ‬صناعة‭ ‬القرار،‭ ‬والقضية‭ ‬في‭ ‬عقر‭ ‬دارهم‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬مركزها‭ ‬الجغرافي،‭ ‬حيث‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬لدى‭ ‬العرب‭ ‬حل‭ ‬سياسي‭ ‬للقضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬مرتبط‭ ‬بخطة‭ ‬تسعى‭ ‬وراءها‭ ‬دول‭ ‬عربية‭ ‬منتدبة‭ ‬من‭ ‬القمة،‭ ‬إنما‭ ‬صاغت‭ ‬القمة‭ ‬تصورات،‭ ‬ولم‭ ‬تضع‭ ‬لها‭ ‬آليات‭ ‬توقف‭ ‬الحرب‭ ‬وتحمي‭ ‬المدنيين‭ ‬من‭ ‬آلة‭ ‬الحرب‭ ‬العسكرية‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬وتواجه‭ ‬الوضع‭ ‬الكارثي‭ ‬للفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يعالج‭ ‬بمجرد‭ ‬بيانات‭ ‬أو‭ ‬مبادرة‭ ‬عربية‭ ‬ترمى‭ ‬في‭ ‬الأدراج،‭ ‬ويُكتفى‭ ‬بإعادة‭ ‬التأكيد‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬مرة‭ ‬تلو‭ ‬المرة‭ ‬دون‭ ‬مستجيب،‭ ‬وقد‭ ‬ارتفع‭ ‬حصيلة‭ ‬العدوان‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬إلى‭ ‬35303‭ ‬شهداء‭ ‬و‭ ‬79261‭ ‬إصابة،‭ ‬غالبيتهم‭ ‬من‭ ‬المدنيين‭ ‬من‭ ‬النساء‭ ‬والأطفال‭. ‬والحالة‭ ‬هذه‭ ‬تعكس‭ ‬إخفاقاً‭ ‬عربياً‭ ‬في‭ ‬تحمل‭ ‬المسؤولية‭ ‬الأخلاقية‭ ‬والإنسانية‭ ‬قبل‭ ‬المسؤولية‭ ‬القومية‭ ‬والدينية‭ ‬عن‭ ‬فلسطين‭ ‬ومقدساتها،‭ ‬حجم‭ ‬الدمار‭ ‬وأرقام‭ ‬القتل‭ ‬صورة‭ ‬للعجز‭ ‬عن‭ ‬حماية‭ ‬المدنيين‭ ‬والدفاع‭ ‬عن‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬الأراضي‭ ‬الفلسطينية‭ ‬المحتلة،‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية‭ ‬والترحيل‭ ‬حتى‭ ‬معبر‭ ‬رفح‭ ‬الذي‭ ‬اعتبر‭ ‬جزءاً‭ ‬من‭ ‬الأمن‭ ‬القومي‭ ‬المصري‭ ‬لم‭ ‬يسلم‭ ‬من‭ ‬الاحتلال‭ ‬والعدوان‭ ‬والتدمير،‭ ‬الأوضاع‭ ‬الإنسانية‭ ‬المؤلمة‭ ‬في‭ ‬القطاع،‭ ‬ومعاناة‭ ‬الأهالي‭ ‬الأبرياء‭ ‬من‭ ‬عمليات‭ ‬القتل‭ ‬والتجويع‭ ‬والحصار،‭ ‬وتدمير‭ ‬البنى‭ ‬التحتية،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬ازدواجية‭ ‬المعايير‭ ‬الدولية‭ ‬من‭ ‬أصعب‭ ‬التحديات‭ ‬التي‭ ‬ستبقى‭ ‬تواجه‭ ‬العمل‭ ‬العربي‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬جدول‭ ‬أعمال‭ ‬أقرته‭ ‬القمة‭ ‬العربية‭ ‬للمرحلة‭ ‬القادمة‭ ‬التي‭ ‬وفق‭ ‬محتوى‭ ‬البيان‭ ‬لا‭ ‬تبشر‭ ‬بالخير،‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬بعد‭ ‬تعثر‭ ‬المفاوضات‭ ‬عبر‭ ‬الوسطاء‭ ‬المصري‭ ‬والقطري‭ ‬والأمريكي،‭ ‬تبدو‭ ‬الأمور‭ ‬أكثر‭ ‬تعقيداً،‭ ‬مع‭ ‬إمكانية‭ ‬انهيار‭ ‬المفاوضات‭ ‬بشكل‭ ‬تام،‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬تتواصل‭ ‬فيه‭ ‬المعارك،‭ ‬مما‭ ‬يسبب‭ ‬إحراجاً‭ ‬للدول‭ ‬العربية‭ ‬ومخاوف‭ ‬من‭ ‬حركة‭ ‬شعبية‭ ‬مساندة‭ ‬للفلسطينيين‭ ‬ترتفع‭ ‬مطالبها‭ ‬فوق‭ ‬مطالب‭ ‬البيان‭ ‬الختامي‭ ‬للقمة‭ ‬العربية،‭ ‬وفي‭ ‬وقت‭ ‬تصر‭ ‬إسرائيل‭ ‬على‭ ‬اقتحام‭ ‬شامل‭ ‬لمدينة‭ ‬رفح،‭ ‬رغم‭ ‬تحذيرات‭ ‬كل‭ ‬الأطراف‭ ‬العربية‭ ‬والدولية‭ ‬بمخاطر‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬مليون‭ ‬ونصف‭ ‬من‭ ‬سكان‭ ‬رفح،‭ ‬حيث‭ ‬إلى‭ ‬الآن‭ ‬أجبر‭ ‬القصف‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬العنيف‭ ‬على‭ ‬دفع‭ ‬موجات‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬إلى‭ ‬النزوح‭ ‬منها‭ ‬دون‭ ‬تحديد‭ ‬مكان‭ ‬آمن‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة،‭ ‬والكل‭ ‬يدرك‭ ‬أن‭ ‬استمرار‭ ‬معاناة‭ ‬غزة‭ ‬لن‭ ‬تقف‭ ‬عند‭ ‬حدودها‭.‬