قمة عادية في ظروف استثنائية
خيارات المشاركة
المقالات
اسامة خليفة باحث في المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات «ملف»
في مجرى «طوفان الأقصى» انعقدت قمتان عربيتان القمة الـ«32» والقمة الـ«33»، انعقدتا في ظروف استثنائية، في فترة امتدت على مدى «223» يوماً من العدوان الإسرائيلي الهمجي على الضفة والقطاع، قمتان عربيتان عاديتان أو أقل بقليل، لا تتناسبان مع ما وصلت إليه الحالة الكارثية في فلسطين، وقد عقد الزعماء العرب قمة طارئة في العاصمة السعودية في نوفمبر 2023، كانت مشتركة مع منظمة التعاون الإسلامي، إضافة عددية شكلية لم تضف شيئاً يذكر إلى الحدث الأساسي، إلا من حيث زيادة الأصوات المنددة، وتكرار ما تأتي به القمم العربية عادة، وقد كنا نأمل الخير الكثير من هذا الجمع العريض، إلا أن الأعمال كانت على مستوى خيبة الآمال.
يأتي الوضع في غزة على رأس جدول أعمال القمة، وسط توقعات بأن تصدر عن القمة بيان مشابه لبيان القمة السابقة، فلا جديد في سياسة النظام العربي الرسمي، رغم أن هذا الملف والصراع الدائر سيخلف تداعيات على البلدان العربية وعلى الأمن القومي العربي ولا سيما المصري.
كانت القضية الفلسطينية على الدوام قضية ساخنة مطروحة كبند رئيسي في كل القمم العربية، وتستدعي في كل الأوقات، ولاسيما في هذه الظروف، اتخاذ قرارات عربية حاسمة وحازمة، في ظل استمرار حرب الإبادة في غزة، ما يتطلب موقفاً قوياً من القادة العرب لا يتوقف عند المطالبة والمناشدة والدعوة والاستجداء، ظرف يتطلب وضع آليات تنفيذ لاقتراحات أوردتها القمة في بيانها الختامي.
مغادرة النمطية القممية هذه، يكون بطرح سؤال بسيط، يضاف إلى جدول أعمال القمة: ما العمل إذا لم يُستجب لمطالب القمة؟. كيف نسعى لاستجابة المجتمع الدولي عموماً؟. وكيف نضعه في مواجهة واجباته؟. وكيف نستدعي استجابة الولايات المتحدة، وإسرائيل خصوصاً للحقوق المشروعة لشعب فلسطين؟. التراخي العربي صار سمة ملازمة للقمم لا ينحصر فقط في الوهن الذي أصاب الرابطة بين القول والفعل بما يجدي نفعاً وتقدماً على مسار الحل السياسي، بل أيضاً في ضرورة عقد الاجتماعات الطارئة في الزمن والتوقيت المناسبين فلا تأجيل أو تأخير في الظروف الاستثنائية، إذ من غير المناسب ألا تشير القمة العربية إلى استعداد القادة العرب لعقد قمة طارئة في حال لم تستجب مطالبهم لاتخاذ ما يلزم.
عُقدت القمة العربية الـ«33» في العاصمة البحرينية المنامة، الخميس (16 مايو/أيار)، أي بعد مضي سبعة شهور وتسعة أيام على العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، تحديداً في اليوم «223» للعدوان، بينما انعقدت القمة العربية الـ«32» بعد مضي أكثر من شهر على بدء العدوان، بين قمة وقمة نصف سنة من الزمن، وثلاثة أرباع أبنية قطاع غزة مدمرة، وخمسة من كل ألف فلسطيني في القطاع ما بين شهيد أو جريح، فيما يُطرح التساؤل: لماذا التأخير؟. ولماذا لا تنعقد قمة عربية طارئة لبحث التطورات الخطيرة في حينها؟. والكل يجمع على أن القمة العربية الثالثة والثلاثين، عقدت في ظروف استثنائية من التوتر والتصعيد في المنطقة يدفع في اتجاه حرب إقليمية سببها العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة، وإصرار قادة العدو على اجتياح جيشهم مدينة رفح، ومن ثم توغل الجيش الإسرائيلي في شرق رفح، وسيطرته على معبر رفح الحدودي بين مصر وغزة. يزيد التصعيد العسكري الأخير في رفح والمنطقة، من حدة التوتر، ومخاطر الحرب الموسعة، ومخاطر انعكاساته على الأمن والاستقرار الاقليميين.
من أسباب التأخير في رد الفعل تجاه ما يحدث في غزة من قبل الدول العربية، ما يتعلق بأسباب غير عربية، ومنها ما يتعلق بالجانب العربي، مثل: ضعف الضغط الشعبي على الحكومات العربية في اتجاه اتخاذ إجراءات حاسمة لمساعدة الفلسطينيين في غزة، وتباين مواقف الحكومات العربية من تلك الحرب، ومن حركة حماس، بما تدعيه أنظمة عربية رسمية حول تخوفها من الإسلام السياسي، وتساوق هذا الموقف مع الهدف الأمريكي الإسرائيلي المعلن من الحرب المتمثل في القضاء على حركة حماس. تبرز في الجانب غير العربي، حالة الدعم غير المسبوقة من الولايات المتحدة وبعض دول الغرب لإسرائيل. في الوقت الذي تسعى فيه اللجنة السداسية -المنبثقة عن اجتماع القمة العربية الـ«32»- للتعامل مع ما يجري في غزة، تواجه تعنتاً اسرائيلياً، وموقفاً أمريكياً مسانداً لإسرائيل، ومهدداً للفلسطينيين، وضاغطاً على الأنظمة الحليفة للولايات المتحدة، مستفيدة من تعدد الاصطفافات والتباينات والتحالفات والسياسات العربية.
الموقف الأمريكي واضح بإعلانه حماية إسرائيل، ومساندتها سياسياً في مجلس الأمن عبر الفيتو الأمريكي لمنع اتخاذ قرار لوقف إطلاق النار في غزة، وفيتو لمنع الاعتراف بدولة فلسطينية كاملة العضوية، عسكرياً عبر توفير المعدات وصفقات السلاح، وتقديم المعلومات الاستخبارية، واقتصادياً من خلال المساعدات المالية والمشاريع المشتركة، وبذلك تعلن واشنطن نفسها ليس وسيطاً نزيهاً في المفاوضات إنما تتبنى الموقف الإسرائيلي وتسوّق له، وتفرض الأمر الواقع، وتصنّف العرب إما مع هذا الموقف الأمريكي ( الإسرائيلي) أو ضده، وما يترتب على ذلك من رد فعل أمريكي سياسي اقتصادي بفرض عقوبات.
لا حاجة لكثير شرح في الموقف الأمريكي، أصبح واضحاً وضوح الشمس، مع ذلك تأتي مطالب القمة لتتجاهل أو تتناسى الفيتو الأمريكي المعرقل لكل مسعى عربي في اتجاه الأمم المتحدة ومجلس الأمن، الحصول على العضوية الكاملة لدولة فلسطين في «الأمم المتحدة» كدولة مستقلة وذات سيادة كاملة، اصطدمت هذه المساعي باستخدام الولايات المتحدة حق النقض في مجلس الأمن، وفق ذلك، الوحيد القادر على وقف إطلاق النار هو الولايات المتحدة التي ترى في تقييمها للبيان الختامي للقمة العربية: أن كل ما طالبت به القمة العربية الـ«33» لا يصب في هدف القضاء على حركة حماس.
وإذ تدين الدول العربية العدوان الإسرائيلي على غزة فإن الموقف الأمريكي الشريك في العدوان يستحق الإدانة والاستنكار، أهم مطلب عربي في البيان الختامي، وقف إطلاق النار، الذي يعني وقف الأجرام الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني، لمن نتوجه بهذا المطلب؟. إلى مجلس الأمن الدولي، سيحتاج إصدار قرار إلى موافقة تخضع للفيتو الأمريكي، وإذا صدر عن غير الفصل السابع فهو لا يلزم إسرائيل، وسيصطدم بالموقف الإسرائيلي الرافض، والموقف الأمريكي أكثر من داعم ومساند للموقف الإسرائيلي فهو مشارك بالعدوان.
وبدلاً من تعرية السياسة الأمريكية، تدين القمة دور المقاومة في إسناد غزة، وتستنكر ربط وقف الحرب وإنهاء حصار غزة مقابل حرية الملاحة والتجارة في البحر الأحمر وبحر العرب، كان الأجدر تعميم التجربة اليمنية المشرفة بحصار عربي شامل يصل من بحر العرب إلى البحر الأبيض المتوسط، عبر البحر الأحمر مقابل الحصار الإسرائيلي لقطاع غزة.
يدعو البيان الختامي لقمة البحرين إلى نشر قوات حماية وحفظ سلام دولية تابعة للأمم المتحدة في الأرض الفلسطينية المحتلة إلى حين تنفيذ حل الدولتين وجاء رد الأمم المتحدة على لسان نائب المتحدث باسم المنظمة الدولية فرحان حق الذي ربط الأمر بـموافقة مجلس الأمن الدولي.
يحتاج تشكيل قوات حفظ السلام إلى تفويض من مجلس الأمن، وموافقة المجلس على ذلك، وضمان عدم استخدام الولايات المتحدة حق النقض الفيتو. كما يشترط قبول الأطراف المعنية وجود قوات للأمم المتحدة، وإسرائيل ترفض ذلك، فهل سيناريو الفشل يؤدي إلى التساؤل: وما العمل؟. ودون هذا السؤال، فلماذا كانت المطالبة إذا كانت بلا جدوى؟. وعدم الجدوى أو افتقار الشعب الفلسطيني للحماية يعني استمرار إسرائيل في ارتكاب المجازر، والتغول بالدم الفلسطيني.
دعا البيان الختامي للقمة العربية إلى إطلاق سراح الرهائن والمحتجزين الإسرائيليين لدى المقاومة الفلسطينية، وما أشارت القمة العربية إلى إطلاق سراح أسرى الشعب الفلسطيني، وهذا غير منصف بحق الانسان العربي عموماً، وكأن إنساننا أقل قيمة أو ليس من حقه أن يقاوم الاحتلال ويسعى لحرية شعبه.
ألقت القمة العربية المسؤولية على عاتق مجلس الأمن، لاتخاذ إجراءات واضحة لتنفيذ حل الدولتين، فهل هو قادر على إصدار قرار تحت الفصل السابع؟. بإقامة الدولة الفلسطينية القابلة للحياة والمتواصلة الأراضي، على خطوط ما قبل الرابع من يونيو لعام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وإنهاء أي تواجد للاحتلال على أرضها؟. وما ردة فعل العرب إذا فشل مجلس الأمن في إصدار هكذا قرار؟.
حمّلت القمة العربية إسرائيل مسؤولية تدمير المدن والمنشآت المدنية في قطاع غزة، فهل يعني ذلك إلزام إسرائيل بإعادة الإعمار؟. واسرائيل ما قامت بذلك إلا من أجل تدمير كل مقومات الحياة وجعل غزة مكاناً غير قابل للعيش، في إطار سياسة الإبادة والترحيل، الأمر يتطلب أيضاً محاسبة مرتكبي جرائم الحرب على ما اقترفت أيديهم.
«البيان الختامي» يندد ويؤكد ويطالب: يندد بـ«العدوان الإسرائيلي على غزة»، ويؤكد على « ضرورة وقف العدوان»، ويطالب بـ«خروج قوات الاحتلال الإسرائيلي من جميع مناطق القطاع، ورفع الحصار المفروض عليه، وإزالة جميع المعوقات وفتح جميع المعابر أمام إدخال مساعدات إنسانية كافية لجميع أنحائه، وتمكين منظمات الأمم المتحدة، وخصوصاً وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين (الأونروا) من العمل والقيام بمسؤولياتها بحرية وبأمان».
لم تصدر القمة العربية في بيانها الختامي قرارات، مما يجعلها تضع نفسها خارج دائرة صناعة القرار، والقضية في عقر دارهم بل في مركزها الجغرافي، حيث لم يكن لدى العرب حل سياسي للقضية الفلسطينية مرتبط بخطة تسعى وراءها دول عربية منتدبة من القمة، إنما صاغت القمة تصورات، ولم تضع لها آليات توقف الحرب وتحمي المدنيين من آلة الحرب العسكرية الإسرائيلية، وتواجه الوضع الكارثي للفلسطينيين في غزة الذي لا يعالج بمجرد بيانات أو مبادرة عربية ترمى في الأدراج، ويُكتفى بإعادة التأكيد عليها من جديد مرة تلو المرة دون مستجيب، وقد ارتفع حصيلة العدوان الإسرائيلي إلى 35303 شهداء و 79261 إصابة، غالبيتهم من المدنيين من النساء والأطفال. والحالة هذه تعكس إخفاقاً عربياً في تحمل المسؤولية الأخلاقية والإنسانية قبل المسؤولية القومية والدينية عن فلسطين ومقدساتها، حجم الدمار وأرقام القتل صورة للعجز عن حماية المدنيين والدفاع عن حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، الإبادة الجماعية والترحيل حتى معبر رفح الذي اعتبر جزءاً من الأمن القومي المصري لم يسلم من الاحتلال والعدوان والتدمير، الأوضاع الإنسانية المؤلمة في القطاع، ومعاناة الأهالي الأبرياء من عمليات القتل والتجويع والحصار، وتدمير البنى التحتية، في ظل ازدواجية المعايير الدولية من أصعب التحديات التي ستبقى تواجه العمل العربي إذا كان هناك جدول أعمال أقرته القمة العربية للمرحلة القادمة التي وفق محتوى البيان لا تبشر بالخير، ولا سيما بعد تعثر المفاوضات عبر الوسطاء المصري والقطري والأمريكي، تبدو الأمور أكثر تعقيداً، مع إمكانية انهيار المفاوضات بشكل تام، في وقت تتواصل فيه المعارك، مما يسبب إحراجاً للدول العربية ومخاوف من حركة شعبية مساندة للفلسطينيين ترتفع مطالبها فوق مطالب البيان الختامي للقمة العربية، وفي وقت تصر إسرائيل على اقتحام شامل لمدينة رفح، رغم تحذيرات كل الأطراف العربية والدولية بمخاطر ذلك على مليون ونصف من سكان رفح، حيث إلى الآن أجبر القصف الإسرائيلي العنيف على دفع موجات جديدة من الفلسطينيين إلى النزوح منها دون تحديد مكان آمن في قطاع غزة، والكل يدرك أن استمرار معاناة غزة لن تقف عند حدودها.