خيارات المشاركة
الاخبار
ماجدة المصري: لقاء الفصائل في القاهرة أكد على وقف إطلاق النار وتسليم إدارة غزة للجنة فلسطينية مستقلة
وفد الديمقراطية إلى القاهرة، يلتقي الأسرى المحررين المبعدين
الديمقراطية تنعي الرفيق المناضل نهاد الأخرس عضو اللجنة المركزية السابق للجبهة وأحد قادة العمل الصحي والتنموي الفلسطيني
علي فيصل: في يومها الوطني يشيد ببطولات المرأة الفلسطينية في التحرر والمقاومة
دائرة العلاقات الخارجية في الجبهة الديمقراطية: تخاطب الاطر العالمية حول الاعدامات الميدانية والتمثيل بجثامين الشهداء
في غزة، ما زالت مئات العائلات الفلسطينية تعيش مأساة لا توصف، مأساة تتجاوز حدود الفقد إلى عمق الجرح الإنساني. عائلات تسلّمت جثامين أبنائها الشهداء بعد شهور طويلة من الانتظار، وأخرى ما زالت تبحث بين الركام عن أثر أو بقايا تعيد إليها حق الوداع الأخير.
لكن الفاجعة لم تقف عند حدود القتل، بل تواصلت بجريمة ثانية أكثر فظاعة، جريمة التمثيل بالجثامين وسرقة الأعضاء البشرية. مأساة تكشف عن وجه الاحتلال الإسرائيلي الذي لم يكتف بقتل المدنيين بدم بارد، بل امتد انتقامه إلى أجسادهم بعد الموت، في مشهد لم تقدم عليه حتى أعتى الفاشيات في التاريخ.
إن “دائرة العلاقات الخارجية في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين” تضع بين أيديكم الحقائق حول هذه القضية الإنسانية الخطيرة، التي تمس جوهر الكرامة البشرية وتشكل شاهدا جديدا على وحشية الاحتلال، داعية المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤوليته الأخلاقية والقانونية تجاه ما يجري في غزة من جرائم ممنهجة تطال الأحياء والأموات على حد سواء.
في إطار الخطة الأمريكية المعلنة لإنهاء الحرب في قطاع غزة، أقدمت فصائل المقاومة الفلسطينية على تسليم جميع الأسرى الإسرائيليين الذين كانوا في حوزتها، إضافة إلى عدد من الجثث، في وقت ما زالت فيه عمليات البحث جارية عن بقايا جثامين أخرى مدفونة تحت ركام المنازل التي دمّرتها الغارات الإسرائيلية العشوائية.
وفي المقابل، ما تزال إسرائيل تحتجز مئات الأسرى الفلسطينيين، فضلا عن مئات الجثامين التي ترفض تسليمها، إذ بلغ عدد الجثامين نحو385 جثمانا، تم التعرف على عدد بسيط منهم. بينما تشير التقديرات إلى وجود أكثر من 750 جثمانا، من بينهم 67 طفلًا و10 نساء، ما تزال رهن الاعتقال في ثلاجات الاحتلال ومقابر الأرقام.
الفارق في المعاملة: احترام مزعوم مقابل انتهاك موثق
وفقا لتقارير إعلامية إسرائيلية، تمت معاملة الأسرى الإسرائيليين أثناء احتجازهم في غزة معاملة إنسانية لائقة، ولم تسجل حالات تعذيب أو إساءة معاملة، كما جرى دفن جثامينهم باحترام كامل وفق المعايير الدينية والإنسانية.
غير أن عشرات التقارير الصادرة عن منظمات دولية ومؤسسات تعنى بشؤون الأسرى، كشفت أن الغالبية العظمى من الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية تعرضوا لأشكال متعددة من التعذيب الجسدي والنفسي، وأن العديد منهم خرجوا وهم يعانون من أمراض مزمنة أو إعاقات دائمة نتيجة التعذيب الممنهج وسوء المعاملة.
أما في ما يخص جثامين الشهداء الفلسطينيين، فقد أكدت “لجنة إدارة الجثامين” أن سلطات الاحتلال رفضت تسليم قوائم البيانات الشخصية للشهداء، ما تسبب في صعوبات كبيرة للأهالي في عملية التعرف على ذويهم، نتيجة التشوهات البالغة التي لحقت بالجثامين، كثير منها ناتج عن تعذيب شديد أفضى إلى الموت أو إعدامات ميدانية موثقة بالصورة والشهادة.
وقد تفاقمت المأساة نتيجة امتناع سلطات الاحتلال عن تسليم جهاز فحص الحمض النووي (DNA) الذي كان من المفترض أن يسلم عبر اللجنة الدولية للصليب الأحمر، ما عرقل عملية التحقق من الهوية الإنسانية للشهداء.
جرائم حرب موثقة بالقرائن والأدلة
منذ الأشهر الأولى للعدوان، وثّقت مؤسسات حقوقية وتقارير أممية حالات متكررة من الإعدامات الميدانية التي ارتكبها جيش الاحتلال بحق المدنيين الفلسطينيين. ويشير المختص بالأدلة الجنائية الدكتور “سامح حمد” إلى أن عددًا من الجثامين التي وصلت إلى المستشفيات أظهرت علامات واضحة على الإعدام خارج نطاق القانون: ظهرت الجثث وعليها آثار تقييد بالأيدي من الخلف، وعصب للعينين، وآثار حبال حول الرقبة، فضلا عن كسور مهشمة في الأطراف، وجروح في الرأس والبطن، وحروق جلدية وتشوهات.”
هذه الصورة المروعة تؤكد أن ما جرى لم يكن نتيجة عمليات عسكرية، بل جرائم منظمة وممنهجة، تنتهك أبسط القواعد الإنسانية والقانونية. ولا يزال عشرات الآلاف من الفلسطينيين في عداد المفقودين: بعضهم ما زال تحت الأنقاض، وبعضهم يعتقد أن جثامينهم محتجزة لدى الاحتلال، وآخرون معتقلون دون إعلان رسمي عن أماكن احتجازهم.
لقد أظهرت عمليات استلام بعض جثامين الشهداء مأساة إنسانية لا توصف، تمثلت في تفريغ العديد من الجثامين من أعضائها الحيوية، القلب، الكبد، الكليتان، القرنية، بحسب تصريحات الدكتور منير البرش، مدير عام المستشفيات في غزة. وأوضح البرش أن بعض الجثامين حشيت بالقطن بعد انتزاع أعضائها، في محاولة لإخفاء آثار الجريمة، ما يعزز الشكوك حول اتساع نطاق سرقة الأعضاء البشرية من قبل سلطات الاحتلال. (ولهذا السبب، قدم فريق قانوني باسم عدد من الشهداء أدلة أمام المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي تؤكد ارتكاب إسرائيل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية)
التوصيف القانوني الدولي لهذه الجرائم
بعيدا عن جرائم الحرب التقليدية المعروفة، كالقتل العمد للمدنيين، أو استخدام التجويع كسلاح، أو التهجير القسري، فإن ما يرتكب بحق الأسرى وجثامين الشهداء الفلسطينيين يشكل جرائم حرب واضحة وصريحة، تستوجب تحركا عاجلا من الهيئات القضائية الدولية، استنادا إلى ما يلي:
- المادة 15 من اتفاقية جنيف الأولى (1949): لجهة “حماية الجرحى والمرضى والقتلى من السلب وسوء المعاملة”، والتأكيد على احترام كرامة الميت كجزء من حماية الكرامة الإنسانية.
- المادة 34 من البروتوكول الإضافي الأول (1977): تلزم أطراف النزاع بـ “احترام رفات الأشخاص الذين ماتوا بسبب النزاع المسلح، وإعادة الجثامين إلى ذويهم بناء على طلبهم”.
- المادة 8 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (1998): تدرج ضمن جرائم الحرب: التعذيب، والمعاملة اللاإنسانية، والتشويه الجسدي، والتجارب الطبية أو العلمية على الأشخاص المحميين، وهي نصوص تنطبق بشكل مباشر على الممارسات الموصوفة في غزة.
- اجتهادات المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة: اعطت تفسيرات جازمة بأن تشويه الجثث أو التعامل معها بطريقة مهينة يدخل ضمن مفهوم الجرائم ضد الكرامة الإنسانية وجرائم الحرب.
- تفسيرات اللجنة الدولية للصليب الأحمر: وتستند الى، اتفاقيات جنيف الأولى بشأن حماية الجرحى والمرضى والقتلى، جنيف الثالثة بخصوص أسرى الحرب وجنيف الرابعة بشأن حماية المدنيين. وكلها وثائق تؤكد بأن احترام الجثامين جزء لا يتجزأ من مبدأ الكرامة الإنسانية، وأن التمثيل بالجثث أو تشويهها يُعد انتهاكا للقانون الدولي الإنساني.
إن ما يجري في غزة اليوم يبرز الطبيعة الفاشية للاحتلال الإسرائيلي، الذي تجاوز في انتقامه حدود كل القوانين والأعراف الإنسانية، ليمارس الإعدام الميداني بحق المدنيين، ثم التمثيل بجثثهم وسرقة أعضائهم في مشهد يعيد إلى الأذهان أسوأ صفحات التاريخ الإنساني.
هذا السلوك الإجرامي يضع الدول الداعمة لإسرائيل أمام اختبار حقيقي لمصداقيتها، وهي التي لا تزال تدعي الدفاع عن الحرية وحقوق الإنسان بينما تصمت عن هذه الجرائم أو تبررها.
إننا، في “دائرة العلاقات الخارجية في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين”، نؤكد أن قضية جثامين الشهداء الفلسطينيين ليست مسألة إنسانية فحسب، بل قضية قانونية وأخلاقية تمس جوهر العدالة الدولية. وندعو إلى إبقاء شعار “محاكمة مجرمي الحرب الإسرائيليين” حاضرا في كل الفعاليات الشعبية والتحركات الدولية، وإلى تحرك عاجل من المحكمة الجنائية الدولية وسائر الهيئات الأممية المختصة لمساءلة الاحتلال ومحاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم.
فالدفاع عن كرامة الشهداء الفلسطينيين هو في جوهره دفاع عن الكرامة الإنسانية، وعن القيم التي يفترض أن تشكل أساس النظام الدولي الذي يفترض انه قائم على موازين العدالة والحرية وحقوق الإنسان.
